الذكرى ال 48 لمعركة السموع‎ ..قراءه نقديه وتاريخية جديدة واضاءة وثائقية على مواقف قائدها الفريق الركن محمد يوسف العملة
تاريخ النشر : 2014-11-14
الذكرى ال 48 لمعركة السموع‎ ..قراءه نقديه وتاريخية جديدة واضاءة وثائقية على مواقف قائدها  الفريق الركن محمد يوسف العملة


48 عاما على معركة السموع
قراءه نقديه وتاريخية جديدة واضاءة وثائقية على مواقف قائدها  الفريق الركن محمد يوسف العملة
بقلم عمرو العملة  
كاتب وباحث في المشكلات العالمية المعاصرة
[email protected]
 

من منا ومن أبناء الكون لم يعش ولم يعايش قصة البطولة والتضحية في معركة السموع. والتي شكلت في حينها خيارا لروح الشعب وطموحه ودرسا من دروس العسكرية العربية وأصبحت بحق معلما وتاريخا ومأثرة عظمى سطر فيها جند لواء حطين من الجيش العربي الأردني بدمائهم الزكية أروع حكايات العزيمة والصلابة والصبر والصمود, وأنقى صفحات الفداء والمقاومة ولقنت العدو درسا قاسيا لن ينساه. هم رجال وتوأم سيامي ضباط وضباط صف وجنود من أبناء ضفتي النهر عرفتهم سوح الجهاد والعسكر وصمموا على طلب احدى الحسنيين النصر أو الشهادة في سبيل الله وفي سبيل حياة وعزة وكرامة شعبهم ووطنهم وأمتهم, فكان لهم ما أرادو. وهنا لا بد وأن يتسائل القارئ ما الجديد الذي يمكن أن يقوله الكاتب الآن؟ نعم لقد كتب الكثير من المقالات والتحليلات والتعليقات ونشرت في الذكريات الخوالي لهذه المعركة الحدث, لكن رغم ذلك ما زالت الواقعة عرضة لكتابات متناقضة ومبتورة ما برحت تفصيلاتها متناثرة هنا وهناك تحمل في طياتها الكثير من الحقائق والوقائع والأسرار التي لا نعلمها وما زالت تكشفها لنا حوادث الأيام. وهنا لا بد وأن أعترف أن ما ساقني للكتابة حول الموضوع هو رحيل قائد وبطل هذه المعركة ( والد كاتب هذه الأسطر) الفريق الركن محمد يوسف العملة, النقيب في الجيش الأردني حينذاك وقائد السرية الثانية من الكتيبة (48) كتية صلاح الدين الأيوبي, احدى كتائب لواء حطين والذي غادرنا وغادر دنيانا الفانية في السادس والعشرين من تموز الماضي, ووفاء ومحبة وتعزيزا وتكريما لهذا الأب والقائد الكبير من الرعيل الأول الذين لم يأخذو حقهم كما يستحقون حيث حكايتهم في النهاية هي حكاية وطن, ولم يقم الكثير منهم بترجمة سيرته بنفسه لما عرف عنهم من نكران للذات وقناعة وزهد في الشهرة ومباهج الحياة والاستعداد للتضحية, أردت أن اترجم سيرته كواحد من هؤلاء الرادة العظام ممن أصبحوا في ذمة الله والتاريخ وملك ليس فقط لذويهم بل لأوطانهم ولخلوف الأجيال صاحبة الحق للاستئناس بهم كرموز تاريخية ووطنية يحتذى بها وتستقرأ الماضي على ضوء الحاضر لاطلاق الدلالة نحو المستقبل باماله وطموحاته. وأثناء تقصيي وتجميع ما ترك من تراث وكنوز دفينه ومبعثرة من وثائق ومقالات ودراسات واوراق وملفات خاصة, وقعت على بعض الشهادات الموضوعية التي تتحدث عن المعركة وما سبقها وتلاها من أحداث ووقائع ومعارك في منطقة جنوب الخليل والتي كانت تقع ضمن مسؤولية كتيبته العسكرية, وعقب بحثي التاريخي وتفحصي لما كتب عن المعركة للاستزادة والمقارنة طالني الأرق  ككاتب وباحث ومشتغل في الفكر المجرد حيث هذه الكتابات تقدم اطارا سطحيا عابرا وقراءة انتقائية للتاريخ لا تغطي حقيقة الواقع التاريخي والميداني للمعركة ولا ترتقي الى المستوى المطلوب الذي يجب أن تؤرخ له ملحمة اسطورية كملحمة السموع, على أن الملفت للانتباه أن الكتابات في غالبيتها منقولة ومكررة ووقعت في فخ المصادر ( الاسطوغرافية ) الرسمية  كقراءة منتقاة للتاريخ اختزلت مجريات وسير احداث ووقائع الواقعة وتغافلت التطور التاريخي لها ولأبطالها الحقيقيين الذين شاركو في صياغتها بلحمهم الحي في الميدان. وما تبقى من كتابات كانت أكثر جهلا واستفزازا, اذ ذهبت الى لي عنق التاريخ وترويضه خدمة وأكراما لاشخاص رحلوا عن عالمنا فوقعت هي الأخرى في فخ من نوع آخر فخ الكتابات ( الرايزفونيه) الذي يغلب عليها العاطفة والوجدان. مما جعلها كطين تاريخي يلطخ ويشوه الحقائق.
وبالاجمال وفي التحليل النهائي هي كتابات تفتقد للمنهج العلمي التقني. فالتاريخ كعلم يعتمد على التقصي والبحث والمقابلة ويستند الى الوثيقة والمعلومة الصحيحة. ومهمة المؤرخ ليس فقط سرد التاريخ ولكن دوره في تحليل التاريخ وتفسير الواقعة على ضوء واقعها التاريخي يغوص في ارهاصات الاحداث يبحث عن خفايا الحقائق وقراءة وتحليل ما بين السطور. بعبارة أكثر وضوحا أن يجيب على السؤال لمذا حدث وليس ماذا حدث؟ وهو ما جعل هذه الكتابات قاصرة وعاجزة للاجابة العلمية التحليلية على سؤال لماذا العدوان على السموع ؟ مما منعها من صدق الرؤية وجعلنا لأن نقف أمام معرفة سيئة للتاريخ تعيق فهمنا تاريخنا. ولعل هذا هو ما دفعنا لأن نتصدى لهذه الروايات والمفاهيم غير العلمية وهجر هذا الاطار الفكري والتعامل من منطلق فكري آخر أساسه الوثيقة والمعلومة الصحيحة التي تسمح لنا الوصول الى الخفايا والأسرار والاحداث والمحطات المسكوت عنها  والاصول التاريخية للمعركة كمدخلات سليمة تقود لمخرجات تاريخ سليم مختلف أكثر دقة واتفاقا مع الواقع الميداني, تاريخ بلا فراغات وبلا تشوهات وعواطف أو خرافات , تاريخ بعيد عن لغة الادانة والاشادة أو لغة البلاط ودوائر المصالح والولاءات والحسابات الضيقة, تاريخ يخضع لعملية معالجة وتصحيح كلية وشاملة تتلائم مع الحقيقة وقول الحقيقة والذود عنها وانصافا لها واحقاق للحق واعادته لاصحابه الحقيقيين. وبما يمكننا في النهاية من ازالة الغبار الذي علق بفكرنا وتاريخنا.
فلندع الوثائق والنصوص تتحدث من خلال أطرافها المشاركة بصناعة الحدث للحدث نفسه بما يسمح بتحديد حقيقة الخفايا ومتابعة القراءة ولو بشيء من التفصيل.
1) نشرت صحيفة ((اللواء)) اللبنانية في عددها الصادر يوم 13-11-1971 تحقيقا خاصا بقلم مصلح عبد الرحمن الملازم السابق في الجيش الأردني تحدث فيه عن أسرار تنشر لأول مرة عن معركة السموع.
يقول مصلح عبد الرحمن (( في مثل هذا اليوم وقعت معركة السموع وكنت ملازما في الجيش الأردني. واسمحو لي بصفتي رجلا عسكريا أن أتحدث بلغة العسكريين عن المعارك التي جرت في تلك الفترة. قبل حرب حزيران قام الاسرائيليون  بهجوم على بلدة السموع بقضاء الخليل ونسفوا 18 منزلا في القرية بحجة أن أصحاب هذه المنازل يتسللون الى اسرائيل عبر الحدود ويقومون بعمليات تخريب. ولما كان لواؤنا مسؤولا عن المنطقة فقد تحركت قوة نجدة بقيادة الضابط محمد العملة الى بلدة السموع ويبدو أن وصولنا كان متوقعا فقد أعد الاسرائيليون كمينا أصيب فيه سائق السيارة وجندي اللاسلكي بجروح بليغة لكن القوات الاسرائيلية لم تلبث أن انسحبت من البلده بعد أن تكبدت حوالي 7 قتلى و 12 جريحا ...
وتصادف أن وصل في تلك الليلة اللواء علي علي عامر لزيارة الكتيبة وكان عامر القائد العام للقوات الموحدة في اللحظات الاخيرة آنذاك.
وباقتراب موعد عدوان حزيران وردت الى اللواء برقية تفيد بأن الاسرائيليين سيقومون بشق طريق في قرية ((بيت مرسم)) بقضاء الخليل وهي طريق مهمة لعبور الجيش الاسرائيلي الى الضفة الغربية.. عندها جمعنا قائد المحور الضابط محمد العملة وأخبرنا بأنه قرر شخصيا الانتقام لقتلى السموع وافشال مخطط العدو في شق طريق داخل الضفة الغربية ... وكانت اجابتنا الجماعية له جنودا وضباطا كافية لتصميمه على خطته.
وصلنا الى موقع الجيش الاسرائيلي حيث شاهدنا سرية كاملة و 4 سيارات مسلحة وبلدوزر وكريدر لشق الطريق مع 3 سيارات ناقلة للجنود كما شاهدنا الجنود وقد بدأوا بشق الطريق بمحاذاة القرية ولكننا بقينا في مواقعنا بعد أن تلقينا أمرا بألا نفتح النار قبل غروب الشمس خوفا من تدخل سلاح الجو في تلك المعركة التي لم يكن قد خطط لها على مستوى رسمي.
وفي الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 9-5-1966 فتحت النار من جميع الجهات على قوات اسرائيل العاملة في الأراضي الاردنية وفي الدقائق الأولى كنا قد دمرنا 4 سيارات مسلحة والبلدوزر والكريدر لكن الاشتباك ظل مستمرا لوصول نجدات الينا حتى الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا حيث تدخلت هئية الرقابة التابعة للامم المتحدة واعتقد انها لم تتدخل الا بإيعاز من اسرائيل التي فقدت حتى تلك الساعة أكثر من 150 جنديا بين قتيل وجريح.
أما في اسرائيل فقد قامت مظاهرات في المناطق المحتلة من فلسطين تطالب بالانتقام لتلك المعركة التي قال عنها اسحاق رابين : أن جيش الدفاع الاسرائيلي لم يتلق مثل هذه الضربة التي خطط لها ضابط منحرف عن السياسة القائمة.
بعد تلك المعركة سرت اشاعات بين المسؤولين في اللواء بأن هناك مخططا للقضاء علينا والتخلص منا .. وبالفعل فقد ارسلت مع فصيل مشاة الى بلدة السموع التي كان من المتوقع مهاجمتها من قبل اسرائيل.
وفي صباح 13 تشرين الثاني 1966, كان اللواء المدرع السابع الاسرائيلي وبطارية مدفعية ميدان وسرية هندسة ميدان وسربان من الطائرات يقومون جميعا بالتقدم نحو بلدة السموع التي لم يكن فيها سوى فصيل المشاة دون أي اسناد.
كانت الساعة تشير الى الخامسة وخمسين دقيقة عندما تقدم رتل من الدروع باتجاه مخفر (رجم المدفع) المحاذي للحدود .. وكان اسحق رابين يعتلي برجا أقيم في مستعمرة ( طويل حميد) المجاورة لبلدة السموع ليشرف على العملية يراقبها عن كثب.
تراجعت مع فصيل المشاة بعد وصول رتل المدرعات بانتظار النجدة وبعد أن بدأ الهجوم باستخدام العدو صواريخ (س.س10 , س.س11) من نوع فرنسي اكتشفت اخيرا أن هذه الصواريخ موجهة الى فرقة النجدة بقيادة الضابط العملة التي قطعت 19 كيلومترا حتى ذلك الحين .
واستمر القتال .. لم نكن  متاكفئين في السلاح .. فهجم الجنود على الدبابات بسلاحهم الفردي وشاهدت بعيني بطولات يصعب تصديقها حتى أن صحيفة واشنطن بوست كتبت بعد ذلك -وقد كان مراسلها حاضراالمعركة - بأن الجنود العرب مجانين .. فقد شاهدتهم وهم يقاتلون الدبابة بالبندقية والخنجر. وتأكيدا لما أشيع عن مخطط للقضاء على هذا اللواء والانتقام منه أن جنود العدو دخلوا البلدة وهم يسألون الأهالي أين الضابط محمد العملة ؟.
 لكن الموقف الجماهيري والمقاومة كانت رائعة وخصوصا بعد أن شوهد قائد اللواء العقيد بهجت المحيسن يتقدم صفوف المقاتلين ويصاب في تلك المعركة .. كما شاهد الأهالي الضابط العملة ينزف الدماء ويواصل القتال ببسالة .. الى أن تحولت المعركة الى اشتباك بالسلاح الأبيض فكانت ملحمة بطولية)) .
انتهى الاقتباس من مصلح عبد الرحمن ...
2) شهادة للفريق العملة جاءت بعد  30 عاما على وقوع المعركة والذي آثر الصمت طيلة هذه السنين من باب الابتعاد عن الأضواء أو العيش على الانتصارات وتمجيد الذات, الى أن طرقت الصحافة بابه ليستعيد خلالها أحداث المعركة وفي هذا الاطار, كتبت صحيفة (( النهار)) المقدسية في عددها الصادر في 14-11-1996 مقالا بعنوان (( ثلاثون عاما على معركة السموع )) اللواء الركن (( أبو خالد العملة )) يستعيد الأحداث .
يقول رحمه الله : (( صباح يوم 13-11-1966 وفي تمام الساعة الخامسة صباحا أبلغتني قوات المراقبة الامامية انه يوجد تحرك للقوت الاسرائيلية باتجاه مخفر ( رجم المدفع ) جنوب قرية السموع والذي كان يتواجد فيه خمسة فرسان اردنيين وحظيرة مشاة مزودين بجهاز لاسلكي للاتصال فأبلغوني عن تحركات اسرائيلية باتجاه مواقعنا وبدوري ابلغت قيادتي عن هذه التحركات. فتوجهت مع قواتي باتجاه قرية السموع والتي تبعد عن مركز الظاهرية حوالي 19 كم ولما وصلنا الى السموع اصطدمنا مع قواتهم عند قرية رافات المؤدية الى مخفر رجم المدفع.وكان برفقتي قوة مؤلفة من فصيلين من المشاة في السموع تحت قيادة الملازم عارف محمد واتصلت بالجهاز مع كتيبتي ((كتيبة)) صلاح الدين الايوبي ((48)) وكان قائدها انذاك المرحوم الرائد أحمد غانم وأخبرته بهجوم على قرية السموع واشتبكت مع القوات المتقدمة والتي كانت تقدر بلواء دروع وكتيبة مدفعية تسانده اثناء الهجوم واربع مروحيات لنقل خسائره في المعركة من قتلى وجرحى يغطيه سرب من طائرات العدو اعترضتها طائرتان من سلاح الجو الأردني من طراز هوكرهنتر وقد استطاعو اسقاط احدى الطائرتين واستشهد قائد الطائرة موفق السلطي رحمه الله.
وبعد حوالي 40 دقيقة حضرت لنجدتنا سريتان احداهما بقيادة الشهيد الرائد محمد الهباهبة رحمه الله التي تقدمت عن طريق الظاهرية - السموع والثانية بقيادة النقيب صالح خليل زايد والتي حضرت عن طريق يطا - السموع وجرح قائد السرية ((علي مشارف)) من قرية السموع كما جرح العقيد بهجت المحيسن الذي حضر من كفار عصيون ليشرف على سير المعركة والشهادة للقائد بهجت ابلى شجاعة فائقة اثناء المعركة ونقل بعد جراحه الى المشفى في الخليل واستمرت المعركة بيننا وبين القوات المهاجمة حوالي خمس ساعات ابلت قواتنا شجاعة فائقة واستعمل في هذه المعركة السلاح الأبيض وقتل قائد القوات المهاجمة وعدد كبير من القوات الاسرائيلية بين قتيل وجريح واستشهد من قواتنا حوالي 17 شهيد واصيب عشرون.
وقد برر الاسرائيليون هجومهم على قرية السموع بحجة أن بعض الفدائيين من (فتح) وضعوا لغما لاحدى دورياتهم بالقرب من خط الهدنة شرق مخفر ((الاصيفر)) من أراضي يطا داخل المنطقة المحتلة مما تسبب باعطاب مدرعة وقتل جنديين اسرائليين ولكن الحقيقة ان ذلك جاء انتقاما لمعركة ((بيت مرسم)) والتي وقعت بتاريخ 10-5-1966 من قبل قواتنا على اثر معركة خربة رافات والتي شنتها القوات المعادية ليلة 30 -4-1966.
انتهى الاقتباس من محمد العملة ...
الأهداف الاسرائيلية الخفية التي تستر خلف العدوان:
هذه هي الحقائق الاساسية للمعركة طرحناها كما اوردها ممن امتطوا صهوة المعركة والتي تكشف لنا الجزء الأكبر والمهم في حقيقة ماذا حدث في الواقع الميداني تسمح لنا باكتشاف تلك القطبة المخفية وفق ما يقول اللبنانيون او كما قال السابقون: من عرف الجذور سهل عليه قراءة ما فوق الأرض. وبما يمكننا بالتالي الاجابة على السؤال لماذا حدث ؟
نستطيع أن نحدد في ثلاثة أهداف استراتيجية ونفسية اساسية في دلالة هذا التساؤل :
1) حماية الوضع القائم , وهو أحد الاهداف الثابتة للسياسة الاسرائيلية. أي تغيير في الوضع القائم في المنطقة هو تهديد لأمن اسرائيل. ويدخل في هذا   
(Deterrence) النطاق مفهوم مبدأ الردع 
وهو يتضمن عقاب المعتدي بل وسحقه والقضاء عليه. وبالرجوع الى التسلسل والمسلك التاريخي لمجريات الأحداث نستطيع القول أن واقعه السموع لم تكن واقعة مجردة منعزلة عن واقعها التاريخي بل هي أتت في سياق مواجهة متصلة للصراع العربي الاسرائيلي, وهي نتاج العديد من المناوشات والاحتكاكات والمعارك الساخنة على خط الهدنة بين القوات الاردنية والاسرائيلية في منطقة جنوب الخليل وكذلك عمليات التسلل والاغارة خلف خطوط العدو من قبل عناصر المقاومة الفلسطينية. ولعل أهم هذه التحولات التي حدثت هي معركة ((بيت مرسم)) والتي لا يفصل بينها وبين معركة السموع سوى ((6)) أشهر وكانت بالفعل نقطة تحول في الصراع بعد ليل النكبة العربي الطويل, وكان القرار التاريخي الذاتي لقائدها الضابط العملة (( أننا بحاجة الى رد الكرامة والشرف العسكري والثأر فلنصنع الثأر)) ووطنية وحمية وحماسة جنده للمواجهة والاستشهاد فكان لهم ما أرادوا وكانت مفاجأة للعدو أكبر من حدود أوهامه وتوقعاته ورهاناته من أن الجيوش العربية هي حارسة مجانية له. واصابته في مقتل مادي ومعنوي ونفسي وهو يحيط نفسه بهاله من القوة والعنجهية. في هذا الاطار نستطيع الاشارة الى هدفين فرعيين يساهمان بشكل أو باخر في الحفاظ على الوضع القائم :
أ) وضع حد لأي قدرة حقيقية على رفع راية التحدي والمقاومة والتي جسدها لواء حطين وبالتحديد كتيبة صلاح الدين الايوبي وقمع وافشال أو الحد من نشاط الثورة الفلسطينية وتصاعدها والقضاء على مناصريها المتواجدين في المواقع العامة للجيش الأردني.
ب) الابقاء على سلبية الواقع العربي ومنع بلورة ونمو ظاهرة الانسان العربي المقاوم التي بدأت ملامحها تتبلور وتتشكل في الفضاء العربي والتي تجلت في اسقاط عسكر الجيش الاردني ورجال المقاومة الفلسطينية نظرية الخوف التي كان يعتنقها الاخرون من حولهم واثبتوا جرأة عالية ونادرة في الوقوف ندا لند ضد هذا الزخم العسكري الصهيوني كما أسقطوا نظرية العدو بسهولة الاحتلال لديه واستحالة الحرب لدى العرب.ولقد شكلت تلك الظاهرة للعدو معاني مخيفة كماً وكيفا فعلى الجانب الكمي فقدت اسرائيل من جنودها وعتادها الكثير وبدون تحرك أي طائرة أو دبابة عربية, وعلى الجانب الكيفي بدأت روح المقاومة والمواجهة التي تفجرت تسري في عروق الذات العربية والفلسطينية واعادة ثقة الانسان العربي في قدرته على مواجهة اسرائيل وآلتها الحربية, على أن هذه الروح رأيناها تتعمق عقب معركة السموع لينقلب السحر على الساحر ولتخرج الجماهير العربية والفلسطينية في مظاهرات شعبية لتطالب بالتسليح والقتال والثأر ونشير منها الى تلك التي اجتاحت شوارع الضفة الغربية ومدينة الخليل وهي تهتف (( من اللد للرملة واحنا معاك يا عملة )) و((لا مدارس ولا تدريس بدنا العملة قائد جيش)) لذلك لم كن مفاجأة لأحد من الضباط والجنود عندما زار الملك حسين رحمه الله موقع المعركة والتقاهم أن سلم على الضابط العملة (( ثلاث مرات)) وشد على يديه قائلا له (( جعلك اللهم صخرة تتحطم عليها قوى البغي والشر والعدوان)) . ولتقليده وساما من أرفع الاوسمة تقديرا لجسارته ورجولته وقيمه الوظيفية العسكرية وثباته بالرغم من جراحه في أرض المعركة مما مكن القوات المسلحة الاردنية من ان تبقى متماسكة وجعلها تبذل جهدا دفاعيا شرسا ومخططا بتركيز على أهم نقاط التقتيل للقوات المهاجمة مما كسر حدة زخمها وأبطأ سرعة هجومها ودفعها في النهاية للانسحاب.
2) منع المنطقة من التكامل وتصفية منطق التضامن العربي. فمن المعروف أنه وقبل حرب حزيران 1967 ثم انشاء القيادة العربية الموحدة وقائدها الفريق أول ((علي علي عامر))وتكليفه ببناء الجبهة الشرقية وتدعيمها لمجابهة العدو, وأرادت اسرائيل ومن خلال هذه المعركة التسلل لمنع تحقيق هذا الهدف ولخلق البلبلة وابقاء الفرقة في الواقع العربي وهو ما لاحظناه في الاتهامات والاتهامات المتبادلة ما بين وصفي التل ((رئيس الوزراء الأردني)) آنذاك الذي عقد مؤتمر صحفي في 21-11-1966 عقب المعركة اتهم فيه القيادة العربية الموحدة بالتقصير, وقال أيضا أن العدوان على السموع كان بمثابة اختبار للقيادة العربية الموحدة. وقد وجه الفريق عبد المنعم رياض القائد العام بالنيابة رسالة الى الامين العام لجامعة الدول العربية في 22 نوفمبر نفى فيه هذا الاتهام.
3) ويرتبط بذلك هدف اخر نفسي مزدوج : من جانب خارجي يتمثل في عقاب وزجر لاهالي وسكان المنطقة وزعزعة الروح المعنوية والصمود لديهم لاجل حرمان المقاومة من بيئة حاضنة. ففي كل مرة يحدث فيها تسلل خطير من جانب المقاومة نلحظ الرد الثابت من الحكومة الاسرائيلية بنسف المنازل وهو ما تعرضت له خربة رافات في السموع عندما تعرضت للغزو الاسرائيلي مرتين الاولى في 30-4-1966 حيث اجتاحت اسرائيل القرية ونسفت أكثر من ((ثلاثين)) منزلا والثانية في 13-11-1966 حيث كانت طريقا لاجتياح بلدة السموع لاكثر من ((ست)) ساعات .ومن جانب اخر داخلي موجه يستهدف جمهورها الذي صحا من سكرة حب الجيش بعد الضربات المؤلمة والموجعة التي تلقاها, فارادت اسرائيل اظهار عدم عجزها عن ضبط الأمن داخل الأراضي التي تحتلها وكذلك رد الاعتبار لجيشها من خلال اظهاره عبر هذه العملية الوحشية.
كلمة أخيرة:
هذا ما لدي من معلومات ووثائق وهذه هي قرائتي لها قراءة تاريخية متصلة من منطلق لغة المنطق الصماء العلمية الرصينة المجردة ومن لديه معلومات تصحح معلوماتي أو تضيف لها فأنا ارحب بذلك احتراما وانصافا لذلك الشيخ الجليل الذي يقبع في عباءة الزمن يبحث عن الحق والحقيقة ذلكم هو التاريخ.
يتبقى أن نقول حقا كان يوم السموع يوما خالدا من أيام العرب التقت تضحيات جنود كتيبة صلاح الدين من لواء حطين في بيت مرسم والسموع ببطولات من تحمل اسمه واسم معركة انتصاره  في حطين عام 1187م. ذلك اللواء الذي اختاره القدر ليحطم اسطورة الجيش الذي لا يقهر مرتين : الاولى غربي النهر في بيت مرسم والسموع والثانية  شرقيه في الكرامة. والتي اعادت الكرامة لأمتها بعد هزيمة عام 1967 والتي تستوجب منا جميعا لأن نقف وقفات عدة : وقفة مع النفس وأخرى مع الوطن وثالثة مع التاريخ. وقفات تكفي لانعاش ذاكرتنا بالمعاني التي جسدها أبطال السموع والكرامة ورسموا سيمفونية الحب والاخوة الصادقة والوطنية الخالصة ولم تداهمهم أمراض الفتن والتشطير والطائفية المذهبية والاجتماعية والجغرافية. لقد قاتل العملة دون أن يعرف ذلك النجم الذي هوى وكان يحمي قواته على الارض اسمه موفق السلطي. ولقد قاتل المحيسن ولم يجل في ذهنه أنه ركن طفيلي وجنده من نابلس أو اللد والسبع أو من العقبة وعمان ولم يفكر الهباهبة وهو مندفعا بجرأة كهبوب الريح لنجدة العملة في شوبكيته وفي خليلية رفيق سلاحه. كل ما كانوا يعرفونه أنهم عرب اقحاح وطنيون وقوميون جمعهم النبل والشهامة والفروسية والايمان بعروبة فلسطين ووحدة أمتهم العربية.
ملاحظة أخرى جديرة أن ندفع بها في نهاية المقال لنقول لولا هذا النوع العلوي من الجنون وهزيمة المنطق المهان وقرار المواجهة في بيت مرسم والسموع والكرامة ولولا رصاصة فتح اليتيمة اطلقتها في هجيع الليل العربي الطويل وروائح الجنه التي استنشقها ياسر عرفات بقوة في حصار بيروت وعندما خرج منها قالو له الى أين ؟ قال الى فلسطين, لولا دفقة من هنا ودفقة من هناك تفوق حسابات العقل المعادي وتتجاوز خطوط الاعداء لتلاشت الامة وسقطت منذ زمن طويل تحت سنابك خيول الاخرين وانهار ميراثها الحضاري في عالم النسيان.
رحم الله فرسان معارك العز والمجد والبطولة في بيت مرسم والسموع والكرامة. رحم الله الختيار أبو عمار في ذكرى رحيله التي تتزاحم فينا مع كل ههذه الذكريات لا أحلى ولا أبهى ولا أجمل والمشرقة في صفحات تاريخنا المجيد.
وانت يا والدي رحمك الله استميح روحك وأنا أضعك في الضوء وبك وبرفاق دربك ونضالك يليق الضوء ولذلك نحن اليوم لا نطفئ شمعة بل نضيئها لك ولكل شهداؤنا وشهداء أمتنا الخالدة.