ذكريات من مخيم اليرموك (٣١) بقلم خليل الصمادي
تاريخ النشر : 2014-04-15
ذكريات من مخيم اليرموك (٣١) بقلم خليل الصمادي


ذكريات من مخيم اليرموك (٣١)

حفلة جائزة المدينة في مدرسة صرفند

في شهر أيار من عام ١٩٧٥ كنت طالبآ في الصف الثالث الثانوي وعند خروجي من المدرسة مررت بجانب مدرسة صرفند التابعة للأنروا فشاهدت عمالا يصفون مئات الكراسي في الساحة فدخلت وسألت عن المناسبة فقيل لي : سيأتي اليوم المذيع الشهير داوود يعقوب لتسجيل أربع حلقات من برنامج ( جائزة المدينة) وكان هذا البرنامج من أشهر برامج المسابقات والمنوعات يطوف كل شهر على محافظة من المحافظات ويسجل عدة حلقات تذاع من إذاعة دمشق وكنت شغوفا ومتابعا للبرنامج بامتياز ، سألت عن المسؤول عن العلاقات فأشاروا لي إلى شخص وقالوا لي : إنه يوسف الأبطح مخرج البرنامج هرعت إليه وبعد السلام طلبت منه أن أشارك بالبرنامج ، فاعتذر لصغر سني وكررت الطلب وقلت له أنا طالب بكالوريا وأتمنى أن أشارك وبعد أخذ ورد سجل اسمي على مضض ووعدني بالمشاركة !!
كدت أطير من الفرح كما طرت للبيت لأبشر إخوتي بأنني مساء هذا اليوم سأشارك في برنامج جائزة المدينة وعليهم أن يحضروا الحفل
اقتربت الساعة من الرابعة عصرا وكنت مع آلاف المدعويين نتنقل من زاوية لأخرى ونحن نعجب بالمطربين والفنانيبن ؛ يصرخ أحدهم تعالوا شوفوا : المطربة سهام إبراهيم ، وجارنا حسن الناجي يرحب بالمغنية كروان بأعلى صوته وآخر يقول : هذا الملحن صبحي جارور وهكذا.
ابتدأ تسجيل الحلقة الأولى وبدأ المرحوم المتألق داوود يعقوب مع المذيعة مها الصالح بربط البرنامج بذكرى النكبة وأنه سيقدم أربع حلقات في كل حلقة يتقدم ثلاثة متسابقين تعرض على كل واحد منهم سبعة أسئلة كل سؤال بخمسة عشر درجة إلا السؤال الأخير بعشرة والفائز من يحصل على أعلى مجموع من مئة ويعطى كل متسابق ثلاثة خيارات يختار واحدا منها.
اشترك المتسابقون الثلاثة وفاز أحدهم بالجائزة ؛ وقدم بعدها وصلات غنائية انتهت بالإعلان عن الحلقة الثانية ، انتظرت أن أكون منهم فخاب ظني ، وكذا خاب ظنني بعد الإعلان عن أسماء المشاركين بالحلقة الثالثة حتى شككت أن يوسف الأبطح ضحك عليّ ، وما إن انتهت الحلقة الثالثة ووصلتها الغنائية حتى تم الإعلان عن الحلقة الرابعة والأخيرة وصوت المرحوم داوود يعقوب يهدر باسمي مع المتسابقين عبد القادر كتيلة والأستاذ عبد الواحد خمرة ؛ انطلقت إلى المنصة حيث يقف داوود يعقوب ومها الصالح وهي عبارة عن وصلة بين درجي الطابق الثاني نظرت ورائي فإذا هم لجنة التحكيم معظمهم من أساتذة المخيم ونظرت أمامي وشاهدت المشجعين يصفقون لي ببرودة.
بدأ السؤال الأول من هما الصالح وأعطتني ثلاثة خيارات وبعد الإجابة قالت: متأكد يا خليل ، قلت متأكد فمنحتني خمسة عشر علامة؛ فصفق لي الجمهور.
ووجه لي داوود السؤال الثاني الذي ما زلت أذكره : حتى يعود شعبنا ، فلسطيني كحد السيف ، أعطنا حبا ، هذه أسماء ثلاثة دواوين شعرية ، علي فودة ، فدوى طوقان ، هارون هاشم رشيد : أسماء ثلاثة شعراء اذكر ديوان كل شاعر؟
فكر خليل وتدبر وقال : حتى يعود شعبنا لهارون هاشم رشيد ، وفلسطيني كحد السيف لعلي فودة ، وأما أعطنا حبا فلاشك أنه لفدوى طوقان ، متأكد يا خليل !!
نعم متأكد
إجابة نهائية
نعم إجابة نهائية.
عندها هدر صوت داوود : وخمسة عشر علامة لخليل ، فازداد التصفيق والإعجاب.
السؤال الثالث : خمس عشرة علامة علا التصفيق ، السؤال الرابع : خمس عشرة علامة ؛ تصفيق حار
السؤال الخامس ، السؤال السادس ؛ صح برافو عليك يا خليل صار عندك تسعين درجة هكذا قالت مها الصالح
صرت أسمع صوت الناس يملأ المكان : بص شوف خليل بيعمل إيه
تناول داوود المكرفون من مها وقال بقي السؤال الأخير وله عشر علامات.
حبس خليل أنفاسه وهو يسمع السؤال : في أي عام حدثت معركة حطين ؟ هل في عام : ١١٨٧ / ١١٨٠/ ١١٧٨
وما أن أعلن المرحوم داوود يعقوب أن خليل حصل على مئة من مئة فقد أعلن عن الجائزة الكبرى وهي بطاقة طائرة من دمشق للقاهرة مقدمة من شركة الخطوط الجوية السورية وأضاف وبما أنه حصل على العلامة التامة وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ البرنامج فله جوائز أخرى ، قلّب داوود دفترا كان بيده وقال: وله كيس سكر خمسين كيلو مقدمة من شركة السكر بعدرا، ومجموعة من الكتب قيمة، بالإضافة إلى درع الثورة الفلسطينية.
وما أن نزلت من المنصة حتى ركض عليّ الناس ورفعوني على أكتافهم وداروا بي باحة المدرسة وهم يهتفون : بص شوف خليل بيعمل إيه ، وصلوا على النبي صلوا على النبي ، لا شك أنني ما فرحت بحياتي مثل هذه الفرحة وبعد أن طلب داوود من الناس الهدوء لإكمال الحلقة لأنه ما زال هناك متسابقان ، هدأ الناس وصعد الأستاذ عبد الواحد ونال على ما أظن خمسا وخمسين درجة، وأما عبد القادر فنال خمسا وأربعين درجة ، عندها أعلن داوود يعقوب ومها الصالح إعجابهما بالفتى الصغير خليل وتمنيا له مستقبلا زاهرا وانتهت الحلفة ورجع خليل إلى بيته بزفة محترمة تزعمها جارنا حسن الناجي ومعه أولاد الحارة ومنهم أخي محمد وأختي منيرة وأولاد عمي جمال وكمال ووليد؛ وصحا الوالد من نومه مستفسرا عن الضجيج فقيل له : ابنك خليل فاز بجائزة المدينة.
في اليوم التالي توجهت لمبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين لاستلام بطاقة الطائرة من الأستاذ داوود وقبل أن يدون اسمي على البطاقة نصحني وقال : شو رأيك يا خليل أن أعطيك سجادة بدل بطاقة الطائرة لأنك فلسطيني وصغير ويصعب عليك الذهاب لمصر!!
لم يأخذ الفتى خليل بنصيحة المجرب الخبير فقد كان حلمه زيارة مصر ولكن أنّ له هذا ؟
في اليوم التالي انطلقت إلى مكتب الهجرة والجوازات في عين كرش لإصدار وثيقة سفر فظننت أن المسألة هينة ، فقل لي : ممنوع
لم أدر كيف وصلت في اليوم النالي إلى مبنى وزارة الداخلية في المرجة لمقابلة وزير الداخلية يومئذ علي ظاظا!! دخلت مكتب الوزير ولأول مرة بحياتي أصافح وزيرا ، كلمته فاستمع باهتمام ، ثم أخذ طلبي وكتب عليه : يمنح وثيقة سفر لمدة ثلاثة أشهر فقط ولا تمدد إلا قبل الرجوع لوزارة الداخلية ، طرت فرحا حتى وصلت إلى عين كرش وهناك باشروا باستخراج الوثيقة وبعد يومين أو ثلاثة استلمتها فطلبت تأشيرة لمصر فقالوا لي : عليك أن تحصل على تأشيرة دخول من السفارة المصرية طرت للسفارة المصرية فلما علموا أنني فلسطيني قالوا :عليك أن تقدم طلبا لتأتي الموافقة من القاهرة !!
قدمت طلبا فقالوا راجعنا بعد شهرين !! وخلال تلك الفترة ساءت العلاقات السورية المصرية بسبب اتفاقية فصل القوات الثانية في أيلول ١٩٧٥.
قدمت امتحان الثانوية العامة وأنا أحلم بزيارة لمصر ، والحمد لله نلت الشهادة الثانوية لكنني لم أنل تأشيرة القاهرة ، وانتهت مدة الوثيقة ، وقابلت وزير الداخلية مرة أخرى وكتب على طلبي تمدد لثلاثة أشهر، قضيت عطلة الصيف وأنا أراجع السفارة ولم ألق جوابا شافيا وأخيرا دخلت مكتب القنصل وشرحت له ما حصل لي فقال - ولم أنس قوله ما حييت - : فلسطيني وازاي حتخش مصر!!!!
خرجت من السفارة غاضبا وبعفوية الأطفال أمسكت قلمي وكتبت على باب السفارة : يسقط السادات
رجعت للبيت خائبا ونادما لأنني لم آخذ بنصيحة الأستاذ داوود يعقوب.
يتبع ........