قبسات من تاريخ آل عسّاف بقلم: وضحة سعيد شعيب
تاريخ النشر : 2014-09-13
قبسات من تاريخ آل عسّاف

بحث ومتابعة: الحاجّة وضحة سعيد شعيب
كاتبة عربيّة مهتمّة بشؤون وقضايا الأمّة, من ريف بلاد بعلبك في بقاع وطن الأرز لبنان.

جمهرة آل عسّاف هم جماعات كثيرة تنشر في سوريا ولبنان وأنحاء في الوطن العربي, منهم من يعودون لأصول عربيّة وآخرون غير ذلك...
وقد عرف لبنان جماعة من آل عسّاف تركمانيّة, كانت متأمّرة في عجلتون وبيروت ثمّ إنقرض سلطانهم على يد الأمراء السّيفيين الأكراد...
آل عسّاف اللبنانيين هم جماعات عديدة. منهم في جهات جزّين وبيروت والجبل, هؤلاء على النّصرانيّة, وموارنة في الغالب... ومنهم في البقاع الشمالي بجهات غربي مدينة بعلبك ببلدة بوداي وفي جهات مدينة الهرمل ومنهم من سكن الضّاحية الجنوبية لبيروت في الحدث وفي الأوزاعي, وهم مسلمون شيعة... ومنهم في بلدة نيحا ومدينة بيروت وفي بلات عيتات وبشامون وعقبة وراشيّا والورهانيّة وكفرنبرخ وهم موحّدون دروز ومنهم سنّة في البقاع وبيروت...
آل عسّاف يعودون بقديمهم إلى بني تميم, إرتحلوا عن الحجاز إلى العراق في أزمنة الفتح, وسكنوا مدينة البصرة عند قيامها... ثمّ إرتحلوا عنها شمالا متدرّجين على مجرى نهر دجلة, وإستقرّ بهم المقام في الموصل بالعراق, وعاشوا أوائل القرن الهجري الخامس في تلك الدّيار, الّتي كانت تهيمن عليها الدّولة العقيليّة, وإعتنق منهم من إعتنق المذهب التّوحيدي الدّرزي في تلك الجهات... وظلّوا هناك حتّى بدء الحروب الصّليبيّة, ثمّ إرتحلوا إلى مدينة حلب ومنها إرتحلوا إلى لبنان, ونزلوا منه بجهات بلدة العزّونيّة والباروك, ثمّ إختاروا أماكن جديدة لسكنهم, وسكنوا الغرب التّنّوخي في بلدات عيتات وبشامون, ومنهم فرع إرتحل إلى بيروت وسكنها...
يقول الدّكتور هشّي عنهم: أنّهم في بيروت تعاطوا التّجارة من قديم الزّمان, وبرعوا وبرحوا أموالا طائلة, وأقاموا لهم في بيروت مضافات, وضافهم الشّيخ شبلي عبد الملك, العائد من المنفى في العام 1865 للميلاد, ثمّ شبلي الأطرش بعد عودته من المنفى سنة 1894 للميلاد, وله في مدحهم قصيدة شعبيّة... وآل عسّاف هؤلاء منهم أطبّاء ومهندسون ورجال أعمال ناجحين, وأنّ أحدهم الدّكتور سمير عسّاف, يقول عنه الدّكتور هشّي, أنّه سجّل في الولايات المتّحدة الأميركيّة حوالي العشرين إختراعا, ومنهم نجيب عسّاف بطل العالم في الملاكمة حيث مُنح الحزام الذّهبي سنة 1936 للميلاد في البرازيل...
وعائلة عسّاف هم من عشيرة بني عساف أحد فروع قبيلة بگد التركمانية، حكم آل عساف لبنان في الفترة المملوكية وساعدوا الأتراك العثمانيين على المماليك البرجية (الجراكسة) في معركة مرج دابق وكان مركزهم طرابلس، بعد أن دب الضعف في زعماء آل عساف أصبحت الفرصة مواتيةً لآل سيفا الكردية خاصةً بعد أن ازداد حقدهم وأطماعهم ببني عساف فقاموا باغتيال الأمير منصور العسافلي وشنوا هاجوماً بشكل مفاجئ على بني عساف الأمر الذي اضطرهم على الفرار إلى جهات مختلفة ومنها إلى بيروت ووادي التيم والجولان وبلاد بعلبك عام 1590 للميلاد ولهم تواجدٌ في قرية كفر نفاخ التركمانية الجولانية وبعض نواحي بلدات وقرى لبنان وفي نواحي السويداء في الجنوب السوري...

في سنة 1516 حكم الأمير "عساف التركماني " كسروان وجبيل والبترون وعكار ، وامتد حكمه بعدئذٍ الى بيروت وحمص وحماه ، فجعل عاصمته " عزير " واستعان بالمشايخ ابناء " حبيش " فقرّبهم اليه واتخذ منهم مستشارين او معاونين له في الحكم ، ومن مستشاريه الشيخ ابو منصور ( يوسف ) وأخوه الشيخ ابو يونس ( سليمان ) لما اتصفا به من حصانة في الرأي ورباطة في الجأش وحسن التدبير . فوثق الأمير بمعاونيه من آل " حبيش " وأطلق يدهم في الحكم . وقد ذكر الخور اسقف " بولس قرألي " ، بأنهم افتتحوا اعمالهم بمساعدة الموارنة الذين كانوا محصورين في شمال لبنان ، ما بين البترون وجبيل وجبة بشري وعكار ، فنزحت كثرة منهم على الأثر الى كسروان والفتوح .
وفي سنة 1518 ، لما تولّى الحكم الأمير " قيتبيه " ابن الأمير " عساف التركماني " قضى على الشيخين يوسف واخيه سليمان حبيش بالنفي الى مصر ، لأنهم تعاونا مع اخويه الأميرين حسن وحسين اللذين قتلهما غدراً في بيروت .
وفي سنة 1523 توفي الأمير " قيتبيه " العسافي ، فتولى الحكم مكانه الأمير منصور وهو ابن اخي الأمير حسن .
وفي سنة 1528 ، حنق محمد آغا شعيب والي طرابلس على الأمير منصور عساف ، لأنه ناصر الأمراء اولاد سيفا الأكراد الذين قتلوا اهل عرقا اقاربه ، فأوفد الأمير منصور اليه الشيخ يوسف والشيخ سليمان الحبيشيين على رأس خمسماية مقاتل ، فكمن الجند عند حارة الحصارنة ولما دخل الشيخان جامع طينال ( بطرابلس ) لإجراء المحاسبة ، وثبا على محمد آغا فقتلاه هو وابنه ، بحضور القاضي . ولما استفتي القاضي في امرهما ، برّأ ساحتهما من دم القتيلين .
وسنة 1534 ، طفق عبد المنعم يسعى لدى الأمير منصور العساف في اهلاك ولدي " حبيش " فلما بلغهما ذلك اعلما الأمير " منصور " بالمؤامرة المدبرة لقتله بين عبد المنعم والأمراء الحرافشة . فأمرهما الأمير بقتله ، فداهماه في داره ليلاً بجوار سراي الأمير وقتلاه ، وقتلا معه احد عشر رجلاً من بني عمّه . فطاب خاطر الأمير وجعل الشيخ ابا منصور " يوسف " واخاه الشيخ " ابا " يونس " سليمان حبيش مدبرين له .
وكان الشيخ حبيش ، من موارنة يانوح ، في جبّة المنيطرة ، وقد انتقل في اوائل العهد العثماني الى كسروان واستقر في غزير ، قاعدة آل عساف ، ودخل ابناؤه واحفاده في خدمة الأمراء فاستعان بهم الأمير منصور ، الذي ولّي الامارة عام 1523 ، في القضاء على مناوئيه من الشيعة وغيرهم ، وهكذا عظم شأن آل حبيش حتى اصبحوا الأسرة الاولى ، بعد الأمراء في المنطقة . واصبحت لآل عساف عن طريق آل حبيش ، صلة بالموارنة في بلاد طرابلس ، فأخذ ملتزمو الحكم في طرابلس يلزمون المناطق المارونية للأمير منصور ، موكلين اليه تدبيرها وجباية اموالها ، ونجح منصور ، بمساعدة آل حبيش ، في ضبط المناطق الموكولة اليه . وامتد حكمه مع الزمن حتى شمل جميع بلاد طرابلس عدا المدينة ، كما شمل مدينة بيروت ، وكان الموارنة في جميع هذه الانحاء يرون في الأمير العسافي صديقاً وحامياً لهم . وصارت لآل حبيش زعامة يعترف بها جميع ابناء الطائفة .
وكانت زعامة آل حبيش من نوع جديد لم يألفه الموارنة من قبل . اذ لم تكن دينية كهنوتية كزعامة البطاركة ، كما انها لم تكن محلية ضيقة كزعامة المقدمين ، ولم يكن هناك اي تنافس بين البطاركة والمقدمين ، بل بالعكس ، اذ كان آل حبيش شديدي الغيرة على مصلحة الكنيسة المارونية ، يحمونها من جور حكام طرابلس ويدعمون بطاركتها ضد مقدمي بشري الذين استمروا يناوؤنهم من وقت الى آخر . وكان المقدمون منذ عهد المماليك ، في بشري وغيرها من القرى والمناطق ، اشبه ما يكونون برؤساء عصابات ، يفرضون هيبتهم على الشعب بالقوة ويبذلون معظم جهدهم للمحافظة على مصالحهم الخاصة ولاسترضاء ممثلي الدولة في طرابلس حتى لو كان ذلك على حساب كنيستهم وطائفتهم . اما آل حبيش ، فارتكزت مكانتهم بين الموارنة على قربهم من آل عساف وقدرتهم على خدمة مصالح الكنيسة والطائفة عن طريق الأمراء .

وتمكن آل حبيش ، كوكلاء للإمارة العسافية ، من الاطلاع على شؤون البلاد الداخلية والخارجية الى حد لم يتمكن منه غيرهم ، فاصبحوا ذوي خبرة واسعة ، واصبحت لهم علاقات قوية مع النافذين في مختلف المناطق التابعة لآل عساف ، وكذلك مع زعماء المناطق المجاورة ، ولربما اتسعت اتصالاتهم الى ابعد من ذلك ، ووضع آل حبيش خبرتهم وامكاناتهم في خدمة كنيستهم وابناء طائفتهم دون حساب اذ كانوا ، بسبب قربهم من الأمراء ، في غنى عن ذلك .
وعطف الأمراء العسافيون على الموارنة واعتنوا بهم اعتناءً لم يصدر عن حاكم من قبل . ولم يكن حكم آل عساف من النوع ذاته الذي عهده الموارنة عند حكام طرابلس ذلك ان نواب طرابلس المماليك ، ومن بعدهم الولاة وملتزمو السنجقية في العهد العثماني ، كانوا يمثلون حكماً اسلامياً قائماً على الشرع يضع مصلحة الاسلام والمسلمين مبدئياً ، فوق كل مصلحة . اما آل عساف ، فكانوا مسلمين سنيين من ناحية الدين ، الا ان حكمهم كان قائماً على عرف اقطاعي وتقاليد محلية وبعيدة كل البعد عن الشرع . وكانت مصالحهم كأمراء مصالح اقليمية لا تمت الى العصبية الدينية بصلة . وهذا ما افسح في المجال لدخول الموارنة كعنصر فعّال في الأمارة العسافية . والتقت مصالح الطائفة المارونية ومصالح آل عساف مادياً ومعنوياً فنشأت بين الفريقين وحدة حال لم يأنس لها المسلمون وممثلو الدولة العثمانية في طرابلس ودمشق .
وتخوّف العثمانيون من تعاظم شأن آل عساف ، وجدوا في البحث عن منافسين لهم في بلاد طرابلس للحدّ من سطوتهم . ووقع اختيارهم على يوسف سيفا ، كبير زعمار عكار ، فأخذوا يقوّونه ويرفعون من شأنه . وما حلّ عام 1579 حتى اعيد تنظيم بلاد طرابلس كولاية منفصلة عن دمشق ، فأطلق على يوسف سيفا لقب الباشوية وعيّن بكلريكياً ، اي والياً عليها . وانكسرت على الأثر شوكة آل عساف في المناطق الشمالية من جبل لبنان ، الا انهم بقوا اسياد الموقف في كسروان حيث خلف الأمير محمد والده منصور عام 1580 .
ولم يعتل الأمير محمد عساف عرش ابيه حتى شعر به يتقلقل تحت قدميه . ففي السنة 1590 ذاتها توصل يوسف باشا سيفا الى ايقاع الأمير محمد عساف في كمين بين البترون والمسيلحة وغدر به بينما كان هذا الأخير ذاهباً لمحاربته ، فانقرضت به دولة بني عساف اذ لم يكن له ولد يخلفه . وفي السنة 1593 تزوج سيفا باشا ارملة ضحيته ووضع يده على جميع املاك آل عساف واموالهم ، وقيل انه وجد في خزانتهم مائة كرة من القروش ، وقتل من كواخيهم الشيخ سليمان والشيخ منصور والشيخ مهنا اولاد حبيش ، ولجأ الشيخ يونس والشيخ حبيش اولاد الضحايا الى الأمير محمد بن جمال الدين التنوخي في المناطق الدرزية . فجعل الباشا سيفا بني حماده بدلاً من الحبيشيين ، وانتقلوا جميعاً مع الست من غزير الى طرابلس .
جاء وصف غارة المماليك على كسروان سنة 1305 على لسان المؤرخ صالح بن يحيي الأمير البحتري الدرزي المتوفّي في أواسط القرن الخامس عشر كما يلي: "جهّزنايب دمشق جمال الدين اقش الافرم الى الكسروانيين وجمع جمعاً كثيراً نحو 50 الفاً، مع نايب طرابلس ونايب صفد...واجمعت عليهم(الكسروانيين) العساكر ووطأت ارضاً لم تكن اهلها يظنون ان احداً يطأها وقطعت كرومهم واخربت بيوتهم وقتل منهم خلق كثير وتمزقوا في البلاد ... فاخلى ما كان تأخر في جبال كسروان وقتل من اعيانهم جماعة ثم اعطوا اماناً لمن استقر في غير كسروان ,وجعل الناظر في بلاد بعلبك وجبال الكسروانية بهاء الدين قراقوش " [1]. وعن تبدل طبيعة الاستيطان يقول:"وفي السنة التالية اقطعوه للتركمان وعرفوا بتركمان كسروان(وهم ال عساف).
وعن الدفاع تجاه المماليك يقول البطريرك الدويهي :"ان الدروز اتحدوا مع الكسروانيين في الدفاع عن ارض الوطن ضد المعتدين المهاجمين من جهة دمشق وغيرها . وكان عدد المحاربين الدروز عشرة الاف مقاتل بقيادة عشرة امراء، حيث دافعوا في عين صوفر ومغارة نيبيه".
بعد استيلاء المماليك على كسروان وبهدف تامين حماية السواحل من غزوات جديدة للفرنجة تم تنظيم حراسة البلاد بواسطة جماعات متحركة من الانصار مثل آل عساف الذين تولوا كسروان بين 1306 و 1590 (وآل سيفا فيما بعد الذين تولوا الشمال أواخر القرن السادس عشر) وال بحتر الذين تولوا بيروت والساحل الجنوبي، وهكذا اصبح لبنان ساحلا وجبلاً تحت حكم امراء مسلمين يعينون بدورهم المقدمين الموارنة كأتباع لهم في كسروان ولبنان الشمالي.
قام المماليك ايضاً بخطةٍ إستيطانيةٍ جديدةٍ يصفها كتاب التاريخ المدرسي كما يلي: "عمد المماليك إلى توزيع المناطق على أعوانهم ، فأقطعوا كسروان للعسافيين والعرب وبيروت للتنوخيين ، وذلك منعاً لنزول الصليبيين إلى البر وحرصاً على أن لا يتمّ بينهم وبين الكسروانيين أيّ اتصال " [6] وهذا المقطع غنيٌّ عن أيّ تعليقٍ. فوجود القرى الإسلامية ناحية ترشيش مثلاً، سببه مراقبة مرفأ بيروت لصالح المماليك... "وفي النهاية، قام المماليك بردم المرافئ لمنع أيّ إنزالٍ بحري.
خلال حكم آل عساف على كسروان حيث كانت غزير مركز حكمهم اتت جماعات من الشيعة من مناطق بعلبك واستوطنت في فاريا وحراجل، وجاء مسلمون سنة من البقاع واستوطنوا ساحل علما وفيطرون كما انتشر استيطان الدروز في عدة قرى من المتن بعد سيطرتهم على الشوف وعاليه.
وجامع السرايا في لبنان
يعرف باسم جامع الأمير منصور عسّاف الذي امتدت إمارته من نهر الكلب إلى حماه كما أُطلق عليه إسم جامع دار الولاية، وسُمّي بجامع السرايا لقربه من سراي الأمير عسّاف أو دار الولاية، نسبة للقصر الذي أنشأه الأمير فخرالدين
المعنى الثاني أمير جبل لبنان وبيروت، وقد كان هذا القصر مركزاً للحكم في بيروت، كما أشارت بعض المصادر إلى أن نسبته هي للأمير محمد عسّاف وهي الأصح وهو محمد بن الأمير منصور عسّاف التركماني.
يقع هذا الجامع شرقي الجامع العمري الكبير على مدخل سوق سرسق، وتجاه الزاوية الجنوبيّة الشرقيّة

لبناية بلدية بيروت الممتازة، وقد أزيلت الدكاكين القديمة التي كانت بمدخله الحالي ، وكان يوجد بالقرب منه حارة لليهود وجنينة بني الدّنا، والباب الشهير بباب السرايا أو باب المصلى وهو أحد أهم أبواب بيروت.
ويتضح من دراسة بناء هذا الجامع، بأنه أقيم على قطعة أرض كان عليها في السابق مبنى دير وكنيسة أتباع القديس فرنسيس الأسيزي، التي سبق أن أقيمت في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي.
ومن خلال دراسة للجامع يُلاحظ بأنه ثبت على حائطه الشرقي لوحة من الرخام الأبيض عليها ثلاثة أسطر يعلوها العلم العثماني
فلدى دخول العثمانيين لبنان، كان آل الحنش السنّة يحكمون البقاع، والشهابيون المسيحيون يحكمون وادي حرمون ووادي التيم، والمعنيون الدروز يحكمون الشوف، وآل عساف التركمان يحكمون كسروان حتى عكار
وهذه اسماء العائلات التركمانية من آل عساف في الجولان (عسافليلر) آل سيف (كفر نفاخ) آل علي جان(كفر نفاخ) مداوالر (القادرية) آل ضاهر(كفر نفاخ) آل بيبو(كفر نفاخ)...