ليبيا: كابوس الفوضى وأحلام المصالحة بقلم:أ. فرج محمد صوان
تاريخ النشر : 2014-10-25
ليبيا: كابوس الفوضى وأحلام المصالحة بقلم:أ. فرج محمد صوان


نحن الليبيين قدمنا للأسف نموذجاً سيئاً للغاية سواءا على مستوى الوحدة واللحمة الوطنية أو على المستوى الديمقراطي وساهمنا بقصد أو بدون قصد في تدمير ما تبقى من بلدنا وها هي الجماعات المسلحة بمختلف مسمياتها منساقة خلف المؤتمر اللاشرعي وقياداته المتهاوية وحكومته التي لا تمتلك قرارها المستقل وقد زادوا من هم الليبيين بعدما لاح الأمل في الأفق البعيد بانتخاب البرلمان. والحقيقة انه فيما يتعلق بهذه الحكومات ومؤتمرهم لا نستطيع أن نرصد لها ولاء لوطنها الأم ليبيا، لأن ولاءاتها وانتماءاتها تنطلق اساسا من مصالحها الحزبية الأنانية التي تمتد خارج حدود الوطن حيث استطاعت هذه الفئة عبر عشرات الاساليب والطرق ان تجمع العائد الاكبر وثروات لا حد لها من اجمالي ناتج ليبيا القومي واستطاعت بذلك ان تقيم صلات وروابط قوية ووثيقة مع مختلف المؤسسات والمنظمات الغربية بل وحتى مع الجماعات والمنظمات الارهابية.
وها نحن اليوم نعيش أسوأ مراحل الانكسار والعجز بسبب سياسات المؤتمر وحكوماته الانتقالية والمؤقتة الضيقة المتتالية وآخرها ما يسمى بحكومة الانقاذ المكرسة لتفتيت ومصادرة القرارات المصيرية، من أجل مزيد من التشظي وتحويل البلد إلى كانتونات صغيرة يسهل التهامها الواحد تلو الاخر في الوقت الذي يتجه بقية العالم إلى التكتلات الكبيرة الضخمة من أجل مزيد من الحماية والقدرة على المنافسة.
إن الذين ينتمون إلى ليبيا ومصلحتها حقا لا ينبغي مطلقاً أن يشاركوا باسم الشعب الليبي لتقديم الوطن الليبي لذبحه لمجرد رغبة مجموعة في مواصلة حكم البلاد كما تريد وطالما أننا غير قادرين على ردعها في الوقت الحاضر لا يحق لنا أن نمنحها علاوة على ذلك الصلاحية المطلقة لسلخ وسحق شعبنا وبلادنا بأسمائنا وأن نوقع لها صك البراءة أيضاً بأيدينا؛ فالذين يقومون بدفع الناس إلى المشاركة في الحرب من أعضاء المؤتمر المنتهي الصلاحية وحكومته البائسة لا يمكن أن يكونوا حقيقةً إلا شركاء في جريمة الاتفاق على بيع البلاد والتنكر لكل نضالات الثوار وتضحيات الشعب الليبي.
فهل يحق لنا اليوم كليبيين أن نتفرج على ما يحدث لليبيا شرقا وغربا، جنوباً وشمالاً من تمزق وعبث بكرامتنا ومقدراتنا. نعم للوحدة فهي عزة وكرامة ليبيا شئنا أم أبينا لكننا في الوقت الحاضر نعيش في أزمة شديدة بسبب الاحتلال القائم من قبل سلطة فاشية مغتصبة للحكم في غرب ليبيا وينبغي على الجميع مناهضتها ليتسنى لنا جميعاً العيش بكرامة وإنسانية.
أما من حيث مكانة ليبيا فيفترض أن تكون من أقوى المحاور الإقليمية إنساناً ومكاناً وثروتةً وعمقاً إستراتيجيا بحكم موقعها الفريد وثروتها البشرية والمادية لكنها أفرغت من هذه المقومات بتعمد وأصبحت على عكس من ذلك تشكل مصدر قلق للجميع بعد أن أخرجت من دائرة الفعل الوطني والإقليمي والدولي بتعمد وفعل فاعل لكن ليس من الصعب على ليبيا استعادة مكانتها ودورها إذا تمكنت أولاً من تحرير نفسها وهناك إشارات إيجابية طيبة تلوح في الأفق وإن غداً لناظره قريب بإذن الله.
ثم إن انتهاكات حقوق الإنسان سواء ضد الصحافيين أو غيرهم في أي بلد تنم عن جهل مُطبق لمن يمارسها لاسيما ضد بني جلدته، ونحن في ليبيا بالذات يجهل ساستنا القيم والقيمة الإنسانية ويساوون الفرد بالحيوان، وإرتكاب هذه الانتهاكات على الصحافيين والنشطاء في بلادنا بشكل خاص الغاية منه الحيلولة دون تعرية مفاسد المتكالبين على السلطة وفشلهم الذريع في إدراة الدولة ولهذا يقومون بخطف الصحفيين والكتاب والنشطاء الحقوقيين ليتوقف صدور الصحف وظهور البيانات التي تكشف عوراتهم ويمنعون نشر أي مقال جرئ يفضح ادعاءاتهم متناسين بأن العالم أصبح في عالم الفضاء المفتوح فما لا يستطيع المرء نشره في الداخل سينشر في الخارج وسيصل إلى القارئ وهاهي المواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية في كل بيت ليبي وحتما سينكشف المستور وكل ما هو مخبأ عن الشعب الليبي فكيف سيقوم الساسة بحجبها وغيرها في المستقبل القريب؟
ان الحشود العسكرية في ليبيا ليست رسائل سلام , والجيش يُحشَد للحرب ولا يُحشَد لأي أمر آخر وهذا يدل على نوايا غير سليمة تجاه المستقبل خاصةً وأنه يأتي مع المماطلة والتنصل عن الإعمار لما تم هدمه طوال أربعة سنوات, والمماطلة في الإفراج عن السجناء ورجوع النازحين والمهجرين وبوادر أخرى سلبية.
لا يوجد أي بوادر إيجابية حالياً فقد توقفت عجلة السلام ونسوا ملف السجناء والمهجرين والمفقودين ووتعمدوا الهدم بدل الإعمار، ولازال الساسة الليبيين وبدون أي مبرر يماطلون ولا يقومون بأي خطوة إيجابية تجاه ذلك. والجميع يعرف أن الحرب قد شٌنت ابتداءًا لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية على أرض الواقع، وكان موقف الشعب واضحا وهو الدفاع فقط وليس من الصحيح ولا من المنطقي أن يقال لمن يدافع عن نفسه وعن وجوده ماذا حققت من مكاسب؟ أوماذا جنيت من دفاعك عن نفسك؟ فالمسألة واضحة فلا زال لدينا الفكر النيِّر وثقافتنا الإسلامية وكياننا الاجتماعي, وحتما سيفشل الذين أرادوا محونا إنسانا وفكراً وثقافة وعلماً ومشروعاً حضارياً.
تتوالى الصدمات الناجمة عن استمرار الحرب الدموية بين الأخوة الأعداء بالرغم من الاتفاقات الواهية التي لا تنتهي والجداول الزمنية المتلاحقة، وبرغم عقد الاجتماعات التي كان آخرها في غدامس برعاية أممية لأعلان بدء الحوار وتصريحات الفرقاء بأنهم سيقوموا بالواجبات الملقاة على عاتقهم إزاء شعبنا المشتت في الداخل والخارج، وهو الذي في مسيس الحاجة للأمن والسلام والعيش في وئام، فقد تجاهلوا حماية الحدود، وإعادة الإعمار، ومحاكمة السجناء، ورجوع النازحين وعودة المهجرين، ومعالجة الجرحى والمصابين، ومواساة ذوي الإعاقات الدائمة وأسر الشهداء...إلخ.
برغم كل ذلك تبين أن حرص الحكومتين الليبيتين على عقد اجتماعهاتهما في أقصى شرق البلاد بطبرق وغربها بطرابلس ما هو إلا دليل على اللاوطنية، حيث استمر القصف على المدن وزاد الخطف والاغتيال والقتل والحرق والنهب وعادت المهاترات وتبادل الاتهامات والتحريض والصراع على من يرابط في المطارات وعلى الحدود، وعلى مصرف ليبيا المركزي والميزانيات والرواتب، وحول أن المصالحة لن تتحقق إلا إذا أصدرت المحكمة العليا بدائرتها الدستورية الحكم على مكان انعقاد البرلمان المنتخب وكأن طبرق ليست ليبية أو من كوكب آخر. وهكذا فستستمر تراجيديا الحوار الليبية لتدور أحداث فصولها الأخيرة حول المسؤولية عن اندلاع الحرب وتقييم آثارها، وهل كان بالامكان تجنبها أم لا؟ وأخيرًا حول السلطة الواحدة والسلاح الشرعي الواحد.
ولكن ربما يتساءل المراقب للاحداث ما الذي يفسر استمرار الانقسام والحرب برغم اتضاح أهوالهما على ليبيا والليبيين؟
ويتضح أنه بالرغم من المخاطر والكوارث المحدقة بليبيا فالأمر كله يرجع إلى الخلاف والصراع على السلطة والتمثيل والقرار. كما أن استمرار الانقسام يرجع إلى العوامل والتدخلات الخارجية، خصوصًا العامل التركي السوداني القطري، والمصري الاماراتي السعودي والقادر على ممارسة كل أنواع التأثير في ظل استمرار التكالب والإصرار على التمسك بالسلطة. ويساهم في استمرار الانقسام أيضًا عدم مبادرة القوى الوطنية الاجتماعية الفاعلة بإنشاء قوة جديدة تقدم طريق الخلاص الوطني من خلال النظرية والممارسة التي تقدم النموذج الملهم والقادر على قيادة الشعب كما فعل القذافي يوما، وكما حاول الثوار أن يفعلوا ولكنهم لم يستطيعوا تقديم بديل ملموس بالقول والفعل.
كل ذلك يجب أن يحدث في ظل توفر قناعة إجماعية بأن طريق المفاوضات والحوار برعاية عربية أو أممية سيؤدي إلى حلحلة الوضع ويسحب ليبيا من الهاوية، ولكن هذا لا يعني عدم استخدام كل أشكال العمل السياسية والمقاومة المسلحة من دون اعتبارها هدفا في حد ذاتها، وإنما وسيلة لتحقيق الأهداف ومصلحة الليبيين الوطنية، ويجب حتى تكون فاعلة أن تكون جزءًا من إستراتيجية جديدة، وتخضع لمرجعية وطنية تحدد التوقيت والمكان وأشكال النضال المناسبة و تأخذ بالحسبان الظروف والخصائص المميزة لكل قبيلة ليبية أو أي حزب سياسي وتكون واعية بتأثير المتغيرات والمستجدات العربية والإقليمية والدولية.
إن ما يمنع المصالحة الحقيقية واللحمة الوطنية التي هي كلمة السر التي يمكن أن تفتح أبواب التلاقي والحوار والوحدة هو أن كل طرف يعتقد أن من حقه وبمقدوره وحده قيادة ليبيا من دون مشاركة القوى الأخرى إلا كملاحق ذيليّة يمكن استبدالها. وهذا الأمر يقود إلى اتباع سياسة الإقصاء للطرف الآخر، وعندما تتخذ خطوات وحدوية يتم ذلك مؤقتًا وتحت ضغوط اضطرارية، إذ إنها تكون تكتيكًا وليست إستراتيجية، والوحدة ضرورة حتمية وليست مجرد خيار من حلول عدة، وعندما يتم التعامل معها على هذا الأساس سيتم طَي صفحة الخلاف إلى الأبد.
ولكن وللأسف، ما بين تعنت المؤتمر وترهاته وإصرار البرلمان وقراراته ضاعت الوحدة واللُحمة الوطنية وأخذت معها الثورة والأمل الليبي في التحرر والانعتاق النهائي. ولذلك يجب أن تكون المصالحة على أساس أن يأخذ كل طرف ما يمثله في الساحة الليبية بناء على نتيجة صندوق الاقتراع الذي نتج عنه البرلمان الطريد في طبرق الآن، وعلى أساس الوفاق الوطني ومبادئ ثورة 17 فبراير وتعديل بعض القوانين التي أصدرها المؤتمر المنهي الصلاحية كقانون العزل السياسي وأشباهه.
لا يمكن أن تتحقق الوحدة من خلال المناشدة والمطالبة وانتظار صحوة الضمير فقط، وإنما عبر الضغط الشعبي المستمر الذي يرفض الانقسام والتشظي بغالبيته، بما في ذلك معظم أعضاء وكوادر "فجر ليبيا" و"الكرامة" و"جيش القبائل"، ومن مصلحته الوحدة، وعندما ينظم الثوار والنشطاء والحقوقيين والكتاب و ومنظمات المجتمع المدني وباقي الشرائح الفعالة من اساتذة ومعلمين واطباء وباقي الذين يعبرون عن الإرادة الشعبية انفسهم بصورة كافية لفرض إرادة الشعب بالوحدة وفرضها على عناصر وجماعات فجر ليبيا بقسورتها والبرلمان بكرامته والقبائل بجيشها؛ عندها فقط يمكن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ويمكننا القول أن ليبيا استعادت عافيتها.
أما الانتظار حتى يتمكن طرف من هزيمة الطرف الآخر نتيجة تطورات خارجية عربية أو إقليمية، أو التعايش مع الانقسام والاكتفاء بإدارته انتظارًا لإقصاء حكومة لأخرى والى أن يقضي الله أمرا كان مفعولًا، فهو مجرد وصفة للانتحار السياسي وللخراب والدمار والهلاك ومزيدا من التشظي والانقسام والتطرف الذي عانينا ولا نزال نعاني منه.
نعم، نريد حكومة واحدة تمثّل حقًا وفعلًا الشعب الليبي داخل الوطن وخارجه، وقيادة واحدة، وإستراتيجيات واحدة، وحكومة انقاذ وطني حقًا تكون أداة لخدمة ليبيا ومواطنيها، ووزاراتها وأجهزتها الأمنية وكل هيئاتها تخدم الشعب والمصلحة الوطنية، ونريد جيشا واحدًا يدافع عن ليبيا وليس مليشيات ليبية متناحرة فيما بينها كما نريد برلمانا واحدا يخدم ويرعى مصالح الشعب الليبي ويراقب الحكومة التي تنبثق عنه وهذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التوافق الوطني والحوار والاتفاق على البديهيات والمسلمات. هل هذا سهل؟ طبعا لا، هل هو مستحيل؟ بالتاكيد لا، إنه صعبٌ جدا ولكن فقط بركوب الصعاب وتحديها يمكننا تحقيق الأماني والأحلام والأهداف الكبيرة.