قبسات من تاريخ الحرافشة بقلم: وضحة سعيد شعيب
تاريخ النشر : 2014-08-12
قبسات من تاريخ الحرافشة

بقلم: وضحة سعيد شعيب

يعود أصل الحرافشة إلى اليمن حيث أصل العرب العاربة، منها خرجت قبيلة خزاعة شمالا، ومن فرعها الخزعي في بلاد العراق, خرج المسمّى حرفوش من قبيلة خزاعة مع حملة الصحابي الجليل أبي عبيدة بن الجراح لفتح الشام، وإسم حرفوش عجمي ومعناه يرتبط بالجلد والتأهب للقتال.
دخل جيش أبي عبيدة إلى دمشق بغير قتال، وحين توجه جزء من الجيش لإمارة بعلبك في البقاع اللبناني لفتحها، عقدت لحرفوش الخزعي راية بقيادة فرقة من الفرق، وفتحت بعلبك واستقر لحرفوش الخزعي بها المقام، وطاب له العيش والسكن، فتزوج وأنجب البنين والبنات، وتشعب نسله وكثر, ليكون أسرة موفورة العدد, سكنت العديد من القرى في البقاع اللبناني خاصة، حيث بدأت النشأة تاريخيا في الساحل السوري اللبناني فالدّاخل، ومنها خرجت هجرات لفروع وبطون من الحرافشة قاصدة مختلف الأقطار العربية في الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر الميلادي.

حكم آل حرفوش الجانب الأكبر من سهل البقاع اللبناني في بعلبك وكرك نوح وغيرهما، وإمتد حكمهم إلى شمالي فلسطين وأنحاء من سورية. وهم أصل الأسرة الحرفوشية لأنهم استمروا حيث عاش مؤسسها ومات، وكانت عاصمتهم بعلبك، واستمر حكمهم من 1390م وحتى 1865م ... وأول من تولى حكم البقاع من الحرافشة كان الأمير يونس آل حرفوش، ومازال من آثاره في بعلبك جامع النهر، وداره بجوار قلعة بعلبك، حيث كان موطنهم بــلاد بعلبك، وكانوا من البأس والسطوة على جانب عظيم، وكانوا السائدين في تلك البلاد، والمتسلطين على أهلها وأموالها، ورافقت إمارة الحرافشة إمـــارة المعنيين والشهابيين، وانتهت وإمــارة الشهابيين في عام واحد تقريبا سنة 1865م)...
نذكر منهم الأمير علي آل حرفوش، الذي قاد معركة منتصرة ضد جنود الأقرع بن قنبر، وقتل منهم فوق الألف مقاتل وفيهم الأقرع نفسه وأرسل الرؤوس لتعرض في دمشق، وكانت نهاية هذا الأمير الشجاع باغتياله على يد الحاكم التركي في الشام... ولم يعرف عن الحرافشة غلو في الدين ولا طائفية، ولعل هذا مما يميزهم في ذلك الزمان، وبينة هذا أنهم اتخذوا من عائلة المطران التي ينتمي إليها شاعر القطرين العظيم خليل مطران مساعدين ومستشارين وكتبة لاتساع ثقافة المطارنة.
ويذكر التاريخ قتال آل حرفوش ضد أسعد باشا العظم حاكم دمشق العثماني عام 1159م، ثم يذكر معركة دارت بين الأمير حيدر بن حرفوش صاحب بعلبك، ومصطفى باشا حاكم صيدا التركي عام 1168م، وانتهت بمقتل الأمير حيدر، وقد عرف عن الأمراء الحرافشة بوجه عام مقاومتهم الصلبة للمستعمر العثماني، والتي من جرائها أعدم سليم الأول واحدا من أشهر أمرائهم هو الأمير حسين آل حرفوش، ومن أشهر معاركهم كذلك معركة عنجر التي واجه فيها الأمير يونس آل حرفوش فخر الدين المعني وحلفاءه من الشهابيين والسيفيين، وانتهت بهزيمة الحرافشة أمام المعنيين.
وحصلت معركة كبيرة عام 1598م بقيادة الأمير موسى بن علي آل حرفوش، لخلع ابن سيفا وتنصيب الخازن في طرابلس، وكانت بمباركة من العثمانيين، ومن أروع وأمجد صفحاتهم القومية هي مشاركتهم في مقاومة الاحتلال الفرنسي بفرقة قوامها ألفي وخمسمائة فارس في معركة عيندارة.
وساد حكم الحرافشة لنواحي بعلبك وسرعين والبقاعين، ولسيرة الأمير علاء الدين حرفوش الأثر في قتال تركمان كسروان، وسيرة الأمير يونس آل حرفوش وحلفه مع فخر الدين المعني، وغير ذلك من أخبارهم، إضافةلتفصيل سيرة الأمير علاء ونضاله في كسروان حتى مقتله في عام 1393م، ليكون بهذا أقدم من ذكر من أمراء آل حرفوش، وهو من حرافشة الجبل من الدروز, وقد ولاه المملوكي برقوق سلطان مصر على كسروان وعهد له بقتال التركمان العصاة،.
وذكر التاريخ الأمير عمر آل حرفوش ومحاولته الإطاحة بالشهابيين من حكم بعلبك بقتل فارس الشهابي ثم صلحه معهم، وتعاون الأمير يونس آل حرفوش مع فخر الدين المعني ضد العثمانيين والعديد من الأخبار الفرعية.

بدأ اضطهاد الشيعة في لبنان، منذ شاعت فتوى ابن تيمية المعروفة بتكفير كافة الفرق المخالفة لمذهبه، وتركز الاضطهاد والعنف ضد الشيعة في شمال ووسط لبنان، فانتقل الكثير من الأسر الشيعية لإمارة بعلبك، إذ كانت الوحيدة حينذاك تحت إمرة بني حرفوش الشيعة، واستمر هذا حتى أفل نجم الأمراء في لبنان بحلول زمن القائمقامات عام 1863، ومعه أفل نجم بني حرفوش، حيث تسلم منهم القائمقام عبد الحليم حجار السلطة، ثم حكم عليهم بالنفي من البقاع عام 1866م، فنزح بعضهم إلى القرى المسيحية، وبخاصة جزين وما حولها، واعتنقوا المسيحية مع التبشير الفرنسي لاحقا، وقد احتفظ كثير ممن بقوا من الأسرة في لبنان بلقب الأمير الشرفي كما جرت العادة في لبنان حتى اليوم.

تميّز زمن الحرافشة باهتمامهم للبعد الديني للأسرة، إذ نبغ منها العديد من علماء الدين ومراجع التقليد البارزين، سواء في الطوائف السنية أو العلوية أو الشيعية، ومن العلماء العلويين الشيخ حسين حرفوش الذي كان عالما شهيرا بسوريا وله عدة مؤلفات في العلوم الدينية أشهرها "مناهل المدد في أسئلة الوالد والولد" وكتاب "من هو العلوي" المرجعي في مجاله، وقد كان مناصرا لثورة الشيخ صالح العلي الشهيرة في جبال العلويين، وقد أبلى آل حرفوش فيها بلاء مميزا في معارك مقرمدة وطرطوس وبانياس.
وينتسب آل حرفوش من السنة في فلسطين للأمير سلام بن حرفوش الخزعي، والذي سكن في بلدة بيت نبالا في فلسطين وله هناك ضريح ومزار، ومن بيت نبالا امتد الحرافشة إلى خربتا المصباح وما حولها، واشتغلوا بفلاحة الأرض ومنهم من نزح إلى شرق الأردن وسكنوا مدينة المفرق ووادي السرحان بأعداد كبيرة. ومن حرافشة لبنان نزح العديد عقب سقوط إمارة بعلبك كحرافشة مصر.
إتصف الحرافشة بالكرم والشجاعة والغيرة، مقرونة بالظلم والاصل العربي، ومن خلال هذه الصفات انطلقوا لتأسيس امارتهم في بلاد بعلبك والبقاع منذ مطلع القرن السادس عشر حتى 1850م وحاولوا ان يربطوا بعلبك بجبل لبنان مثلما كانت في الحقبة الفينيقية واليونانية والرومانية، فالوشائج الحضارية كانت متينة بين بعلبك وبيروت المستعمرتين في العهد البيزنطي.
وقد اهتم الامير يونس الحرفوش باستغلال سهل البقاع, فاعاد الى سهل البقاع ثوبه الاخضر الذي ارتداه في العهد الروماني يوم كان اهراء استانبول، فاحيانا كان يبعث القمح لينوب عن الاموال السلطانية المقررة على بعلبك.
واستقبل الحرافشة الشعراء وسمعوا مدائحهم واجازوهم، واشهر الشعراء الذين عثر على قصائدهم هم: عبد الرحمن التاجي البعلبكي – نقولا الصايغ الحلبي – السيد محمد الحسيني وطرز الريحان البعلي.
وبعد انهاء حكم الحرافشة انتهى عهد حكم الاقطاع في بعلبك وتحولت الى لواء بعلبك وشرقي البقاع يشرف عليها متصرف او قائمقام, وكان تيمور باشا اول قائمقام لبعلبك واقتصرت مهمته على مطاردة الحرافشة لكنه اخفق فعزل سنة 1851م وخلفه فرحات باشا ثم صالح زاكي وصولا الى محمد باشا اليوسف، وظلت بعلبك رأس لواء حتى سنة 1817 عندما سلخ عنها شرقي البقاع وتحولت الى قضاء. واستقبلت بعلبك الاستعمار الفرنسي باستنكار واسع ورفض مطلق عبر عنه مئات الشباب بعصيان مسلح ما لبث ان انتهى وتم اعلان ضم بعلبك الى لبنان في 3 اب 1920 عندما اعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير، وتحولت بعلبك الى قضاء وعدد سكانه في ذلك الحين 32128 نسمة ويتألف من خمس مديريات.

هذا ولعبت بلدة الكرك شمالي زحلة دورا سياسيا بالغ الاهمية من حيث كونها مقرا لولاية البقاع العزيزي الى جانب بعلبك، ومقرا لولاية البقاع‏البعلبكي، واستفاد الامراء الحرافشة من موقع الكرك التي آلت اليهم سلطتها من اسرة آل الحنش، بعد معركة دير زيتون سنة 1003 هر1594 م.
كانت الكرك قلعة حصينة للحرافشة، وهي من المعاقل التي نما فيها نفوذهم وساعدهم على تسلم زمام الحكم في بعلبك، وكانت منطلق تحركاتهم نحو بعلبك شرقا، وباتجاه‏قب الياس ومشغرة غربا. اختارها الحرافشة لغلبة التشيع على سكانها منذ عهد مبكر، وكانت ملاذ رجال الشيعة لما يدهمهم خطر الحكام.
وحصل حريق الكرك بعد معركة شرسة داخل المزار وفي المئذنة التي كانت آخر مواقع الدفاع عن البلدة، حتى نفدت ذخيرة المدافعين عنها، فقام جند فخر الدين المعني بنهب‏الكرك واحراقها. قال الصفدي: ((وحرق العشير جميع البلد حتى لم يبقوا بها بيتا واحدا بلا حريق)).
لكن الكرك، وبعد هذه الماساة، ما لبثت ان نهضت من كبوتها، اذ جدد الحرافشة بناءها، بفضل موقعها المهم على حدود امارتهم، وظلت ملاذ امرائهم عند حلول الملمات، وكانت‏احيانا تخرج من ايديهم، عندما تغضب عليهم السلطات التركية، وتوعز الى والي الشام ان يمنح حكم بلاد بعلبك والبقاع الى امراء محليين، او ولاة يدفعون مبالغ طائلة من‏المال.
وفي سنة 1680 م.، تولى امير حاصبيا، فارس الشهابي، الملقب بالكبير، بلاد بعلبك والبقاع، لقاء رشوة قدمها لوالي دمشق.
فتوجه الشهابي بالفي فارس واحتل الكرك، ثم تقدم‏الى نيحا، واقام فيها، ما اغاظ الحرافشة، فاستنجد الامير عمر الحرفوش ب‏آل حمادة الشيعة، فجمع رجالهم ودهم الامير فارس الشهابي ليلا في قرية نيحا بجوار الفرزل،وانجلت المعركة عن سقوط الامير فارس صريعا مع خمسين رجلا من جماعته.
وهكذا استعاد الحرافشة سلطتهم بالقوة على بلاد بعلبك والكرك. واستمر العداء مع السلطات‏التركية، ما حمل الامير عمر الحرفوش على مغادرة البقاع الى بلاد جبيل، اقام عند الحمادية الشيعة، وما لبث ان توفي هناك سنة 1683 م. ودفن في طرزيا، فعينت الدولة‏العثمانية ابن صدقة على سنجقية بعلبك وتدمر ووادي التيم.
وعندما زار الرحالة الفرنسي جان دي لاروك بعلبك سنة 1689 م، اشاد بجهود الحرافشة في استغلال خيرات سهل البقاع وخصبه، ورغم هذا الازدهار كثرت مشاكلهم مع ولاة‏دمشق، ودبت الخلافات داخل الاسرة، التي تفاقمت مع ولاية الامير جهجاه الحرفوشي، الذي اضطر للتنازل عن الكرك ونواحيها الى الامير بشير الشهابي.