الظُلم ظُلمات بعضها فوق بعض بقلم:د.جمال أبو نحل
تاريخ النشر : 2014-02-10
الظُلم ظُلمات بعضها فوق بعض بقلم:د.جمال أبو نحل


د. جمال عبد الناصر محمد أبو نحل..
 قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72]. لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا ... فالظُلم ترجع عقباهُ إلى الندم...
تنامُ عيناك، والمظلومُ منتبهٌ... يدعو عليك وعين الله لا تنمِ. إن الظلم ظلمات في بحر لجي يغشاها موج من فوقها موج، ظلمات بعضها فوق بعض، فإتقوا الظلم لأن الله عز وجل حرمه على نفسه، وحرمهُ بيننا، ولقد تكفل الله عز وجل بالانتقام من الظالم في الدنيا قبل الأخرة. جاء في الحديث القدسي الذي يرويه سيدنا محمد صل الله عليه وسلم عن ربه - تبارك وتعالى- أنه قال: ((يا عبادي، إني حرَّمت الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أَهْدِكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعِمْكم. يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوتُه، فاستكسوني أكْسُكُم. يا عبادي إنكم تُخطؤون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أَغفر لكم. يا عبادي إنكم لن تَبْلُغُوا ضَري فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أن أوَّلكم، وآخركم، وإنسكم، وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم، وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم، وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كلَّ إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيطُ إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه))؛ رواه مسلم، وهذا حديث شريف لأهل الشام وهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام، وأصل من أصول الدين، كان التابعون إذا حدثوا به جثوا على ركبهم من عِظمه. وأعظم أمر في هذا الحديث؛ أن الله – عز وجل – حرم الظلم على نفسه، وجعله بين الناس محرماً. وقال الله عزَّ من قائل: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 108]. وقال - تبارك وتعالى -: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. وقال عزَّ من قائل: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49]. حرمه سبحانه وتعالى على نفسه، فلا يظلم، ولا يهضم. والظلم أن يزيد في سيئات من لم يُسئ، والهضم أن يُنقصَ من حسنات من أحسن؛ و قال عزَّ من قائل: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً} [طه: 112]. والظلم من صفات العبيد، وقد حذرهم ربهم - تبارك وتعالى - منه. فأظلم الظالمين هو العبد إذا أشرك بالله. ولما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]. شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ووصف الله العبد بأنه ظالم، فقال: فالعبد ظالمٌ مع الله، وظالمٌ مع نفسه، وظالمٌ مع الناس. أما مع الله، ففي الحديث القدسي أن الله - سبحانه وتعالى - قال: ((عجباً لك يا ابن آدم، ما أنصفتني! – أي: ما عدلت بيني وبينك – خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم، وأنا غني عنك، وتتبغَّض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، خيري إليك نازل، وشرك إليَّ صاعد)). وفي "الصحيح" من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه وأرضاه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله - تبارك وتعالى -: شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يَشْتمني، ويكذِّبُني وما ينبغي له؛ أما شَتْمُه، فقوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه، فقوله: ليس يعيدني كما بدأني)، وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله – عز وجل -: يؤذيني ابن آدم! يسبُّ الدهرَ، وأنا الدَّهُر، يبدي الأمر، أقلب الليل والنهار)أما الظلم بين الناس، فهو معروف، وقد حذر منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أيما تحذير، ونهى عنه أشد النهي، فقال صلى الله عليه وسلم:(اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة). وقال صلى الله عليه وسلم -: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين) وفي هذا اليوم سيندمون حيث لا ينفع الندم، وسيصرخون قائلين: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49]. وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من ظلم قيْدَ شبرٍ من الأرضِ طُوِّقَهُ من سبعِ أرَضينَ). وتأتي امرأة - وهي أروى بنت أويس - فتدعي على سعيد بن زيد رضي الله عنه – أحد العشرة المبشرين بالجنة – أنه اغتصب شيئاً من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم. فقال سعيد: أنا كنتُ آخذُ من أرضها شيئاً، بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال مروان: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طُوِّقه إلى سبع أرَضين)) فقال له مروان: لا أسألك بينةً بعد هذا. فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فَعَمِّ بَصرَها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة فماتت!!وفي رواية: فرأيتها عمياء تلتمس الجُدُر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار، مرَّت على بئر في الدار، فوقعت فيها. فكانت قبرها!! {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. قال أحد التابعين: إذا مررت بأرض قد خربت، وبأهلها قد تفرقوا وبأُنْسٍ قد تشعَّب، وببهاء قد تبدد، وبمال قد فني، وبصحة قد ذهبت، فاعلم أنها نتيجة الظلم. ومن ذلك روى ابن كثير في "تاريخه"، أن البرامكة، الأسرة الشهيرة الخطيرة، التي كانت تتولى الوزارة لهارون الرشيد في بغداد، بلغوا من الترف والرقي؛ أن أحدهم كان يصبغ قصره، من الداخل والخارج بماء الذهب والفضة!! فكانت تلمع قصورهم مع الشمس، فضيعوا الأموال، وسفكوا الدماء وبغوا، وطغوا، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر. والرسول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه يقول: ((إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلته)، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] فسلط الله على هذه الأسرة أحبَّ الأحباب إليهم، وأقرب الأقرباء إلى قلوبهم، وأصدق الأصدقاء، وهو هارون الرشيد الخليفة، فأخذهم في ليلة واحدة، فجلد كل واحد منهم ألف سوط، ثم قَطَّع أيديهم وأرجلهم، وقتلهم شر قتلة، واستولى على أموالهم، وهدَّم قصورهم، وسجن نساءهم، فدخلوا على شيخ منهم وهو يُعذب ويبكي تحت السياط، فقال له بعض العلماء: ما هذه المصيبة التي حلت بكم؟ قال: دعوة مظلوم سرت في الليل، نمنا عنها، والله ليس عنها بنائم. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((دعوةُ المظلوم يرفعُها الله فوق الغمام وتُفتح لها أبوابُ السماء، ويقول الربُّ – عز وجل -: وعزتي وجلالي، لأنصرنَّك ولو بعد حين) * ولما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، كان آخر ما أوصاه به، قوله: ((واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). ولما أهين الإمام أحمد، إمام أهل السنة – رضي الله عنه وأرضاه – كان الذي سعى في سجنه، وفي ظلمه، وفي جلده، أحمد بن أبي داود، أحد الوزراء المقربين من الخليفة المعتصم، فرفع الإمام أحمد يديه إلى الحي القيوم، ثم قال: اللهم إنه ظلمني فاحبسه في جسمه، وعذبه، وشرده أيَّما مشرد. قال العلماء: فو الله ما مات، حتى أصابه الله بالفالج في نصفه، فنصف مصاب بالفالج قد مات ويبس من جسمه، ونصف حي؛ دخلوا عليه وهو يخور كما يخور الثور، فقالوا: ما لك؟ قال: دعوة الإمام أحمد أصابتني؛ أما نصفي الأيمن، فوالله لو وقع عليه ذباب لكأن جبال الدنيا سقطت عليه، وأما النصف الآخر، فوالله لو قرض بالمقاريض ما أحسست ألماً. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] وهذه سنة الله في الأرض، فإن الله دمر الديار، وأهلك الأمم، وأفنى الشعوب لما ظلموا، سنة محكمة وحكمة بالغة منه - تبارك وتعالى . قال الذهبي في "نبلائه": "دخل أحد المشايخ من الصالحين، الأولياء، العباد، على أحد الطغاة المتكبرين، فنازعه في بعض الكلام، وأمره بالمعروف، ونهاه عن المنكر، فقام إليه هذا الطاغية فضربه على وجهه. فقال: لطمتني! أسأل الله أن يقطع يدك، قال: اعفُ عني، قال: لا والله، حتى نحتكم عند الله". قال الذهبي: "فأُثِر أنه ما مر عليه أسبوع، إلا وقد استولي على ما عنده، وأخذ قصره، وقطعت يده، وعُلقت أمام الناس"!! إن الظلم ظلمات يا عباد الله، إن الظلم مسخطة ومغضبة، إنه لعنة، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعن الله من غيَّر منار الأرض). ومنار الأرض هي علامات حدودها، التي تقتسم في المزارع، وفي الأراضي، وفي الأملاك، فمن غيره بغيبة شريكه، وبعدم رضاه، فهو ملعون عند الله – عز وجل – وفي الأثر؛ أن الله إذا جمع الأولين والآخرين إلى يوم لا ريب فيه؛ حفاةً، عراةً، غرلاً، قد وقفوا في صعيد واحد، وتجردوا للحساب، تجلى الله - سبحانه وتعالى - تجلى على عرشه، يحمله ثمانية، فنادى بصوت يسمعه من قرب، كما يسمعه من بَعُد، فيقول عز من قائل: ((أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أنا الملك أين ملوك الأرض؟))، ثم يقول: ((لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟))، فلا يجيبه لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل. فيجيب نفسه بنفسه - تبارك وتعالى - ويقول: ((لله الواحد القهار))، ثم يقول: ((إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فوعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم، ولأحد عند أحد مظلمة)). فتنصب الموازين، وترفع الصحف، ويحضر الملائكة، ويأتي الظَّلمَة، يعض كل ظالم على يده حتى يأكلها، فيقتص الله للمظلوم ممن ظلمه، بحكمه العدل، وميزانه القسط، حتى يؤتى بالبهائم، فتحشر كالجبال، ما بين الإبل، والبقر، والغنم، والعجماوات، والطيور، فيتجلى الله لها، فيقتص لبعضها من بعض، حتى يقتص للشاة الجماء من ذات القرن، فإذا انتهى من الحكم بينها - تبارك وتعالى - قال لها: ((كوني تراباً))، فتكون تراباً، فيقول الكافر عندها: ((يا ليتني كنت تراباً)). فالله الله يا عباد الله، فما جف القطر، وما نزعت البركة، وما تباغضت القلوب، وما فسد الأولاد إلا من الظلم. إن الظلم ظلمات في القلب، وفي القبر، وفي الحياة، وفي الآخرة.؛ إن الظلم لعنة، ومسخطة، فاتقوه يا عباد الله، أوصي نفسي وإياكم باتقاء الظلم؛ في المعاملات، في الأقوال، في الأخلاق، فإنكم سوف تعرضون على ربكم ليس بينكم وبينه حجاب ولا ترجمان. {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94]. والظلم يدخل في البيع والشراء، يجمع الله المتماكسين الغششة، ليوم لا ريب فيه، فينصف منهم الناس. والظلم يدخل في ظلم الولد لوالديه، وهو العقوق، وقد حرمه الله أشد تحريم، قال الله – عز وجل -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22-23].وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يدخل الجنة قاطع رَحِم) والظلم يدخل كذلك على القضاة، وعلى المسؤولين كما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أمير عشيرة، إلا يؤتى يوم القيامة، مغلولة يده إلى عنقه؛ أطلقه الحقُّ، أو أوبقه) ولقد سجن هارون الرشيد أبا العتاهية، فأرسل له من السجن رسالة يقول فيها: أَمَا واللهِ إنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ وما زال المُسِيءُ هو الظَّلومُ إلى الدَّيَّانِ يومَ الحَشْرِ نمضي وعند الله تجتمعُ الخُصُومُ فبكى هارون الرشيد، حتى فحص برجله، وأمر بإرضائه، وأطلقه ولذلك يقول: أيا ربّ إنَّ النَّاس لا يُنْصِفُونَنِي وَكَيْفَ وَلَوْ أَنْصَفْتُهُمْ ظَلَمُونِي سَأَمْنَعُ قلبي أن يَحِنَّ إليهمُ وأَحْجُبُ عنهم ناظري وعيوني ولكن الأسلم لمن ظُلم؛ أن يستغفر الله، فما أصابه الظلم إلا بذنوبه، وأن يرجو الثواب والجزاء والأجر عند الله، وأن يتصدَّق بعرضه على الناس، كما فعل أبو ضمضم – صحابيٌّ جليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – كان إذا أصبح قال: اللهم إنه لا مال لي أتصدق به وهذا قد دل عليه الكتاب والسَّنة. قال عز من قائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. وقال - تبارك وتعالى -: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]. ولذلك أثر عند كثير من أهل العلم؛ أن عابداً من بني إسرائيل عَبَدَ الله أربعين سنة، ثم رجع على عقبيه، وعصى الله أربعين سنة، فلما نظر إلى المرآة، وجد الشيب قد غطى لحيته ورأسه، فبكى وقال: يا ربي! أطعتك أربعين سنة، وعصيتك أربعين سنة، فهل لي من توبة؟ فسمع هاتفاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك!! فالله الله في العودة إلى الله دائماً وأبداً، فإننا جميعاً أهل ذنوب وخطايا، إلا مَنْ رحم الله تعالى، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كلُّ ابن آدم خطاء، وخيرُ الخطَّائين التوابون)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((الذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم. فليس هناك حل إلا بالتوبة النَّصُوح، والاستغفار صباح مساء، وأن ندراً بالحسنة السيئة، وقال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]. وصدق ابن عباس – رضي الله عنه وأرضاه – فإنْ عيوننا تذنب، وقلوبنا تذنب، وآذاننا، وأبصارنا، وأرجلنا، وأيدينا، ولا يغسلها إلا التوبة والاستغفار. ونحن كشعب فلسطين يعاني من ظلم الأعداء، والتهجير القصرى من أرضنا الفلسطينية عام 1948م، ونعاني من المستوطنين وظلمهم، والمسجد الأقصى المبارك يشتكى ظلم الظالمين، وظلم ذوى القربي من العرب والمسلمين ولجيوش الجرارة التي لم تعمل على رفع الظلم عنه وعن شعبنا الفلسطيني المرابط فوق ترابه الوطني- علينا أن نوحد صفنا ونبعد الظلم من بيننا ونتوحد على كتاب ربنا وسنة نبينا، ونرفع الظلم عن كل مظلوم ونقول للظالم يا ظالم في وجهِ، عسي الله عز وجل أن يحرر أسرانا وأقصانا، وأن يعيد اللاجئين المهجرين لوطنهم الحبيب فلسطين، وما ذلك على الله بعزيز.