التقويم المالي العثماني
بقلم مخلص محجوب الحاج حسن
عضو لجنة البحث والتوثيق بمكتبة بلدية جنين العامة
مقدمة
أصبحت الدولة العثمانية ذات خلافة منذ عهد السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني الصاعقة متسلماً شارات الخلافة من الخليفة أبي الصبر المتوكل على الله أبي عبد الله محمد بن يعقوب المستمسك بالله العباسي في 7شعبان عام 922هـجري وفق 3/9/1516ميلادي معتمدةً التقويم القمري الهجري، وبعد ثلاثة قرون دخلت الدولة بطوْر التراجع وبقصد الإصلاحات ولأسباب مالية صرفة وتجنباً لأزمات أو إشكالات أو إرباك تتعرض له الدولة دوْرياً بصدد جباية الضرائب وتسديد الرسوم نتيجة الفرق الناجم عن الحساب القمري الهجري والموسم الزراعي المتمشي مع الحساب الشمسي أي الميلادي فارتأت ذلك في مستهل عهد السلطان عبد المجيد الأول وفقاً لأبيه محمود الثاني صاحب تنظيمات "خطي همايون" الصادرة في 7 ربيع الثاني عام 1255هـ الموافق 21حزيران سنة 1839م تطبيق التقويم الجديد .
التقويم المالي
هو أحد أنواع التقاويم المتعددة ، و بدئ بتـأريخ المراسلات الرسمية بتاريخيْن هما القمري الهجري والمالي العثماني باحتساب أول الصيف يوم الأربعاء 21 حزيران سنة 1839م وفق التقويم الشمسي الميلادي(الجريجوري الغربي) والواقع في 7 ربيع الثاني عام 1255هجرية والموافق 8 حزيران 1254مالي عثماني لكون مبتداها مرجوعاً إلى مارت/آذار معتبراً تسجيل الأشهر ذات التسمية الإفرنجية مثل كانون ثاني(أُوجاك) و تسجيل السنوات بالرقم الهجري وتجريده من تذييله "هـ" .
التعديلات
لقد فهم العامة أي جمهور الأمة أن التقويم المالي بأنه رومي شرقي نظراً لاقتباس عناصره من التقويم الشمسي اليولياني الجريجوري المعدل مع استبدال تسمية بعض الأشهر أي سبعة منها بإرجاعها إلى تسميتها القديمة فمثلاً مارت بدل آذار المعروف ب مارس ،مايس بدل أيار المعروف ب مايو، أغسطس بدل آب نسبة للقيصر صاحب التسمية ، أكيم بمعنى البذار بدل تشرين الأول وعند المصريين - أٌكتوبر، وقاسم بدل تشرين الثاني – نوفمبر، درلك بمعنى الموسم بدل كانون الأول – ديسمبر، أُوجاك بمعنى المدفأة بدل كانون الثاني – يناير، ولا تفوتنا كلمة "وجاق" المعربة المأخوذة من التركية بمعنى بيت النار المتواجد بالفرن أو المقهى أو التكية أو الحمام العام ، ولم يرد تعديل أسماء الأشهر الخمسة الأخرى مثل شباط – فبراير ، نيسان – ابريل ، حزيران – يونيو ، تموز – يوليو، أيلول – سبتمبر كما هو معروف لدى المصريين وآخرين.
رأس السنة
جُعلت رأس السنة المالية العثمانية هي أول مارت آذار(مارس) نظراً لاقترابه من بداية موسم الخيرات والحاصلات الزراعية وذلك مأخوذاً من التقويم الروماني البيزنطي القديم الذي اعتبر آذار أول شهور السنة الشمسية بينما وفق الجريجوري أولها كانون ثاني مع الأخذ بعين الإعتبار أن فرقاً بين التقويمين الشرقي والغربي : أي اليولياني الشرقي نسبة ليوليوس قيصر منذ سنة 46 ق.م وتتبناه الكنيسة الأثوذوكسية وتعتمد اللغة اليونانية (والذي حل محل الروماني القديم منذ تأسيس روما 753 ق.م.) والغربي الجريجوري الحديث نسبة للبابا جريجوريوس الثالث عشر منذ 1582م وتتبناه الكنيسة االكاثوليكية والإنجليكانيةةوتعتمد اللغة اللاتينية .
ولايفوتنا التذكير بأن السنة القمرية أقصر من السنة الشمسية ب(11) يوماً اصطلاحاً ناجمة عن طرح 365يوماً + (5ساعات و 48 دقيقة و46 ثانية) من 354 يوماً +( 8 ساعات و48 دقيقة و42 ثانية ) لكنها بالضبط = عشرة أيام +21ساعة +00 دقيقة +4 ثانية ) والشهر القمري = 29 يوماً +12 ساعة +44 دقيقة + 3 ثوانٍ . ولذا قرر الأتراك العثمانيون التدارك بإجراء الزحف( سوش بالتركية) ليكون الفرق بين السنوات المالية العثمانية والسنوات القمرية الهجرية متلاشياً أي بإسقاط سنة واحدة من الرقم 1255هـ لتلحيق الفرقية أي لتبتدئ مالي عثماني ب 1256 وتجريدها من تذييلها بعدم إيراد حرف "هـ" الخاصة بالتقويم الهجري فقط كما أن " م " خاصة بالميلادي .
المراسلات الرسمية
صارت المكاتبات الحكومية والمراسلات الرسمية والسجلات والسالنامات والوثائق والحجج تذيّل بالتاريخين: القمري الهجري والمالي العثماني ، ونشروا مصطلحات بتوثيق أسماء الأشهر القمرية الهجرية الإثنتي عشرة بالرموزعلى التوالي :- م( أي محرم) ، ص (صفر) ، را (ربيع اول) ، ر(ربيع ثاني أو الآخر )، جا (جمادى ألآولى) ، ج (جمادى الثانية أو الآخرة) ، ب (رجب) ، ش (شعبان) ، ن (رمضان) ، ل (شوال)، ذا( ذو القعدة) ، ذ(ذو الحجة) .
وظل هذا التقويم متبعاً مدة حوالي أل (85) سنة شمسية وتزيد عن أل (87) سنة مالية عندما تجرأ أتاتورك العلماني 1924م فألغى التاريخ الهجري الإسلامي ومثله المالي العثماني ولا غرْو فقد أقدم على أكبر بإلغائه الخلافة؟! ، وخيرُ من كتب مفصلاً في موضوعنا " التقويم المالي العثماني " هما محمد صديق الجليلي بمجلة المجمع العلمي العراقي23/1973م والدكتور عبد العزيز عوض في الإدارة العثمانية في ولاية سوريه صفحة (343 ) ، والجدير بالذكر أن الخديوي اسماعيل( باني مدينة الإسماعيلية وقصر عابدين بالقاهرة ، وافتتح قناة السويس) أصدر أمراً بمصر باعتماد التاريخين بالسجلات الرسمية بالقمري الهجري الإسلامي والتاريخ الغربي الميلادي وذلك اعتباراً من 29 رجب الفرد عام1292هـ الموافق للأول من أيلول سبتمبر سنة 1875م.
أمثلة ومقارنة
(1)28 حزيران 1309 مالي عثماني = 10/7/1893م = غرة محرم 1311هـ .
(وكان الرقم السنوي مقارب الهجري و يكتب مجرداً بدون عبارة : مالي عثماني).
(2) 8 شباط 1315 مالي عثماني = 20 شباط 1900م =19 شوال 1317هـ .
لاحظ الفرق كان ( 12 ) أعلاه فأصبح (13) يوماً أدناه تمشياً مع الزحف .
(3) 22 تشرين أول 1320 مالي عثماني = 4/11/1904م = 23 شعبان 1322هـ .
(4) 16/ 4/ 1325 = 9ربيع الآخر 1327هـ = 29/4/1909م .
(5 ) 19/10/ 1325 مالي عثماني = 2/11/1909م = 18 شوال 1327هـ .
(6) 28 كانون ثاني1329مالي عثماني =10شباط 1913ميلادي = 3ربيع أول 1331 هـ .
( 7) 30 مارس آذار1329مالي عثماني =12 نيسان 1913م =5 جمادى الأولى 1331هـ .
(8) 10 تموز0 133مالي عثماني = 23تموز 1914م = 1 رمضان 1332هـ .
(9) 15 حزيران 1331مالي عثماني = 28حزيران 1915 ميلادي =الإثنين 15 شعبان 1332هـ .
هذا و بالله التوفيق
نشرت في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 1912014م؛ صفحة 20