الشاعرة زبيدة بشير..أميرة الشعر العربي المنسية ...بين تونس والجزائر
تاريخ النشر : 2013-08-15
ضمدت جرحها بكفي حرفها المتوهج ، شغفت بالشعر ليس مثل أحد ، غازلت شعاع الوجد الدائم ،قرأت صور القدر ذرفت دمعا على قروح التملق .
عندما تملكها القنوط من الساحة الأدبية وصفعتها الخيبات المتتالية ...حملت جمرات عذابات إبداعها ، وغسلت بعينيها كل ماهو جميل ومتيم ،فشيدت معبدا للحرف البهي وعانقت به ملكوت الروح وسكنت قصوره الراقية . زبيدة بشير اختبأت داخل قلبها ...ولملمت بقايا صمتها.
وإن كانت قد رشفت من كؤوس العزلة والتهميش ، فجادت بغيث حرفها على أرض أدبية قاحلة ، أبت إلا أن تنبت زهرا وقرنفلا ونيلوفرا وهي القائلة في قصيدة *النيلوفر ...حيث تدهشنا بهذا التقديم البديع : تقول الأسطورة الهندية "تنبت زهرة النيلوفر تلقائيا من الماء العذب الصافي وفي أرض طيبة وطائر لطيف يتداني منها عند مهبط الشمس فتظم عليه أوراقها ،وفي الصباح إذا أشرق الصبح طفت على وجه الماء وتفتحت أوراقها "
تقول فيها:
الزهرة البيضاء حنت فاستطابت فيضها وحبـــــــورها
فجاءتك ترفل في الضياء... وملكتك فؤادها ومصيرها
فأخذت طير الحب منها ... واختصرت عطاءها وسطورها
ماخفت من عضب السماء... ولارعيت وفاءها وشعورها
لاتعتذر فالعذر لايكفي لفهم حزنها ودموعها
أطفأت في ليل كئيب بدرها ونجومها وشموعها
لكنها ستظل شامخة تداري بالترفع والإباء خضوعها
نيلوفر زبيدة بشير صوت نقاء سريرة وعطاء متدفق ...فحين يعانق الطائر الزهرة فروح الشاعرة تعانق لغتها الشعرية وتستحضر المعنى الغائب فهي تخرج ترسبات تصوراتها لتزيل الحزن والدمع الإنساني... حيث الحنين للمعرفة والشوق والرفع والإباء .
تقول أيضا في قصيدة "نجمة"
وقفت نجمة على الأرض حيرى... في ذهول ..ودهشــــــة ..وارتياب
ضيعت دروبها ...فتاهت خطاها ... كيف تمضي ؟ والدرب دون إياب
فقدت نفسها بليـــــــــــــل أساها .. واستباحت فؤادها للعـــــــــــــذاب
وأدت حلمها الجميل بحــــــــب .. يحتوها مع الأماني العـــــــــذاب
تستعيض الشاعرة عن الرمز إلى المعنى ، مستعملة لغة العقل ، ترسم أحيانا لحظات للتحول دون أن تتخلى عن لغة العاطفة ...فهل تراها تصارع الوهم ؟ لأن الحقيقة التي تبدو مرئية قد تبدو أحيانا أخرى روحية وقد و وظفت النجمة لتنير مابداخلها من عتمة الشوق والاشتياق. إن كانت النجمة مصدر الضوء والحركة . و الجمال ،.فذاتها العاشقة لاتخلو من الحيرة والدهشة وحتى الارتياب....استباحت الدلالات التي تعطي المعني كاملا.فالدروب دون إياب ، والخطى تاهت بها ، والعذاب في الحب يلازمها ،وحلمها هو محض سراب ...فالنجمة ستبقى في لوعة واغتراب ...لن يطالها أين كان...مادامت النسور توارت خلف الغياب والصمت والوعود الكاذبة...ونجمة روحها ستتوارى خلف الظلام متعالية مترفعة.
وقد وصفت مشاعرها حين جاءتها دعوة من للمشاركة في إحياء ذكرى الساقية "( 08فيفري 1958) قائلة : " في الطريق انتابتني مشاعر متباينة ...بحثت عن قبر أختي بين الركام وأمامه انهرت باكية بحرقة ...أختي والساقية ، وفي الليل رغم المأدبة الفاخرة التي أعدت لنا لم أذق شيئا ...وعندما انفردت بنفسي انهمر الحزن شعرا".
تقول في قصيدة ذكرى الساقية:
بلادي ...وهل لي سواك بلاد... لاأعشق في الأرض أو أنسبا؟
أنا عدت أجتر عمري كأني ... جريح يجر الخطى متعبا
هنا كتب الله آيات مجد .. وعلمنا نحن أن نكتبا
زبيدة بشير شاعرة سوفية المولد ،تنتمى لعائلة قمارية محافظة عانت مع عائلتها صعوبة العيش ، مما دفع بوالدها التنقل لتونس ...فهي لم تنتسب يوما لمدرسة ...لم تجلس بين يدي معلم ...ولم تداعب أناملها الحريرية علب الطبشور الجماعي ...ولا أقلام ملونة داخل حجرة دراسة بين ضوضاء وإصغاء... حفظت القرآن الكريم وحرص والدها على تثقيف بناته ذاتيا ...وتلقت توجيهات شعرية من الشاعر مصطفى خريف .تقول في قصيدة في بدايات ميولاتها الشعرية وعمرها لم يتجاوز 13 سنة:
عيروني نكرات الجهل والحمق بحزني وشجوني
فاتركوني لا أنا منكم ...ولا فيكم خليق حنيني
لي ديني غير أديان الورى في ثورتي أوفي سكوني
دينكم حقد وبغض ...وأنا الإخلاص ديني
فتميزت برهافة الحس ورقة الشعور ...والتدفق الشعري البديع ...أنشدت بحرفها على وتر عذابها ...هربت من الأضواء وما تركتها الأضواء..ازدادت تألقا ، أطربت بالبوح وهمسه وعانقت الخيال وحسه ...استقرأت رحيق الكلمات ...وتفردت بسمو كلماتها وهي القائلة :
ماخانني التعبير حيث أردته
فالحرف مملكتي وتاج فضائلي
فالمجد عندي لايقاس بالسائل
زبيدة جابت حقول التميز الإبداعي وروعته وقطفت منه ثلاثة دواوين شعرية أولها ديوان * الحنين سنة 1968 م، وهو في حقيقته عقد من اللؤلؤ به: 27 لؤلؤة ...كان له صوت
عم مختلف الأصقاع تلقته الساحة الأدبية بكثير من الاحتفاء تفردت المعاجم ومراكز التوثيف بالإشادة بتميز الشاعرة ...ترجم إلى عدة لغات ، فقصائد هذا الديوان تمتد عميقا لتعانق مطاوي النفس فحنينها يمتد عبر الأزمنة التي عانقت ظروف حياتها حيث لحظات البوح أضحت اعترافا يرفع عواطفها السامية يقول الشاعر مصطفى خريف معلقا على قصيدة " حنين "ما أروع وما أبدع هذا القصيد وما أليقه أن يكون فاتحة المجموعة لأنه يلخص فلسفة عواطفك ببساطة نادرة ليته يلحن ويتغنى به من يفهمه" :" تقول في قصيدة حنين:
حبيبي تعال.../ فبعدك طال / وصبري ادعاء ،/ وصمتي افتعال.../ حبيبي / ألفتك والحب ألفة / فأني أراك / أحس برجفه... / / كمدمن خمر / يحن لرشفه.../فأسعى إليك بكل حنيني / وأظهر أني لقيتك صدفة .../وإذا ألتقي بك.../أنسى المحال / ويهتز قلبي /بألف ابتهال /حبيبي ...تعال..
وقد امتلكت جماليات الجمل الشعرية الطرية من خلال هذه القصيدة التي لخصت فيها الشاعرة فلسفة عواطفها ..ببساطة وصدق .وكأنها تشدوبها على مسرح الحياة وهي فيه سيدة الغناء والحضور .
فتعطينا المعنى المباشر بمعني تجنح للغة العقل ...تعطينا الظواهر بوضوح وان كانت امتزجت بلغة العاطفة ...تفاجئنا بنور حرفها وضوء يعم أرجاء ذاتها الإنسانية المحرومة ...فشعرها يبدو كأغنيات خالدة يلخص فلسفتها في الحياة...
أما الديوان الثاني الذي أكدت به الشاعرة حضورها هو " آلاء" صدر سنة 2002م إنه عقد اسمه يدل عليه لن تجده جميلات الأرض إلا عند زبيد بشير...فقدت أتاحت لها موهبتها الفذة وشفافية تعبيرها وبلاغة معانيها وجزالة لفظها ورفعة مكانتها الأدبية التي يشهد لها الداني والقاصي ...امتلاك هذا العقد المتفرد وقد رصعته ب :27 لؤلؤة " قصيدة شعرية"وهو أيضا يعد من روائع ماكتبت في فترة الاعتكاف والغياب عن الساحة الأدبية هو قطاف الوحدة لسنوات طوال ..ففيه مناجاة ذات توجه إيماني صوفي .... وقد قال عبد العزيز البابطين
صاحب معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – في هذا الديوان:
"وجدت في ديوانك آلاء هزة ممتعة تأخذ القارئ إلى آفاق رحبة من الخيال المبتكر والرؤية الناقدة واللمسات الإنسانية الثرية " ... تقول في قصيدة آلاء:
عروة وثقى حبتنا بالأمل ... فانطلقنا في رحاب لاتمل
غدنا الآتي رسمناه على... وردة يحضنها فيء وطل
نغمر الدنيا بفيض لايرى... نكبت الشوق فتبديه المقل
يبحر الموهن في إشراقنا ...كلما بدر الدجى بالنور هل
زبيدة كانت الصوت الشادي الوحيد وسط مجتمع رجالي ....الذي تحرر من قيوده ونفض غبار ترسبات القبيلة ...لأن فترة الخمسينيات والستنيات كانت صعبة ولم يجرؤ الابداع النسوي - إن وجد - على الظهور ...فنشرت باسم مستعار هو *لمياء فوالدها لم يرد أن تسلك هذا الدرب ...وإن كانت لامست مناحي الخجل ..وسلكت دروب الرغبة و الانطواء تارة ..فسارت بمحض إرادتها على دروب الأشواك... وهي القائلة:
أمسكت بالجمر في يدي فما احترقت
وإن بدت في عيون الناس تحترق
أما الديوان الثالث . " طائر الفينيق" قد رصعته بعراجين الوفاء لقارئ صديق احتفى بشعرها على الدوام....فحلقت به على متن جناح طائرها الفينيقي الذي يبعث من رماده كلما احترق...فتوجته ب13 قصيدة منتقاة من خمائل وجدها ....وحرائق شوقها لحرفها البديع يقول فيه نور الدين صمود : " وما أن تمت إعداد ثالث دواوينها " طائر الفينيق" حتى طارت على عالم الخلود ولكنها ستظل إلى عالمنا تعود ، مثل طائر الذي يعود على الحياة من رماده المحترق ، فالشعراء يرحلون ولا يموتون "
تقول في قصيدة طائر الفينيق:
يا طائر الفينيق ...أختك قد أتت... تجتاز أنوار الصباح المقبل
ألقت وراء الأمس أثقال الدجى...لتلم بالفجر الضحوك الأمـثــل
تزري بغربان الظلام وبومه ...فالصبح ، مهما الليل طال ، سينجلي
من عمق بركان المواجع أقبلت ...تلقى الحياة ببسمة المتفائل
والغيم إن غطى السماء سواده ...فهو البشارة بانهمار الوابل
الشاعرة تتقمص الطبيعة النورانية لطائر الفينيق الذي خرج من جنته ليعرف أهل الأرض ...فوجد من الصعاب ماجعله يحرق نفسه ....الشاعرة سبرت الساحة الأدبية فاختارت الانساب ....ولما كانت مخضبة بطينة المحبة والعطاء ...عادت بهذا الديوان الذي صدر عام 2011 م ...عادت أقوى وأجمل...عادت كعلامة مميزة من علامات الأدب النسائي العربي .
عملت زبيدة البشير مذيعة –منشطة إذاعية من سنة 1958 إلى غاية 1984 م
فهي صديقة الأثير تقول:" أحببت العمل الإذاعي وأديته بشغف وحماس ولما واجهتني ضغوط أحسست أنها ستؤثر عن حبي له وربما على حسن أدائي الذي تعوده المستمعون ففضلت الانسحاب ".....
وإن كانت قد سحرت قلوب مستمعيها من خلال ماقدمته من برامج
بصوتها الرطب....قدمت برامج إذاعية منها :
" برنامج مرادفات".و " برنامج لقاء الأحبة " " هواة الأدب "
زبيدة حققت لذاتها الطموحة حلم المذيعة فتعانقت المذيعة مع الشاعرة وانتصرت الأخيرة
ففضلت التفرغ للأدب وهذا حقق لها مزيدا من النجاح والتألق ...فكما قالت :رب ضارة نافعة...وتقول في وصف حالها :
إن اليمامة حين رف جناحها
لم تبق عن قمم الجبال بمعزل
بل زانها التحليق وهي جريحة
لينالها فخر الريادة بي ولي
إن كان الشاعر هو النبي الهادي للبشرية ..الضوء الموجود بين الروح والجسد فالشاعرة تجسد حضور المعنى وغيابه تستعير الصور الحسية والذهنية والرموز لرسم ذات الشاعرة
فقد حققت معادلة التعايش من متناقضات حياتها ...وهي الحاضرة الغائبة ...فرغم الغياب تكتب وتزداد شهرة وتألقا...لأن الصمت كما يقال رسالة لايفهمها الكثيرون.
فقد اعتبرها : " الشاعر عمر البر ناوي من الشاعرات الجزائريات بروح سمحة وعواطف مكلومة فأوصي بها خيرا قائلا:
" ارحموا من يحن حنينا كبيرا إلى وطنه ويتعذب في صمت ".
وقد أهدته قصيدة بعنوان صحوة تقول فيها:
خرج المارد من قمقمه ... مفعم الروح بمجد العنفوان
كسر الأغلال في صحوته ... ليس يثنيه زمان أو مكان
هادن الدنيا ، ولم يحفل بما...ساءه منها وما صار وكان
الشاعرة كتبت حين تملكتها هواجس الكتابة لأن قصائدها خرجت من وجدانها .الألم في حياة زبيدة كان مبعثا للإبداع وهي القائلة في قصيدة أسطورة الصمت وقد ضمنتها هذا الاهداء " مهداة إلى التي سألتني : هل كنت تكتبين في سنوات غربتك الطويلة "
تقول فيها:
غيمة مرت بأرض مقفرة... دأبها البذل ...فجاءت ممطرة
غير أن الأرض لم تحفل بها... وجمت حينا ...وولت مدبرة
هل جحود الفضل طبع في الورى؟...ساءلت أيا مها مستعبرة
الشاعرة سمت بوجعها ...وهامت في عزلتها النبوية بين مجاهل حبها للتأمل ...أوغلت في الوحدة والصمت فزهدت في ملاذ الدنيا وعانقت تجليات التصوف ...صمتت فقدس الكل صمتها ...ونهل الكل من ينابيع حرفها ...نالت الريادة والتميز فخصها كبار الأدباء والعظماء والشعراء بالتقدير والتفرد لمعانيها الهادفة وأحاسيسها المرهفة والشفافية
وهي القائلة في قصيدة : فرحة
جمعت الآلئ من كل بحر ... وصغت المعاني على غير سبق
وطوعت فيها عصي القوافي ...لأجعلها فرحة المتلقي
وأوغلت في كل فج عميق ... وطوعت مابين غرب وشرق
وأبحرت في العمق ، والليل داج ... فما انتابني الخوف من أي عمق
زبيدة لم تتنكر لماضيها بل ظل هاجسها القديم وفيا لحرفها المتوهج من خلال عيون قصائدها ...وهي ترنو بها لحاضرها ومستقبلها ...شاعرة شامخة الرؤى ...نثرت تفردها على مسرح رمال الحياة بين نسمات الهواء عبر الأزمنة والأمكنة...
فقد منذ البداية تبؤت مكانة العظماء وقد توجها (معين بسيسو ) بهذا الوصف البديع
" إن قرأ شعر زبيدة البشير فليق الجميع إجلالا "
تقول في قصيدة على ضريح الهوى:
الأمر أمرك إن رأيت سعادتي
والرأي رأيك إن رضيت شقائي
أهواك دوما في السعادة والشقا
لكن حبي لن يذل إبائي
قسما بحبك مارضيت بذلة لي
في التكتم لذة الإفشاء
الشاعرة ترفعت بذاتها ...وإن كان الحب قد أذل ملوك وقياصرة ...فهي ستسمو به وتبلغ منازل الرقي ...لأنه سيزيدها تفردا ويمنحها الرضا ويعطيها الحق في ممارسة لذة الإفشاء والبوح متى أرادت ...حتى وإن سبب لها الشقاء والسعادة...ستطوعه .
وحين التقت زبيدة ب أحمد رامي قال فيها :" في ما قرأت من شعر لم أجد كهذا شعر يمس شغاف القلب " وقدمها للأوساط الأدبية بمصر وتعرفت بكبار الأدباء – نزار قباني ، يوسف السباعي....ألخ ...هي حرف عربي احتل الريادة فميزها كبار الأدباء بالإهتمام والتفرد .
زبيدة عاشت مراحل مهمة من تاريخ تونس ...شاركت في الندوات وكان ذلك في فترة تحرر المرأة فأعطت صورة مشعة للمرأة الحديثة والطموحة وصنفت كشاعرة فذة ...امتلكت قنوات الشعر الحقيقي فمعانيها مطعمة برائحة تربة تقاسمت أفراحها ومحنها حيث تحن للانتماء الأول للجزائر فتقول:
ياوهاد الخصب ، ياشم الربى
لملمينا ...بلغ السيل الزبى
تعبر بنا عربة شطت بنا
عن مغانينا ..وأحلام الصبا
فتحت وهران أحضان الوفا
حين زرناها ...وقالت : مرحبا
تقول في تونس وهي الملقبة بخنساء تونس وقيدومة الشعر التونسي في ذكرى الثورة التونسية للحرية والكرامة :
قفوا لتونس إن الفجر بناها
فأشرقت شمسها والمجد وافاها
زبيدة اتكأت على القروح ...توغلت في مراثي الوحدة ...يقول فيها صالح جودت :
" ماتخيلت أني سأسمع شدو الملائكة على الأرض حتى سمعت زبيدة البشير
هي لغة مكتنزة تهتم بالمعنى والمبنى ...ألتقت الرئيس التونسي الراحل بورقيبة حيث قال لها في إحدى الملتقيات ليوحي بقوة حضورها الشعري والتصنيف الذي حظيت به ..والمكانة التي تبوأها حرفها:
"عندما يذكر التاريخ هل يقول زبيدة عاشت في زمن بورقيبة أم بورقيبة عاش في زمن زبيدة "
فقالت له بتواضع " لأن سيف الدولة عرفه الناس في زمن المتنبي وليس العكس"
" كان في شعر زبيدة تتممة خاصة تبرز التميز والتفرد فمن يجرؤ على تلحين هذا الشعر الملحن بطبعه " هكذا وصف شعرها د: يوسف شوقي
الشاعرة عاشت بين قناديل الصمت ، صاحبت بدائع الكون ، وامتطت صور الحقيقة الإلهية وهي التي أخذت القارئ عبر رحلات التطلع ... والأمل نحو فضاءات المستقبل
غير آبهة للألم والحزن والخداع .
فقبل حلول غروب عمرها ...أذهلت الجميع بكبرياء خلودها بين تفاصيل الصمت والصبر وهي التي اعتزلت مجالس النفاق ...صمتت بوجه المزايدات التي كثرت حول اسمها
لأنهم أدركوا أنها إضافتهم .
زبيدة أطلت من شرفات الأخيلة ...عانقت بحروفها الملتاعة نغم موسيقى هادئ ...حيث هتفت لمعانى وعوالم الحب السامية وفضلت أن تكون وحيدة مع فنجان قهوتها الصباحية وجرائدها اليومية وبعض الأشعار الموسومة بالحنين ...وقد شربت من علقم الخيبة في الحب ...تقول في قصيدة خيبة وقد ضمنتها هذا التقديم " لماذا لاتقع المرأة التي تدقق كثيرا في اختار رجلها إلا على أسوء الرجال " وهنا الشاعرة تجيب على الكثيرمن الأسئلة المشفرة في حياتها تقول فيها :
وماذا بعد هجرك غير عتبي ...يذوب الشوق في محراب حبي
تعودت التلون والتجني ... وكان الصدق والإخلاص ذنبي
تعذبني وتمعن في تعذيبي ...وتوقظ رغبة هزت شبابي
فقد ضمنت ديوانها بخفقات من النجوى الخالدة ...الشاعرة أوغلت في دواخل اللغة، آمنت بالتفرد فكفت عن مصاحبة الخيلان لأنها لم تشأ أن تكون مرحلة للعبور ...فمنحت القارئ عطرا مميزا وشذي يفوح من إبداعها بربيع فصول قصائدها السماوية ...يقول فيها مفدي زكريا : " أخشي أن تغلب صداقتي للشاعرة في تذوقي لشعرها ولكني أجزم أن هذا السحر الحلال" .
زبيدة اختارت الغروب قبل أوانه ، ولملمت أجزاء أسفارها ...وإن كانت الكريديف(مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة ) أنشأ جائزة باسمها تمنح كل عام لافضل انتاج نسائي ...تكريما لها. ..وهي القائلة في قصيدة " وصول ":
هي ساعة أو بعض ساعة / وتزول آلامي / وأجتاز العذاب وأستريح /وأريح قلبي / من عواطف المدمرة الجموح / هذا وجودي / بين أمواج الفنا / يلقي شراعه / هي ساعة ...أو بعض ساعة .
قصائد زبيدة بشير مشبعة بالمخزون الروحي فهي بعيدة عن الإرباك ، وصلت إلى صوفية كونية خاصة بها ,,,تتبعت عوالمها الداخلية المتشظية عن أحلام لازمتها ،
رسمت رؤاها المغيبة وسط محيط معتم تقول في قصيدة " مناجاة " :
إن لم تكن أنت...فمن ؟ يزجي الهدى من غير من؟
يحنو على أهل الضنى إن رابهم خـــــــوف وظن
أحلامهم في أوجها أضحت كخضراء الدمن
أن لم تكن أنت... فمن ؟
زبيدة لم تجنح للصور الشعرية الغريبة أو المركبة قد تكون في مرات عديدة هي بطلة القصيدة هكذا توحي لك و لا تتعمد حوارات بين أشخاص حقيقين أو وهميين
خطابها الشعري مباشر معتمد عادة على الآنا الشاعري
وإن كان الشعر هو ماء الحياة فلاحياة دونه هكذا هو شعر زبيدة بشير نبعه صافي وطعمه مستصاغ ، فقد خرجت من أزمانها البهية لتعلم جيلا من المبدعين كيفية الحلم... مبحرة به في عوالم من المشاعر والآمال والعذابات لتكشف عن جمال نفس متعالية مرتكزة على الحدس والذكاء وقوة الإيحاء . ..تقول في قصيدة : قمرية خضراء التي ألقتها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة بالكريديف 2011 م:
جمعت سطور الحب من ألف عاشق... وجئت أناجيكم بلهفة وامــق
فمن أي سطر سوف أبدأ رحلتي ... وأنتم معي أمن لحيرة خافقي؟
سلكت طريقا ما استقامت لسالك .. . وطوعت بالإيمان كل البوائق
اجتاحت عوالم البعد وأرست دعائم الخلود الشعري ، لأنها لم تكن صدى مكرر بل قوة حنين متفرد قد اخرجت شعرها من أزماته بجمليات ماسيكون لتلبسه معاني الحياة الفنية
،،،عطاؤها الابداعي يعتمد على موهبة وعمل داؤوب ،،، زبيدة لم تتنازل عن الإيقاع الخارجي ،،،فقد صادقت لغتها وألبستها هوية عربية حقيقية،،، اتسمت من خلالها بطابع خاص دون غيرها .
يقول الكاتب رزاق إبراهيم حسن " مادمنا نؤكد على ضرورة أن يتميز الأديب الواحد بتجربته الخاصة وخصائصه الأدبية ، واختلافه عن الآخرين فإن الأجدر أن نعترف بالأدب النسوي ذلك أن المرأة في مجتمعنا مع التقائها مع الرجل في المعاناة وفي المعيشة والمعطيات السياسية والإجتماعية والثقافية فإنها تتميز بمعاناة خاصة ولها مشكلات تتميز بشيء من الاختلاف عن الرجل ،،، دون وضع حواجز بين الأدب النسوي والذكوري ،،،فالأدب النسوي جزء من الأدب الوطني القومي ،،،،"
هي شاعرة مكلومة بالحزن والآه ...وقد أطلقت عليها بنت الشاطئ (عائشة بنت ع الرحمان) : " شاعرة العواطف المكلومة فقالت فيها أيضا : " لولا نبرة الحزن والآسى التي تطغى على معظم قصائدها لقلت هذه أميرة الشعر العربي "
هي أميرة الحرف الصامت ...خبرت رحيق أشعارها فلم تتنكر للبحور الخليلية فتجولت بين جماليات البيان العربي ...فمن يملك الحق في احتراق قلاع زبيدة بشير ؟؟...فإن لم تسلم معانيها لقارئ معين ، فقد كان حضورها طاغي في ملامسة مفردات اللغة والنظم المحكم
...ستعيش زبيدة في أخيلة محبيها ...وسيزداد بريق حضورها بقوة حرفها وأيضا من خلال الجائزة التي تحمل اسمها عن " الكريديف"،ستتألق كطائرها الروحاني من خلال الأطروحات و الرسائل الجامعية التي ستستفيض في اقتحام عوالمها الابداعية الشاسعة ..
وسيعاودنا الحنين بين الفينة والأخرى...لنشتم من كنوز اشعارها ورياحين ابداعها.
تقول في قصيدة طائرالسمندل...التي تقرن روحها المتطلعة للخلود بروحه فحسب الأسطورة الهندية هو طائرلايحترق حتى إن وضع في النار:
ضحك الليل من سذاجة فجر... ظن أن الحياة في النور أجمــل
غاسق حاقد على كل نور ... كيف يهوى الجمال من ليس يعقل
ساءه أن يرى الشحارير جذلى .. والصباح الوليد طلقا محجــــل
والظلام المهزوم يرتد خزيا ... قال : يافجر ، خذ ضياءك وارحل
أنا أخفي العيوب عن كل عين ... فيضيع الحياء من كان يخجــــــل
والذي كان خافض الصوت جبنا ... صار لايكتفي بصوت مجلجـــل
بل يصم الآذان في كل ناد ... فارضا نفسه على كل محفــــــــل
الأستاذة الشاعرة : فضيلة معيرش