ماذا يريد الغرب من اقتصاد الجيش المصري؟ بقلم:احمد السيد النجار
تاريخ النشر : 2013-10-10
ماذا يريد الغرب من اقتصاد الجيش المصري؟
بقلم:   احمد السيد النجار

عاد اللغو الغربى عن اقتصاد الجيش المصري، بأحاديث متخمة بالأكاذيب والأساطير التى يحلو لبعض البلهاء ترديدها حتى فى مصر نفسها. وواضح منذ عودة هذه النغمة الرديئة، أنها أقرب لمارش هجوم الضباع الصهيونية الجائعة لقضم آخر جيش عربى كبير وقوى ومتماسك فى دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة، وأكبر جيش فى الوطن العربى كله، بعد تدمير الجيش العراقي، واستنزاف الجيش السورى فى حرب ضروس ضد قطعان الإرهابيين الذين جمعتهم قوى الشر الإقليمية والدولية من كل حدب وصوب وألقت بهم إلى سوريا لتدميرها وتمزيقها عرقيا وطائفيا لمصلحة الكيان الصهيونى.
وقد تجدد هذا الهجوم بمناسبة دور الجيش فى الاستجابة لمطلب الشعب المصرى الذى انفجر فى موجة ثورية هائلة وغير مسبوقة فى تاريخ العالم فى 30 يونيو لاستكمال مهام ثورته العظمى فى 25 يناير التى كادت أن تصبح مغدورة على يد حكم الإخوان، مطالبا بعزل الرئيس المغتصب للسلطة التشريعية وللدستور والمعتدى على السلطة القضائية وعلى الحريات والذى ارتكب نظامه كل رزايا التعذيب والقتل، فضلا عن الفشل المروع اقتصاديا واجتماعيا. فى هذا السياق أعادت بعض كبريات الصحف الغربية ترديد "معلومات" مفادها أن اقتصاد الجيش يشكل 40% من الاقتصاد المصري، وهو أمر مجاف للحقيقة تماما، وأقرب للمسخرة التى أطلقها جاهل وموتور معاد لمصر بلا أى سند علمي، ورددتها أسراب الببغاوات الأجنبية والمحلية وراءه. وتشير البيانات الرسمية والمعتمدة لدى المؤسسات الدولية إلى أن إسهام القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالي، بلغ نحو 61.8% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2011 - 2012، والباقي، أى 38.2% هو إسهام الدولة بقطاعيها المدنى والعسكري، وهناك 14.5% من الناتج المحلى الإجمالى عبارة عن ناتج قطاع النفط والغاز العام وهو مدني، ونحو 10% للحكومة العامة، ونحو 2.5% ناتج قطاع المال والتأمين العام وهو أيضا مدني. ونحو 1.9% لقناة السويس وهى أيضا ضمن القطاعات العامة المدنية، ونحو 3.3% لقطاع التأمينات الاجتماعية المدني، ونحو 2% صناعات تحويلية عامة سنفترض أن نصفها فقط أى 1% مدني، ونحو 1.5% للكهرباء والمياه والصرف، وهى بدورها قطاعات مدنية، ونحو 0.9% فى قطاع الاتصالات والمعلومات العام، ونحو 0.8% فى قطاع النقل والتخزين العام. وسوف أستبعد كليا حساب القطاعات العامة فى مجالات التشييد والبناء والأنشطة العقارية والصحة من القطاع المدني، وسنحتسب كل الناتج فيها ضمن القطاع العسكري، رغم أنه مجرد شريك فيها.
وتكون النتيجة كالتالي: القطاع الخاص يسهم بنحو 61.8% من الناتج المحلى الإجمالي، والقطاع العام المدنى بنحو.36.4%، والباقى أى نحو 1.8% هى حصة اقتصاد الجيش فى الناتج المحلى الإجمالى على أقصى تقدير. ومن يُرِدْ أن يتحدث مرة أخرى فى هذا الشأن فى الداخل أو الخارج فعليه احترام الحقائق، ويمكنه الرجوع لبيانات البنك الدولى أو البيانات الرسمية، بدلا من إطلاق تخاريف لا تعدو كونها نوعا من المسخرة عن سيطرة الجيش على 40% من اقتصاد مصر!
وتجدر الإشارة إلى أن الشركات المدنية التابعة للجيش، نشأت بعد تحرير أسعار السلع وبدء خصخصة القطاع العام الذى كان يمد الجيش بالأغذية والمواد اللازمة، لضمان توفير هذه المواد للجيش، وليس من أجل التربح، وينبغى أن تكون تحت ولاية الجيش، وألا يكون هناك أى تغيير فى وضعها إلا بالتشاور مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على أن يكون أى تغيير تدريجى وعلى مدى زمنى طويل، مع ضمان حصول الجيش على إمدادات من شركات مملوكة للدولة فى كل المجالات التى يحتاجها وبأسعار معتدلة، مع ضرورة خضوع هذه الشركات لكل النظم الضريبية والرقابية العامة فى أعمالها المدنية غير العسكرية. وفى كل الأحوال تخضع التصرفات المالية فى الميزانية العسكرية والشركات التابعة للجيش لرقابة خاصة من لجنة ضيقة يتم إنشاؤها لهذا الغرض يمثل فيها مجلس النواب وقيادات الأجهزة الرقابية والمخابرات العامة. ولابد من الإشارة إلى أن قانون الضرائب الراهن يعفى مشروعات جهاز الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع من الضرائب كلية، وهو أمر غير منطقي، فما دامت شركات الجيش قامت بأى عمل أو نشاط غير عسكري، فعليها أن تخضع للضرائب لتحقيق العدالة فى سوق الأعمال. كما أن العمالة فى تلك الشركات وغالبيتها ممن يؤدون الخدمة الوطنية، يجب أن يطبق عليهم نظام الأجور المعمول به فى القطاع المدنى لضمان عدالة المنافسة فى الأعمال. ويجب عموما أن يتم تطبيق هذا النظام على كل من يؤدون الخدمة الوطنية لحماية كرامتهم وآدميتهم ولتعميق الانتماء الوطني. وهذا يتطلب إعادة النظر فى مخصصات الدفاع فى الموازنة العامة للدولة لأنها تعد بين الأدنى فى العالم على عكس ما تروجه آلة الإعلام الغربية التى تتجاهل بسماجة ما تنشره المؤسسات المالية الدولية من بيانات فى هذا الصدد.
وتشير بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم (World Development Indicators 2012، p. 308 - 310.)، إلى أن الإنفاق العسكرى فى مصر يبلغ نحو 2% من الناتج المحلى الإجمالي. بينما يبلغ نحو 2.6% فى العالم عموما، ونحو 6.5% فى الكيان الصهيونى (وصل قبل ذلك إلى مستويات قياسية بلغت خمس الناتج فى ذلك الكيان)، ونحو 4.8% فى الولايات المتحدة الأمريكية، ونحو 4% فى روسيا. وبلغ المعدل فى الدول العربية نحو 10.5% فى المملكة العربية، ونحو 9.6% فى عمان، ونحو 6% فى العراق، ونحو 5.4% فى الإمارات، ونحو 5.2% فى الأردن، ونحو 3.9% فى سوريا، ونحو 3.5% فى كل من المغرب والجزائر. أى أن مصر تعتبر بين الأدنى عالميا وإقليميا فى الإنفاق العسكري، وتحتاج بالفعل لرفع هذا الإنفاق لأن دولة قائدة فى إقليمها مثل مصر ينبغى أن تحقق التوازن الإستراتيجى على الأقل مع الكيان الصهيونى المعادى الذى نشأ بالاغتصاب ويستمر بالبغى والعدوان، بكل ما يتطلبه ذلك من تمويل تطوير البنية الأساسية العسكرية وصناعة أو شراء أسلحة متطورة من كل المصادر، وتقديم رواتب كريمة وعادلة لأبناء القوات المسلحة من الجنود للقيادة، والاستغناء عن المعونة الأمريكية المشبوهة والمسمومة التى تهدف لاختراق الأمن القومى وتبتغى إبقاء تسليح الجيش المصرى أدنى من نظيره الصهيوني، حتى تحقق هدفها المعلن بضمان تفوق الكيان الصهيونى عسكريا على مصر والبلدان العربية.