اليرموك وظاهرة عبد الفتاح غانم بقلم علي بدوان
تاريخ النشر : 2014-06-26
من دفاتر اليرموك (167)

اليرموك وظاهرة عبد الفتاح غانم

بقلم علي بدوان

نشطت الحركة السياسية الفلسطينية في عموم التجمعات والمخيمات الفلسطينية فوق الأرض السورية بشكلٍ غير مسبوق، وذلك بعد الخروج الفلسطيني المسلح من بيروت نهاية أيلول/سبتمبر 1982، وماتلاه من تداعيات كبرى كان منها الإنشقاق الكبير الذي ضرب حركة فتح وأمتد لمنظمة التحرير الفلسطينية وبعض فصائلها.

تلك الفترة، وبعيداً عن غناها الفكري والسياسي، ومن زاوية توالد الحركة الشعبية الفلسطينية وتجددها، في ظل محاولات تقديم الأجوبة على مرحلة مابعد بيروت، إلا أنها كانت في الوقت نفسه فترة آليمة، حيث ساد الإنقسام في البيت الفلسطيني، وزادت التداخلات الإقليمية في المعادلة الفلسطينية الداخلية، وترافق ذلك الإنقسام مع إحتراب داخلي دفع الشعب الفلسطيني أثمانه الباهظه.

الإنشقاق لم يوفر بعض الفصائل المنتمية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان منها قيام عبد الفتاح غانم عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في حينها، بحركة الإنقلابية في 17/1/1984 وإعتقاله الأمين العام المرحوم طلعت يعقوب (أبو يعقوب)، ومعه الصديق ياسين معتوق (أبو إبراهيم) عضو المكتب السياسي للجبهة من المنزل الذي كانوا يقيمون به في منطقة أخر شارع فلسطين بإتجاه حارة السهلية، وبناء إطار موازٍ للجبهة تحت العنوان ذاته. وقد دعيت تلك الحركة بإنشقاق (عبد الفتاح غانم)، الذي عمل تحت عنوان جبهة التحرير الفلسطينية لفترة قصيرة بدعم وإسناد من بعض الفصائل، وخاصة منها حركة فتح/الإنتفاضة التي إنشقت عن حركة فتح الأم.

في تلك الليلة، كنت مناوباً في مجال عملي في المقر الذي كنت أداوم به، واضطررت على الفور للخروج مع مجموعة من كوادر المكتب لزيارة طلعت يعقوب في مكان إحتجازه وتأمين الإتصالات اللازمة على المستوى الفلسطيني لإطلاقه، ووقف أي تدهور، وهو ماكان من خلال تحرك عدد من الفصائل على رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشخص الدكتور جورج حبش والشهيد أبو علي مصطفى ..

وقد إنضمت لمجموعة عبد الفتاح غانم، مجموعات وأفراد من مختلف الفصائل من أصحاب المشارب الرفضاوية، كان منهم مجموعات فلسطينية كانت تسمى في حينها بــ (اللجان الشعبية) وهي مجموعات كانت محسوبة على حزب العمل الشيوعي السوري المعارض، وقد إنتهت عملياً بعد تفكك ظاهرة عبد الفتاح غانم التي تلاشت بعد عدة أشهر.

في تلك الفترة، دأب عبد الفتاح غانم على التحدث من منابر إعلامية مختلفة لشرح موقفه، وفي الوقت نفسه ليطرح وجهة نظره التي كانت أقرب للعدمية السياسية. ومن بين تلك الندوات،  كان ندوته السياسية الشهيرة في مقر الإعلام الجماهيري في مخيم اليرموك، والواقع على شارع فلسطين، والذي كان يتبع حركة فتح/الإنتفاضة. وكان يدير الندوة الراحل المرحوم أحمد قنديل (أبو شادي).

في تلك الندوة التي أقيمت في الثاني من نيسان/إبريل 1984، كنت أول المتحدثين والمعقبين على ماذهب اليه عبد الفتاح غانم، بعد إنتهاءه من إلقاء مادته السياسية التي تناولت الوضع الفلسطيني في تلك المرحلة الحساسة من العمل الوطني. وقد أدت مداخلتي السياسية لحدوث إشكالية كبيرة في ظل التحشيد الرفضاوي الذي كان يملأ القاعة الكبيرة، والحشد المقابل، وقد أدى ذلك لإنفراط الندوة ووقوع حالة من التعارك بالأيدي بين مختلف الموجودين من أصحاب الرؤوس الحامية.

موقفي، كان، وكما هو معروف لكل أبناء اليرموك في حينها ينطلق من المناداة بضرورة  تحريم (الدم)، ووقف سياسات وثقافة التخوين، ووضع حد للإنقسام الداخلي، والعودة للشرعية الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية لحل كل الإشكالات الفلسطينية الداخلية التي توالدت بعد مرحلة الخروج الفلسطيني المسلح من بيروت.

ومن المفارقات، أن عبد الفتاح غانم، الذي كال الإتهامات تلو الإتهامات لقيادة المنظمة ولشخص ياسر عرفات، بدأ بعد مدة من تفكك الظاهرة الإنشقاقية التي قادها عام 1984 بمد خطوط الإتصال مع قيادة المنظمة ورئيسها الراحل ياسر عرفات وصولاً لدخوله مع السلطة الفلسطينية للضفة الغربية، وتعيينه مديراً عاماً ومستشاراً، وإعلانه عن تشكيله لحزب قومي الإتجاه في فلسطين تحت عنوان (حزب الميثاق الوطني).

كما من المفارقات العجيبة، أن كل تلك الحالات الرفضاوية التي تحلقت حول ظاهرة عبد الفتاح غانم، تلاشت، وانتقلت من الخطاب التخويني والرفضاوي المُزمن الذي كان تعاني منه، بإتجاه النزوح نحو الخطاب اللاهث وراء سياسات التسوية والتنظير لها.

يشار بأن الأخ والصديق عبد الفتاح غانم، لاجىء فلسطيني من قرية (دير نخاس) قضاء الخليل والمحتلة عام 1948، ومن سكان مخيم العروب، قبل أن يلتحق بالعمل الفلسطيني عام 1968 من خلال الجبهة الشعبية القيادة العامة أثناء دراسته بجامعة دمشق.