ليبيا: الدولة الفاشلة بقلم:أ. فرج محمد صوان
تاريخ النشر : 2014-11-19
ليبيا: الدولة الفاشلة بقلم:أ. فرج محمد صوان


ليبيا: الدولة الفاشلة

لم يكن مقدرا للانتقال الديمقراطي في ليبيا مابعد الثورة بالفشل. فبالاحتياطي النفطي الهائل الذي تحتوي عليه وباعتبارها الأكبر إنتاجا له في أفريقيا و التاسعة في العالم بالاضافة الى ان الكثير منه لازال قيد الاستكشاف فان ليبيا لديها الاستعداد وبشكل جيد لذلك. استعادت البلاد الانتاج بسرعة بعد الثورة حيث وصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا، و 3 مليارات متر مكعب من الغاز، ومايقارب 130 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي. وتتراوح قيمة التقديرات للاستثمارات الأجنبية المباشرة في ليبيا ما بعد الحرب بين 200 مليار دولار على مدى عشر سنوات الى تريليون دولار على المدى الأبعد . وبعبارة أخرى، فان ليبيا في وضع جيد للابتعاد عن الحكم الاستبدادي، والبدء في بناء المؤسسات التي تعتبر الدولة في حاجة ماسة لها، وتوفير السلع والخدمات الهامة لسكانها . لقد حلم الليبيين بعد الثورة بتطوير بلادهم واقعيا على غرار دول الخليج العزبي فهي كتلك الدول قليلة السكان ولديها موارد طبيعية وفيرة.

ولكن على الرغم من ذلك كله فقد تحولت ليبيا الى دولة فاشلة بعد ذلك ودخلت في ما قد يكون من حربا أهلية طويلة الأمد، وبدأت الصراعات تحدث على المستويات المحلية والوطنية وحتى الإقليمية. تدخلت القوى الخارجية مباشرة عسكريا كما تبين بالغارات الجوية على طرابلس من قبل مصر والإمارات العربية في اغسطس الماضي بالاضافة للتورط المصري الاخير في العمليات العسكرية في بنغازي في أكتوبر.

ظهرت الانشقاقات العرقية والقبلية والجغرافية، والأيديولوجية مابين مؤيد ومعارض لتيار الإسلاميين. وفي شهر اغسطس اعترف وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز بالانهيار في البالد عندما اعترف أن 70 في المئة من الحقائق الان تشير الى ان ليبيا دولة فاشلة أكثر من كونها دولة ناشئة. وقدرت الأمم المتحدة أنه في 27 أغسطس نزوح 271.000 مواطن ليبي داخليا بالاضافة الى 150،000 اخرين يسعون للجوء في الخارج؛ وبعد ثلاثة أسابيع في 10 أكتوبر احتدم القتال مسببا في النزوح القسري لما يقارب 290،000 شخص في مختلف أنحاء البلاد. يوجد في البلاد الآن اثنين من البرلمانات المتنافسة: مجلس النواب المنتخب ديمقراطيا والكائن بمدينة طبرق ويضم أغلبية من القوميين والفيدراليين؛ والمؤتمر الوطني العام الذي أعيد أحياءه في طرابلس، وهو كيان يسيطر عليه الاسلاميون وصلاحيته منتهية منذ فترة طويلة.

بينما تعترف الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا بمجلس النواب المنتخب نجد المسؤولين الأتراك قد تجاهلوا الإجماع الدولي على مقاطعة حكومة طرابلس واجتمعوا مع بعض مسؤوليها في طرابلس ومصراتة. وفي نفس الوقت عينت الهيئتين التشريعيتين (البرلمان والمؤتمر)، رؤساء للوزراء واللذين بدورهما قد اختارا أعضاء حكوماتهما الخاصة وسموا قادة للقوات المسلحة التابعة لهم. وبينما يبدوا وصف الانقسام بالاسلامي مقابل غير الاسلامي، والبرلمان مقابل المؤتمر جيدا خطيا على الورق، فان الانقسامات في ليبيا على الأرض هي أكثر تعقيدا بكثير. ويبدو أن البلد تجتاحه عاصفة ويخشى الليبيين أنفسهم ان بلادهم قد تاهت ويخافون من ان تصبح مثل دول البلقان، ولبنان، والعراق، أو الصومال.

وعلى الرغم من ان الإشارات الأولية بعد الثورة في عام 2011 توضح ان ليبيا يمكن أن تتجه نحو الاستقرار، فإن البلاد قد أصبحت على الحافة منذ الاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي قتله. ومع ذلك، الفترة ما بين فبراير وسبتمبر عام 2014 على وجه الخصوص شهدت تدهور في الوضع الأمني والسياسي مما ادى إلى ترسيخ قبل القوات المتنافسة وبداية حرب أهلية. وبلمحة سريعة لما حصل في ليبيا بعد ثلاث سنوات من الثورة يتضح الى اي مدى وصلت تداعياتها على البلاد:

1. في شمال غرب البلاد، قوى الاسلام السياسي والثوريين المتشددين بقيادة ميليشيات مصراتة وحلفائهم الإقليميين اعلنوا الحرب في يوليو 2014 تحت اسم عملية فجر ليبيا. خصومهم هم من المناهضين للاسلام المتطرف، والقوميين العرب التقليديين يقودهم مقاتلين من الزنتان في منطقة جبل نفوسة الغربية وحلفائها القبليين مثل ورشفانة. لقد جلبت عملية فجر ليبيا معها قتال الشوارع وحولت العاصمة طرابلس الى مدينة اشباح لحوالي خمسين يوما كما دمرت مطار طرابلس الدولي في عمليتها هذه.

2. في خليج سرت وطبرق، يوجد الحصار الفيدرالي للنفط، الذي يشكل 95 في المئة من صادرات البلاد و 75 في المئة من الإيصالات كلفت البلاد نحو 40 مليار دولار. الفدراليين الذين يسعون للحكم الذاتي (وأقلية هامشية منهم تريد الاستقلال في ولاية برقة الشرقية) يلعبون اللعبة السياسية منذ نهاية الانتخابات البرلمانية وفي الوقت الراهن فارجوا عن النفط وأصبح يتدفق.

3. من خليج سرت إلى الشمال الشرقي عززت جماعة أنصار الشريعة (التي أعلنتها الولايات المتحدة جماعة ارهابية) وجودها في سرت، اجدابيا، درنة، وبنغازي. درنة، من جانبها، محتلة بالكامل من قبل الجماعات المتطرفة الغامضة مثل مجلس شورى شباب الاسلام وكتيبة شهداء أبو سليم. وقد احتلت الجماعات المتطرفة، بما في ذلك أنصار الشريعة، معظم مدينة بنغازي وتعمل في تحالف يسمى مجلس شورى ثوار بنغازي. وقد صدت هذه المجموعات الهجمات التي شنتها القوات الخاصة (الصاعقة) للجيش الليبي الوطني، التي تحاول رسميا تأمين بنغازي منذ 22 نوفمبر 2013 بالاضافة لقوات عملية الكرامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر التي أطلقت هجوما مضادا بدورها ضد مليشيات الإسلاميين في 16 مايو، 2014. وفي الآونة الأخيرة، في 15 أكتوبر بدأ الهجوم المضاد الجديد بقيادة حفتر لدخول بنغازي بعد أن كانوا قد طردوا منها في السابق.
معظم عملية الكرامة بقيادة اللواء حفتر هي من ما تبقى من الجيش الليبي بعد قصف الناتو ايام الثورة ليبيا ومتحالفة معها قوات الزنتان والقبائل في الشمال الغربي ضد ما يقولون انه عدو مشترك وهو الإسلاميين المتطرفين.

4. منذ انهيار السلطة المركزية بعد الثورة ظلت حدود ليبيا سهلة الاختراق (2،500 كيلومتر من الحدود البرية و 1،250 ميل شاطئ بحري). ونتيجة لذلك، فان مناطق واسعة جنوب البلاد أصبحت مفتوحة للتسلل من قبل المنظمات المتطرفة، والشبكات الإجرامية التي تتاجر في الأسلحة، والأشخاص والبضائع، بالاضافة لتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين المسافرين شمالا إلى أوروبا. لقد تضخم نطاق المشكلة حيث تقدر الMI6 البريطانية أن عدد الأسلحة في ليبيا يتجاوز ماهو موجود في ترسانة الجيش البريطاني بأكملها مما أدى إلى التسليح الشامل للقبائل الليبية ويقدر خفر السواحل الايطالي أنه في الأشهر الستة الأولى من عام 2014 وحده، عبر نحو خمسين ألف شخص من شمال أفريقيا إلى إيطاليا، ومعظمهم عبر ليبيا اي ما يعادل ضعف تقديرات العام السابق.

وقد انضمت قوى خارجية لمجموعات إيديولوجية على الأرض للتنافس على السلطة والنفوذ داخل ليبيا. يعكس التقسيم الوصفي الى إسلاميين ومضامين لهم الانقسام بعد الربيع العربي في مختلف أنحاء العالم العربي. وبشكل عام تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية إلى الوراء عملية قوات الكرامة بقيادة حفتر المعادية للإسلاميين اما تركيا وقطر فتدعم عملية فجر ليبيا المصر آتية المتوددة للإسلاميين.

وعلى الرغم من ان التقسيم الثنائي للصراع في ليبيا يعتبر مفيدا الا انه يغطي على عدد من الصراعات المحلية ودوافع اخرى مختلفة، فضلا عن الخلاف الداخلي في عمليتي فجر ليبيا والكرامة الفجر. ومع ذلك، فان الليبيين أصبحوا يرون انزلاق بلادهم الى حرب أهلية بنفس المنظار. فعلى سبيل المثال فان الاختلافات الهامة في عملية فجر ليبيا تشمل تلك التي بين الإسلاميين السياسيين، والثوار المتشددين والمتطرفين الإسلاميين. وفي داخل عملية الكرامة يوجد هناك بين الفدراليين ذوي الأهداف المحلية والقوات التابعة لحفتر صاحبة التوجه الوطني. وتخفي الأيديولوجية في هذه الأثناء وراءها السعي الجوهري وراء السلطة والموارد الطبيعية.

كان التفاؤل الذي تلى سقوط القذافي بناءا وقد عبرت عنه التصريحات التي أدلى بها السفير كريستوفر ستيفنز في 30 مارس 2012، اثناء تقديمه تقريرا أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس. ستيفنز، الذي قتل فيما بعد في الهجوم على القنصلية الامريكية ببنغازي، أشار إلى أنه "على الرغم من هذه التحديات الصعبة، هناك بالفعل علامات تدل على التقدم، والحكومة المؤقتة تدفع الرواتب وتوفر السلع والخدمات الأساسية للشعب الليبي". وعلاوة على ذلك، كان للبلد خارطة طريق تمثلت في الإعلان الدستوري الذي اصدره المجلس الوطني الانتقالي تدعو لانتخاب برلمان يسمى المؤتمر الوطني العام ليختار رئيساً للوزراء ويشكل حكومة مؤقتة ثم تعيين الجمعية العامة لصياغة الدستور (ولكن لجنة صياغة الدستور تم انتخابها عبر الصناديق بدلا من اختيارها من قبل المؤتمر) لتقدم مشروع الدستور إلى البرلمان ومن ثم وضع المقترح النهائي للاستفتاء الشعبي، الأمر الذي يتطلب موافقة الثلثيين لتبنيه.

ان إصدار خارطة طريق واضحة بهذا الشكل يعتبر ليس بالأمر الهين في حد ذاته، حيث تبعه خطوات إيجابية في المجالات السياسية والاجتماعية، والاقتصادية:

1. تطوير القطاع الأمني.
بينما تعتبر الإحصاءات المقدمة من قبل الحكومة المركزية على دمج الثوار غير موثوقة، فقد وأشارت إلى وجود اتجاه نحو دمجهم. على وجه الخصوص، وكان المجلس الوطني الانتقالي يعتزم الثوار في الجيش والشرطة والقوى العاملة، وادعى رئيس الاركان السابق يوسف المنقوش في 15 فبراير 2012، أنه تم ضم 5،000 من الثوار لوزارة الدفاع، بالاضافة الى 12،000 آخرين على مستعدين لدمجهم. كما ادعى عضو المجلس الوطني الانتقالي السابق فرحات آلشرشاري في وقت لاحق في 10 أبريل 2012، أن 25،000 شخص قدموا طلبات التحاق للقوات المسلحة بالاضافة لعدد مماثل في الشرطة. بعد خمسة عشر يوما، ادعى نائب وزير الداخلية عمر حسن خضراوي أن 70،000 ثائر يعملون بالوزارة، ثم ان إيان مارتن، ممثل الامم المتحدة الخاص في ليبيا آنذاك صرح في يوم 29 فبراير ان "هناك إشارات قليلة تدل على أن كتائب الثوار راغبة في إدامة بقائها خارج الدولة. وعلى الرغم من الاشتباكات المتقطعة، فقد حافظت العديد من الفصائل الليبية المسلحة غلى بقائها حتى وان وصفت هذه الدينامية توازن الرعب.

2. التقدم السياسي.
لقد كان هناك تحركات قادرة في المجال السياسي أيضاً بينما البلاد تتبع بتردد ما جاء في الإعلان الدستوري. وبعد اعتماد خارطة الطريق، تم انشاء اكبر حزبين سياسيين متعازضين في ليبيا في فبراير ومارس 2012 وهما تحالف القوى الوطنية وحزب العدالة والبناء الإخواني. وشاركت هذه الأحزاب في انتخابات المؤتمر الوطني في يوليو 2012 الذي أشاد بها مركز كارتر ووصفها بالمنظمة والكفؤة. والأهم من ذلك هو استبدال المجلس الوطني الانتقالي بالمؤتمر الوطني لاستعادة الشرعية المحلية والدولية للدولة المركزية الهشة. نجاح الهيئة التأسيسية للدستور وبإجراء الانتخابات مع بداية فبراير 2014 وحتى 22 أكتوبر، تم انتخاب واحد وسبعون من المجالس البلدية من أصل اثنين وثمانين يعتبر كجزء من نقل ليبيا من السلطة المركزية. وبينما لا يمكن وصفها المثالية فان وبعض هذه المجالس البلدية توفر ما يشبه للحكومة المحلية الرسمية التي جربها الشعب خلال الفترة الانتقالية في البلاد. اخيراً عقدت الانتخابات ونجحت في يونيو 2014، وأفرزت مجلس النواب الذي انعقد في 4 أغسطس ليحل محل المؤتمر الوطني السابق.

3. التطورات الاجتماعية والاقتصادية.
شهدت ليبيا مابعد القذافي انفجارا في تكوين منظمات المجتمع المدني والإعلام الحر وإن كان غير مهني، بدأت منظمات المجتمع المدني في التطور في المناطق المحررة لدعم الثورة خلال الحرب مما أدى إلى نهضة واسعة في نشاط المجتمع المدني بمئات المنظمات لتغذية العملية الانتقالية. لاحظ علي ابو زعكوك الذي قاد منتدى المواطنة للديمقراطية وتطوير الإنسان ببنغازي في أغسطس 2013 أن "المجتمع المدني هو في الحقيقة الجانب المشرق في ليبيا. أما بالنسبة للاقتصاد، فقد قاد الانتعاش السريع الذي لا يمكن تصوره في قطاع النفط والغاز في ليبيا الى ارتفاع في الاستهلاك المدعوم بالنفط وبالمنح الإضافية من الدولة (وبالفساد) مما أدى الى ناتج محلي إجمالي لعام 2011 بقيمة 81.8 مليار دولار ومرتفعا عن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قبل الحرب من 74.7 مليار دولار بمعدل نمو رائع بلغ حوالي 104 في المئة. كان هناك إجماع بين كثير من المراقبين لليبيا أن البلاد، وعلى الرغم من متاعبها، وتحرز تقدما. وذكر أحد الممثلين لشركات النفط الدولية أنه "مع الانتخابات المقررة في المستقبل القريب، فان كل شركات النفط تظل متفائلة بحذر جنبا إلى جنب مع الشعب الليبي، الذي يأمل ان تكون لأيام القادمة أفضل، وكل ما يمكننا القيام به الآن هو الأمل".

فشل الدولة
وعلى الرغم من هذه المؤشرات من التقدم فان هناك تطورات موازية قوضت في نهاية المطاف التحول في ليبيا نحو الديمقراطية. أعلن المحلي الانتقالي الهش السلطة المركزية بشرعية داخلية متزعزعة ودعم دولي قوي. تبنت ذلك ميليشيات عديدة ومجموعات فرعية، والمجالس المحلية والعسكرية وأكدت تبعيتها للسلطة المركزية، وشرعنت الأسلحة في حين تسيطر وتتلاعب بالمجلس الانتقالي لتأمين مصالحها المشتركة، ازداد عدم ثقة الليبيين بالمجلس الانتقالي نظرا لطبيعته غير المنتخبة والمبهمة، وغير الفعالة. وفي حين استعاد نقل السلطة إلىى المؤتمر الوطني العام المنتخب في فترة وجيزة ثقة الليبيين في الحكومة المركزية، واصلت الميليشيات بسط نفوذها والتأثير الخارجي بشكل كبير. كما قامت الفصائل المسلحة التي لها علاقات مع الأحزاب السياسية وعلاقات مع الشخصيات البارزة بمداهمة المؤسسات التي ترمز للدولة كالسجون والمستشفيات، ومحاصرة الوزارات والمكاتب الحكومية.

نظرا لعدم قدرة تيار الاسلام الساسي على دفع أجندتهم في المؤتمر الوطني بسبب المعارضة من تحالف القوى الوطنية وحلفائه لجؤوا إلى تجنيد المليشيات الحليفة لتخويف النواب من اجل إصدار تشريعاتهم المفضلة كقانون العزل السياسي المشين في مايو2013. هذا القانون الذي يذكرنا بعملية اجتثاث البعث في العراق، منع المسؤولين السابقين في عهد القذافي من الحياة السياسية لمدة عشر سنوات. لقد اعتبر هذا القانون مضرا جدا من للعملية الانتقالية لدرجة ان هيومن رايتس ووتش في ليبيا دعت لرفضه. نجح الإسلاميون في تهميش معارضيهم في المؤتمر الوطني وسعوالاعطاء الأولوية للمليشيات الاسلامية المتطرفة على حساب تطوير قوات الأمن الرسمية. لقد ادت هذه التطورات الى عدم تمكن حكومة طرابلس من مارسه سلطتها ومنعتها من توفير الخدمات العامة.

عدم القدرة على احتكار استخدام القوة داخل حدود الدولة
منذ قيام الثورة، والبدائل غائبة حيث اعتمدت ليبيا على تياس المليشيات لتوفير الأمن. على سبيل المثال، بعد انتفاضة عام 2011، طلب وزير الدفاع المؤقت أسامة الجويلي من الثوار الذين يؤمنون طرابلس الحفاظ على أسلحتهم. بدلا من تسليمها للدولة. اظهرت تقديرات ما بعد الحرب الفورية ان 120،000 من الثوار في حاجة إلى نزع السلاح والتسريح وإعادة التأهيل، ولكن في غضون أشهر تضخم الرقم إلى أكثر من 200.000 اي ما يقرب من 11 في المئة من القوة العاملة في البلاد المقدرة بحوالي 2.3 مليون نسمة. هذه الأرقام هائلة اذا اخذنا في الاعتبار حسب بعض التقارير ان فقط ثمانية عشر كتية رئيسية كانت تعمل في وقت سقوط القذافي.

يقع اللوم على الحكومة الانتقالية إلى حد كبير حيث حولت المجتمع الليبي الى مجتمع ميليشياوي لأنها اتبعت سياسة دعم المليشيات وبالتالي شجعت إنشاء مليشيات جديدة في الانخراط في التشكيلات المسلحة غير التابعة للدولة. هذه الاستراتيجية لتمويل الميليشيات عبر جعلها شبه رسمية من خلال تأسيس اللجنة الأمنية العليا ودرع ليبيا كوسيلة لبسط السيطرة سمح للمليشيات بالاحتفاظ باستقلاليتها وزرعت بذور أمراء الحرب. لقد ساهم نشوء هذه الأجسام الأمنية الفضفاضة بشكل مباشر في عدم الاستقرار في مختلف أنحاء البلاد. لقد اعترف رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان، الذي اختطف لفترة وجيزة في أكتوبر 2013 من قبل مليشيا إسلامية منافسة ولكن تمولها الحكومة في وقت لاحق انه ليس هناك جيش وأوضح انه اعتقد ان هناك واحدا ولكنه بعد ذلك أدرك حقاً انه ليس هناك أي جيش.

عدم قدرة الدولة على احتكار استخدام القوة داخل حدود الدولة نابع أيضا من انعدام الثقة على نطاق واسع بين ألوية الثوار المتشددة تجاه المتبقين من عهد القذافي، وخاصة تجاه ضباط القوات المسلحة. ان اعلان فرج السويحلي، احد قادة الثوار المعروفين بمصراتة في فبراير 2012 ان "هناك طريقة واحدة فقط وهي ان الثوار هم الجيش". لقد إعاق هذا الإعلان جهود لجنة دمج الثوار وإعادة تأهيلهم. كما أصبحت هذه العبارة شعور يعبر عنه اللميليشيات الاسلامية والثورية المتشددة،

عدم امكانية السيطرة على السكان والحدود.
أثبت المجلس الوطني الانتقالي والؤتمر الوطني العام انه غير قادر على ممارسة ولو القليل من السيطرة على السكان وفشلا في حماية حدود ليبيا الإقليمية. وهناك مثال مذهل من هذه الخسارة المفاجئة لحضور الدولة في المجال الديني الذي كان مراقبا بشدة من قبل نظام القذافي: في يوليو 2012، اعترفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أنها فقدت السيطرة على عدد كبير من المساجد المقدر عددها بخمسة آلاف مسجد في ليبيا حيث وسيطر عليها السلفيين والمتطرفين. علق احد المشائخ على ارتفاع وتيرة الهجمات السلفية ضد الأضرحة الصوفية، وعبر عن اسفه لعدم وجود الشرطة وعلق بان المرء لا يعرف أبدا ما قد يفعله البعض الناس.

أما بالنسبة للحدود الليبية الطويلة فقد، حذر رئيس الوزراء السابق عبد الرحيم الكيب في مارس 2012 أن "المناطق الحدودية شهدت تصعيدا ملحوظا في تهريب المخدرات والأسلحة. وقد تم استغلال الحدود المفتوحة من قبل بعض الشخصيات المشينة في شمال أفريقيا مثل مختار بلعور الامير في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي أفادت التقرير انه قام بشراء الأسلحة في جنوب ليبيا. واستجابة لهذا الانفلات الأمني ​​المتزايد،أعلن المؤتمر الوطني في ديسمبر 2012 جنوب ليبيا الشاسع منطقة عسكرية مغلقة" ولم يسبب هذا القرار الا فاوقا ضئيلا على الأرض.

عدم القدرة على توفير السلع العامة للمواطنين.
ضخت السلطات الانتقالية ميزانية بزيادة اكثر من 20 مليار دولارا للمليشيات والشعب على حد سواء، مما أدى إلى ميزانية متضخمة لم ترى مثلها البلاد من قبل. لقد ذهب التمويل الذي كان يجب ان تستخدم لتطوير الموارد البشرية في ليبيا وتنويع الاقتصاد الى مكان آخر. هذا النقل للثروة يمكن أن يفهم بطريقة أفضل على أنه ضرب من رشوة الحماية: الدفع للميليشيات للحفاظ على السلام الذي يمكنهم خرقه بسهولة، وزيادة الدعم للشعب المدعوم بشكل كبير لشراء رضوخهم وهو نفس التكتيك المستخدم في عهد القذافي. فعلى سبيل المثال، ردا على احتجاجات "تصحيح المسار" في ليبيا في أوائل عام 2012، أعلن المجلس الوطني الانتقالي ان كل أسرة ليبية ستحصل على 2،000 دينار شهريا، و 200 دينار لكل فرد من أفراد الأسرة غير المتزوجين ولذلك وأدت الاحتجاجات بعدها وبسرعة. كما ضاع الأموال أيضا بسبب الفساد وسوء الادارة. وكما ادعى المصرفي الليبي-السويسري والمكافح للفساد عبد الحميد الجدي، أنه "إذا كان الفساد بنسبة 100 في المئة [قبل الثورة]، فهو الآن 110 في المئة"، لقد اختفت ملايين، إن لم يكن المليارات من الدولارات من أموال الدولة ببساطة وبدأت الثروة تظهر بوضوح في أماكن غريبة في ليبيا. وقد اظهر فيديو يثير الانتباه نشر على موقع يوتيوب صبي ليبي يتنزه في فيراري حمراء ساطعة في مكان ما في الصحراء الليبية.

وعلاوة على ذلك فان نحو 80 في المئة من القوى العاملة الرسمية في ليبيا تم توظيفها من قبل الدولة، والتي من خلال الإدارة السيئة غالبا ما تدفع للموظفين الغائبين أو تسمح للموظفين بأخذ رواتب متعددة، مما أدى إلى مزيد من الفساد ومزيد من التدهور في الخدمات العامة. بحلول يناير عام 2012، اتضح ان حوالي 700،000 موظف من أصل 1.2 مليون موظف لا يذهبون للعمل، هذا بالاضافة الى تقديرات ديسمبر 2012 التي نشرت من قبل وزير الداخلية آنذاك عاشور شوايل بأن 50،000 من أفراد الأمن يتقاضون الرواتب ولا يقومون بواجباتهم، وبحلول 31 مارس 2013، قال شوايل ان 79،000 من أصل 120،000 من أفراد الأمن لا يذهبون للعمل. تاريخيا، تميل الدول الفاشلة لاستغلال مواطنيها وجعلهم فريسة لها، ولكن في السياق الليبي نجد ان المواطنين هم الذين يستغلون الدولة.

من فشل الدولة إلى الحرب الأهلية: من 2014 حتى الوقت الحاضر
اختلال توازن القوى، وتحوله لصالح الفصائل المسلحة من اجل المصالح الضيقة وعدم الالتزام بخارطة الطريق الانتقالية ضمن دخول البلاد في صراع. حذر إبراهيم عمر حسن الدباشي، مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، في 24 أغسطس 2014، من أنه كان قد استبعد دائما احتمال نشوب حرب أهلية، ولكنه أوضح ان الوضع تغير.لقد رسخت سلسلة الأحداث السياسية والأمنية التي بدأت في فبراير فشل الدولة ودفعت البلاد إلى حرب أهلية كما هو موضح في الخط الزمني التالي:

3 فبراير
قام الإسلاميين من جانب واحد بتمديد ولاية المؤتمر إلى ما بعد تاريخ انتهاء صلاحيته المقررة في السابع من شهر فبراير مما زاد من الاستقطاب في البلاد وأدى الى تهدي الزنتان لجلب الحرب إلى
طرابلس.

14 فبراير
حفتر يدعو إلى حل المؤتمر وخلق خارطة طريق جديدة لإنقاذ البلاد.

11 مارس
تصويت برلماني بإجراء مثير للجدل يطيح برئيس الوزراء زيدان، مما دفعه للجوء إلى أوروبا.

4 مايو
قام الإسلاميين في المؤتمر بتثبيت المصراتي أحمد معيتيق كرئيس للوزراء، ومرة ​​أخرى باجراء برلماني مشكوك فيه حيث اعتبر هذا العمل لاحقا غير شرعي من قبل المحكمة العليا في ليبيا في 9 يونيو.

16 مايو
اطلق حفتر في بنغازي عملية الكرامة ضد المتطرفين الإسلاميين مثل أنصار الشريعة وكتيبة 17 فبراير. وخلط حفتر الصراع مع المتطرفين كأنصار الشريعة مع جماعات الإسلام السياسي الذين يتبنون أبعاد العملية الدميقراطية كجماعة الاخوان المسلمين، مما زاد من الاستقطاب في ليبيا على أساس إسلامي وغير إسلامي.

22 مايو
انضمت القوات التي تقودها الزنتان لعملية الكرامة وتهاجم المؤتمر المسيطر عليه من قبل الإسلاميين.

13-12 يوليو
هاجمت قوات عملية فجر ليبيا قوات الزنتان والقوات المتحالفة معها بالقرب من أبو سليم وفي مطار طرابلس الدولي، واعترفت وسائل الاعلام الاجتماعية في الزنتان في اليوم الأول للهجوم على المطار ببداية حرب أهلية جديدة.

4 أغسطس
انعقد البرلمان في طبرق تحت حماية قوات الكرامة بقيادة حفتر وقاطع الإسلاميون البرلمان وكل ما يخرج عنه مدعين ان حفل التسليم لم يكن صحيحا من الناحية الإجرائية.

24 أغسطس
عملية الفجر أعدت احياء المؤتمر الوطني الدولة بعد ادعائها النصر في طرابلس. وردا على سيطرتها على طرابلس، قام البرلمان بإعلان قوات عملية فجر ليبيا منظمة إرهابية. قامت قوات عملية فجر ليبيا مع القوات الأمازيغية بتوسيع عملياتها في الجنوب والجنوب الغربي إلى سهل الجفارة والعزيزية التي تقطنها قبائل ورشفانة. أدانت هيومن رايتس ووتش مزاعم جرائم الحرب التي ارتكبتها كل من قوات عملية الكرامة وعملية فجر ليبيا في طرابلس وما حولها، ولكن المزاعم ضد قوات فجر ليبيا كانت لافتة للنظر خاصة فيما يتعلق بسلوكهم العدواني في منطقة ورشفانة.

اغسطس-أكتوبر
فشلت جهود الوساطة الدولية والليبية من اجل المصالحة سواء بقيادة الأمم المتحدة أو من قبل لجنة الحوار الوطني في ليبيا ومجلس الحكماء، وأخفقت في إنهاء العنف في البلاد. و تساند بعثة الأمم المتحدة
للدعم في ليبيا المفاوضات وتدين تصاعد العنف في بنغازي وعبر البلاد.

15 أكتوبر
اطلق حفتر هجومه المضاد الثاني ضد المتطرفين في بنغازي بمزيد من التعاون والمساعدة من مصر.

21 أكتوبر
أصدرت حكومة رئيس الوزراء عبد الله الثني في طبرق أمرا إلى الجيش الليبي للتقدم نحو مدينة طرابلس لتحريرها بينما ادعت قوات الزنتان انها ستتحرك الى العاصمة قبل نهاية أكتوبر.

28 أكتوبر
مبعوث الامم المتحدة الى ليبيا، برناردينو ليون يحذر من أن هذا البلد هو قريب جدا من نقطة اللاعودة.

6 نوفمبر
في حكم مفاجئ للمحكمة العليا في ليبيا، الواقعة في طرابلس المسيطرة عليها عملية فجر ليبيا ارتأت أن البرلمان غير شرعي، على الرغم من أنه طلب منها أصلا البت في مشروعية قرار انعقاده في طبرق. رفض هذا الحكم المشكل من قبل البرلمان وقوات الكرامة والتي استشهدت بان وجود الميليشيات ربما سبب في الترهيب، وكذلك الاساس القانوني غير الواضح للقرار، وربما يواجه القرار تحديات قانونية من تلقاء نفسه. الولايات المتحدة، و حلفاءها الغربيون و بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا لا تؤيد هذا القرار، ولكن ادعوا بأنه سيتم دراسته. وقد انعكست فعالية الدولة المتعثرة أيضا في المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى.

تفتت المجتمع الليبي
لقد اسكت تصاعد العنف المتزايد الاعلام والمجتمع المدني الناشئ في البلاد. لقد وضعت حملة الاغتيالات في ليبيا المجتمع المدني في وضع حرج، ففي 26 يوليو 2013 اغتيل محامي حقوق الإنسان عبد السلام المسماري في بنغازي، وفي 25 يونيو 2014 اغتيلت المحامية والناشطة سلوى ابوقعيقيص في بنغازي، وكذلك طالت أيادي الغدر عضو المؤتمر السابق فريحة البركاوي في درنة يوم يوم 17 يوليو 2014. وفي يوم 19 سبتمبر قتل مالا يقل عن عشرة من الناشطين، والصحفيين وأفراد الأمن بنغازي في ما سمى بالجمعة السوداء. أدانت لجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود الارتفاع في هجمات الإسلاميين المتطرفين التي ارتكبوها ضد نشطاء المجتمع المدني والصحافيين. وبعد القتل الوحشي لبوقعيقيص لاحظت منظمة العفو الدولية أزدياد الترهيب والمضايقات للصحفيات والناشطات في مجال حقوق الإنسان وان الاغتيالات قد ارتفعت وتيرتها من جانب الميليشيات ذات الميول الاسلامية والجماعات المسلحة وآخرين وسط مناخ يسوده انعدام القانون.

اقتصاد ليبيا الغريب.
المؤشرات الاقتصادية لرفاهية الدولة مختلطة ولكن من المرجح أن تشهد انخفاضا حادا. ان تجدد الصراع يدق ناقوس الموت للقطاع الرسمي الخاص الناشئ، كما وصل توفير الخدمات الأساسية إلى أدنى مستوى لم يشهده منذ الثورة. وقد تم الإبلاغ عن نقص الوقود والمياه والكهرباء، والضروريات الاساسية في المراكز الحضرية الكبرى. وعلى عكس ذلك نجد ان النفط يتدفق مرة أخرى حيث ارتفع الانتاج إلى 900،000 برميل يوميا اعتبارا من 24 سبتمبر ثم استقر عند 800،000 برميل في 22 أكتوبر اي أكثر من نصف الانتاج عندما ارتفع ما بعد الثورة الى 1.5 مليون برميل يوميا. يأتي هذا التدفق الجديد للنفط كنتيجة لقرار الفيدراليين دخول اللعبة السياسية، وبالتالي إنهوا الحصار على محطات تصدير النفط، وتحالفوا مع عملية الكرامة، ودخلوا الزخم باعضائهم البرلمانيين الذين نجحوا في الانتخابات.

حتى مطلع نوفمبر، كان القتال في المراكز الحضرية والمناطق غير المنتجة للنفط. حاول مصرف ليبيا المركزي، التي لديه الآن نحو 100 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي، البقاء على الحياد في المواجهة بين إحياء المؤتمر المنتهي الصلاحية والبرلمان المنتخب. كيف، طرد البرلمان رئيس مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير بعد إيقافه لتحويلات الأموال للبرلمان. (وعلى الرغم من ذلك ذكرت تقارير ان الصديق الكبير لا يزال في منصبه، مما زاد الخلط حول من يسيطر على ثروة النفط في ليبيا). ثروة ليبيا الهائلة الآن هي محل التركيز الأساسي بين المعسكرين المتحاربين. ومن المرجح ان تصل السياسة للمؤسسة الوطنية للنفط حيث تسيطر عملية فجر ليبيا على مقرها في طرابلس. اذا اعتقد اي من الجانبين ان الآخر يستفيد من عائدات النفط والغاز، فإنه سيستجيب على الأرجح بتعطيل أو تدمير البنية التحتية الحيوية لقطاع النفط. ان استهداف عملية فجر ليبيا للبنية التحتية في الدولة مثل مطار طرابلس الدولي ومستودعات تخزين البتروكيماويات التبع لشركة البريقة لتسويق النفط، يوحي بأن مثل هذه البنية التحتية ليست محظورة.

ان البنية التحتية الاساسية للنفط والغاز في خليج سرت وجنوب ليبيا معرضة للخطر أيضاً. في حين أن الخليج هادئ في الوقت الراهن، فقد اندلع الحرب القبلية والعرقية سواء في سبها بين قبيلة أولاد سليمان (المؤيدة لعملية فجر ليبيا) وقبيلة القذاذفة (المؤيدة لعملية الكرامة)، وكذلك في أوباري بين قوات الطوارق المختلفة وقبائل التبو (المؤيدين لعملية الكرامة).

وفي تطور خطير لصناعة النفط والغاز في ليبيا، اقتحمت مجموعة مجهولة أكبر حقل نفطي في ليبيا، حقل الشرارة، وتوقف عن الإنتاج في 5 نوفمبر. أشارت التقارير الأولية ان الطوارق، وربما كانوا من مالي والإسلاميين قد يكونوا هم المسؤولين عن الهجوم الأول. ولكن في 7 نوفمبر أفادت تقارير غير مؤكدة بأن قوات من مصراتة سيطرت على حقل النفط.

هناك مخاوف من ان يصل القتال إلى حقل الفيل النفطي أيضاً حيث يقوم بحراسته حرس المنشئات النفطية من التبو وموالين لعملية الكرامة، الذين يعارضون قوة مصراته الثالثة في سبها الموالية لعملية فجر ليبيا التي فقط حوالي 120 ميل. في 6 أيلول، حذرت قبيلة التبو القوة الثالثة من التوغل الى الجنوب من سبها نحو حقول النفط، وإلا فانهم سيقاتلون وجها لوجه في حرب الصحراء المغايرة لحرب المدن. وفي تنبؤ لواقع أن البنية التحتية الاساسية في ليبي قد تكون قريبا مستهدفة، دعى محمد فايز جبريل، سفير ليبيا في مصر، في 26 اغسطس المجتمع الدولي لحماية حقول النفط في ليبيا.

من الدولة الفاشلة الى الحرب الأهلية.
لقد وضعت عملية فجر ليبيا البلاد في منطقة مجهولة. كان يعتقد منذ فترة طويلة أن أكبر تهديد للمرحلة الانتقالية في ليبيا هو الحرب غير النظامية التي يقودها الإسلاميون في شمال شرق ليبيا. نجح الان جماعة الإسلام السياسي (الذين يدعون الالتزام بالمسار الديمقراطي) والميليشيات المتحالفة معهم في الشمال الغربي للبلاد في عرقلة خارطة الطريق الانتقالية وادخال البلاد في حرب أهلية وربما انهيارها بالكامل. كما يلاحظ الان، ليبيا لديها برلمانان (على الرغم من احدهما فقط منتخب)، ورئيسا وزراء، ورئيسين للأركان، واثنين من الفصائل المسلحة التي يدعي كل منها انها القوات المسلحة الحقيقية للدولة. وعلاوة على ذلك، فقد ترك الحكم الصادر عن المحكمة العليا البلاد بدون حكومة معترف بها دستوريا.

الهيئة السياسية الوطني الموحدة الأخيرة هي الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور ويقودها الليبرالي علي الترهوني ولكن مقرها في البيضاء في شرق البلاد حيث تسيطر قوات عملية الكرامة والجيش بقيادة اللواء خليفة حفتر. ستكون مفاجأة إذا رفضت عملية فجر ليبيا والمؤتمر الوطني المنتهي الصلاحية اي مسودة لمشروع الدستور.

ادعى أبو بكر بعيرة الذي افتتح أول جلسة للبرلمان ان "ليبيا ليست دولة فاشلة"، لكنه مع ذلك حذر من أنه اذا اصبح الوضع خارج نطاق السيطرة فسيعاني العالم كله. وبعد تسعة أيام في يوم 13 أغسطس، صوت البرلمان على التدخل الأجنبي، وهي الخطوة التي أثبتت ان الدولة فاشلة بوضوح في ليبيا. وعند القراءة من القرار، أكد بعيرة أن "على المجتمع الدولي أن يتدخل فورا لضمان حماية المدنيين." يشير النداء الصارخ للتدخل الخارجي إلى أن الليبيين يدركون في الظاهر أنهم لا يستطيعون عكس الحرب الأهلية من تلقاء أنفسهم. ان غياب التدخل الفعال، سيجعل العواقب كبيرة ليس على ليبيا فقط ولكن على المنطقة بأسرها.


عواقب الحرب الأهلية والانهيار
يمكن تلخيص العواقب الوخيمة للحرب الأهلية الليبية وانهيار الدولة على كل من البلاد والمنطقة في التالي:

العواقب الداخلية
ينتمي الليبيون في الظاهر للمدينة والقبيلة أكثر منه للفكرة المشتركة للمواطنة الليبية. ونتيجة لذلك، لن يكون هناك تقسيم جيد للبلاد، حيث اثار هذه النقطة عبدالله الثني عندما أقترح في 7 اغسطس ان ليبيا يمكن ان تتحول الى إمارات صغيرة لا قيمة لها. يسهل خليط التحالفات في ليبيا تقويض أي فكرة للدولة المركزية. التحالفات في شمال غرب البلاد، غير متجاورة جغرافيا: تحيط بالزنتان (الموالية للكرامة) البلدات الامازيغية الموالية لعملية فج كجادو، ككلة، إلى حد ما نالوت، وزوارة شمالا. وفيما بين طرابلس والزنتان هناك غريان (الموالية لعملية فجر)، والبلدات الموالية للكرامة بني وليد في الشرق والعزيزية في الشمال. في خليج سرت هناك الفدراليين (الموالين للكرامة) حيث يسيطرون على محطات تصدير النفط الرئيسية وبعض القرى الصغيرة، ولكنها محدودة من الغرب والشرق بأنصار الشريعة في سرت وأجدابيا، على التوالي. في الشمال الشرقي، قوات عملية الكرامة بقيادة حفتر تتنافس على بنغازي وموجودة في المرج، البيضاء، وطبرق، في حين أن مختلف الجماعات المتطرفة الأخرى تحتل بنغازي المركز، ودرنة، ومنطقة الجبل الأخضر. يمثل الجنوب المجال الوحيد حيث يمكن ان تمارس مجموعة واحدة السيطرة الجغرافية بدرجة معينة من النجاح: دعمت التبو مواقفها وسيطرت على الحدود الجنوبية من الكفرة في الجنوب الشرقي الى مرزق في جنوب غرب البلاد، في حين أن الطوارق مسيطرة على المنطقة الحدودية في الجنوب الغربي. وترتبط كل من المجموعتين بتابعيهم من رجال القبائل عبر الحدود الليبية. لكن الطوارق ليس متحدين دائما، ولا يمكن تقسيم البلدات المختلطة عرقيا وقبليا مثل سبها وأوباري بدقة، وعلى الأرجح سنرى استمرارا لسفك الدماء طائفيا.

ان العملية المتنامية للانتماء لمدينة أو قبيلة ليست جديدة. وجد الليبيون على نحو متزايد الملاذ في الهياكل القبلية مؤخراً في عهد القذافي، وهي العملية التي تسارعت خلال الثورة في سنة 2011 عندما انهارت السلطة المركزية وتحصلت العديد من القبائل في ليبيا على الأسلحة والخبرة القتالية. على مدى السنوات الثلاث الماضية، اكتسبت الأقليات المهمشة مثل الأمازيغ في شمال غرب البلاد، والطوارق والتبو في الجنوب، قدرا لا بأس به من الحرية االناشئة عن واقع الحكم الذاتي الذي تحرس عليه وعلى أراضيها بحماسة. في شمال غرب البلاد، حدد الليبيين بشكل متزايد انتمائهم لاحد التحالفات المتنافسة: التحالف القبلي السفلي وهو تحالف عشائري على طول الساحل يضم مصراتة وجيرانها، مثل الزاوية وبعض قبائل الفرجان؛ والتحالف العلوي البدوي حيث معظمه في الجبال والجنوب ويتضمن الزنتان، ورفلة، القذاذفة، بالاضافة لقبيلة ورشفانة.لقد أعطت الزنتان ضربة خطيرة للتحالف العلوي في عام 2011 عندما ثارت ضد القذافي، ولكن البلدة الجبلية أصلحت علاقاتها القبلية القديمة تدريجيا، وهي عملية سهلتها عملية فجر ليبيا التي معظمها من تحالف القبائل الدنيا.

من نواحي عدة نجد ان الانقسامات القبلية التي لوحظت في القتال في شمال غرب ليبيا اليوم تعكس تلك التي عجلت الحرب الدامية بين القبائل في البلاد عام 1939. وقد أدت هذه الانقسامات الراسخة لإقامة نقاط التفتيش من قبل قوات فجر ليبيا والكرامة لاحتجاز الأفراد من المدن والقبائل المتنافسة. على الفور فمثلا بعد أن سيطرت قوات عملية فجر ليبيا على طرابلس، تم استهداف الأفراد من الزنتان او الموالين لهم في هجمات انتقامية، او يختفون في نقاط تفتيش قوات فجر ليبيا. لقد وجهت نفس التهمة للقوات الموالية لعملية الكرامة في شمال غرب البلاد. وحتى عملية الكرامة في شمال شرق البلاد بقيادة حفتر تبين وتشيد علنا بحلفائها القبليين في الشمال الغربي، حيث يتكون أنصار الكرامة بعض قبائل الفرجان في خليج سرت، التي ينتمي اليها حفتر والعبيدات والبراعسة، وقبائل المغاربة في الشمال الشرقي. تدعم بعض عناصر هذه القبائل الفدرالية أيضاً التي تلاقي دعما من القبائل القوية: فالزعيم الفيدرالي إبراهيم جذران من قبيلة المغاربة، وأيضا يتلقى الدعم من العواقير وقبيلة الحاسي. تحاول الجماعات المتطرفة في خليج سرت والشمال الشرقي في الوقت نفسه إلى التقليل من شأن الانتماءات القبلية وتشدد على أن الإسلام هو الرابط المشترك بين الليبيين.

في ظل توجه الليبيين للانتماء القبلي فان عنصرا مهما سيجعل الانقسام مؤلم جداً في ليبيا وهو البنية التحتية الواسعة للنفط والغاز والمياه. النهر الصناعي العظيم الذي تنقل أنابيبه المياه من طبقات المياه الجوفية من الجنوب للشمال يمر خلال المدن والمناطق المتصارعة مما يجعله عرضة للهجوم. ففي سبتمبر 2013 تم بالفعل إلغاء تنشيط مضخات النهر احتجاجا من قبل القبائل المغاربة والقذاذفة في سبها على الأحداث في طرابلس على بعد أكثر من 470 كيلومتر في الشمال. وحقل الفيل النفطي الذي سبق ذكره في سياق الصراع المحتمل بين التبو ومصراتة ينقل النفط الخام شمالا الى محطة مليته لتصدير النفط قرب زوارة عبر الأراضي الأمازيغية، حيث أغلق المتظاهرين الأمازيغ خطوط أنابيب المحطة في وقت سابق، وقد اشتبك الزنتان وحراس الأمازيغ أيضا حول أحقية ا لحراسة في مليتة. ان استهداف صناعة النفط والغاز في ليبيا من شأنه أن يؤدي لكارثة بيئية، وتقويض الاقتصاد، وإنهاء قدرة الحكومة على توفير الإعانات. هذا من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى تدهور فوري لمتوسط ​​مستوى المعيشة لليبيين. ان مثل هذه الاحداث ستجعل ليبيا في سيناريو اخر للصومال ولكن على البحر المتوسط.

العواقب الاقتصادية والأمنية على تونس ومصر.
سببت الحرب الأهلية في ليبيا ضغطا كبيرا على تونس ومصر، اللتان تواجهان هما الأخرتان اضطرابات داخلية خاصة بها.
الناتج المحلي الإجمالي لليبيا ومصر وتونس معتمد على بعضه و اذا في انخفض في ليبيا ربما بسبب تدمير البنية التحتية لقطاع النفط والغاز سيترتب عليه خفض الناتج المحلي الإجمالي لجيرانها. كما ان ليبيا كانت تستضيف قبل الثورة في عام 2011، حوالي 95،000 عامل تونسي و 1.5 مليون عامل مصري، والتي كانت تحويلاتهم المالية مصدرا مهما للدخل في تلك البلدان، وقد تسببت عودت العمال في فقدان هذه التحويلات، وزيادة البطالة، وارتفاع الطلب على المساكن وخدمات الرعاية الاجتماعية، وخاصة مصر. توترت البلدين في بداية 2011 عندما فر اللاجئين إلى تونس ومصر حيث استقبلت تونس نحو مليون ليبي. وبالنسبة لمصر فقد استقبلت من جانبها 104،000 من المصريين، 163،000 من الليبيين، وحوالي 77،000 من حملة الجنسيات الأخرى. وتثقل الان موجة ثانية من اللاجئين والعائدين كاهل كلا البلدين حيث حذر وزير الخارجية التونسي المنجي حمادي في 30 يوليو من ان الوضع الاقتصادي في بلاده محفوف بالمخاطر، ولا يمكنه التعامل مع مئات الآلاف من اللاجئين.

يأتي هذا الثقل الإضافي في الوقت الذي يتزايد فيه الإرهاب الإقليمي.تواجه كلا من تونس والجزائر تحديات مواجهة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، الذي ادعى مؤخرا مسؤوليته عن هجوم 27 مايو على منزل وزير الداخلية التونسي. تونس تقاوم تنظيم أنصار الشريعة التونسي التي يقال أنها على علاقة بتنظيم أنصار الشريعة في ليبيا أنصار. أعلنت الولايات المتحدة الامريكية ان أنصار الشريعة في تونس جماعة ارهابية. استخدمت المنظمات الثلاثة المذكورة بالاضافة للمقاتلين في شمال مالي جبال الشعامبي على طول الحدود الجزائرية كملاذ آمن. في 16 يوليو شهدت تونس أدمى يوم منذ خمسين عاما عندما قتلت جماعة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أربع عشرة جنديا بالاضافة لعشرين جريحا آخرين في تلك المنطقة. ان عدم الاستقرار في ليبيا يترجم مباشرة إلى حالة من عدم الاستقرار في تونس: حذر حمدي بقدر عندما قال "اننا نعتبر الأزمة في ليبيا مشكلة داخلية لتونس ... لان أمننا جزء من أمن ليبيا".

ان تدهور الوضع في ليبيا يشكل مشكلة بالنسبة لمصر أيضاً التي تعتبر الآن منطقة الصحراء الغربية بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء جبهة أمامية في حربها ضد الإرهاب. في 19 يوليو قتل مسلحين من ليبيا واحد وعشرين جندي عند نقطة تفتيش في الفرافرة، و وسائل الإعلام المصرية مشغولة الان على نحو متزايد بشبح الجهاد الدولي الذي يترسخ في الجوار. سببت هذه الظاهرة تعاونا وثيقا بين حفتر ومصر حيث يحذر كلاهما من انتقال الأحداث في سوريا والعراق لحدودهما المشتركة. أخذت هذه الحقيقة تتكشف عندما زعم مسؤول أمني مصري يوم 5 سبتمبر أن التنسيق يحدث بين أنصار بيت المقدس في سيناء، الدولة الاسلامية في سوريا و العراق، و المتشددين في ليبيا، وفي الوقت نفسه أكد قائد جماعة أنصار بيت المقدس تدفق المقاتلين عبر الحدود الليبية المصرية.

انتشار الإرهاب من الساحل والصحراء الى الشرق الأوسط
يشكل الإرهاب الآتي من ليبيا مصدر قلق لجيران ليبيا في الجنوب. احد العواقب الملحوظة للثورة الليبية في 2011 هو ظهور الطوارق في شمال مالي وتزويدهم بالأسلحة من ترسانة ليبيا العسكرية المنهوبة. لقد سيطر الطوارق وتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي والجماعات المتحالفة معهم على مساحة شاسعة تفوق مساحة ولاية تكساس الامريكية. تدخلت فرنسا عسكريا لانه كان لها دائما دور هناك. وفي 24 فبراير طلب وزير داخلية النيجر من فرنسا توسيع مهمتها وكذلك طلب من الولايات المتحدة التدخل في جنوب ليبيا لإزالة التهديد هناك. وافق وزير الدفاع الفرنسي جينيفيسل لودريان عندما حذر في 8 سبتمبر ان جنوب ليبيا يعتبر مخبا للجماعات الإرهابية لإعادة التنظيم والتزود بالأسلحة . وفي استجابة لذلك فان فرنسا تبني الان قاعدة عسكرية في النيجر على بعد ستين ميلا من الحدود الليبية، وكذلك فعلت الولايات المتحدة فهي الاخرى تجهز قاعدة في أغاديس اقرب من الاولى في نيامي بأكثر من ستمائة ميل على الحدود الليبية. ووفقا لمسؤول فرنسي سيصل الجنود خلال أسابيع على الحدود وسيتم مراقبة شحنات تهريب الأسلحة للإرهابيين بالتعاون مع المخابرات الامريكية.

ليس غريبا ان ليبيا منذ عام 2011 أصبحت مقصدا للمتطرفين الذين يسعون إلى التجنيد والتدريب، وشراء الأسلحة لاستخدامها في ساحات القتال الخارجية. في بنغازي وقبل بدء عملية الكرامة أفادت التقارير ان أنصار الشريعة استخدمت مطار بنينة الدولي كمركز عبور للمقاتلين الأجانب في طريقهم إلى مسارح الصراع مثل سوريا. واستجابة لهذا الخبر اعترف وزير العدل السابق صلاح المرغني في 12 ديسمبر 2013 أن الوضع الأمني ​​في ليبيا يتيح لهذه الجماعات بالتحرك بحرية. توجد مثل هذه الشبكات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد، ومثالا على ذلك ذكرت التقارير في يوم 8 سبتمبر ان هناك جماعة في الخمس شمال غرب ليبي، تقوم بارسال الليبيين للانضمام الى الدولة الاسلامية. حذر طارق متري رئيس بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا السابق في كلمته الختامية في 27 أغسطس 2014، أن تهديد انتشار الجماعات الإرهابية أصبح حقيقيا، وأن وجودها ونشاطها في عدد من المدن الليبية معروف لدى الجميع. وقد كان بديل متري، ليون، أكثر تحديدا عندما اعترف في 6 أكتوبر أن القاعدة موجود بالفعل.

ان الانزلاق نحو الحرب الأهلية يعني ان ليبيا لن تكون مجرد نقطة انطلاق للإرهاب فقط ولكن أيضا وجهة للجهاد. وردا على عملية الكرامة، حذر محمد الزهاوي، زعيم أنصار الشريعة في ليبيا، أن حملة حفتر "لن ستجلب المقاتلين من أهل التوحيد في جميع أنحاء العالم العربي كله لمقاتلته، كما يحدث في سوريا الآن. كما اتهم الزهاوي حفتر بأنه عميل للولايات المتحدة وهدد الولايات المتحدة بأسوأ مما رأت في العراق وأفغانستان والصومال. وأشارت تقارير لم يتم التحقق منها إلى أن الآلاف المقاتلين الأجانب من تونس، وسوريا، والعراق، بالاضافة للمتطرفين الليبيين، قد عادتا إلى ليبيا لمحاربة قوات حفتر.

نمت الجماعات المتطرفة مثل أنصار الشريعة في ليبيا من حيث الحجم والتعقيد خلال السنوات الثلاث الماضية. وأشار أحد المسؤولين الحكوميين الأمريكيين الذين خدموا في ليبيا في أكتوبر 2012 أن "الأشرار يقيمون الخطط ويتنظمون. انه سباق بين الجماعات المتطرفة والحكومة الليبية التي تحاول ان تنظم نفسها. لقد فاز الأول بشكل واضح . ان الضربات المتتالية لعملية القوات الكرامة في بنغازي لحين قيام حفتر بهجوم مضاد في 15 أكتوبر تشير الى الاستهانة بقدرات أنصار الشريعة والميليشيات التابعة لها. يستخدم المتطرفين التفجيرات الانتحارية بشكل متزايد ضد قوات عملية الكرامة، كما حدث في الهجمات الانتحارية الأربعة المدمرة في الثاني من أكتوبر التي قتلت ما لا يقل عن أربعين جنديا. في السنوات الأخيرة، وفي ظل غياب الدولة، وسعت أنصار الشريعة شبكتها بشكل كبير في حين نمت غيرها من الجماعات المتطرفة والشبكات الإجرامية على نحو مماثل في جميع أنحاء المنطقة.

ليبيا التي تربط شمال شرق وشمال غرب أفريقيا وتعمل كبوابة دخول من الصحراء إلى أوروبا، تقع مباشرة في وسط هذه الشبكات الواسعة. في الواقع، وصفت سفيرة الولايات المتحدة لدى ليبيا ديبورا جونز البلاد بأنها مفترق طرق للمتطرفين، وفي 28 آغسطس حذر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: "إذا لم نفعل شيئا [عن ليبيا] ... سوف ينتشر الإرهاب في كامل المنطقة ". قد يشجع فشل الدولة الذي طال أمده والحرب الأهلية المزيد من التحالفات الرسمية بين الجماعات المتطرفة، كالمنظمات الإرهابية في الساحل مع نظيراتها في الصحراء، أو حتى مع جماعات في سوريا والعراق. تختلف ديناميات الدولة الاسلامية وتنظيم جبهة النصرة التابع للقاعدة في سوريا حيث لها ابعاد مختلفة في شمال أفريقيا: يميل الليبيين والتونسيين للانضمام للدولة الاسلامية، في حين أن الجزائريين والمغاربة يفضلون جبهة النصرة. هذه الشبكات ليست أحادية الاتجاه، وهناك أدلة بالفعل أنها تؤثر على البيئة الجهادية في شمال أفريقيا والجنوب في منطقة الساحل والصحراء. في يوم 13 سبتمبر، ادعت جماعة القاعدة في المغرب الإسلامي المسمى جند الخلافة في الجزائر الذي يفترض أنها انشقت عن الدولة الاسلامية ومن ثم أعلنت دعمها للزعيم الدولة أبو بكر البغدادي وأصدرت شريط فيديو يوم 24 سبتمبر يوضح قطع رأس سائحة فرنسية. وفي الوقت نفسه احتدم القتال خارج طرابلس وبنغازي، وأعلن مجلس شورى شباب الاسلام في درنة في 3 أكتوبر ولائها للدولة الاسلامية وزعيمها البغدادي. أظهرت الأفلام في 3 أكتوبر أرتال مجلس شورى شباب الاسلام يطوفون في شوارع المدينة بمركبات الشرطة الإسلامية المشابهة لتلك التي لوحظت في الرقة بسوريا، قبل إعلانها قامت جماعة مجلس شورى شباب الاسلام بأول إعدام علني ففترة ما بعد القذافي في ليبيا في ملعب لكرة القدم حيث كان الضحية مصري الجنسية. كذلك ورد ان أنصار الشريعة أسست اتصالات مع الدولة الاسلامية. كما أكد في سبتمبر احد القادة الذي ادعى ان الدولة الاسلامية تساعد في تدريب جماعته. وبما ان الدولة الاسلامية تطغى على جبهة النصرة في سوريا، يمكن أن يتنافس المتطرفين على الجهاد في شمال أفريقيا حيث تكون ليبيا ساحة المعركة الرئيسية.

زيادة احتمال التدخل الأجنبي.
يعتبر قادة المنطقة ان ليبيا قضية أمن قومي، وهو ما يزيد من احتمال التدخل الدولي في الدولة الفاشلة. ومع ذلك، فالولايات المتحدة وبريطانيا وايطاليا وفرنسا وألمانيا تعتبر حتى الآن أن التدخل الأجنبي في ليبيا يؤدي إلى تفاقم التوترات ويقوض التحول الديمقراطي، ولكن جيران ليبيا، مصر والجزائر، لا تشاركان بالضرورة هذا التقييم، وربما تسعى لاقامة مناطق نفوذ في كل من غرب وشرق ليبيا. وقد ثبت مصر استعداد للتدخل عندما اتضح في 18 و 23 أغسطس من الغارات الجوية ضد جماعة الإسلام السياسي في طرابلس، حيث أفادت التقارير بأن قوات خاصة مقرها مصر، وربما معظمهم من الإماراتيين دمرت معسكرا لتدريب الإرهابيين بالقرب من درنة، بالاضافة للغارات الاخيرة على بنغازي لدعم الهجوم الذي يقوده حفتر. بعد وقت قصير من تعهد مجلس شورى شباب الاسلام بالولاء للدولة الاسلامية، قام سلاح الجو الليبي بضربات جوية دقيقة جدا على قاعدة لمجلس شورى شباب الاسلام مما أدى إلى تكهنات أخرى بأنها ضربات مصرية إماراتية.

الجزائر المقيدة بدستور يحد من الانتشار العسكري الأجنبي لديها أسباب أكثر للتدخل. فعلى عكس مصر تميل الجزائر إلى التمييز بين جماعات الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين والميليشيات المتحالفة معها في عملية فجر ليبيا في شمال غرب ليبيا، من جهة، والمتطرفين الإسلاميين الذين يرفضون الديمقراطية في شمال شرق ليبيا من جهة أخرى. ونتيجة لذلك، تدفع الجزائر نحو المفاوضات بين القوات المتقاتلة في شمال غرب ليبيا. ولكن اذا ما تطورت ظاهرة الدولة الاسلامية في غرب ليبيا، أو اذا تكرر ظهور القاعدة في المغرب الإسلامي كما حصل في الهجوم على منشأة اميناس للغاز في 23 يناير، فإنه من المرجح جداً ان تتدخل الجزائر على الأراضي الليبية بذريعة الدفاع عن النفس. ولكن من المرجح ان يستمر التدخل الأجنبي في ظل غياب أي استراتيجية متماسكة للتخفيف من الحرب الأهلية في ليبيا ومنع انهيار الدولة.

منع الانهيار أو الحد منه
ومهما يكون الوضع متدهورا في ليبيا فان لدى واشنطن الآن عدة أزمات أخرى أكثر إلحاحا على أجندتها. وفي 4 أغسطس، أبرز وزير الخارجية الامريكي جون كيري مكان ليبيا المنخفض نسبيا على الأجندة عندما قال أن "التحديات في ليبيا لا يمكن حلها حقاً إلا عن طريق الليبيين أنفسهم ". أشارت مسؤولة السياسة الخارجية الجديدة للاتحاد الأوروبي، وزيرة خارجية إيطاليا، فيديريكا موغيريني أيضا إلى أن ليبيا ليست سوى واحدة من العديد من التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي. وقالت في سبتمبر انه "بدءا من العراق وسوريا، وبالاتجاه الى ليبيا إذا ما أشرنا بالبوصلة في بروكسل ورسمنا دائرة، فسنجد كل جيراننا من حولنا يعانون من الصراعات والحروب".

ومع ذلك، فقد نشأ إجماع بان العمل الموحد على ليبيا ممكن وضروري. لن يكون مثل هذا العمل بقادته الولايات المتحدة بالضرورة ففي النهاية يشكل التهديد من ليبيا عواقب فورية اكثر لجنوب أوروبا. وعلى الرغم من تقييم موغيريني لقاتمة التحديات الإقليمية للاتحاد الأوروبي، فان وجود إيطاليا في قيادة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي ستسمح مجددا بالتركيز الأوروبي على ليبيا. قبل توليها منصبها الجديد، دعت موغيريني إلى موقف موحد للاتحاد الأوروبي بشأن ليبيا. وعلاوة على ذلك، فان ليون الإسباني كان قد أمضى ثلاث سنوات كممثل خاص للاتحاد الأوروبي في ليبيا وممثلا ايضا للاتحاد الأوروبي لجنوب المتوسط قبل ان يصبح مسؤلا عن بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا، وهو بذلك على دراية تامة بالتحديات في ليبيا.

الإرادة النشطة داخل بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا والاتحاد الأوروبي للتحرك في ليبيا تقدم الولايات المتحدة كشريك في السعي إلى الحد من انتشار الحرب الأهلية في ليبيا. وينصب التركيز الآن على تعزيز الحوار بين المعسكرين المتضادين عملية الكرامة وفجر ليبيا، ودعم تهديد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالعقوبات الموجهة ضد الليبيين الذين يعرقلون السلام والعملية السياسية.

يجب ان تبدأ واشنطن وحلفائها الأوروبيين التحضير لأسوأ سيناريو. اذا ما انهارت ليبيا، فإن الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة ستكون في الاحتواء، ومنع امتداد الدولة فاشلة إلى الدول المجاورة المحتاجة إلى الاستقرار والأمن. لحسن الحظ، فإن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى التصرف وحدها: يوم 8 سبتمبر، فرنسا لو دريان اثناء مناقشة خطر الإرهاب، أكد أن فرنسا "يجب أن تتدخل في ليبيا،" والذي فهم على أنه يعني التدخل العسكري. ان تمركز الجنود بقرب الحدود الجنوبية لليبيا يشير إلى أن فرنسا قد تأخذ زمام المبادرة في ليبيا، مثلما ما فعلت ضد نظام القذافي في عام 2011 وفي شمال مالي في عام 2012.