الكاتبة هدى درويش: الكون الذي بأعماقي لا يشبه أحدا و لا يرتدي سوى ملامح وجهي المتمرّدة...
تاريخ النشر : 2013-08-23
الكاتبة هدى درويش: الكون الذي بأعماقي لا يشبه أحدا و لا يرتدي سوى ملامح وجهي المتمرّدة...


حسناء الجزائر ... كاتبة و مذيعة و شاعرة جزائرية ,
أحبّتْ الكتابة منذ سنوات الصغر فأحبّها الحرف و كانت وفيّة له ... التقيتها ذات يوم صدفة فاقتحمتُ فضاءها بالأسئلة التالية :
-"أمال..حب يبحث عن وطن" أول رواية لكَ خصصتها لفلسطين، لم هي دون غيرها؟
_لذلك الجرح الفلسطيني نكهة خاصة و وجع أعمق من غيره , فلسطين التي عاشت معي على مكتبي منذ الطفولة و عشتُ على أنشودتها اللا متناهية في الألم ... فلسطين التي أفنيتُ عمر قراءاتي في تحليل شخصها و جغرافيتها و تاريخها الذي تحوم حوله الأكاذيب .. حاولتُ من خلال نثري أن أسلط الضوء على حالة خاصة من المجتمع ... حالة المرأة المثقفة و الفنانة الفلسطينية التي تقاتل بالدمع و الحبر و اللحن و الكلمة .. فكان ذلك بطاقة تعريف على طريقتي خصوصا بعد ذهاب الرواية مترجمة إلى باريس ... ريم بنا , كاميليا جبران ... و الكثير من الحناجر الذهبية التي تجسدت واقعا في الرواية بعيدا عن ذلك التصوير الكلاسيكي المتعارف عليه أدبيا في الكتابة عن فلسطين .
- أعطينا فكرة عن هذه الرواية، وما هي الرسالة التي أردتِ أن توصليها من خلال اختيار المثقفة الفلسطينية كمحور لروايتك؟
_الرواية قصة شاعرة فلسطينية قبل عشرات السنين ... شاعرة و موسيقارة مضطهدة بين دروب السياسة و الجوسسة و الإبداع... و رسالتي هي تسليط الضوء على ما يعيشه آلاف الفنانين الشباب بفلسطين من مضايقات و خنق للحريات ... خصوصا رائدات الفن لأنّ نضالهنّ يستحق هذا التكريم الأدبي و لأنّه لا يقل عّما يدور في ساحات الوغى ... دم المثقفة الفلسطينية ممزوج بالحبر ... يجود بالعطاء و هي تلعب دور مهم للغاية في التعريف بالقضية في المحافل الدولية ... هي صورة للهوية و للتراث الفلسطيني و ما أردت أن أتميز به خصوصا هو أنني أكتب عن هذه الحالة الخاصة التي قلما كُتبَ عنها من قبل .
- أغلبية الشعراء توجهوا لكتابة الرواية، بالنسبة لك هل ترين انك تسرعت في انتهاج هذا الطريق؟
_على الإطلاق ... لا أعتبر ذلك تسرعّا و انّما أراه على طريقتي دخولا الى الأدب من بابه الواسع ... ليس هنالك في رأيي من هروب من الشعر الى النثر أو من تناقض بينهما فقط هنالك نثر شعري و شاعرية نثرية ... أي تكامل و تنوع في تجربة الكتابة ...
- أنامل المبدعة التي تخط بديع الكلام هي ذاتها التي ستخط الوصفات الطبية، من يمنحك القوة لتستمري من اجل الآخر؟
_كلاهما يمنحني القوة ... ككلّ شيء جميل في الحياة يمنحنا القوة ...عندما نفعله بحبّ و بأمل ... تلك الابتسامة النحيلة التي تراها على وجوه الحزانى الذي أرهقهم ألم المرض تماما كوجه شاحب لشخص يبحث عن الحرية و عن الخلاص ... و ذلك التحدي المرفوع في وجه الشجن كبسمة ماتت ميتة فلسطينية أو يد أرهقتها الحجارة و الصقيع و ألم المنفى و مخيّم اللجوء على الأرض الغريبة البعيدة عن الوطن ... كلاهما يكمّلني و يعبّر عني و يمثلني و أمارسه برغبة و محبة .

- الكثير من الكتاب يلبسون عباءات آخرين، هل تحاول"هدى" أن تخلق عالمها الخاص وتترك بصمتها التي تميزها عن غيرها؟
_أنا دائما أنتمي لنفسي و هذا الانتماء يشعرني أنني ملكة عالمي ... الكون الذي بأعماقي لا يشبه أحدا و لا يرتدي سوى ملامح وجهي المتمرّدة و هذا البورتريه الخاص بي سيكون بصمتي الواضحة التي أتركها في ذهن كلّ من يقرأ عن وجع الإنسان و دمع النساء و قصص الحب و الصورة و الوطن .
- انتهجت العديد من الكاتبات العربيات باب الكتابة في الممنوع"الجنس" بطريقة جد معمقة، أتمانعين الكتابة في هذا اللون أم تعتبرين أن كل مبدع له أن يكتب في المواضيع التي يفضل؟
_ممّا لا شكّ فيه أنّ كل كاتب ينتمي لتيّار أدبي سواءً كان ذلك رسميا أم في ثنايا كتاباته ... الأدب الايروتيكي لديه نجومه أيضا و قراءه و أرشيف كبير من الأعمال التي نالت عالمية و شهرة كبيرة ... للذين يكتبون به ركائزهم الأكاديمية الخاصة ... و أحترم كلّ أذواقهم و صدى حرفهم الذي يشكل واقعا في الكتابة الجزائرية ... و العربية و العالمية لكنني لا أرى نفسي أنتمي لانتماءاتهم الأدبية ... هنالك شيء من المحافظة في كتاباتي و شيء من المذاهب الأخرى الطاغية على نصوصي: الرومانسية , الإيحائية, المدرسة الطبيعية , الوجودية و الطابع الفلسفي ...أشعر أنني أبدع حين أخوض في مثل هذه الأغراض أكثر من غيرها و أتميّز بها أكثر ... الفرق بيني و بينهم أننا لم نتأثر بنفس الأفكار و لا بنفس المدارس النثرية و الشعرية ... لكننا دوما و أبدا نشكل التنوع و التكامل و الهوية الأدبية لكلّ ثقافات المجتمع.
- نشرتِ بالقاهرة ثم عدت للجزائر، أترين أن الناشر الجزائري لا زال يخاف من المجازفة للنشر لكتاب شباب وعند نجاحهم خارج حدوده يعود ويسهل الأمر؟
_الناشر الجزائري باستثناء قلة قليلة جدا ... ينقصه الكثير من الحرفية و من الوسائل و من التكوين ... و ذلك يعتبر نوع من التمويت الأدبي و التشويه الإبداعي ... و إطفاء لبريق الكتابة ... كيف يكتب الكاتب هنا و أكثر من نصف فكره منشغل كيف يمكن توزيع أعمالي ؟ و كيف يمكن التشهير بها و التعريف .. حتى الصحافة التي تخوض في الثقافي قليلة جدا مقارنة بباقي المواد الإعلامية... لم أواجه حقيقة هذا المشكل لأنني حلقت إلى الاسم العربي سريعا لكن هذا لا يمنعني من أنْ أشعر بالضيق المفروض على نفس الطبقة المثقفة التي أنتمي إليها .
- تميلين للكتابة للوطن والثورة هل هو اختيار أم إتباع لما يعيشه العالم العربي من أحداث؟
_من المؤكد أن الكتابة تعبير عن الواقع و عن الألم الراهن أو القديم الذي عاشته الإنسانية جمعاء ... تأثرت بما يحدث في أوطاني الممزقة الضائعة في زمن العولمة و الإيديولوجيات المتضاربة و تجسد ذلك في ديواني الشعري الصادر بالقاهرة " لك وحدك" في قصيدة "رسائلهم "... " أنا أورشليم" ... ليس لديّ ما أقول" ... " لا تسألني يا أبي" ... " يا شام" الكتابة عن الوطن لا تقتصر على ظروف معينة يمّر بها ... الكتابة عن الوطن أول ولاء و تضحية لأجله و أصدق تعبير عن مجتمع سأظل امرأة من صنع أنامله .
- الحب دوما يجد سبيله ليتسلل لكتاباتك أتعتبرينه شعاع الأمل الذي يعزي الناس في خضم كل الضغوطات اليومية التي يمرون بها؟
_الحب أجمل ما في الوجود و أرقى ما يمكن لأيّ وجدان أن يشعره ... الحب سلام يسكن الأعماق و هو الإيمان الحقيقي بالحياة ... من مقولاتي " رغم أنّ الحب حلم الا أنه العلاقة الوحيدة التي تربطنا بالواقع" ... " كن كالمحبة لا يختلف في عذب الشعور بك اثنان" ... فلا شيء يجعلك تبصر خلف الأفق سوى الحب أو الأمل ... و هذا يكفي لأنْ يكون الحب مصدر الإلهام و الكتابة و مهرب من هموم الواقع و ضجره.
- مازالت الجزائر تبجل الأديب الذي ينجح خارج حدودها ما السبيل لإصلاح هذا الوضع حسبك؟
_إصلاح وضع" نجوم في المنفى" لا يحتاج إلى سبيل بل إلى إستراتيجية متكاملة و تنظيف أيضا و تطهير للساحة من الهجوميات الفارغة و النقد الحقود غير البنّاء و من المحسوبين زورا على الثقافة الذين شكلّوا الحاجز الأساسي في نظرة القارئ الجزائري إلى كلّ ما ينشر على أساس الرداءة ... ينقصنا تكوين للناشر و للقارئ ... نحتاج إلى أن يكون لكلّ مدينة بلياد من زبدة مثقفيها و إلى مقاهي و نوادي أدبية حقيقية ... لا لفضاءات و هياكل ثقافية فارغة الروح و المحتوى ... نحتاج الى تنمية فكرة الثقافة في المدارس على أنها أساسية و ليست كمالية ... يجب علينا وضع مخططات عميقة و فعالّة في النهضة بواقع الثقافة في الجزائر.
- إلى أين وصلتْ الكاتبة الجزائرية مقارنة بمثيلاتها في الدول العربية؟
_للكاتبة الجزائرية خصوصا الأقلام النسوية مكانة كبيرة رائدة جديرة حققتها داخليا و خارجيا عن استحقاق ... الكتابة العربية لها وزن ثقيل و كذا الفرانكو جزائرية التي دخلت العالمية من أوسع الأبواب ... لدينا مدارس أدبية ذات تاريخ كبير و أرشيف معتبر و صدى هائل و أفكار متمردة ... لكن الكاتبة الجزائرية التي يحتفي بها العالم تتعرض لأشرس الهجومات من نقاد الجزائر خصوصا ...عدا بعض النزهاء منهم و كذا أشباه المثقفين و ما يضرها بعد خروج كتاباتها من أرض الوطن ليزيدها ذلك نجومية في البلاد الغريبة التي تقدرّ الفن و الإبداع ثم يعود اسمها رنّانا إلى قارئ منبهر بنجاحها ... يجهل كل شيء عنها ... لأن القارئ حينما يتذوق و يقتنع تصبح هذه الأفكار مشروع حياة لا مجرّد حبر على ورق كما انه يكون درعًا حاميا لثقافة من يحب ... و اللاتكامل في الثنائية كاتب-قارئ يزيد وجعنا و يشعرنا أننا لوحدنا نقاتل العوائق التي يتسبب لنا بها الحاقدين .

- كيف استقبلتِ تواجدك في قائمة عار المثقفين الجزائريين الداعمين للإنقلاب بمصر؟
_ لا أنكر أنني انزعجتْ حين نبهنّي أحد الأصدقاء لاحتواء القائمة لاسمي و المسماة" قائمة العار" ... لا أدري في الواقع من لديه السلطة أنْ يحاسب أحدا على حرياته و قناعاته؟؟ ... و لماذا ننال الشرف حين نكون مع جهة معينة و يطالنا الخزي و العار حين نكون مع أخرى ؟؟... من يمنح لنفسه هذه المسؤولية المغرقة في الدناءة و الحقارة أن يجمع نجوم الأدب و الإعلام في الجزائر في قائمة و يطلق عليها ما يشاء من تسمية ؟؟ ... كما أننيّ مع احترامي لتوجهات الجميع ... من ساند و من رفض الأحداث الأخيرة بمصر ... أنا شخصيا لم أدل بأي تصريحات رسمية في أي جريدة أو موقع .... كتبت بعض التعليقات على صفحتي الفايسبوكية و التويتر ليهاجمني من يمجدون تقتيل حرية الآخر ... و يحاولون الاستفادة في طراطيش الكلام المتناثرة هنا أو هناك ... عاشت الجزائر تجربة مصر الراهنة و كلنّا من أبناء هذا الوطن الشرفاء ندرك ما لها و ما عليها و نمتلك يقين الحقائق كاملة ... و كلّ ما أظل أتمناّه أن يمتلك كل شعب الحرية التي يصبوا إليها جاهدا بعمره و دمه ... و عن الحاقدين أقول : " الكلاب تنبح و القافلة تسير" ... و المثقف الحقيقي خُلقَ ليختلف مع الآخرين ... تحياتي لكل الأسماء التي وردت بهذه القائمة و للسيدة أحلام مستغانمي التي ورد اسمها إلى جانب اسمي ... فعلا لولا سواد بعضنا لكان البياض أصم و لولا بياض بعضنا لكان السواد أعمى .
- هل من كتابات أخرى سترى النور و كلمة أخيرة ؟
_رواية جديدة سترى النور ببيروت بداية العام المقبل تحت عنوان" نساءٌ بلا ذاكرة" تحكي معاناة المرأة ... و تحاكي همومها بداية بالمجتمع الوهراني إلى تونس إلى باريس ... و هنالك نبذة عن المرأة في لبنان ... و سأفصح عن المزيد من التفاصيل في الوقت المناسب .... و ككلمة أخيرة أحيي منبر الجريدة الثقافي الذي خصني بهذه الالتفاتة ... شكرا لكلّ رسائل و مهاتفات المحبة التي وصلتني من جمهور القرّاء و الأصدقاء و الصحفيين في كل الوطن العربي ... راجية السلام و المحبة لكل الإنسانية.


سواريت واسيني
صحفي - الجزائر