عودة للواقع 3: قصور النشر! بقلم: رفيق علي
تاريخ النشر : 2014-01-15

تحدثت في المقالين السابقين عن جانبين من جوانب سوء أخذ المنهج وهما عِوج الفهم وفتور الالتزام، وبقي أن أتحدث عن الجانب الثالث وهو قصور النشر. ولو قلنا إنّ النشر مرادف للدعوة لما ابتعدنا كثيراً.. وإنما يتمثل قصور النشر أو الدعوة في حالين: حال من الإهمال وحال من الزيغ والانحراف.. ومن جهة الإهمال: فبمقارنة حجم وكمية وسائل الإعلام التي تبثها المبشّرة والصهيونية بوسائل إعلامنا، نجد الفارق الذي يصب في صالحهم كبيراً جدا، فضلاً عن نوعية هذا الإعلام وطرائقه! وقد أدّى هذا القصور من جانبنا بالإضافة إلى عوج الفهم وفتور الالتزام السابق ذكرهما إلى عكس صورة غير صحيحة بل مشوّهة عن الديانة الإسلامية ومتّبعيها في الأوساط العالمية المختلفة، وعلى الخصوص وسط أولئك الذين يعادون الإسلام أصلاً، ويروّجون الشائعات المغرضة ضده؛ حيث وجدوا في قصورٍ من إعلامنا وزيغ من فهم وتطبيق لمنهج ديننا.. مجالاً رحباً لممارسة تبشيرهم وطعنهم على الإسلام.. وأضرب هنا مثالين لما يروّج وينشر بعض مستشرقيهم في هذا الشأن: يقول المستشرق الفرنسي (كيمون) في كتابه " باثولوجيا الإسلام" : إنّ الديانة المحمدية جذام تفشّى بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً، بل هو مرض مريع عام وجنون ذهولي يبعث على الخمول والكسل... وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رءوس المسلمين" ويقول المستشرق (هانونو):" وأفضل الطرق لتثبيت ولاية المستعمر الأوربي على البلاد الإسلامية هو تشويه الدين الإسلامي وتصوّره في نفوس معتقديه، بإبراز الخلافات المذهبية والتناقضات الشعوبية والقومية والجغرافية، مع شرح مبادئ الإسلام شرحاً يشوّهها وينحرف بها عن قيمها الأصيلة، وتمجيد القيم الغربية والنظام السياسي والسلوك الفردي للشعوب الأوربية" إذن فهم يعترفون بالقيم الأصيلة لمبادئ الإسلام، ولكنهم يتعمدون تشويهها خدمةً لمصالحهم الاستعمارية! وهكذا يمضون في نشر مثل هذه الأمور بين ناسهم وكتّابهم وصحافيّيهم الذين يتبنّونها وينطلقون ينشرونها في مصادر بثهم الإعلامي العالمي المتفوق على إعلامنا، في الوقت الذي لا نزيد على أن نقوم بالمظاهرات الرافضة كلما صدر عنهم ما يشوّه ديننا أو يسخر برسولنا! فكيف بالحال لو طغى إعلامهم حتى يصدقهم البعض منا أو يساعدهم البعض الآخر بتصدير المفاهيم المعوجة عن ديننا؟ ثم كيف بحال من زيغ وانحراف إعلامنا، حيث لا نسمع أو نرى في إذاعاتنا ومعظم صحفنا عروضاً أو مشاهد للمواقف التاريخية الزاهرة في ديننا وحضارتنا، بقدر ما نرى ونسمع من الدعايات لآخر الموديلات والمصنوعات والأفلام الأجنبية، فضلاً عن تقليدهم واتّباع آثارهم من جانبنا في كل ما يصدّرون لنا من تقاليع مستجدة وما يسمّى بالإتكيت.. مما أدّى إلى الإخلال بالوعي الديني في أوساطنا، وعدم تمكّن العقيدة، حتى أنّ المسلم بالوراثة سرعان ما تجرفه التيارات الوافدة فيتحول عن دينه، وقد يصبح عدواً لهذا الدين أو على الأقل ممالئاً لأعدائه، إلا من رحم ربي! وكل أملنا أن يتطور إعلامنا نحو الأفضل بحيث يجاري إعلامهم؛ فلا يخلو لهم الميدان لبثّ سمومهم والاجتراء على ديننا وقيمنا الأصيلة وحضارتنا، وينقّي نفسه من التبعية الأجنبية، ويركّز على الدعوة بالتي هي أحسن مفارقاً للتزمّت مسدّداً مقارباً للوسطية والاعتدال، مما أعطانا القرآن الكريم تعاليمه إذ يقول سبحانه وتعالى:" وكذلك جعلناكم أُمةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً.." (البقرة 143)