"أودنيس وعشتروت" فؤاد الخشن بقلم: رائد الحواري
تاريخ النشر : 2014-08-04
"أودنيس وعشتروت"

هذه الملحمة صادرة في عام 1965، عن دار مكتبة الحياة، بيروت، رغم عدم شهرة الشاعر "فؤاد الخشن" إلا انه ترك إنتاجا شعريا استثنائيا في الساحة العربية، فقد استطاع في هذا الديوان ان يجمع العديد من المسائل، أولا الأسطورة " بعل/ أودنيس/ تموز وعشتار/ عشتروت/ أنانا" فالملمحة الأسطورية تم تقديمها للشارع العربي، بصورة تتماثل تماما مع طبيعتها، فعناك مشاهد الحب وإلقاء بين عشتار وتموز، تكاد تكون صورة متطورة عن تلك التي جاءت في الملحمة الكنعانية، وكأن الكاتب عاش في عصر الأفكار والمعتقدات الكنعانية القديمة، وليس في القرن العشرين.
لكن مقدرته على إبداع والدخول إلى النص الأسطوري، وفهمه لكافة التفاصيل، ووجوده في منطقة ريفية، تتماثل مع تلك التي وجدت فيها الملحمة، والتي عايشها كاتبها الأصلي، جعلته يقدم لنا عملا أدبيا وأسطوريا في أنا واحد.
تمكن الشعر من النص الملحمي، وبتفاصيله الدقيقة، يجعل كتابه "أدونيس وعشتروت" نصا ملحميا أسطوريا بامتياز، وهنا هو يتماثل مع العديد من الشعراء الذي كتبوا أو ترجموا ملاحم وأساطير قديمة، فمن يقرأ النص يتعرف على الفكر الملحمي لما يسمى "ملحمة البعل" .
وإذا نجح الكاتب في تقديم النص الملحمي بطريق تلاءم والنص القديم، بلغة عربية معاصرة، فقد نحج أيضا في إعطاء الطبيعة حجمها الموازي في النص الملحمي، بمعنى ان الكاتب كان يتوازى في كلامه بين النص الملحمي والطبيعة، من هنا كان كتابه متقن، ومذهل في صياغة النص الملحمي، والمزج بين اللغة الطبيعة، التي تعد إحدى العناصر الأساسية في فكرة الملحمة، وبين الأسطورة الأدبية.
فبعد ان يقتل "أودنيس" ويمسي النهر باللون الأحمر، يرسم لنا الكاتب الطبيعة الجدباء، التي تحن إلى خضرتها ولونها البهي،"لي في الأرض حبيب
ذوب القلب حنينا
أن طواه الحزن
أمسى الكون مغموما حزينا
وبكى الغيم الرمادي
الضفيرات شجونا!
ناشرا في الأفق ورودا
احمر يهمي سكونا" ص80.
كم انه يقدمها لنا بعد عودة "أودنيس" بصورة زاهية أخاذة، ولا يكتفي بهذا الأمر، بل يربط الطبيعة وانتظارها للحياة، بعشتار المرأة التي تتلهف بشوق للقاء الحبيب "أودنيس"
"أغدق الخير على الأرض
وأصناف الغلال
وانثر الزهر نجوما
تزدهي فوق التلال
أيقظ الشهوة في الناس
للذات الوصال
لليالي الحب والسكر
وسرحات الخيال" ص1126 وهذا الربط بين الطبيعة والحب يعد احىد أهم الميزات لهذه الملحمة الشعرية الخالدة.
بهذه الشاكلة تم الربط بين المرأة التي تنتظر حبيبها وبين الطبيعة، وهذا يعد أمرا فريدا في الأدب، النصوص الأدبية التي استطاعت ان تربط تقلبات الطبيعة بالحياة الإنسانية، أو بالآلهة الأسطورية محدودة، وهذا ما جعل من ملحمة "فؤاد الخشن" عمليا استثنائيا في الأدب العربي.
الكاتب استطاع ان يقدم لغة خاصة بكل شخصية في الملحمة، فهناك صوت لعشتروت، وصوت لأودنيس، وصوت للكاتب/ الراوي، من هنا نستطيع القول باننا أمام عمل شعري استثنائي، يجمع بين الطبيعة، والحياة الإنسانية، والأسطورة معا، فهو كتاب يعد ذخرا في الشعر العربي الحديث.
رائد الحواري