الثورة الليبية: الواقع والمأمول بقلم: ا. فرج محمد صوان
تاريخ النشر : 2014-10-12
الثورة الليبية: الواقع والمأمول  بقلم: ا. فرج محمد صوان


الثورة الليبية: الواقع والمأمول
ان الثورة كما نعرفها هي فعل مضاد عادة ما يسبب التغيير الجذري والاجتثاث لنظام عادة ما يكون فاسدا وإقامة نظام آخر بأي شكل من الأشكال لتقوم بالتصحيح الإيجابي الجدي لأوضاع خاطئة ووضع منظومة جديدة لنظام جديد اكثر عدلا والبدء بتأسيس دولة الحرية والمساواة التي لها سيادتها ومعترف بها من الجميع.

والمتأمل في طبيعة ما يجري في ليبيا وللأسف الشديد يجد انه عبارة عن صراع مستمر ومستميت على السلطة والمنصب والكرسي المنحوس الفاني والملعون وسمسرة ومتاجرة بدماء الشباب والبسطاء لأجل تحقيق مارب ومصالح شخصية وسياسية لا علاقة لها بالثورات ولا تمت لها بأي صلة ولا تعير اهتماما بالتغيير والتجديد.

صحيح قامت ثورة ليبية في السابع عشر من فبراير ولكن تم تفريغها من محتواها بحماية مسلحة ومتاجرة بالدماء لكي تصل القوى السياسة الفاعلة في ذلك الوقت إلى ما ترنو إليه من مكاسب سلطوية .. والآن يتم تفريغ الثورة بنفس الطريقة حيث تحول الفاعل غير الرسمي في ليبيا وهي حركة الاخوان المسلمين آنذاك إلى فاعل رسمي وقوي اليوم بعد دخول مسلحيه طرابلس والسيطرة عليها من خلال مسلحين باسم فجر ليبيا وقسورة وإسقاط خصومهم السياسيين بقوة السلاح والانقلاب على اختيار الشعب الليبي المتمثل في برلمانه المنتخب وموافقة بطريقة مهينة له وكسر شوكة حكومة الثني بعد نهب مسلحي الحركة معسكرات الدولة وسلاحها الذي هو أساساً ملك للشعب باعتبار إن ذاك السلاح غنائم حرب.
وهكذا لا تم إسقاط نظام ولا محاسبة فاسدين فأي ثورة تلك التي تتاجر بدماء البسطاء وتوقع اتفاقات سلم وشراكة ؟؟!!

والان وبعد هذا كله نجد ان النتائج لم تكن بالشكل المطلوب والذي طمح اليه شهداء الثورة والشعب الليبي من اعادة نفخ الروح في الموءتمر المنتهية ولايته وتشكيل ما يسمى بحكومة إنقاذ وتعيين رئيس للحكومة يسير على هواها فما كان منها إلا إخراج الناس من جديد إلى الشوارع وسفك دماء ليبية جديدة للوصول إلى ما يريدون غير مبالين بالتبعات الكارثية التي لحقت بأباء وأمهات تألموا لفقد أطفال لا ناقة لهم ولا جمل في حروب الكراسي الدائرة في بلدي أطفال يتموا ونساء ترملت.

كان الأجدر بالثوار أن يقسطوا النظام ويشكلوا مجلس قيادة ومجلس عسكري لادراة البلاد وتأمينها بدل خطابات وتصريحات لا معنى لها على شاشات التلفزيون .. كان الأجدر بهم أن يظهر الناطق بسم قيادتهم على شاشات التلفزيون ليقول للناس انه تم إسقاط النظام ووضع رئيس الوزراء قيد الإقامة الجبرية وتعطيل العمل بالإعلان الدستوري وحل مجلسي النواب ومجالس شورى الثوار وتشكيل مجلس رئاسي يقوم هو بتشكيلة ومجلس عسكري أيضا وإعلان دستوري مؤقت وإعلان الفترة الانتقالية الجديدة بمدة محددة وجدول زمني محدد لصياغة دستور جديد واستفتاء شعبي عليه والدعوة إلى انتخابات رئاسية ونيابية وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقة ويطالب جميع القوى الموجودة على الساحة بتنفيذ أوامر اللجنة العسكرية لحفظ امن وأمان البلاد وتسليم اللجنة كل الأسلحة المنهوبة او التي استولى عليها الثوار إبان الثورة.


أما فتح القنوات الخاصة والعامة وأشباعها بتلك بالبرامج الحوارية الساخنة والخطب الحماسية التحريضية لتأجيج الوضع وسفك المزيد من الدماء لا يذكرني إلا بما كان يفعل أسلافهم خلال الأعوام الأربعة المنصرمة وطيلة ال(44) سنة الماضية ..انهم لم يأتوا من اجل الشعب الليبي، وانما من اجل الكراسي والسلطة فقط، وتستمر حكاية الثورة والبرلمان وفجر والكرامة وجميعهم يعتبر الاخر عملاء ومرتهنون للخارج الكل ينفذ أجندة خارجية والمأساة ان كل طرف يتهم الأخر ويتهم الخارج .. يريدون تحقيق أهداف على حساب البسطاء والجلوس على الكراسي لممارسة الفساد وتحقيق مصالح خاصة والنيل من الخصوم، وكل ذلك تحت مظلة النظام الفاسد والسابق وبذريعة إن كل شيء يأتي بالتدريج.


وعليه اقول: الثورات لا تنتظر الحلول من الخارج، الثورات لا تنتهي بحوارات وتوقيعات ومبادرات ومحاصصات وشراكة .. الثورة دائما تنتصر للشعوب المظلومة والمضطهدين وتحقق احلام البسطاء ولا تسفك دمائهم.

وعلى كية حال فان الحوار بين فرقاء الوطن الان لليبيا خطوة جرئية على خطى تثبيت المصالحة وتصفية النوايا و حسنها هذا على أقل الواجب الذي يجب أن يظهر من الطرفين (فجر والبرلمان)، حيث يجب على كل منهما أن لا يخذلا الشعب الليبي هذه المره الذي مل من الممطالة في تطبيق المصالحة التي روستها أوراق الإتفاقيات العديدة بعيد عن واقع المواطنين.

كلنا أمل أن تتمكن الحكومة والبرلمان سريعاً من ان إنهاء كافة المشاكل التي تحتاج للمعالجة سواء كان على مستوى ملف المصالحة أو على مستوى حاجات المواطنين وتحسين حياتهم وظروفهم المعيشية، وأن يتم توحيد ليبيا شرقها وغربها بشمالها وجنوبها لتكتمل اللحمة الوطنية ولكي تعطل كافة المخططات المغرضة لتدمير ما تبقى من ليبيا.

وفي النهاية لا يفيدنا كليبيين إلا أن ننهض نحن كليبيين بحقوقنا ، أن نتعاون نحن ، أن نكون يداً واحدة وساعداً واحداً للوصول إلى العدل ، إلى تحقيق العدالة ، إلى معالجة كل المشاكل وحلها ـ حلها على أساس من العدل ، هذا هو الذي يفيد ، الآخرون لم يصنعوا شيئاً لأي مظلوم ليبي لا في الشرق ولا في الغرب ولا الجنوب ، لأي مكون (أمازيغي، عربي، تارقي، تبوي) لأي منطقة (تاورغاء، بني وليد، ورشفانة) ، كل الفترة الماضية لم يصنعوا شيئاً وما يمكن أن يصنعوه لن يصنعوه لمصلحة أي ليبي ، بل لمصلحتهم هم فيما يتأمرون به وفيه ومن خلاله علينا كليبيين , وبالتالي لا ينخدعنّ أحد لا ينخدعن أحد بأي طرف إقليمي أو دولي ، نحن أبقى لبعضنا البعض ونحن كليبيين المعنيون أساساً بشأننا وأمرنا وينبغي أن نفكر بإنصاف بتجرد بمسئولية وبتفهم وفق أسس سليمة ، تجاه أي موقف أي قرار أي توجه ، بعيداً عن الرهان على الآخرين أو الاعتماد على الآخرين ، أو الاستجابة العمياء لما يملى من جانب الآخرين أو يقدم من جانب الآخرين الذين لا يهمهم إلا أنفسهم ولا يفكرون بنا كليبيين أبداً ، فالتحريك بهذا الموضوع وإثارة البلبلة في هذه المرحلة في هذه بالذات هو للتشويش علينا وللعمل على ايجاد عراقيل وعوائق ومطبات أمام الاستحقاقات والمكاسب الثورية ، ولذلك نأمل أن يكون شعبنا واعياً ومدركاً مسئوليته ، لأنه بقدر من نكون كشعب ليبي بقدر ما نكون عليه من الوعي وبقدر ما نكون عليه من التحلي بالمسئولية سيتحدد مستقبلنا ومصيرنا ، ولن يكون الآخرون هم من يرسمون هذا المستقبل أو يتحكموا في هذا المصير إلا إذا نقصنا الوعي أو نقصنا التحلي بالمسئولية .