للـيـبـيـيـن فقــط! بقلم:أ. فرج محمد صوان
تاريخ النشر : 2014-10-24
للـيـبـيـيـن فقــط! بقلم:أ. فرج محمد صوان


للـيـبـيـيـن فقــط!
إنه من العيب على الحكومة الليبية أن تصل بها الأوضاع الأمنية إلى هذا المستوى السيئ، إن تفاقم الاتساع المخيف للفساد الإداري والمالي للأجهزة الأمنية والعسكرية وتدهور قطاع الصحة وتأخر التعليم وتراجع عائدات النفط بالاضافة للحرب "البشعة" الممتدة منذ قرابة الأربع سنوات في جميع انحاء البلاد، كل هذا يرفع من وتيرة عمليات التجنيد بين الشباب الذي يعاني من البطالة واليأس وفساد السلطة، ويحفز التعاطف الكبير مع المتشددين الاسلاميين ودعاة الفدرالية ويزيد من إشعال وتيرة شغب وفوضى القبائل المسلحة والعصابات الاجرامية.
وإن لم يؤمن الليبيين بضرورة الحوار بينهم ويبادروا بالإصلاحات اللازمة في الشؤون المالية والإدارية ويؤكدوا على استقلالية ونزاهة الأجهزة العسكرية والأمنية على حد سواء. كما إن من شأن اسناد مناصب القيادة في الأجهزة التنفيذية والأمنية والاستخباراتية إلى قيادات وطنية مستقلة جديدة ونظيفة بعيدة عن بؤر الفساد، ليس همها تركيز أجهزتها على قمع الديمقراطية والمعارضة السلمية والمحاباة لصالح حزب سياسي معين، سيصب في صالح تعزيز وتقوية أمن البلد من جهة، وسيفعّل الاستقرار الأمني المستقبلي على الأراضي الليبية من جهة وشمال أفريقيا من جهة ثانية. كما يجب التركيز على جمع المعلومات حول الشخصيات المشتبه في انضمامها لجماعات ارهابية أو الداعمين لوجستيا للإرهاب على المستوى الاقليمي والدولي وتنفيذ عمليات اعتقال بحقهم لكي لا يؤثروا سلبا على الأمن القومي الليبي.
وإن لم يقوم الليبيين بكل هذا وسريعا فإنهم سيحولوا ليبيا الجديدة الفتية والمفعمة بالحياة إلى مقبرة كبرى للأحياء: ساسةً، وجيشًا، وشعبًا.
أما ما يوجد الآن من مؤهلات الرؤساء والقادة العسكريين ليست بمختلفة عن مؤهلات عصابة نظام القذافي التي تحاورها الحكومتين الليبيتين ليل نهار، فوق الطاولة، وتحت الطاولة، منذ سنوات طوال. وهي مؤهلات ليست مغايرة للقتل، والاعتقال، والسلب، والنهب، والحرق، وغسيل أموال المخدرات، وأرهاب الدولة، وخنق أنفاس المعارضين حتى قبل أن يتنفسوا؟!
ويبدو أنه لو أستمر الحال على هذا المنوال من إرهاب وتزوير لإرادة الشعب الليبي عامة بدعم وللأسف عربي واسلامي وغربي فحتما سيعي الشعب الليبي ويعرف أنه فقط بالثورة الشعبية المسلحة التي تقتلع المفسدين من دون أستئذان، سيتحرر وإلى الأبد من اللذين لا يعرفون إلا مشاهدة الإرهابيين ولا ينطقون ببنت شفه. وعندها فقط ستستيقظ كلتا حكومتي ليبيا في طرابلس وطبرق التي وبرعاية أسيادهما المشتركين في تركيا، قطر، مصر، السودان، السعودية، الامارات، وغيرهم من الامريكان والغرب الذين لايعرفون إلا كتمان أسرار الماضي حتى الموت، والأستمرار في تضليل الرأي العام الليبي والعربي والأسلامي والدولي ومواصلة سلسلة (مكافحة الأرهاب) إعلاميا مع تواصل تجنيده وتهريبه من زنزانات ومعتقلات أجهزتهم على مختلف انواعها السرية، وبعدها قتله قصفا بطائرات (الناتو الحبايب أو غيرهم؟) ولكن فقط عندما يخرج عن السيطرة أو على طاعة أولياء أمر الأرهاب!
لقد أختلف القتلة، واللصوص، والإرهابيون ولكن افتضحت الجريمة بالكامل فالقارئ الواعي لما يجري حقيقة في ليبيا من جرائم وحشية فاشية وفظائع دامية وفضائح مخزية وبوائق يندي لها جبين كل إنسان حر يعرف تماما لماذا يتم ضرب أي حزب أو تكتل أو تحالف وطني حتى ولو كان على مستوى الأسرة الواحدة.
إن لم يتم الاتفاق في حوار الأخوة الأعداء في غدامس أو حتى الجزائر وتركوا أحزابهم وتكتلاتهم السياسية جانبا واعتنوا بالأزمة القائمة وآمنوا بحق البحث والتشاور والتجمع والاتصال والاتفاق على خطاب وطني من شأنه إنقاذ البلاد ولا ينشغلوا بامتلاك إمكانيات أو قدرات خاصة للزعامة أو حتى فكرة الوصول إليها لأن هذه ليست قضيتنا فحتما سيصلون لما يتمناه كل ليبي عاقل يخاف من ربه وعلى وطنه.
يجب على الكل التفكير ببرنامج ومشروع وطني تحتاجه ليبيا فعلا وبحاجة ماسة إليه وأن يؤكدوا على ضرورة نبذ الفرقة وتوسيع دائرة العمل الاجتماعي والدعم الاقتصادي والسياسي لإنجاحه وبشكل مختلف عما هو واقع الآن لأن العدو الذي نواجهه غير محدد ومتداخل في مجتمعنا ويستعمل الفتنة كأداة له ولذا فهو عدو من نوع خاص يطور من نفسه وإمكانياته باستمرار ويرتدي الوانه وأشكاله التمويهية بحسب التطور البيئي والخارجي الذي يعيش فيه ليعيد إنتاج وتجديد نفسه بما يلائم المتغيرات ومتطلباتها، ويعتمد في ذلك على تشتيت كل الجهود الرامية للإصلاح ويدرك أن وجوده لا يستقيم مع النهضة الحقيقية في كل مجالات الحياة لكل الناس لا سيما العلم والتعليم أو ازدهار الليبيين ورفاهيتهم. باختصار إنه لا يستطيع أن يعيش خارج دائرة الطفيليات التي تعتمد في بقائها على امتصاص دماء مجتمع قبلي منقسم وأحزاب سياسية لا تفكر إلا في نفسها وأيديولوجياتها وبرامجها ولذا فهو يعمل على تكريس كل هذه العوامل حتى يصبح، حسب ما يتصوره، في زمن ما يمتلك القدرة التي يفتقدها حالياً لإدارة مجتمع نامي مزدهر وهذا في اعتقادي من الصعب الإتيان به في ظل عقلية تحكمها هذه المعايير المتطرفة العقيمة والمتخلفة.
وإن بقى الوضع على ما هو عليه فسيشعر الكل بالحسرة على إهدار الوطن الذي حُرمنا منه عنوة وسيشعر الليبيين ببالغ الأسى والحرقة والألم المضاعف وسيحاول الجميع التعبير عن رفضهم لهذا الإحساس بشتى الطرق والوسائل. وأما إذا قمنا بتوسيع دائرة العمل الجماعي كمشروع وطني حضاري سيتمكن العالم بأسره من سماعنا وسنلفت انتباهه إلى مجتمع يمتلك كل المقومات الحضارية والتاريخية ولديه من الثروات البشرية والمادية ما يؤهله للعيش الطيب والسلمي في أحضان القرن الواحد والعشرين وليس في عصر الفوضى العنجهية والتطرف والعبودية، وسيتجاوب الجميع ويتفاعل معه الكل من قبل مختلف الأوساط الليبية التي فقدت ثقتها بالأعمال السياسية التقليدية والنمطية الساعية لتحقيق مصالح أنانية من خلال قيامها بمشاريع ترقيعية صغيرة ومؤقتة.
فالأزمة الليبية الراهنة التي لا يحق لنا أن نصفها بأزمة، لأنها كارثة بكل المقاييس وبدأت في التحول إلى مرض وبائي مُعدي وأكبر وأهم ضحاياه هو الشعب الليبي وقيمه الأصيلة وأخلاقه الحميدة. لذلك لا يمكن حل هذه الكارثة بشكل ترقيعي أو تلفيقي بل ينبغي اقتلاعها من الجذور وهذا يتطلب إرادة شعبية جماعية وعمل دؤوب ومثابر وليس عمل فردي والغيث دائما ما يبدأ بقطرة.
لقد تفاقمت الاوضاع بشكل لم يستطع الواقع المعاش تحملها فانتقلت هواجسها وهمومها ومعاناتها إلى رؤوسنا ورؤوس أبنائنا وبناتنا ومستقبلهم ولابد لنا من أن نستفيد من فرصة الحوار مع بعضنا البعض وأن نستخدم جميع الوسائل المتاحة مثل وجود المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها وتسخيرها للمصلحة الوطنية.