السياسة الاوروبية تجاه حركة حماس بقلم:د.أشرف الفرا
تاريخ النشر : 2014-06-08
لقد عبر إعلان رئاسة الاتحاد الأوروبي في 15 ديسمبر 2001م، عن موقف الاتحاد من الحركة منذ ذلك التاريخ، حيث طالب فيه السلطة الفلسطينية العمل على تفكيك الشبكات الإرهابية لحركة حماس- باعتبار ما يقوم به جناحها العسكري من أعمال إرهابية- بما في ذلك إلقاء القبض على المشتبه فيهم وتقديمهم للمحاكمة، ولاحقا أدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري للحركة على قائمة المنظمات الإرهابية بتاريخ 27 ديسمبر 2001، وقد مثلت هاتان الخطوتان استجابة لظروف البيئة الدولية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما ترتب عليها من إصدار مجلس الأمن مجموعة قرارات لمواجهة الإرهاب، الأمر الذي ظهر جليا في إشارة قرار الاتحاد الأوروبي في صدره إلى أحداث 11/سبتمبر وقرار مجلس الأمن رقم 1373، باعتباره الأساس الذي اعتمد عليه الاتحاد في إصدار قراره بوضع الجناح العسكري لحماس على قائمة المنظمات الإرهابية، كما جاء هذا القرار بتأثير مباشر من الولايات المتحدة، حيث طلب الرئيس السابق "بوش الابن" في نهاية العام 2001م، من الاتحاد الأوروبي تبني قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية.
غير أن هذا القرار وما تضمنه من وضع الجناح العسكري للحركة على قائمة المنظمات الإرهابية دون الجناح السياسي حمل في طياته نوعا من التمييز بين جناحي الحركة السياسي والعسكري، حيث شهدت هذه المرحلة قبولا في الاتحاد الأوروبي لرؤية إمكانية قيام الجناح السياسي للحركة بدور في العملية السياسية، وعليه ينبغي ألا يتم عزله، فحركة حماس كما أوضح مبعوث الاتحاد الأوروبي للشرق الأوسط "محائيل موراتينوس" "تواجه خياراً واضحاً بين النموذج التركي للإسلام الديمقراطي ونموذج القاعدة"، وفي هذا الإطار كان اللقاء الذي أجراه مستشار الأمن القومي الأوروبي "الستر كروك" عام 2002م مع قيادة الجناح السياسي للحركة، لدعم التوجه السلمي داخلها يمثل بياناً واضحاً لهذه الرؤية.
وفي ديسمبر بدا الاتحاد الأوروبي التعامل مع الحركة بوصفها(بجناحيها العسكري والسياسي) حركة إرهابية، بعد أن نفذت الحركة هجوميين داخل إسرائيل بتاريخ 9 سبتمبر 203م، وأدانهما إعلان رئاسة الاتحاد الأوروبي واصفاً منفذيها بأعداء السلام، فاصدر مجلس الاتحاد قراره بإدراج حركة حماس بجناحيها ضمن المنظمات الإرهابية الخاضعة للإجراءات التقييدية التي تضمنها القرار، والتي من أهمها قيام الدول الأعضاء في الاتحاد بحظر وتجميد أرصدة مؤسسات وجمعيات وأشخاص على أساس ارتباطها وتقديمها دعم مالي لحركة حماس.
ومع بداية عام 2004 بدا تغير تدريجي في رؤية الاتحاد الأوروبي لحركة حماس، كان في جانب منه أثرا لبعض علامات التحول والتغيير التي بدت في فكر وممارسة الحركة، والتي تؤشر لقبولها بالعملية السلمية وفقا لرؤية الاتحاد الأوروبي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القائم على حل الدولتين لتحقيق استقرار المنطقة، ومن هذه المؤشرات قبول الحركة بعقد الهدنة مع إسرائيل بوساطة مصرية عام 2005م، وما ترتب عليها من وقف العنف، وإعلان الحركة استعداها للنظر في موضوع وقف إطلاق النار على المدى البعيد إذا ما انسحبت إسرائيل إلى حدود 1967م، إضافة إلى الكثير من الخطب والتصريحات الصادرة عن قيادات حركة حماس والتي تعزز من فكرة التعيش مع إسرائيل، لتؤيد قبول الحركة بقواعد العملية السياسية، لذلك اعتبر "سولانا" تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" بشأن الاعتراف بإسرائيل كأمر واقع، وإقامة دولة على حدود 1967م، خطوة في الاتجاه الصحيح.
هذه المؤشرات أدت لبلورة رؤية لدى الاتحاد الأوروبي بإمكانية أن تكون بداية عملية تغيير داخل الحركة تنتهي بتحويلها إلى حزب سياسي وإشراكها في العملية السياسية السلمية، حتى ولو كان ذلك على المدى البعيد، وفي هذا السياق صرح "سولانا" قائلا: "طلبنا منهم(حماس) أن يغيروا منهجهم ويعملوا كحزب سياسي، وان الموقف الأوروبي الأخير يمكن تغييره لو اتبعت حماس ما بلغناهم به (نبذ العنف- الاعتراف بإسرائيل- الالتزام بالاتفاقيات الدولية) والفرصة لا تزال سانحة، وفي ذات الإطار- إشراك حماس في عملية السلام- قال وزير خارجية هولندا في اجتماع مجلس الوزراء في فنلندا " نرى تحولاً نحو فكرة أننا ينبغي أن ندخلهم(حماس) في اللعبة.
وقد دعم هذه الرؤية بعض إشارات التغير لدى حركة حماس باتجاه قبول العملية الديمقراطية، حيث أبدت استعدادها المشاركة في الانتخابات المحلية 2005، والبرلمانية 2006م، بما يؤشر على قبولها بقواعد اللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. وفي هذا السياق ذكر "خافيي رسولانا" "أن الاتحاد الأوروبي لن يقف ضد مشاركة حماس في الانتخابات" بل اشترط مشاركتها في العملية الديمقراطية حتى تعتبر العملية الانتخابية معبرة عن انتخابات حقيقية تنافسية بقوله " إذا لم نسمح لهم (حماس) بالمشاركة فان من المرجح جداً أن لن تكون هناك انتخابات، وفي ذات السياق أكدت "بنتا فالدينر" – مفوضة العلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية- "ان بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات الفلسطينية لن تقاطع مرشحي حماس وسيتعاملون معهم كمرشحين سياسيين إلى المجلس التشريعي الفلسطيني.
وفي إطار استجابة الاتحاد لاحتمال فوز حماس في الانتخابات التشريعية 2006م، وخصوصا بعد فوز الحركة في الانتخابات البلدية 2005م، بدأت تظهر المشروطية السياسية في خطابه تجاه الحركة، وهي المشروطية القائمة على الربط بين المشاركة في العملية السياسية ونبذ العنف وإلقاء السلاح والاعتراف بإسرائيل، على اعتبار أن هذه تناقض بشكل جذري مع بناء دولة ديمقراطية هذا من ناحية، والربط بن مواصلة دعم السلطة ماليا إذا ما شاركت حماس فيها وامتنعت عن ممارسة العنف والاعتراف بإسرائيل من ناحية أخرى، وقد أتت هذه الشروط بعد يومين من إصدار مجلس النواب في الولايات المتحدة قرار بقطع الدعم المالي عن السلطة في حال فوز حماس في الانتخابات وشاركت في الحكومة الفلسطينية، بما يؤشر لتوافق الرؤى بين الطرفين من جانب، ومؤشر إلى إن هدف الاتحاد من إدماج حماس في النظام هو استقرار العملية السياسية ونبذ العنف بما يحقق الاستقرار من جانب آخر.
وهو ما أشار إليه منسق السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي "خافيير سولانا" ‏بقوله: "إن الاتحاد الذي يقدم أكبر قدر من المعونة للسلطة الفلسطينية قد يوقف المعونة‏،‏ إذا فازت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني المقبل"‏.‏
وبالفعل بعد فوز الحركة في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة، أعلن الاتحاد الأوروبي أن برنامج هذه الحكومة على النحو الذي عرضه رئيس وزرائها "إسماعيل هنية" في مارس 2006م غير مقبول، إذ لا يعطي مؤشرا واضحا على التزام حكومة حماس بالمبادئ التي أرساها الاتحاد الأوروبي في السابق، مما يترتب عليه عواقب وتداعيات وخيمة، أهمها استحالة النظر لحركة حماس بوصفها شريكا شرعيا حتى تغير موقفها، مع قيام الاتحاد بالنظر في برامجه للمساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية، إلى أن تظهر حركة حماس بشكل لا لبس فيه احترامها لمبتدئ المجتمع الدولي، ومع ذلك سيواصل الاتحاد الأوروبي مساعداته للشعب الفلسطيني.
ترتب على ذلك إيقاف الاتحاد الأوروبي جميع الأنشطة المرتبطة بالحكومة الجديدة، بما فيها الدعم الاقتصادي والاتصال السياسي، فقرر وقف الدعم الاقتصادي المباشر للحكومة التي تسيطر عليها حركة حماس، متبعا سلسلة من الإجراءات التي ترمي للالتفاف عليها، والعمل عل تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، مباشرة من خلال المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة، وعلى الجانب السياسي فقد علق الاتحاد الأوروبي جميع الاتصالات السياسية مع حكومة حماس، واتخذ قرار بتعليق أنشطة بعثة الاتحاد لدعم الشرطة الفلسطينية بسبب وجود صلة مباشرة في سلسلة القيادة بين حماس ووزير الداخلية في الشرطة الفلسطينية، كما علق الاتحاد بعثته لمراقبة معبر رفح الحدودي في 25/6/2006م، بعد اختطاف حركة حماس الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، مما تسبب بإغلاق المعبر.
لقد استمرت سياسة الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة في استخدام الاقتصاد والسياسة كأدوات لممارسة الضغط على الحركة لإرغامها على تغيير موقفها تجاه شروط الاتحاد الثلاث، إلا انه مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية - تم التوافق عليها في اتفاق مكة- فتح طريقا لحركة حماس للخروج من عزلتها الدولية، كما منح الاتحاد مجالا لبداية جديدة تساعد على اتخاذ سياسات أكثر براجماتية تجاه الحركة، حيث بدا أن هناك قبولا واسعا لفكرة أن حكومة الوحدة يجب تقييمها بناء على ما تقوم به وهذا ما عبر عنه وزراء خارجية الاتحاد بعد اجتماعهم في ألمانيا بأن الحكم على الحكومة الجديدة سيتم بموجب " أفعالها وليس أقوالها"، واظهر الوزراء في اجتماعهم بتاريخ 23/4/2007م، إجماعا على الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كأمر واقع، كما رحب المجلس في 12/2/2007م، باتفاق مكة وما ترتب عليه من تشكيل حكومة وحدة وطنية، واستعداد الاتحاد العمل مع حكومة فلسطينية شرعية تتبنى برنامجا يعكس مبادئ اللجنة الرباعية.
ويلاحظ هنا أن الاتحاد الأوروبي لم يطالب حكومة الوحدة الالتزام بمبادئه كما كان سابقا، ولكنه اقتصر على ضرورة أن (يعكس) برنامجها وليس (يلتزم) هذا القبول، بما يؤشر لتغير الخطاب المؤسسي لاتحاد باتجاه تخفيف التشدد تجاه حكومة الوحدة الوطنية، والتلويح بمجموعة من الحوافز تضمنت إعادة العمل مع الحكومة، بما يمثل منح الحكومة فرصة لتظهر مدى توافق ممارساتها مع متطلباته.
غير أن ممارسات حركة حماس بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية جاءت مخيبة لآمال الاتحاد الأوروبي، فلم تلتزم بمبادئه وتحديدا نبذ العنف، وأعلنت انتهاء الهدنة التي استمرت لخمسة شهور مع إسرائيل، وتبع ذلك تنفيذها هجمات صاروخية على إسرائيل، بالإضافة إلى قيام حركة حماس بالسيطرة على قطاع غزة في يونيو 2007، بما دفع الاتحاد الأوروبي تشديد الضغوط السياسية والاقتصادية على الحركة، مقابل الانفتاح وإعادة العلاقات مع حكومة الطوارئ التي شكلها الرئيس "محمود عباس" في الضفة الغربية، إذ رحب الاتحاد الأوروبي بهذه الحكومة وأعلن انتهاء العقوبات الاقتصادية على السلطة.
وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أواخر عام 2008م، بدأ واضحا عجز الاتحاد الأوروبي عن إدانة إسرائيل بشكل صريح وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، بل أن الموقف الأوروبي تراوح بين المساواة بين الجلاد والضحية وبين اتهام حركة حماس وتحميلها مسئولية اشتعال فتيل الحرب، واقتصر بيان الاتحاد الأوروبي – بشكل مشابه لموقف الولايات المتحدة- علي الإعراب عن بالغ قلق الاتحاد الأوروبي من تصاعد وتيرة العنف في قطاع غزة، وتأسف لسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين ودعا إلى إيقاف القصف الإسرائيلي والصواريخ التي تطلقها حماس من قطاع غزة فوراً.
وبعد انتهاء العدوان ربط الاتحاد الأوروبي ودوله أي مساعدات للمتضررين ولإعادة إعمار ما دمره العدوان بحكومة رام الله، إذ أعلن " خافيير سولانا" في مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس عباس في رام الله بتاريخ 28/2/2009م، أن أموال إعمار قطاع غزة سيتم تحويلها للسلطة الفلسطينية، ومعتبرا انه لا داعي للبحث عن آلية أخرى تتولى إعادة إعمار قطاع غزة بديلاً عن السلطة.
وعلى الرغم من وجود بعض النداءات الأوروبية لفتح حوار مع حركة حماس، إلا أنها اقرب إلى جمع المعلومات منها إلى التحول الاستراتيجي في التعامل مع الحركة(بمعنى أن أوروبا تسعى للتفاوض مع الحركة من اجل فهم موقفها وليس للتفاوض معها)، وقد تزايد هذا التوجه في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة في 14 نوفمبر 2012م ، بل إن بعض التوجهات الدبلوماسية الأوروبية ترى ضرورة الحوار مع حماس حتى لو لم تقبل بشروط الرباعية، تحديدا الخاصة بالاعتراف بإسرائيل.
غير أن هذه الدعوات لم ترقَ إلى قيام أي دولة أوروبية لحوار رسمي مع حماس، أو لدعوة أي وفد من حركة حماس لزيارتها. كما يجب أن ندرك أن غالبية الداعين للتعامل مع حركة حماس ينطلقون من أنه لا يمكن تجاوز الحركة، كأمر واقع وممثل للشعب الفلسطيني، ودعمهم للحوار مع الحركة لا يأتي دعماً لسياسة الحركة أو مبادئها، وهذا يعني أن قوة الحركة وفرضها حقائق على الميدان هو الذي يزيد من فرص التعامل معها، كما يعني أن العائد المتوقع أن تحصل عليه الحركة من هذه العلاقة سيكون محدود، فلا يتوقع إطلاقاً أن تحصل الحركة على دعم مالي أو عسكري من هذه الدول، مهما تطورت العلاقة بين الجانبين.
د.أشرف الفرا