من يوميات الأسد والثعلب والخُلد بقلم:آصف قزموز
تاريخ النشر : 2013-07-28
من يوميات الأسد والثعلب والخُلد بقلم:آصف قزموز


من يوميَّات الأسد والثعلب والْخُلْدْ

بقلم:آصف قزموز

27/7/2013

كالعادة وما درجت عليه أحوال الناسْ، لم يستفد الخُلْد (اللي بِنْسَمِّيه خْلُنْد بالعامية) من تجربة الدب والذئب في الشراكة مع الثعلب النّسناسْ،(يعني زي حالاتنا اللي عُمُرنا ما استفَدنا لا من أخطائنا وإخفاقاتنا ولا من إخفاقات وأخطاء الآخرينْ، طبعاً اللي ما بِيْعترف بِأخطائه كيف بِدُّو يستفيد منها وأكثر من ذلك لم نعترف بأية هزيمة على امتداد تاريخ قضيتنا سوى عام 1967 ومع ذلك سميناها نكسة حتى لا تقع في خانة الهزيمة، على شان هيك احنا في اللي احنا فيه اليوم، وعُمُرنا ما استفدنا من أخطائنا وفشلنا وهزائمنا لأننا لم نعترف بها أصلاً، مع أن الخُلْد كان الشاهد لأعمى من تحت الأرض حتى على ما يجرى فوقها، فكان الأكثر إبصاراً منا، ولأن الثعلب حياته قائمة على الغش والخِداع والنصب والاحتيال وافتضح أمره بين سكان الأرض وما تحتها، عاود وعَرَضَ الشراكة في الموسم الجديد على الخُلد باعتباره من سكان باطن الأرض، واتفق الاثنان على زراعة القمح لأن القمح مادة استراتيجية توازي أهمية النفط والطاقة في عصرنا، وباعتبار أن الخُلد خبير في شؤون باطن الأرض وموطنه الأصلي (وما أكثر الخبراء في بلادنا، يعني عليم الله بيجوز صار عددهم أكثر من عدد المُخبِرين مَهو مصدر مُخبِر وخبير واحد، وبعدين بتلاقي خبير معاه دكتوراه من فرنسا مثلاً وما بيعرِف يْفِك الخط بالفَرنسي، كيف، ربَّك يِعْلَم) بينما الثعلب خبير في شؤون ما فوق الأرض، قال قرر الثعلب أنو اللي تِحِت بْيوخِذ اللي تِحِتْ وِاللي فوق بْيوخِذِ اللي فوق( سبحان الله زي حالاتنا اللي تِحِتْ لازِم يِقْضي حياتو تِحِت وِاللي فوق مقطوع صِنْفُه لازم يْظَل مْتَحِّت فوق، لَزْكِتْ حِمْحِمْ) وبالتالي كان الشرط أن يأخذ الثعلب ما فوق الأرض والخُلد ما تحت الأرض، كلٌّ حسب موقعه وخبرته. وعند الاقتسامْ، وانقطاع حَبْلِ السلامْ، لم ينفع الخُلد أقصى ولا قَسَّامْ، انها لعْنَة الانقسامْ، وغياب الحِكمَة وسوء الاحتكامْ، حين يستأثر بالقَمحِ ثعلبنا الهُمامْ، ولم ينال الخُلد سوى الجذور وْمِنِ القَمِح لا حَبِّه وَلا غْرامْ.
ذهب الخُلْد مولوِلاً يشكوا حاله لِرَبْعِهِ وعشيرته، وْزَي ما بيقولوا: ما خاب من استشار( طبعاً عندنا اللي بِيْستَشيرعيب وعلى شان هيك ما حَدا بِيْشاوِر حدا كُلنا أبو العُرِّيف، يَعني الله وكيلْكوا أقل واحد فينا بِتْلاقيه يَدَّعي المعرِفِه بكل علوم عَصْرُه وِبْيِفتِي بْكُل شِي وِبْيِقْرا الْكَفْ وِالْفِنْجان وْبِيْرَكِّب سْنان ذَهَبْ وْلَوالِبْ حِيشا لسَّامعينْ) فتقدم كبير لِخْلُنْدات اللي كِلِمتو بِتْصيرِشْ ثِنتين، طبعاً خِتيار مْكَحِّفْ مَقْدوحْلو زَي ما بيقولو بزيت مَحروق، مْقَطَّعْ مْوَصَّل مْكَاكي بْمِيْت قَفَصْ، يعني السَّفالِة بِتْشُرْ مِنُّو شَرْ وْبِتْقولوا يا عمي، فأشارَ على الخُلد اللجوء للتحكيم وْخلِّي القضاء يْقول كِلِمْتو(يَمْ تماماً ما تقولوا الحَكِي إلاّ عِنَّا)، فذهبا يَحتَكمان الى الأسد، وِالأسَد ذِمتو مِش واسْعَة إلاَّ شْوَيِّة بْتِوْسَع الدِّنيا وِالآخْرِة، أصلاً هُو في قَوي بِيْوَقِّف مع ظْعيفْ ؟! القوي بيوقَف مع القوي والظْعيف مع اللي زَيُّوا يعني مَتْعوسْ على خايِبْ رَجَا، اللهم مِنشان ما نِظلُم الناس بَس في حال وُجود مَصْلحة للقوي مع ظْعِيف بِيْجوز يْوَقِّفْ مَعُو، يعني زَي الغني اللي بْيِطْعَم الخادِم علَشان يِقْدَر يِسْتَعْبِدُو أكْثَرْ. ولما مَثُلا بين يدي الأسد، طبعاً الأسَد شو بِدو مِن لِخْلُنْد من غير شَر، الأهم بالنسبة إلو هو الثعلَب المستشارْ الدائم الذي لا يُشَق له غُبار واللي بِيْزَوِّد الأسد بالحِيَل والمكائِد في حل مشكلاته ومواجهة خُصومُه، وْما بِتْكَنَّس مِن عنْدو لا ليل ولا نْهارْ، يعني انتهازية مصالح ان غابت عَنكوا،فقال الأسَد: لقد قررت أنا ملك الغابْ، وِاللي مِشْ عاجْبوا راح يِنِظْرِب بالصُّرْمايِة وِالقُبْقَابْ، وذلك بعد الاطلاع على رَغْبات الحَبايِبْ والأصْحابْ، وأحكام قانون الغابْ، أن يَجري سباق بينكما لقطع المسافة ما بين عريني وجُرْن القمح واللي بِيسْبُق بِيْفوز بالمحصول( طبعاً المسافة بين العرين وجُرن القَمح بْتِنفَع لَسِباق سيارات مِش لَخْلُنْد مع ثَعْلَب مْنَيِّبْ، وْمِش مْخَلِّي وَلا خُمْ جاجْ مِن شَرُّو بِيسابق الريح ،انتوا عارفين لِخْلُنْد أعمى ولا يستطيع السير فوق الأرض سلامِة تْسَلِّمْكوا السباق محسوم زَي عِندنا فَرْد شِكِلْ، زَيْ سِباق ابن السِّتْ مع ابْنِ الجارْيِة، دايماً النتيجة معروفِة مقدماً). أدركَ الخُلْد انحياز الأسَد للثعلب فذهبَ لشيخ العشيرة كبير لِخْلُندات وخبير المفاوضاتْ، وْقَعَد يْجُوح وِيْنوح وْيَتَفَعْفَل بالأرض قُداَّم هالناس يِكْفيكوا شَرُّوا، وِيْصيح  من كَحِف راسو دخيلكُم الحَقوني يا ربعي يا عشيرتي وياأهْلي خِرِب بيتي،( طَبْعاً زي ما انتوا عارفين لما الواحد بِيوْرَط وبِيْكِيْع بْمُشْكِلِة بيفْطَن لأهلو وِصْحابوا وحَبايْبوا وْبِيْطَلِّع كل الدفاتر العتيقَة) وتَلا عليهُم نَص قَرار الأسد الجائر.
فقال كبير الخُلداتْ بَعِد ما حَطْ شْوَيِّتْ زْعُوط وْفَرَكِ خْشُومُهْ، وْمَسَحِ القَذا عن عْيُونُهْ: هَدِّي حالَكْ يا وَلَدْ، فيش مشكِلِه ما لْها حَلّ بْها الْبَلَدْ، روح نادي لِي العشيرة مْنِ الشَّايِبْ حتى الْوَلَدْ، يِيجوا لَعِندي لَهُونْ واجْمَعْلي مِنهُم أكبر عَدَدْ.
ولما حَضَرت لَخْلُنْداتْ جميعها قال: اسمعوا وْفَتْحوا عِيْنيكوا واعملو زَي ما بَقُولْكوا، قَبل ما يِبدأ السباق، بِدي اياكوا تْكُونوا مِتْوَزْعين تِحْتِ الأرض على طول المسافة من عرين الأسد لَحَدْ جُرْنِ القمح، وعندما يجري السباق تبدأوا مثل سباق التَّتابُعْ بالظهور أمام الثعلب تِباعا كلما قطع مسافة يِظهَرْ قُداَّمُه واحَد مِنْكوا وِيْقولوا إلْحَق كان بْتِلْحَق وَلَا، وهكذا حتى خط النهاية. وفِعلاً هذا الذي جرى، فكان كلما قطع مسافة يبرز أمامه خْلُنْد بِيْقُول لُه: إلحَق كان بْتِلحَق وَلَا، لَحَد ما صارِ لْسانِ الثعلب طول شِبرين من كُثْرِ التعب، وما أن وصلَ جُرْنِ القَمح خائِر القُوى وإذا واحَد من لِخْلُنْدات صار حامِل كْرِيْك وقاعِد بِيْكَيِّل وْبِيْعَبِّي بِالشْوالات.
يعني قصتنا بايِنها أعوص من قصة لِخْلُنْد مع الثعلب، يعني صراع خلندات مع ثعالب، الله وكيلكوا بَدينا نفاوض على الحل التاريخي على أساس قرار التقسيم سنة 1947، ثم هبطنا باتجاه التفاوض لحل على أساس قرارات 242و338، ثم انتقلنا للتفاوض على أساس اتفاق أوسلو فبدأنا بِفَتْحِتْ عَداَّد التفاوض على 22% من أراضي فلسطين التاريخية وما زلنا نفاوض مع هبوط حاد بالسقف السياسي التفاوضي وشكل ومواصفات الحل، وْيا عالِمْ، يعني الله يْعينّا على هالحالِة، يا بِتْنَطَّط قُداَّمنا خْلُنْد من كل خُزُق يا بِتْبَطَّحِلْنا ثَعْلَبْ وْفي أحسَن حالاتْنا بِيْعُضْنا كَلْبْ.
صحيح إنو وديعة شامير كانت أن يفاوضنا الإسرائيليين على الأقل عشرين سنة قبل التوقيع على اتفاق أوسلو، وهو ما أخذ به الْخَلَف من بعدهِ وها نحن نسدل الستارة على العشرين سنة ونعود للمفاوضات مما هو دون سقف الأمس، ولذلك كنا قد شهدنا مفاوضات مضنية ومملة ومتعثرة طوال المدة التي ارْتَئاها شامير، حيث استخدم الاسرائيليون مكر الثعالب وزَعْرَنَتْ لِخْلُنْداتْ معاً، في مقارعتنا وإلهائنا عشرون عاماً وبأثرٍ رجعي، ناهيك أن كل الأوراق وأسباب القوة كانت ولم تزل في يدهم دوننا، فكان حصادنا مُراًّ إن لم نقل صفراً. واليوم يصبح لزاماً علينا أن ننهض بأنفسنا ونفاوض من على قاعدة ادراك هذه الحقيقة الزُّعاف المُرّْ، اللي ما بِيها إشِي بِيْسُرْ، حتى لا نْصيْرْ زَيْ فَسْوِتِ الْقُرّْ اللي ما بْتِنْفَع وَلَا بِتْظُرْ، وِسْباعْ بِتْصِيْد وِكْلابْ بِيْتْجُرْ.
على فكرة كان بإمكانْ لِخْلُنْد أن يتخذ موقفاً نارياً وخياراً آخر حَرْبَجي غير التشاور مع أهلُه وعشيرْتُه وسماع نصيحتهم، لا بل كان بإمكانه أن يتخذ قراراً بالحَرْب ووضع الشروط اللي أكبر من قُدراتُه طبعاً أمام الأسد القادِرِ الظالم والثعلب السَّافِلِ الماكر وعدم اللجوء للتحكيم من أصلُه، بَسْ مين بِيضْمَن النتائج، النتيجِة المُؤَكَّدِة إنو راحْ يُوكِل كَتِلْ فَرْدِه وْخُرُجْ وِيْفَرِّق على كل حامولْتُه، ويِرْجَع يْفاوِض زَيْنا للعودة على حْدُود 28 سِبتمبر. وأكثر من هيك كان بإمكانه أن لا يَدخل السباق مع الثعلب احتجاجاً على عدم عدالة الحكم وتوازن القوى، لأنو الثعلب لا تقارَن قوته وسرعته مع لِخْلُند إضافة أنو الثعلب بيشوف النملِة، بينما لِخْلُند ضرير عَديم الرُّؤيَة، مع أنه لم يعدم الوسيلة للتحايل على الفروقات في أفضَليّة الثعلب وظلم الأسد، وذلك لكي تستمر الحياة ويتمكن من التمسك بالحق الذي لا تشوب عدالته شائبة. ولم يفكر لا بانسحاب من الصراع إدراكاً منه أن لانسحاب مصلحة خالصة للأسد والثعلب وحدهما، ولا بوضع اشتراطات مُكْلِفَة لا يقوى عليها ولا يملك مقومات فرضها على الخصم الأقوى وأكثر أفضليةً منه. وعلى شان هيك قالت العرَبْ:
لا تْعانِدْ مِيْن هَدُّ وْرَحَلْ ولا اللي إنْ قالَ فَعَلْ
فكيف الحال مع اللي مْكَوِّش عَ الجَمَل بِما حَمَلْ، وْسِحْرُو  وْسِرُّو باتِعْ وْجَفْنُو عَلَّمِ الْغَزَلْ، وْكُل شِي بِيْتْخَبَّا ما عَدا الحُبْ وِلْحُبُلْ وِطْلُوعْ عَالْجَبَلْ، وهذا أمِرْ طبيعي طالْ ما في الدِّنْيا هَمَلْ، لكن  الطريق واضِحْ وَمَنْ سارَ على الدَّرْبِ وَصَلْ.
[email protected]