الخط الأحمر في الإمارات! بقلم: محمد سعيد محفوظ
تاريخ النشر : 2005-12-04
الخط الأحمر في الإمارات! بقلم: محمد سعيد محفوظ


تزامن عرض فيلم (فيلادلفيا) للعبقري توم هانكس على إحدى القنوات الفضائية قبل بضعة أيام مع نشر خبر في صدر صحيفة إماراتية ناشئة يؤرخ لحقبة جديدة من التجرؤ على القيم النمطية البالية في المجتمع العربي، تماماً مثلما فعل الفيلم في الولايات المتحدة عندما عرض للمرة الأولى في عام 1993...

لم يفضح رون نيس وانر مؤلف الفيلم الازدواجية الأمريكية تجاه حقوق الفرد وحريته الشخصية فقط، بل كشف عن الجهل الامريكي تجاه أكثر الأمراض تفشياً في العالم وهو الإيدز، برغم أن عدد المصابين به في الولايات المتحدة كان قد تجاوز ربع المليون حالة وقت إنتاج الفيلم، والقصة ـ ذات الصعود الدرامي الكئيب ـ قد تجري كل يوم في عالمنا العربي، فهي تحكي عن محام أمريكي شاب يلتقط الفيروس خلال إحدى ممارساته الجنسية المنحرفة، وخوفاً على مصيره المهني يضطر لإخفاء الأمر عن صاحب العمل، لكن سرعان ما تتدهور صحته، وتتناثر الجروح على وجهه وجسده، ويعرف مستخدموه في مكتب المحاماة بسر مرضه، وسبب إصابته به، وبعد أن كانوا يمتدحون موهبته، ويثنون على شخصيته، إذا بهم يصدرون قراراً بفصله، إنكاراً لميوله الجنسية الشاذة، وخشية انتقال العدوى إليهم!!

وبغض الطرف عن معقولية التحول لدى مجتمع فيلادلفيا (الولاية الأمريكية المحافظة) من رفض بات للتعاطي مع منحرف (رغب في أن يكون رجلاً وامرأة في الوقت ذاته) ـ كما وصفه الممثل الأسمر دانزل واشنطن أحد أبطال الفيلم ـ إلى الشعور بالذنب وتعويضه عن الفصل التعسفي من وظيفته والاعتراف بحقوقه الدستورية والقانونية، فإن الحقيقة أن رد الفعل الوحشي الذي ناله المريض الجانح لا يختلف كثيراً عما يواجهه الآلاف من حاملي الفيروس اللعين في عالمنا العربي!

وأحد مظاهر تلك الوحشية ـ وليس بأقلها على أية حال ـ هو التستر على أخبار المرض، واعتباره من الخطوط الحمراء التي لا يسمح للصحافة المحلية بتجاوزها، وتشتمل سياسة التعتيم تلك على البينات الأولية البسيطة مثل عدد الحالات المصابة، وحجم الإنفاق على علاجها، وعدد الوفيات المترتبة على فشل العلاج، وهي البيانات التي تساعد بلا شك في دراسات وأبحاث المرض، لكن العالم العربي يظن أن خير علاج للإيدز هو الوقاية من (النشر)!!

وقد ظل الحديث عن الإيدز من المحظورات في كثير من البلدان العربية، حتى نشرت صحيفة (الإمارات اليوم) أول أمس خبراً رئيسياً يكشف للمرة الأولى عن (إصابة خمسمائة مواطن بالإيدز ـ معظمهم من الرجال ـ يعالجون حالياً في مستشفيات الدولة! بينهم 160 في دبي، و42 في الشارقة، فيما تتوزع 298 حالة بين أبي ظبي والإمارات الشمالية، وتتراوح أعمار المصابين بين 20 و40 عاماً)...!!

ويضيف الخبر أن (البطالة ترتفع في صفوف المصابين بالإيدز، نظراً إلى أن أصحاب العمل يرفضون تعيينهم "خوفاً من العدوى"، وفقاً لمصدر الصحيفة الذي قال أن معظم الناس يعرفون أن انتقال المرض يتم فقط عبر نقل الدم أو الاتصال الجنسي، ومع ذلك فهم يتحاشون التعامل مع المصابين...)!!

ونشر الخبر على ذلك النحو من الجرأة والشفافية في صحيفة وليدة بحجم التابلويد يعبر عن سياسة لم يعهدها الإعلام الخليجي، ليس فقط تجاه المرض والاعتراف بتسربه إلى البلاد، وإقصاء المرضى والتعاطي معهم بعنصرية وتشدد، ولكن تجاه إعادة النظر في كل المحظورات التي لم يعد الالتزام بها ملائماً للطفرة السياسية والحضارية التي تشهدها المنطقة، ويبدو أن سقوط (الصنم) العراقي قد أغوى الجميع بالانقضاض على الأصنام الاجتماعية الكثيرة التي تحيط بنا، والتي صلينا لها طيلة عقود من الزمن!

وسوف يؤهل الإعلان عن أعداد المصابين بالإيدز في الإمارات ـ حتى وإن لم تكن دقيقة ـ إلى الانتقال بالقضية ـ التي لم تعد شائكة ـ إلى مرحلة التوعية، وتخصيص مزيد من الأموال للتعريف بطرق انتقال عدواه وكيفية تجنب الإصابة به، والكف عن الادعاء بأن (المرض تحت السيطرة منذ عام 1985)، كما زعم مسؤول كبير في اجتماع إقليمي لتقصي الأمراض المنقولة جنسياً، انعقد في أبي ظبي قبل عامين!!

محمد سعيد محفوظ

إعلامي مصري

[email protected]