شلت كل أياديكم بقلم:ا. فرج محمد صوان
تاريخ النشر : 2014-10-10
شلت كل اياديكم


"فجر ليبيا تَتَحَمَّل المسئولية" قالها البَعْض، "الكرامة تَتَحَمَّل المسئولية" قالها البَعْضُ الآخر، وقال آخرون أيضاً "القذافي يَتَحَمَّل المسئولية"، أرى أنَّنَا جميعاً نَتَّحَمَّل المسئولية بمَنْ فيهم مَن هُجِر ونزح وفر ولكن !!!، لزاماً علينا أمام المجتمع الدولي الصراخ عالياً "ما يسمى فجر ليبيا وغيرها التي تحتلّ أرضنا ودمرت بلادنا ومِنْ ثمَّ هجرتنا ونهبت وحرقت بيوتنا والأخضر واليابس بمساعدة البعض مِنْا هي مَنْ تَتَحَمّل مسئولية ما يحدث في ليبيا عامة و ورشفانة خاصة قبل الحرب وأثناءها وما تلاها من أحداث"، أنظروا الى الجلّاد ولا تلوموا الضحيّة على صراخها المرتفع، مِنْ غير المنطق أن تستمّر مناكفتنا السياسية فيما بيننا فالوقت الضيِّق المتاح أمامنا سيقطعنا انْ لَمْ نقطعه.

مِنْ المستهجن أن نجِدَ بين ظهرانينا مَنْ ينتصر لفكره على حساب أبناء الشعب الليبي، كذلك الشيء - ولن أقول الانسان – الذي فَرِحَ لسماعه نبأ نزوح الأهالي من منطقة سهل الجفارة (ورشفانة) وانفرجت أساريره أكثر وأكثر حينما سمعَ نبأ حرق الكثير من منازلهم وممتلكاتهم، فهؤلاء وليمة سياسية جاهزة له سيقضي ساعات طويلة في سرد وفتح مناحة سياسية معيَّنة على حساب خصمه السياسي الآخر، والخصم السياسي نفسه لن يدخّر مجهوداً في الردّ عليه، وهكذا نحن من ردْحٍ لردْحٍ والمهجرون والنازحون وأنصارهم مستمرون في الزيادة يوماً بعد يوم.

مِنْ الملاحظ أيضاً أنّ جهتيْ الردح تفتقدان الى الأرقام الحقيقية للمهجرين والنازحين والى ظروف مَنْ هجروا، ولا حتى ملابسات تهجيرهم معروفة لديْهم، ما يجيدونه فقط هو الردح وردّ الردح، ما يقوم به الرادحون هو تطبيق للعبارة التالية "اختلفنا من يخوِّن الثاني أكثر"، الانتقاد بالعموميات دون تشخيص للمشكلة هو ما يجيدونه، رغم أنَّ عدم تشخيصنا الجيد لحقيقة صراعنا مع أنفسنا أوصلنا الى ما نحن فيه الآن، حقّاً لُدِغنا كثيراً ومن نفس الجحر، حتى ملَّ مَنْ لدغنا مِنْ مذاق دماؤنا.

أخي القارئ ... ما قرأته أعلاه هو غيظٌ من فيض، هو واقع يتكرّر معنا داخلياً ليبياً على فترات مع كل موجة اختلاف سياسي بين طرفيْنا الكبيريْن شعبياً يبدأ من أعلى وينتشر الى أسفل كالنار في الهشيم ويبدأ كل شخص يدافع عن فكرة طرفه دون أدني اعتبار للمنطق أو أدنى اعتبار لأشخاص فقدوا ويفقدون وسيفقدون حياتهم نتاج اهمال مجتمعي دفَعَهم للتهجير والنزوح، كنّا معَهم أم لم نكن، اتفقنا معهم أو اختلفنا فهذا ليس له أهمية الآن، بوصلتنا يجب أن تتجّه نحو أسباب التهجير والنزوح ودوافعها ليس لذكرها والتأمل في سطورها فحسب، الهدف متمثِّل في القضاء عليها أو على الأقل الحدَّ من معدلاتها المرتفعة بجنون في ليبيا، جنون قادم لتدميرنا اجتماعيا ونفسياً وحتى اقتصاديا، ما يريده شعبنا المعالجة، معالجةً منعاً للتقتيل والتهجير والنزوح قسرا لا اختيارا.

لا يخفى على أحد بأنَّ موضوع التهجير القسري تصدّر اهتمام الشارع الليبي بشكل خاص عقب ثورة 17 فبراير وحربها التي استمرّت لأكثر من سبعة اشهر متتالية سحقت الشجر قبل الحجر والانسان ولكن في النهاية صمَدَت الثورة أمام ارهاب دولة، وقتها فرح الشعب بأفكار الثورة الجديدة التي صَمَدَت من أجل مبادئ وقيم إنسانية يتطلع نحوها كل المسلمين واحرار العالم أجمع وليس الليبيين فقط حيث أشار خطاب التحرير الذي ألقاه عبد الجليل ولو بطريقة غير ذكية إلى التوجه لتطبيق الشريعة الاسلامية وإلغاء كل القوانين التي لا تتماشى مع ديننا الحنيف، ولكن لو علم الليبيون آنذاك أن الثورة التي هبوا من أجلها جميعا (ولو بعدم الانحياز لإرهاب الدولة والقتال معها) أنهم سيُقتَلوا ويهجروا من قبل نفس الثوار الذين وقفوا معهم (ولو بالدعاء لهم بالنصر بظهر الغيب) لكانوا قد انظموا كلهم للكتائب ووقفوا مع القذافي حتى لا يحدث لهم ما حدث.
حتى وان لم يكن موضوع تهجير تاورغاء وغيرهم سابقا بجريمة ومجرد زوبعة إعلامية، فالأكيد أن هذا التهجير الموجّه ضد أهالي منطقة سهل الجفارة (ورشفانة) مرتبط بشكل أساسي بالحرب التي انتصر فيها شعبنا الليبي بصموده ضد الإرهاب. هُمْ فجر ليبيا، أنصار الشريعة، مجالس شورى الثوار (طرابلس وبنغازي، أو داعش درنة وغيرهم) يريدون قتْل الروح المعنوية العالية لشعبنا الليبي والتهجير مجرّد مرحلة من المراحل ولهذه المرحلة مفاهيم عسكرية أمنية عميقة مرتبطة بصراع أدمغة حيث تسوقها الأجهزة الأمنية التابعة لهم وتنفذها ميليشياتهم الارهابية ولكن الشعب الليبي يتصدّره مقاومته وجيشه الوطني الباسل وأعتقد أنَّ اللعبة ستتكشَّف عمّا قريب انْ قرَّر البعض أن يفهم، وليفهم هذا البعض أنّ متاجرتهم والمراهنة بمستقبل ليبيا لصالح حزب معين، جماعة بذاتها أو حتى منطقة بعينها، سيكونون هم الخاسرون فيها لا محالة، وهنا أذكرهم بأن ليبيا أغلى من أي شيء وأكبر مِنْ أنْ نقارنها بأي دولة.

لو تطرّقنا الى موضوع تهجير ورشفانة وأنّ الدافع الأكبر لتهجيرهم هو هاجس وجود ما يسمى أزلام القذافي بالمنطقة، قد يكونوا محقِّين في اعتقادهم ولكن لا يجب اغفال أنَّنا كمجتمع ليبي يتحمّل مسئولية ليست بقليلة في ذلك، فالتكافل الاجتماعي أصبح شبه مفقود داخل العائلات، أنا لا أدرى حقَّاً كيف يشعر الليبيون الذين لديهم ابناء، اخوة، أبناء اخوة أو حتى معارف ثاروا من اجل تحرير ليبيا و في سبيل توفير وضع اقتصادي أفضل لليبيين، لا أدرى كيف يستطيعوا النوم الآن وهم يعلمون أنَّ هؤلاء انفسهم هم من يقتلون، يحرقون ويهجرون في أهالي ورشفانة وغيرهم الآن، حقَّاً لا أدرك كيف سيهنئ هؤلاء بحياتهم مستقبلاً، الحلّ السحري يكمن في التكافل الاجتماعي فما في ليبيا من مال يكفي أحفاد أحفادنا، فلماذا اذن كلُّ هذا الحقد ولصالح ِمَن؟.

التهجير مِنْ الوطن له مذاق مرّ سيجربه كلّ من هُجِر، يقيننا بأنّ مَنْ هُجِر سيشعر بقيمة الوطن الحقيقية، ليبيا العزة والكرامة، سواءًا كان مع فجر ليبيا أو مع الكرامة أو حتى من ازلام القذافي، شعور يفتقده الكثيرون حقيقةً لا خيالاً، هذا مؤكد مهما كانت انتماءاته الفكرية والسياسية.

يجب الالتفات الى أنَّ المشكلة الكبيرة ليست في التهجير بحجة الازلام بحد ذاتها ولكن الاشكالية تكمن في دافع الحرب، وطريقته، والهدف منه، ومدته، أسئلة كثيرة متداخلة يجب الاجابة عليها ويجب علينا أيضاً تَذَكُّر أنَّ الغاية لا تبرِّر الوسيلة.

مُشكلتنا الأكبر أنَّنا فقدنا الآلاف من شبابنا نتيجة حرب الرابح فيها خاسر، الاف ليسوا مندَسِّين ولا خونة، الاف دفعتهم الظروف، الاف مِنْ أبنائنا، الاف مِمَّن عاشوا معنا أوقات الثورة العصيبة، الغبيُّ مَنْ يقاتل أخيه بسبب حجج واهية واتهامات باطلة، ولهذا الغبي وأمثاله أقول لكم "شلت كلُّ أياديكم".

مَنْ يخون ويكفر ويهجر ويقتل أخاه الليبي ويسعد لذلك، هذا شخصٌ يجب أن نتأكّد من ليبيّته استغراباً واستهجاناً لا تخويناً وتكفيرا ولا حتّى اتّهاماً.

ما نحتاجه فعلاً هو دراسة علمية متكاملة لما حدث بعيدة عَنْ أيّ تجاذبات سياسية، وما يلزمنا ليبياً هو تكافل سياسي اجتماعي اقتصادي على الأرض تطبيقاً، أمَّا ان استمرّت شعارات الانحياز والتخوين والتكفير فهذا هو الجنون بعينه. ولو استمرّ الأداء السياسي الليبي على حالته، سيتحوّل حلم الصغار بمستقبل مُشرق وطموح الكبار لحياة أفضل إلى كابوس وسيكفرون بالسياسة وكافة مصطلحاتها، ولا تنتظروا يا ساسة حينها الا رصاصة حارقة خارقة في منتصف جباهِكُم، سئمنا من تَشَتُّتِنا وكلُّ الناس تتجمَّع، مَلَئتُم فِكْرَنا كذباً وتزويراً وتأليفا، نولِّي جُهالِنا علينا وننتظرُ الغبي مخرج.

عن الشعب ... اعلموا انَّ هذا الشعب ذاق بكم ذرعا فكُفّوا عن الشعب بلاويكم وكفاه كذبا وظلما وبهتانا، واذكركم بأنه شعبٌ ينتصر أو يموت.