حول أصل كلمة “الكحول” بقلم:أ. د. حسيب شحادة
تاريخ النشر : 2013-10-24
حول أصل كلمة “الكحول” بقلم:أ. د. حسيب شحادة


حول أصل كلمة “الكحول”
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


يعلم البعض أن أصل لفظة alcohol الشائعة في لغات كثيرة جدا متحدر من اللغة العربية “الكحول” وأل التعريف تنمّ عن ذلك، والسؤال هل هي أصلية في العربية أم دخيلة. في الواقع دخيلة ويعود أصلها إلى أقدم اللغات السامية، الأكادية، التي يعود تاريخ أقدم نقوشها إلى عام ٢٥٠٠ ق.م. تقريبا ومن أقدم ما وصلنا من كتابات في العالم. لغتان فقط، السومرية والمصرية القديمة لهما تراث مكتوب أقدم مما في الأكادية. أصحاب الأكادية، نسبة لمدينة “أكَد” التي أنشئت في القرن ٢٣ ق.م.، عاشوا في بلاد ما بين النهرين. هذه المدينة كانت عاصمة لإمبراطورية الملك سرجون. تفرعت الأكادية في غضون الألف الثاني ق.م. إلى لهجتين رئيسيتين، البابلية في الجنوب والأشورية في الشمال. أطلق ملوك منطقة الهلال الخصيب أمثال سرجون الأول حتى سنحاريب ونبوخدنصر على أنفسهم لقب “ملوك المعمورة” وهيمنت حضارتهم ولغتهم على مناطق شاسعة. آنها اللغة الأكادية كانت لغة العلم والدين والقانون والدبلوماسية إذ أن ملوكا كثيرين في أرض كنعان والأناضول وفراعنة مصر تراسلوا بالأكادية. هكذا لا غرابة في دخول مصطلحات علمية متنوعة من الأكادية إلى لغات أخرى في منطقة الشرق الأوسط. من الكلمات الأكادية التي دخلت العبرية مثلا ننوه هنا بـ: דרור, מזל, מכס, מסכן, סריס (حرية وفي الأصل إلغاء الديون؛ حظ وفي الأصل برج سماوي؛ جمرك؛ مسكين؛ مخصيّ). هيمنة هذه الحضارة الأكادية دامت قرابة ألفي عام وتدهورت أولا في أشور ثم في بابل في القرن السادس ق.م. في تلك الفترة ظهرت وانتشرت اللغة الآرامية.

لفظة “كُحل” (kohl) في العربية مأخوذة من نظيرتها الأكادية “جُحْلو”، ذلك المسحوق، الإثمد، غامق اللون، إيطينول، الذي كانت تستعمله المرأة لتظليل جفونها لتجميلها والمثل العربي العامي “ أجا بدّو يكحلها عماها” معروف. من العربية اقترضت اللغات الأوروبية لفظة alcohol إذ لا وجود للصوت الحلقي حاء (guttural) فيها وفي اللغة الفنلندية مثلا نجد الصيغة المختصرة alko، المكتوبة على يافطة متاجر المشروبات الروحية. من الإيطينول إلى مساحيق وسوائل مستخرجة من عمليات التكرير والتنقية كان المشوار قصيرا. هكذا شاع هذا المعنى الجديد، المشروبات الروحية، وغدا وكأنه المعنى الوحيد للفظة. عرف الإنسان القديم الخمرة منذ آلاف السنين قبل الميلاد ونعلم أن أول من سكر في كتاب العهد القديم كان نوح (أنظر سفر التكوين ٩: ٢٠-٢١) ونجد أيضا مثلا بأن الخمر يفرح الله والناس (سفر القضاة ٩: ١٣).