ملاحظات و لطائف عن ( ملوك الطوائف ) بقلم: حسن الشامي
تاريخ النشر : 2005-11-11
مسلسل متميز مثل ( ملوك الطوائف ) كتبه و ليد سيف و أخرجه حاتم علي و جسد شخصياته نجوم كبار من أمثال جمال سليمان و أيمن زيدان ... لا يمكن أن يأخذ حقه من المشاهدة بمرة واحدة فهذا العمل يستحق المشاهدة أكثر من مرة لما فيه من عمق و ثراء و غنى و تفاصيل كثيرة يصعب متابعتها بدقة في الجو الرمضاني التلفزيوني الصاخب !!! و كما قال عنه نجم العمل جمال سليمان " ليس مجرد عمل فني تاريخي يتغنى بأمجاد الماضي فقط بل يتجاوز هذه المهمة السطحية ليلامس الجذور التاريخية للكثير من القضايا التي مازلنا نعيشها حتى اليوم " و من خلال المشاهدة للمسلسل في عرضه الأول أحببت أن أضع بعض ملاحظاتي الأولية على العمل و رغبة في الاختصار قسمت الموضوع لثلاثة محاور : الايجابيات و السلبيات و المقترحات ...

الايجابيات :

كثيرة جدا و سأذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر :

1 - الموضوع بحد ذاته مهم جدا و توثيق درامي لمرحلة تاريخية مهمة في تاريخ أمتنا و مما يزيد من أهميته أنه يسلط الضوء على حقبة مهمة في مشروع متكامل هو العرب في الأندلس ( صقر قريش , ربيع قرطبة ... ) كل هذا في الوقت الذي هجر فيه كثير من الناس قراءة التاريخ و جهل أكثرهم قيمة ذلك

2 - واقع الأمة في هذه الأيام بحد ذاته يجعل من المسلسل عملا تاريخيا معاصرا بامتياز !!!!

3 - النص رائع جدا ... و المعالجة الدرامية أروع و لوقت قريب و قبل عرض مسلسل ( صلاح الدين الأيوبي ) بالتحديد كنت مستاء من كل عمل تاريخي يكتب عليه " قصة و سيناريو و حوار " و كنت أفضل أن يكتب " الإعداد و السيناريو و الحوار " حتى لمست الابداع لدى الدكتور وليد سيف بكتابة تجمع بين احترام التاريخ و الحقيقة لدرجة تقترب من التطابق و بلاغة لغوية نادرة " تلفزيونيا على الأقل " تعكس سعة اطلاع على التاريخ و اللغة و الأدب و الدين يضاف لذلك عمق في التفكير و ابداع في الصياغة الدرامية للعمل ليصبح بذلك رواية تلفزيونية شعرية متكاملة و هذا العمل بالذات خطوة متقدمة في هذا المجال

4 - الإخراج في هذا العمل حقق نقلة نوعية في مجال الإخراج على المستوى العربي فبعد النجاح و الابداع الذي قدمه حاتم علي من " سفر , الزير سالم , الفصول الأربعة , صلاح الدين , ربيع قرطبة , التغريبة الفلسطينية ... " و مساهمته الجادة للوصول إلى الواقعية الفنية التي تجمع بين الواقع الحي و الابداع الفني ليقدم لنا ابداعا جديدا متميزا نستمتع و نفخر به من صورة جميلة و قريبة من المشاهد تحترم عقله و قلبه يأنس بها و يقترب منها و تقنية عالية تسر الناظرين و الجديد المميز في هذا العمل هو الجرأة في الفلاش باك الرائع و استخدام التقنية الحديثة في تلوين الصورة بشكل مدروس لا عشوائي و كأنها موسيقى تصويرية لونية !!! تقف بك عند لحظات الألم و الغضب.... و الجرأة تستمر باضفاء جو مسرحي على العمل و كان واضحا في الجوقة التي تواكب الأحداث في المسلسل بالصوت و الصورة من أول العمل من مراكش 2005 وما تقدمه لنا من تمهيد لأحداث لاحقة أو تعليق على حدث ما دون أن يقلل ذلك من مصداقية الصورة و جماليتها

5 - اجتماع نخبة من الممثلين المميزين مما يعكس نضوجا فنيا عاليا و تواضعا كبيرا و حرصا على القيمة الفنية للعمل في المقام الأول و حماية للدراما ذات القيمة المحترمة من آفة النجم الأوحد التي وقعت بها الدراما في بعض البلدان " مع تقديري للكلفة الانتاجية الكبيرة التي تترتب على ذلك "

6 - أداء الممثلين و تشخيصهم للشخصيات كان روعة و أخص منهم الأستاذ جمال سليمان الذي قدم لنا درسا مهما في أن الأداء الرائع للشخصية يعطيها بعدا أكبر " رغم غياب الشخصية في الحلقة 15 " و يجعل منها شخصية محورية في وجدان المشاهد من علاقته بالسياسة و الشعر إلى الحب ليقدم له مؤثر هام في مناخ تلك الحقبة التاريخية و ليجسد لنا بوعي كامل و عفوية مدروسة : العذوبة و البلاغة و الاحساس و الذكاء و الفخر و الاعتزاز .... و التي اعتقد أنها صفات مشتركة بين ابن زيدون و جمال سليمان بعيدا عن التكلف و تصنع القوة التي تصيب أداء الممثل بمقتل. و كم كان جميلا أداء جمال !!! منذ عهد الشباب و العنفوان و الفخر و الزهو و الطموح إلى لحظات الوداع المؤثرة لشيخ كبير تغيب شمسه ....

و لا بد من اعطاء نجوم أبدعوا في هذا العمل حقهم من التقدير و الثناء و أخص منهم أيمن زيدان و سوزان نجم الدين و محمد مفتاح و سلاف فواخرجي و تيم الحسن و نجاح سفكوني و خالد تاجا و عبدالرحمن آل رشي و عبدالرحمن أبو القاسم و غيرهم ممن تفاوت عدد مشاهد كل شخصية منهم لكن ذلك لم يمنعهم من أداء شخصياتهم باقتدار وابداع و لا يمكن في نفس الوقت اغفال أن لانسجامهم مع النص و الاخراج دورا كبيرا في ذلك أيضا

7 - اختيار مواقع التصوير كان موفقا للغاية و مع أن بعض المواقع تم التصوير فيها سابقا لكن باعتقادي أن ابداع حاتم علي في التحكم باخراج أعمال سابقة تتطلب تصوير عدد كبير من المشاهد في مكان واحد و في وجود أكثر من شخصية " مثل تجربة الفصول الأربعة و ... " سمحت لنا بمشاهدة مالم نره في مرات سابقة و كان لاسهامات مدير الإضاءة أحمد ابراهيم أحمد و مهندس الديكور ناصر الجليلي دور كبير في تقديم هذه الصورة الجميلة و المتفردة و كأننا نرى ذلك لأول مرة

8 - مشاهد المعارك روعة و أشهد أنني و مع شغفي الكبير بالمسلسلات التاريخية لم أشاهد معركة بروعة " الزلاقة " في أي مسلسل عربي و أكاد أقارن ذلك بأفلام أجنبية عالية المستوى مع اقراري باختلاف عدد المجموعات المشاركة و الانتاج الضخم المقدم و التقنية العالية المستخدمة في الجرافيك و التصوير و مع ذلك فإنني أرى أن هذا العمل تجاوز المسلسلات العربية و أن مقارنته بأعمال عربية أخرى انقاص من شأنه و ظلم له بل و ظلم لتلك الأعمال !!!!

9 - فريق العمل بشكل عام مميز :

من انتاج الواضح أنه مكلف جدا لسورية الدولية للانتاج و لكن الواضح أكثر أن ذلك ظهر على الشاشة و كان مردوده كبيرا و مفيدا

و الملابس و المكياج و الموسيقى التصويرية كانت مميزة و كل من شارك بهذا العمل يستحق الاشادة و التقدير لأنه قدم لنا عملا يستحق المشاهدة استمتعنا به و استفدنا منه ...

10- أحببت أن اذكر في الايجابيات أن تقديم مسلسل تاريخي آخر يتناول نفس المرحلة باسم ( المرابطون و الأندلس ) أعطى مسلسل ( ملوك الطوائف ) قيمة مضافة لأنه و كما قالوا ( و بضدها تتبين الأشياء ) و ( الضد يظهر حسنه الضد ) فالمقارنة بينهما بدءا من النص إلى الإخراج إلى أداء الممثلين إلى ............. كلها كانت في مصلحة مسلسل ( ملوك الطوائف ) الأكثر ابداعا و بالتأكيد الأكثر بقاء و الأكثر جدارة بالمتابعة و المشاهدة .

11- المراحل العمرية التي تم تقديمها في المسلسل كانت متقنة و خاصة من حيث أداء الممثلين و في مقدمتهم جمال سليمان و سلاف فواخرجي و تيم الحسن و النقلات الزمنية كانت موفقة بدون اختصار مخل أو تطويل ممل و الذي يشوب كثير من الأعمال التلفزيونية الأخرى

السلبيات :

لاشك أنه ما من عمل إلا و يعتريه بعض السلبيات و هذه السلبيات تبرز أكثر عندما يرتقي العمل إلى مستوى عال جدا و يكون بعد سلسلة من النجاحات المتتالية لأصحاب العمل و هذه السلبيات محدودة جدا و أحصرها فيما يلي :

1 - عدم اعطاء شخصية يوسف بن تاشفين المكانة التي تستحق في العمل سواء على صعيد تاريخ الشخصية أو على صعيد الأداء مع احترامي لما تم تقديمه لكنه لم يكن كافيا فشخص مثل يوسف بن تاشفين وحد الأندلس و المغرب يستحق مسلسل كامل أو على الأقل أن يعطى فرصة ليتعلق به المشاهد كما حصل مع غيره من الشخصيات مع اعترافي أن في المسلسل عدد كبير من الشخصيات و مرحلة زمنية ليست بالقصيرة لكن ذلك لا يمنع من أن ينصف هذا المجاهد الكبير الذي يجهل كثير من المشاهدين سيرته

2 - بعض الشخصيات في المسلسل و هي قليلة و خاصة الثانوية منها كان هناك تفاوت كبير في أداءها خاصة عندما يكون المشهد أمام أحد الممثلين القديرين و ظهر عدم اتقان للغة العربية الفصحى بشكل مفهوم و خاصة عند بعض الأحبة من الممثلين المغاربة مع الاعتراف مجددا أن في المسلسل عدد كبير من الشخصيات و يصعب أن يكون الجميع على مستوى واحد و لكن الغريب أن يقف البعض في هذا المسلسل " و هذا لم يكن جليا في المسلسلات السابقة خاصة أن بها حسن الجندي و فاطمة خير و .... " على حدود المقبول فنيا

3 - الأداء لدى الجوقة المواكبة للأحداث رائع لكنه غير واضح في كثير من الأحيان خاصة في مواضع سرد الأحداث فيكفي أن عبارة واحدة متكررة منهم لم تكن واضحة هل هي ( الطغاة شرط الغزاة ) أو ( الطغاة سبب الغزاة ) أو( الطغاة شر الغزاة ) .......... !!!!

4 - الموسيقى التصويرية لطارق الناصر مميزة و خاصة في بعض المواضع لكن و ربما لأننا تعودنا على طاهر مامللي و ابداعاته أصبح من الصعب تقبل غيره !!!


5 - التصوير بالكاميرا الواحدة كان مميزا اقترب بنا من السينما و هذا كان واضحا في الأعمال السابقة و في هذا العمل أيضا و أعطى لكل لقطة حقها من حيث الإضاءة و زاوية الكاميرا و جمالية اللقطة بشكل عام لكنه ظهر هنا طول نسبي في بعض المشاهد و كمثال المشهد الذي أتى به الخائن للمعتمد ليأخذ منه الذهب لألفونسو نجد أن تيم الحسن يصفعه و يقف بعيدا عنه نسبيا ثم يركله على قدميه !!! و يعود ليحافظ على نفس المسافة !!! و هذا شيء يسير و محدود جدا لا يقلل من عظمة العمل و لا أدري هل هناك دور في هذه المسألة لغياب المخرج المنفذ المثنى صبح مساعد حاتم علي عادة لا أدري !!!

مقترحات :

هذه بعض المقترحات التي لا تخص هذا العمل بالذات بل تتعداه لأعمال لاحقة أتمنى أن تحظى بدعم أكبر و نسبة مشاهدة أكثر و تعود على الجميع بالنفع و الفائدة و المتعة و التسلية :


1 - تقديم الدعاية الكافية للعمل فهذه الأعمال العظيمة تستحق أن يكون هناك مكتب اعلامي للشركة المنتجة للتواصل مع الصحف والمجلات و الترويج لها بين القنوات خاصة في حال وجود عمل آخر لنفس المرحلة كما حصل مع ( البحث عن صلاح الدين ) و حصل هذه السنة مع ( المرابطون و الأندلس )

2 - اعداد كليب أو فوتومونتاج للمسلسل و ترويجه للمحطات ترافقه شارة المسلسل كما يحصل في الأفلام العالمية !!! فماذا كان سيحصل لو تم استغلال شارة عظيمة لمسلسل عظيم كـ ( صلاح الدين الأيوبي ) من كلمات الشاعر الكبير محمود درويش و غناء المطربة العظيمة أصالة و من الحان المبدع طاهر مامللي و تم عمل فوتو مونتاج خاص بها ألم تكن النتيجة أكثر ايجابية في الترويج خاصة في شهر رمضان الذي يعرض به المسلسل و الذي تبحث به محطات الأغاني عن أغان مناسبة تليق به !!! بعيدا عن العري و الشخلعة !!!

3 - في غمرة صعوبة تقدم و انتشار السينما السورية أتمنى أن يستفاد من هذه المسلسلات في السعي لعمل فيلم تلفزيوني يستفاد فيه من المسلسل الذي يتم تصويره ففي أثناء عمل المسلسلات يمكن الاستفادة من نفس الديكور و الملابس و الشخصيات لعمل فيلم يتم عرضه بعد عرض المسلسل و تحصيل الكلفة الانتاجية لذلك و حتى لو تأخر نزول الفيلم سنة أو سنتين بعد المسلسل فإنه باعتقادي أن الفيلم حتى ولو كان تلفزيونيا أكثر تداولا و أسهل انتشارا و أبقى مع الزمن مع اعترافي بصعوبة ذلك خاصة على المؤلف و المخرج و الممثلين

4 - اقامة ندوات تلفزيونية تليق بالمسلسل و المشاهد في المحطات التي عرضت المسلسل و التي لا تكتفي بالاحتفاء بالعمل بل يتعداه لإثارة فضول المشاهد للبحث و القراءة و المتابعة الدقيقة مما يساهم ايجابا في توضيح قيمة العمل الفنية و رفع مستوى ثقافة المشاهد

5- الحرص على حضور فنانين كبار ولو كضيوف شرف خاصة إذا كان العمل يحتاج لذلك من أمثال غسان مسعود و حسن الجندي وغيرهم ........ و لماذا لا يكون العمل القادم بمشاركة مصرية فبدلا من أن يذهب النجوم السوريون لمصر لم لا يأتي أمثال نور الشريف و يحيى الفخراني ..... و يشارك في أعمال سورية !!!

ختاما:

العمل رائع بامتياز و ايجابياته أكثر من أن تحصر و سلبياته القليلة تغمر في بحر ايجابياته الكثيرة و شكل هذا العمل عملا متكاملا من حيث النص و الاخراج و التمثيل إلى العناصر الفنية الأخرى و التي جعلت من العمل عملا فنيا حقيقيا مفيدا ممتعا فتح آفاق جديدة لحوارات حول عدد من القضايا أهمها برأيي أن الضعف الداخلي و المعنوي بالذات و الانهزام الفكري هو أول عوامل ضعف الأمم و سبب رئيس لسقوطها و زوالها و حال ملوك الطوائف أكبر شاهد

و لكل القائمين على العمل كل الشكر و التقدير

و إلى مزيد من الابداع و المتعة و الفائدة و التسلية