أهمية الأدب وفائدته بقلم: د.محمد عبدالله القواسمة
تاريخ النشر : 2014-01-29
أهمية الأدب وفائدته
د. محمد عبدالله القواسمة
يطرح كثيرون ، وبخاصة الطلبة من ذوي التخصصات العلمية أسئلة غريبة: لماذا ندرس الأدب؟ ماذا تفيدنا دراسة الرواية والمسرحية والشعر العربي؟ فما علاقة امرئ القيس في معلقته:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
أو ما قاله زهير بن أبي سلمى في معلقته، التي مطلعها :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم
ما فائدة كلّ ذلك ونحن طلاب هندسة وطب وفيزياء، ولسنا طلاب أدب و لغة؟
هذه التساؤلات يمكن الإجابة عنها من خلال بيان أهمية الأدب وفائدته للناس جميعًا سواء أكانوا طلاباً، أم كانوا عمالاً أم فلاحين.
في البدء يحسن الإشارة إلى أن الأدب ما هو إلا تعبير عن الواقع بأساليب جمالية، تعتمد على اللغة، ونقصد بالواقع : المجتمع بمكوناته الثقافية والاقتصادية والسياسية، وبما يمور فيه من حركة وصراع، والطبيعة بما فيها من جبال وأنهار وسهول ووديانن وظواهر جغرافية متنوعة، والإنسان بما يتصارع في نفسه من رغبات ومخاوف، وما يدور في عقله من خيالات وأفكار تتبدى كلها في سلوكه ونشاطاته. لاشك أن أهمية الأدب تتصل بهذه العناصر جميعها؛ فالأدب يزيدنا فهماً بالمجتمع ، ومعرفة بهمومه وتطلعاته؛ مما يساعد أصحاب القرار على حل مشاكله والتخطيط لمستقبله. كما يطلعنا على ما كانت عليه الحضارات والأمم السابقة، فعلى سبيل المثال، فإن الأدب الجاهلي وبخاصة الشعر الجاهلي يقدم لنا معلومات كثيرة عن الحياة في ذلك العصر، ونحن نستطيع أن نتعرف المجتمع العربي في مصر بقراءة روايات نجيب محفوظ، ونتعرف على باريس والمجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر بقراءة روايات الكاتب الفرنسي بلزاك ، وقد صرح أانجلز الفيلسوف الماركسي بأنه فهم منها عن الحياة السياسية والاجتماعية في ذلك العصر أكثر مما فهمه من علماء الاقتصاد والاجتماع في عصره..
ولما كان الأدب وسيلته في تحقيق أهدافه هو اللغة، فهو يساعد على المحافظة عليها، وعلى ما تحمله من تراث وفكر باعتبار اللغة حاملة تراث الأمة ومنجزاتها الفكرية والأدبية والعلمية، وإذا ما شئنا أن تتكلم عن لغتنا العربية، فهي حاملة الشعر الجاهلي، وكل ما أنجزته القريحة العربية والإسلامية منذ عصر التدوين حتى الآن، كما أنها عنوان هويتنا، وبها جاء القرآن الكريم ، فجعلها لغة تحمل طابع القداسة.
وللأدب أهميته وفائدته في تعريفنا الطبيعة المحيطة بنا؛ فكثير من الأمكنة نتعرفها من خلال قراءتنا للشعر والرواية والمسرحية، كما أن الأدب يزيدنا معرفة بالطبائع البشرية، ووهنا نذكر ما قدمه أدب الروائي الروسي ديستويفيكسي لعالم النفس فرويد وبخاصة روايته الأخوة كرامازوف؛ إذ ألهمته هذه الرواية نظريته النفسية المبنية على عقدة أوديب، وقد عرف اليونانيون القدماء في القرن الرابع قبل الميلاد أهمية الأدب للإنسان، وتوصلوا إلى أنه يخلص النفس الإنسانية من الرغبات والمشاعر المكبوتة تحت ما يسمى نظرية التطهير.
لقد أدرك أجدادنا العرب أهمية الشعر، وهو أبرز الأجناس الأدبية؛ فأطلقوا عليه ديوان العرب، وكان إذا نبغ من القبيلة شاعر فإنها تقييم الأفراح والليالي الملاح احتفاء به؛ لأنه لسانها في الدفاع عنها أمام خصومها، وفي إبراز محاسنها وفضائلها، وتسجيل انتصاراتهان والتغني بأمجادها.
وعندما جاء الإسلام نزل القرآن ليأسر العرب ببلاغته، ويجذبهم ببيانه وفصاحته حتى إن الوليد بن المغيرة قال بعد سماعه من الرسول شيئا منه: " إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه مثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلا ، وأنه ليحطم ما تحته" " وكم في تراثنا من قصص وحكايات تدل على تأثير الشعر في نفوس القوم؛ فهذه قبيلة أنف الناقة كانت تخجل من اسمها، وعندما قال فيهم الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
صار هذا اللقب فخرا للقبيلة تتباهى به أمام غيرها من القبائل.
وهذا الشاعر الدارمي الذي عاش في العصر الأموي، وهو من الشعراء والمغنين الظرفاء في الحجاز ، عندما تقدم به العمر ترك نظم الشعر والغناء وتنسك، ولكنه عاد إلى نظم الشعر حين شكا إليه صديقه التاجر عن عدم بيعه الخمر السوداء فقال لكي يساعده على بيعها:
قل للمليحة فى الخمار الأسود ماذا فعـلت بـناســك مـتعبـــد
قد كان شـمر للصلاة ثــيابــه حتى وقفـت له بباب المسجـد
ردي عليه صلاتـه وصيــامــه لا تقـتـليـه بحـق دين محمــــد
فشاع الخبر فى المدينة بأن الشاعر الدارمي رجع عن تنسكه و زهده، وعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحة إلا اشترت من التاجر خمارا أسود . ربما من ذلك الحين، والنساء يرتدين الخمر السوداء ليس في المدينة وحدها بل في العالمين العربي والإسلامي.

ويبدو تأثير الأدب في استنهاض الشعوب من كبوتها، كما تجسد هذا التأثير في شعر أبي القاسم الشابي ومنه قوله:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
وكما تجلى في شعر إبراهيم اليازجي الذي ألهب حماس الناس، وحركهم لمقاومة السلطة العثمانية فقال:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
وقد وعى أهمية الأدب والفنون عامة كثير من المفكرين والأدباء، سئل العقاد عن ضرورات الفنون الجميلة فأجاب:" تحصيلنا الرغيف يساوينا بسائر الأحياء ولكن تحصيلنا الجمال لا يجعلنا أحياء وحسب بل يجعلنا بشراً ممتازين في أمة ممتازة، تحس وتحسن التعبير عن إحساسها. الضرورات توكلنا بالأدنى من مراتب الحياة ، أما الذي يدفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان، فهو الفنون".
في هذا العصر نحن أحوج إلى الاهتمام بالأدب؛ لنتخلص من هموم التكنولوجيا، وهجمة الصناعة الإعلامية والثقافية، فإذا كان التقدم العلمي قادراً على تزويدنا بالوسائل الترفيهية، فهو ليس بقادر على منحنا ثقافة الجمال التي تجعلنا نحس بإنسانيتنا، إنه يتركنا مجرد مستهلكين لبضائع مستوردة.. بالأدب نستطيع أن نحقق تلك الثقافة، وفي هذا يحضر قول الأديب اليوناني نيكولاي كازنتكيس: " الأدب يحول دون تفسح العالم " .
في النهاية يمكن القول: للأدب تأثير في حياة الناس: فهو باعث للمتعة والمنفعة، ومهذب للوجدان والعواطف، ومحفز لاتخاذ المواقف، كما أنه يوسع خبراتنا، ويساعدنا على فهم الحياة والطبيعة والمجتمع فضلًا عن أنفسنا. ولهذا نرى ضرورة أن يتوجه الناس وبخاصة الطلبة نحو الكتابة في فنون الأدب المختلفة من شعر وقصة ومسرحية وخاطرة ومقالة، وأن يقرأوا الكتب الأدبية؛ فمثل هذه الاهتمامات تجنبهم الوقوع في العنف، والاتصاف بالخشونة والقسوة ، فما وظيفة الأدب بما ينطوي عليه من قيم ذهنية وجمالية ، إلا ترقيق الوجدان، وهندسة العواطف، ودفع الإنسان ليسير في طريق السمو العقلي والوجداني[email protected]