في مثل هذا اليوم من سنة 2008م, كشفت عن وجهه الأسمر, لأطبع عليه آخر القبلات.. وأضرب للحبيب موعدا آخر في عالم غير هذا العالم..
كان على أهبة الاستعداد للسفر, فسمرته العربية الأصيلة كانت حاضرة كحضور مرج بن عامر في القلب.. وكانت الكوفية الفلسطينية تلملم كافور أشواقها, وتدغدغ الرشاش كي يصدح مزغردا, فالفدائي الذي تقاذفته المنافي والمآسي قد وصل..
في مثل هذا اليوم.. وقفت لأشم آخر نَفَس من الجُسَيْر.. وآخر هبة مسك قدسيّة الهوى.. وفي مثل هذا اليوم أدركت ما معنى الإيمان المطلق, واليقين التام , ولماذا يقف المؤمنون الموقنون على حد السيوف وفوق أنياب الجمر دون أن يهتز لهم رمش..
إنها التي لا تساوي جناح بعوضة, فهل تستحق أن نعطيها كل شيء حتى ترضى عنا فتُرْضينا؟
قال المسيح : احرص على أن يكون كنزك في السماء.. لأنه حيثما يكون كنزك, يكون قلبك...
وقال ابن الشاطئ: أموت جوعا وأبقى دائما مطرا=من الجليل وتبقى قامتي مضر
وبين كنز المسيح, وموت ابن الشاطئ المشبع بالكبرياء, تختصر الفانية سنواتها, وتعلن استسلامها..
كم هو رائع, وجميل, ومؤثر أن تزداد سيرتك عبقا بعد الموت... وكم كنت رائعا يا "بلال بيطاط" , وأنت تطبع قبلة حب وعرفان ووفاء على جبين "أبجدية المنفى والبندقية" والفرح يزاحم فيك الحزن وأنت تحتضنه بين يديك....
وفي هذا اليوم, أقف لأجدد العهد الذي عاهدت, متضرعا إلى الله تعالى أن تكون هذه السنة سنة إنجاز أولى الوعود, فأرى الأعمال الكاملة وهي تزيّن المكتبات, وأرى دارك التي لطالما حلمت بها (دار ابن الشاطئ للنشر والتوزيع) وهي تشق طريقها نحو أهدافها مسلحة بالمبادئ والقيم التي غرستها فينا....
أجل, اليوم أجدد العهد, وأقول لك وكلي ثقة وإيمان ألاَّ أضع يدي في يد من فرّط بحبة رمل من فلسطين, وأقول وكلي أمل أنني وأنت ستكون لنا محطة أخيرة في جسيرنا الحبيبة, سننعم معا برائحة ترابها, ومسك دماء أهلها الذي اهريق من أجل فلسطين... كل فلسطين.....
رحمك الله وغفر لك وجازاك عنا وعن أمتيك خير الجزاء وجعل مثواك عليين بجوار الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وألحقك بالصالحين وألحقنا بك...
إلى اللقاء يا ابن الشاطئ الغالي....
...
01-05-2014م
أموت جوعا و أبقى دائما مطرا .. بقلم : د. عدي شتات
تاريخ النشر : 2014-05-02