هل تعتذر أسبانيا عن تعذيب ثلاثة ملايين عربي في الأندلس بقلم:محمد خليفة
تاريخ النشر : 2005-11-20
هل تعتذر أسبانيا عن تعذيب ثلاثة ملايين عربي في الأندلس بقلم:محمد خليفة


هل تعتذر أسبانيا عن تعذيب ثلاثة ملايين عربي في الأندلس



بقلم : محمد خليفة / كاتب من الإمارات

البريد الإلكتروني: [email protected]

الموقع الإلكتروني : http://www.mohammedkhalifa.com

الصراع بين الخير والشر ، صراع مستمر وُجد منذ بدء الخليقة ، والصلة العصبية في تاريخ الحضارة البشرية وفي كل الأزمنة كانت دائماً يحكمها صليل العنف والقتل ، وتقوم على أسباب من الدين ، بحسبان أن الدين هو العامل في تكوّن القوميات والدول . وإضفاء هذه الصلات التاريخية العديدة على الحضارة العالمية ، وتبادل الغزوات بين مختلف الأجناس وما أصاب الإنسانية من كوارث ومصائب على مدى تاريخها يبرهن أنها ليست من عمل العقيدة ، بل أمر إنساني عام حدث على مدى تاريخ الإنسان . وثمة وقائع من التاريخ لم تشكّل منعطفات تاريخية فحسب ، بل شكّلت أيضاً طبيعة النشأة في كل حضارة . ولعل من أبرز الوقائع وأشدّها أثراً وتأثيراً في وضع الحقبة التي عرفت في أواخر القرن السادس عشر الميلادي بين المسيحيين الأوروبيين والمسلمين وما لقيه المسلمون من اضطهاد باسم الدين ، يعدّ من أخطر النزعات وأشدّها في تاريخ الإنسانية بعداً عن الجانب الإنساني في حياة الإنسان . فبعد أن استطاع المسلمون تقويض سلطان الإمبراطورية الرومانية بعد معركة اليرموك عام 16 للهجرة ـ 618 للميلاد . والسيطرة على سوريا وآسيا الصغرى ومصر وبلاد المغرب العربي التابعة للدولة الرومانية ، بدأ المسلمون يغيرون على أوروبا بغية فتحها ونشر الإسلام في ربوعها . فهاجموا القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية ، لكن هذه المدينة امتنعت وصمدت بسبب وقوعها في مكان استراتيجي على مضيق البوسفور . وعندما عجز المسلمون عن فتح هذه المدينة والتوغّل في أوروبا ، قرروا دخول أوروبا من جهة الغرب ، فعبروا إلى الأندلس عام 91 للهجرة ـ 693 للميلاد واستقروا فيها ، وبدأوا يناوشون باقي بلاد أوروبا من هناك . وبدأت الكنيسة الكاثوليكية في روما تحرّض أتباعها في أوروبا على محاربة المسلمين وصدّهم . وفي عام 114 للهجرة ـ 716 للميلاد ، خرج أمير الأندلس عبد الرحمن الغافقي بجيش كبير لمواصلة الفتوحات الإسلامية في أوروبا ، واستنجدت الكنيسة الكاثوليكية بالدولة الميروفنجية لصدّ هذا الهجوم الإسلامي . ولبّى الفرنجة هذه الدعوة وخرج قائدهم شارل مارتل بجيش ألماني كبير ، فالتقى مع العرب بين بلدتي "تور" و "بواتييه" في جنوب فرنسا حيث دارت معركة بلاط الشهداء الشهيرة في فاتح رمضان من تلك السنة . ودارت بين الجانبين معركة عنيفة ضارية لمدة سبعة أيام انتهت باستشهاد القائد عبد الرحمن وعدد كبير من رجاله . وانسحب الباقون تحت جنح الظلام ، ومنذ تلك المعركة توقفت الفتوحات العربية في أوروبا ، وانكفأ المسلمون في الأندلس التي كانت تشمل معظم أجزاء إسبانيا باستثناء بعض المناطق الشمالية الغربية مثل منطقة جليقية أو غاليسيا ، فإن المسلمين لم يفرضوا سلطانهم تماماً على هذه النواحي لوعورة مسالكها وبرودة مناخها ، فأهملوا جانبها زهداً فيها واستهانة بشأنها . ولهذا استطاعت بعض فلول الجيش القوطي المنهزم بزعامة قائد منهم يدعى بلاي أن تعتصم بالجبال الشمالية في هذه المنطقة ، وعاشوا على عسل النحل الذي وجدوه في خروق الصخر . ولما أعيى المسلمين أمرهم ، تركوهم وانصرفوا عنهم استخفافاًً بشأنهم وقالوا : ثلاثون علجاً ما عسى أن يجيء منهم ؟. لكن من هذه المناطق نبتت نواة دولة إسبانيا المسيحية ، ونبتت معها حركة المقاومة الإسبانية التي أخذت تنمو وتتسع حتى سيطرت على جميع المناطق الشمالية الغربية التي أصبحت تعرف بمملكة ليون . ولقد أحاطت هذه المملكة نفسها بسلسلة من القلاع والحصون لحماية نفسها من هجمات المسلمين . ولم تلبث هذه القلاع أن اتحدت في القرن العاشر الميلادي بزعامة أقوى أمرائها ويدعى فرنان جون زالس ، واستقلت عن مملكة ليون وصارت تعرف بإمارة قشتالة . وكانت الكنيسة الكاثوليكية في روما تحرّض الأسبان بشكل مستمر على صدّ المسلمين وقتالهم ، ودعت هذه الكنيسة ملوك أوروبا إلى مساعـدة الأسبان ضد العـرب والمسلميـن . فتدفّـق المقاتلـون الصليبيون من كل أنحـاء أوروبـا الغربيـة إلـى قشتالـة لمحاربـة الملسميـن . وكانت الدولة الأموية في الأندلـس قـد انهارت عام 422 للهجرة ـ 1024 للميلاد . وقد أسس هذه الدولة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان (الداخل) عام 138 للهجرة ـ 740 للميلاد . وبعد انهيار هذه الدولة تفككت الأندلس إلى دويلات طائفية ضعيفة متنازعة وطمع الأسبان بالمسلمين بعد أن تفرّقت كلمتهم ، فجهّز الملك القشتالي ألفونسو السادس حملة كبيرة لغزو بلاد الأندلس ، فحاصر سرقسطة ، فاستنجد المعتمد بن عباد صاحب اشبيلية وقرطبة وأقوى ملوك الطوائف الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين لصدّ الزحف الصليبي على بلاد الأندلس . فلبى يوسف بن تاشفين الدعوة ، وعبر بجيوشه إلى الأندلس والتقى مع جيوش الصليبيين في منطقة اسمها فحص الزلاقة ، وهناك دارت معركة فاصلة معركة الزلاقة عام 479 للهجرة ـ 1086 للميلاد . وانتهت بانتصار كبير للمسلمين وبهزيمة ساحقة للصليبيين ، وقد أنقذ هذا النصر الحكم الإسلامي في الأندلس من سقوط محقق . وأصبحت الأندلس تابعة للمرابطين واستمرت كذلك حتى وقعت في أيدي الموحدين الذين قضوا على دولة المرابطين عام 542 للهجرة ـ 1147 للميلاد . واستمرت الأندلس في أيدي الموحّدين إلى أن حدثت موقعة (العقاب) سنة 609 للهجرة ـ 1211 للميلاد ، بين الملك ألفونسو الثامن والخليفة الموحدي أبي عبد الله محمد الناصر لدين الله . وقد انهزمت جيوش المسلمين في هذه الموقعة ، ولم تتحمل دولة الموحدين هذه الصدمة العنيفة ، فانهارت تماماً وانهار معها خط الوادي الكبير الذي أخذت مدنه الهامة مثل قرطبة وأشبيلية وقادس وشريش تتساقط تباعاً في عهد الملك القشتالي فرديناند الثالث الذي لقب بعد ذلك بالقديس . وفي نفس الوقت كانت هناك مملكة أسبانية أخرى قد ظهرت في الشمال الشرقي اسمها آرجون . وقد أغار ملكها خايمي الملقب بالفاتح بجيوشه وأساطيله على شرق الأندلس واستولى على أهم مدنه مثل بلنسية وجزر البليار . وهكذا لم يبقَ مع المسلمين سوى منطقة غرناطة الجبلية لتكون آخر معقل للإسلام في جنوب شرق أسبانيا . وعندما مات جون الثاني ملك قشتالة عام 1474 للميلاد ، كان قد أوصى بعرشه إلى جوانا التي ادعى أنها ابنته ، لكن رجال الكنيسة أنكروا ذلك ، وقاموا بتنصيب إيزابيلا أخت جون ملكة على قشتالة . وكان فرديناند قد اعتلى عرش الآرجون وكان ابن عم لإيزابيلا من جدهما هنري ترستمارا الذي كان ملكاً على آرجون ومات عام 1379 . وقام رجال الكنيسة بتزويج فرديناند من إزابيلا من أجل تحقيق وحدة المسيحيين في أسبانيا ومن ثم الإطباق على غرناطة . وقد جمع هذا الزواج الذي وقع عام 1469 مملكة قشتالة والآرجون في مملكة واحدة . وسرعان ما أرسل الثنائي فرديناند وإيزابيلا الوفود مطالبة مملكة غرناطة بدفع الجزية ، لكن أمير غرناطة واسمه أبو الحسن علي بن سعد امتنع عن دفع الأتاوة . وأخذ يستعد للقتال ولم يعلم أبو الحسن أن فرديناند أقوى منه عدّة وعتاداً ، ونشبت الحرب بين الجانبين واستمرت عشر سنوات إلى أن انتهت بسقوط غرناطة عام 1492 . ودخل فرديناند وإيزابيلا غرناطة وسجدا شكراً "لله الذي أخرج الإسلام من أسبانيا" بعد 781 سنة ، ورفع الكاردينال ميدوزا صليباً فضياً عظيماً فوق قصر الحمراء . وما أن سقطت غرناطة حتى شرع الملكان الكاثوليكيان ، ويطلب من بابا روما في إكمال تنصيرها . فأصدرا عام 1501 مرسوماً يقضي بمنع وجود المسلمين في غرناطة ، لأن "الله اختارهما لتطهيرها من الكفرة" . كما أن المرسوم يحظر على المسلمين الاختلاط بمن تنصروا لئلا يفسدوا عليهم إيمانهم ، وكل من خالف الأوامر فجزاؤه الموت ومصادرة أملاكه . كما صدر مرسوم آخر من الملكين فرديناند وإزابيلا بتأسيس ديوان التفتيش وأن يزاول أعماله في كل الجهات التابعة لهما . وقام هذا الديوان بملاحقة المتنصرين ممن قبلوا بالكثلكة من أجل البقاء في ديارهم ، فمن نطق بالعربية منهم أو استحمّ أو حجب النساء أو لبس الأزياء الإسلامية ، فهو كمن أقام الدليل على ردّته وكفره والويل له من العذاب . ويقدر المؤرخون عدد سكان غرناطة لحظة سقوطها بأربعة ملايين نسمة ، معظمهم من المسلمين مع وجود أقلية من اليهود والمسيحيين . وقد عذّب من المسلمين نحو ثلاثة ملايين نسمة ، قتل من قتل وحرق من حرق وخربت غرناطة والأندلس ولم تفلح كل محاولات التدجين مع المسلمين الذين تنصروا حفظاً لحياتهم . فأصدر الملك الكاثوليكي فيليب الثاني عام 1586 مرسوماً نفّذ عام 1609 يقضي بنفي المتنصرة من أسبانيا . وهكذا تم نفي ثلاثة ملايين مسلم نحو بلاد المغرب العربي ، وقد استقر معظمهم في المغرب والجزائر وتفرّق آخرون في أماكن أخرى وعرفوا بالمورسكيين. وظل هؤلاء اللاجئون يحلمون بالعودة إلى وطنهم الذي هُجِّروا منه ، لكن مضت السنوات وخبت الآمال، وتحولت الأندلس إلى مجرد ذكرى في نفوس العرب . وما تزال أسبانيا إلى الآن تتنكّر لمأساة العرب والمسلمين فيها . ولم يصدر منها إلى الآن اعتذار للعالم العربي عن اقترافها تلك الجريمة . فهل تفعلها أسبانيا ـ يا ترى ـ وتعترف بمسؤوليتها عن تلك المأساة ؟. وتعترف بمسؤوليتها عن تلك الجريمة وكبار المآسي الفاجعات ، لتمحو قروناً من زمن الحقد . فسكاكين تأنيب الضمير أمضى من سجل الفظائع الوحشية التي اقترفت باسم الدين أو العدالة ، ولكي يتم إخماد شرارة النيران الخامدة في باطن العقول والوجدان والإنسانية عامة .