الأدب المقارن ومحور التأثير والتأثر في الأسلوب بقلم د. يسري عبد الغني عبد الله
تاريخ النشر : 2013-07-25
الأدب المقارن ومحور التأثير والتأثر
في الأسلوب

بقلم د. يسري عبد الغني عبد الله
باحث وخبير في التراث الثقافي
[email protected]


عنوان المراسلات :
14 شارع محمد شاكر / الحلمية الجديدة / بريد القلعة (11411) / القاهرة / مصر .
هاتف : 0223176705 محمول : 01114656533

بداية نحب أن نؤكد على أنه من الضروري في دراسة الأدب المقارن أن نجعل التأثر والتأثير أهم محاوره واتجاهاته ، إذ لا يكفي مع اتساع دائرة النشر ووسائل الإعلام والاتصالات الوقوف عند ظاهرة أوجه الاتفاق أو الاختلاف ، إذ أنها غير محددة الأبعاد ، وتبدو غير ذات جدوى إلا في مجال تاريخ الآداب العالمية .
نعود فنقول : إنه من المعروف لنا أن الأفكار حظ يشترك فيها جميع الناس ، و كما يقول الجاحظ فإن : (المعاني مطروحة في الطريق يعرفها البدوي والحضري) , ولكن التعبير الشخصي الذي تصاغ به الأفكار هو الذي يختلف من أديب إلى آخر .
والأسلوب مرتبط باللغة ، وهو لذلك يحتفظ بطابع شخصي لا ينفصل عن روح الأمة التي تعبر بلغتها عن روحها ، ومع ما يبدو من أصالة الكاتب الشخصية ، فإن أسلوبه يختلف باختلاف تيارات المؤثرات الأجنبية فيه .
وغني عن البيان أن الأسلوب الأدبي أسرع العناصر إلى التنقل أو التناقل ، فالكتاب قسمان : كتاب على بداية الطريق ، وكتاب كبار وضعوا أقدامهم بالفعل على الطريق ، وتمكنوا التمكن التام من أدواتهم الإبداعية والفنية .
فالكتاب المبتدئون في تقليدهم قد يبلغون حد النقل الحرفي أو النسخ من كتابات الكتاب الكبار المعروفون .
أما الكتاب أصحاب الإبداع المتميز فإنهم لا ينساقون إلى تيار التقليد حتى يعودوا إلى أنفسهم ، فيستردون أصالتهم ، وكلما زاد شعور المبدع المتميز بأصالته وتميزه ، كلما طرح جانباً بعض عناصر الأسلوب المقلد ، وبدل في بعضها الآخر من عندياته حتى يتمثله حق تمثيل ، وحتى يهضمه الهضم السليم .
ويمكن لنا القول على الإجمال : إن أسلوب الكتابة يتألف من عناصر ثلاثة : الإبداع الشخصي ، والتقليد القومي ، والمؤثرات الوافدة أو الأجنبية ، التي تبدو قوية أحياناً ، وضعيفة أحياناً أخرى .
وقد يحدث تأثير كاتب بأخر في المواقف التي تتصل بالفكرة والموضوع ، كما قد يحدث التأثير في الأساليب والصور البيانية والخيالية ، ومع هذا التأثر تبدو للكاتب المتميز أصالته ، ويبدو طابعه الخاص الذي يعرف به .
ومن أمثلة التأثر : الرومان أعجبوا بالكاتب المسرحي اليوناني / أرستو فانيس ، وقلدوا مسرحياته .
وهذا هو الناقد والمعلم والخطيب / كانتليانس الروماني ، يمتدح مؤلفاته ، ويؤكد على ضرورة الرجوع إليها ، ويفرض تلاوتها على تلاميذ المدارس ليفيد من نقاء أسلوبها ورشاقته ، ويقفوا على قوة تركيبها ، وتدفق حوارها ، وبخاصة في الأجزاء الخطابية منها .
وهو يعتبر هوميروس وأرستو فانيس نموذجين ممتازين لتعلم الأدب والخطابة ، أما الخطيب / ششرون الروماني فقد اعترف لهذا الشاعر المسرحي مؤسس الملهاة ببراعة النكتة ، وتوقد القريحة ، وطلب من الكتاب الأخذ منه .
كما كان تأثير أرستو فانيس أشد وضوحاً في عصر النهضة الأوربية ، حين اهتم أدباء إيطاليا بنشر أشعاره وترجمتها ، تبعهم في ذلك شعراء فرنسا وكتابها ، الذين ذهب بعضهم إلى تقليد أرستو فانيس في أسلوبه وسخريته اللاذعة ، ومنهم من تقمص روحه ، وحاكى طريقته في النقد الاجتماعي والسياسي ، ومنهجه في التصوير ، ويعتبر (رابنيه) زعيماً لهذا الفريق من الأدباء ، ثم جاء راسين وموليير واقتفيا أثر أرستو فانيس اليوناني في مطالع حياتهما .
كما قلده في انجلترا (بن جونسون) وغيره من شعراء المسرح الإنجليزي ، ولما بدأ القرن التاسع عشر الميلادي ونشطت الحركة الرومانسية ، حاز أرستو فانيس اليوناني إعجاب كثير من الكتاب مثل : بروننج ، و سورنبرن ، فتعددت ترجماته ، وراجت مسرحياته ، وأخرجت في العديد من المسارح الإنجليزية والفرنسية والأمريكية .
كما أعدت مسرحياته للإذاعة في مختلف بلاد الدنيا ، وأذكر هنا أن البرنامج الثاني (البرنانج الثقافي الآن ) في الإذاعة المصرية ، قدم بعض مسرحيات أرستو فانيس الكوميدية مثل : الضفادع ، والسحب ، والسلام ، بترجمة محمد صقر خفاجة ، التي نشرها ضمن سلسلة مشروع الألف كتاب الأولى بمصر ، وقد لاقت إعجاباً كبيراً من المثقفين العرب في تلك الآونة .
وقد تأثر العديد من الكتاب العرب بأفكار مسرحيات أرستو فانيس ، فعالجوها في كثير من القصص والمسرحيات والمسلسلات ، كما اقتبسوها في بعض الأفلام السينمائية .
ومثال أخر على ذلك : شعراء جماعة أبوللو الرومانسية العربية ، وكذلك شعراء المهجر الشمالي العرب ، هؤلاء تأثروا بشكل كبير بالشعراء الرومانسيين والرمزيين الغربيين في : تشبيهاتهم ، ودلالات ألفاظهم , وتجسيد معانيهم ، ورغم ذلك ظلت لهم شخصيتهم الأصيلة العربية الشرقية التي تميزوا بها .
ونذكر كذلك : خليل مطران الذي ينسب إليه بعض الباحثين ريادة الشعر الرومانسي العربي ، مطران تأثر بالشعر الفرنسي الرومانسي في مضمونه وبعض صوره ، وفي التزامه بالوحدة العضوية , وذلك أثناء هروبه من لبنان إلى فرنسا إثر الاضطهاد التركي .
وأيضاً : جماعة الديوان (العقاد و شكري و المازني) تأثروا إلى حد كبير في شعرهم ونقدهم بالرومانسيين الإنجليز .
وشعراء الواقعية الجديدة أو مدرسة الشعر الحر ، تأثرت بأشعار وكتابات ت.س . إليوت ، الإنجليزي الأمريكي ، بالإضافة إلى الشعر الغربي الحديث بوجه عام ، وكذلك الشعر الروسي .
وكتاب القصة القصيرة من العرب ، لا يمكن أن ينكروا أثر الروسيين : جوجول وتشيكوف ، والأمريكي / إدجار ألن بو ، عليهم بشكل أو بأخر .
والكاتب القصصي / محمود تيمور تأثر بشكل كبير بأعمال الفرنسي / موباسان ، ولذلك أطلق عليه (موباسان الشرق ) .
ونجيب محفوظ في كتابته لرواية الأجيال تأثر بالكاتب / بلزاك ، وقد صرح بذلك أكثر من مرة .
ويقال : أن الشاعر المهجري / جبران خليل جبران ( 1883 م ـ 1931 م) ، تعرف على الشاعر / بليك ، وعالمه الشعري ، وقد صرح بذلك في أكثر من موضع ، بل أنه كان يعتز بأن يشبهه الناس ببليك ، ويكفي أن الناقد والأديب / رودين وصف جبران بأنه (بليك القرن العشرين) ، ورغم هذا التأثر فأننا نؤكد على أن جبران رغم حياته التي قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية ، ورغم كتاباته العديدة باللغة الإنجليزية ، بما فيها كتابه المثير (النبي) إلا أنه لا يعد شاعراً أمريكياً ، ولم يعده مؤرخو الأدب الأمريكيين كذلك ، وإنما هو شاعر وكاتب عربي لبناني مهاجر إلى أمريكا ، ولكنه حقق شهرة عالمية وصلت إلى حد يفوق شهرة بعض الكتاب العالميين .
نقول : نحن نعرف جيداً أن جبران متأثر بدرجة كبيرة ببليك الإنسان والشاعر والرسام ، وقد وضح نفوذه الكبير على إبداعات جبران الشعرية والنثرية والفنية ، إذن : تعرف جبران على أعمال بليك حقيقة مؤكدة ، أشار لها في خطاباته لصديقة عمره / ماري هاسيكيل التي نشرت سنة 1972 م ، والتي كانت محفوظة في جامعة نورث كارولينا ، وفي عدد من مقالاته .
وتشير إلى فكرة النبوءة والأدب عند جبران ، التي ربما تكون قد جاءته من بليك ، حيث نجد أن جبران يجعل الشاعر في مرتبة النبي .
ويقول البعض : إن الدكتور / طه حسين قد سبق واقتبس اسم حيث الأربعاء من اسم مؤلف ضخم للكاتب الفرنسي / سانت بيف هو (حديث الأثنين) ، وكما اقتبس هو هذا العنوان من سانت بيف ، فقد اقتبس منه الكاتب الزنجي الماريتنكي / فرانس فانون اسم (المعذبون في الأرض ) .
وردنا على هذا الرأي : إن ذلك حكم لا يسهل الأخذ به قبل أن نتأكد تماماً من أن كتاب طه حسين قد ترجم إلى اللغة الفرنسية ، ونتأكد أن فانون قد اطلع عليه ، هذا فضلاً عن أن اسم كتاب فرانس فانون هو (الملعونون في الأرض) !!
كما يقولون : إنه مما لا شك فيه أن الدكتور / طه حسين تأثر أسلوبياً بالأسلوب الفرنسي بوجه خاص ، وبالأسلوب الغربي بوجه عام ، ويكفي أن نقارن بين أسلوب كتابته في فترة العشرينات من القرن العشرين ، بأسلوب التأليف في عصره ، الذي كان يحتوي على الكثير من المحسنات البديعية ، وصيغ البناء التي بها الكثير من الحشو والتطويل .
وفي رأينا : أن نظرة واحدة على أسلوب الدكتور / طه حسين من خلال سيرته الذاتية (الأيام) نلمح وعلى الفور هذا الأسلوب السلس ، الرائق ، الشائق ، وكذلك التراكيب الشعرية التي تغلف جمله والمستخدمة للمفردات ذات الدلالات الخاصة ، مما يجعلنا نقول : إن طه حسين بأسلوبه المتفرد ، ليس في حاجة الباتة إلى أن ينقل من أساليب الفرنسيين أو غيرهم من الأوربيين .
ونحن لا نشك في أن طه حسين قد تأثر بكتاب فرنسا ، مثل : ديدرو ، وفولتير ، وروسو ، سانت بيف ، وغيرهم ، ولكن هذا لا يجعله على الإطلاق يصل إلى مرحلة نقل بعض فقرات كاملة ، وأمثال ، وكلمات مأثورة فرنسية طرقها الكتاب الفرنسيون من قبله .
وهنا نحب أن نشير إلى الدراسة القيمة التي قام بها الدكتور / كمال قلته في هذا المضمار حول أثر الأدب الفرنسي على طه حسين .
ويؤكد عدد من الباحثين أن الشاعر المصري/ صلاح عبد الصبور تأثر في أسلوبه ، وفي مضمون أشعاره بكل من : فاريكو جاراسيا لوركا الأسباني ، وبابلو نيرودا الشيلي ، وإيفتوشنكو الروسي ، وولت ويتمان الأمريكي ، وت. س . إليوت الإنجليزي / الأمريكي ، وهو أكثر الشعراء تأثيراً في شعره ، وفي شعر مدرسة الشعر الحر أو الواقعية الجديدة ، وقد أشار عبد الصبور إليه في عدة دراسات ومقالات له .
ويمكن أن نضيف إلى الذين تأثر بهم صلاح عبد الصبور من الشرق ، شاعر تركيا الكبير / ناظم حكمت (1902 م ـ 1963 م) ، الذي كان له أكبر الأثر في الحياة الأدبية في تركيا ، وأول من تحرر من قيود الشعر العامودي التقليدي ، وأول من تزعم حركة الشعر الجديد في تركيا ، وقد تأثر به كثير من الشعراء العرب في العصر الحديث .
كما قرأ عبد الصبور بودلير الفرنسي ، وبوشكين الروسي ، وبرخت الألماني ، وفي المسرح تأثر بشكسبير ، وبرخت ، وسارتر ، ويوجين أونيل ، وأونسكو ، وإبسن ، ولوركا ، وإليوت ، وميللر ، وجون أوسبورن .. وغيرهم .
ونحن لا ننكر عملية التأثر والتأثير وهذا أمر واقعي ومشروع ، وما ذكرناه من أمثلة تتعلق بالأدب العربي الحديث ، لا تعني بالمرة بعد من ذكرناهم عن الأصالة ، وعن الطابع المميز لكل منهم ، حيث ظلت لهم شخصيتهم العربية الشرقية المتميزة .
ويبدو التأثر واضحاً في شعر (التروبادور) الذين أخذوا صور الأسلوب شكلاً ومضموناً من الشعراء العرب في بلاد الأندلس .
والشاعر الإيطالي / بترارك تأثر بلغة الغزل التروبادورية ، فشاع أسلوبه هذا بين أدباء وكتاب : إيطاليا ، وأسبانيا ، وفرنسا ، وانجلترا ، وألمانيا ، حتى رأينا الشعر الغزلي أو الغنائي أو الدرامي في الفترة الممتدة من القرن السادس عشر الميلادي إلى عصر ظهور الرومانسية الأوربية ، رأيناه يفيض كله بألفاظ النيران ، واللهب ، والحديد ، والقيود ، والسجون ، والشهداء .. الخ ..
وفي مسرحيات الرعاة في الأدب الفرنسي ، وقصصهم ، تأثرت في كثير منها بالتشبيهات والاستعارات بهذا النوع من الأدب الإيطالي فأخذوا يعبرون عن حبهم وعاطفتهم بألفاظ من المرعى والحقل ، وعديد من المفردات المتصلة بحياة الرعاة .
ومن تأثيرات الأدب الفرنسي في الأدب العربي الحديث ، ما نلاحظه في عبارة قالها طه حسين في مناقشته لمصطفى صادق الرافعي ، فقد وصف طه حسين الرافعي بأنه في إخراج مؤلفاته يعاني من آلام الوضع !!
والواقع أن طه حسين كان يعني رمي الرافعي بالتكلف في التأليف ، وهذه العبارة مألوفة في الأدب الفرنسي ، لكنها لا تؤدي المعنى الذي أراده طه حسين .
فقد وصف فولتير نفسه بهذه العبارة ، ولكنه كان يريد أن يعبر عن الجهد الذي يبذله ، ويعانيه في إحكام أسلوبه وصياغته .
ونحن إذا أقصينا جانباً مسرحيات توفيق الحكيم المتعاملة مع التراث اليوناني القديم ، مثل : أوديب ، وبراكسا ، وبجماليون ، وعكفنا على كتاباته ومسرحياته الأخرى ، لأمكننا الكشف عن آثار الأدب الفرنسي بوضوح ، في موضوعات مسرحه ، وطرائق المعالجة ومناهجها ، ووسائلها ، بل قد يتسرب في بعض الأحيان التأثير على اللغة والأسلوب والحوارات ، وغيرها من عناصر تكوينات البنية الفنية عند الحكيم .
ومن يراجع مسرحية (مصرع كليوباترا ) لأحمد شوقي ، يلمح فيها تأثيرات في الصور مستمدة من مصادر فرنسية وإنجليزية ، ويلحظ تأثر شوقي الكبير بمسرحية شكسبير ، وبالتحديد في آخر الفصل الثاني من مسرحية شوقي ، بل إنه ينقل نفس كلام شكسبير في المنظرين السادس والسابع من مسرحيته .
ومنظر الوليمة يشغل معظم الفصل الثاني من مسرحية شوقي ، وهو متأثر بشكسبير فيما يسوده من طابع المرح ، ومن الشراب والرقص ، وللمنظر بالطبع أصل تاريخي يعرفه كل من شكسبير وشوقي اللذان كانا لهما معرفة ودراية بما يدور في القصور الملكية .
وتبادل الأدب العربي والفارسي عملية التأثر والتأثير في مجال الأسلوب ، فحين انتقلت المقامات والرسائل والقصائد الغنائية من العربية إلى الفارسية ، نقلت صور الأسلوب معها إلى درجة التقليد الذي قد يفقد العمل الأدبي أصالته .
وفي الرسائل الديوانية والإخوانية أثرت العربية في الفارسية من نواحي الأسلوب تأثيراً واضحاً ، كما يبدو ذلك من الرسائل التي جمعها وألفها الكاتب / بهاء الدين محمد بن مؤيد البغدادي ، الذي توفي حوالي أواخر القرن السادس الهجري ، في كتابه المسمى (التوسل إلى الترسل) .
وفي الواقع أن العرب تأثروا بشكل كبير بالرسائل الديوانية الفارسية ، حيث أن هذا النوع من الرسائل ، لم يكن للعرب معرفة به ، ولعل دور عبد الحميد بن يحيى الكاتب (وهو فارسي الأصل ) في نهاية العصر الأموي ، وارتقائه بأسلوب الكتابة الديوانية ، من الأمور التي يقررها ويعترف بها تاريخ الأدب العربي.
ونرى أن بعض شعراء العربية في العصر الحديث تأثروا باللغة الفارسية ، كما يبدو في مسرحية (مصرع كليوباترا) لشوقي ، فهو يقول عن اختفاء أنطونيو في الإسكندرية ، وعزمه على ألا يظهر في قصره قبل انتقامه والثأر لهزيمته في موقعة اكتيوم البحرية ، فقد عبر عن إخفاء شيء لابد من ظهوره بإخفاء الهشيم في النار ، وهي صورة مقتبسة من الفارسية ، وقد عرفها شوقي لانتقالها إلى الأدب التركي , الذي كان شوقي على علم كبير به .
وبهذا أتضح لنا كيف تجري عملية التأثر والتأثير في الأسلوب الأدبي بين الآداب المتعددة ، وهذا يقتضي الدراسة على المنوال المقارني في الأدب .
وقد جرت دراسات في هذا الصدد ، وإن كان الواجب أن تدرس التأثيرات العالمية ، فهناك دراسات مختلفة عن فن الأقوال والتعبيرات في انجلترا ، وعن الفكاهة أو السخرية أو التظرف في الأسلوب , كما جرت دراسات أيضاً في الأدب الألماني والفرنسي على هذا النمط ، إلا أنه لا يزال هناك مجال عظيم مفتوح للدراسة في هذا الباب .
نقول : نحن لا زلنا في احتياج إلى دراسات منهجية صحيحة دقيقة لأساليب معظم كبار الكتاب ، فإن ذلك يوقفنا على المؤثرات الأجنبية التي تأثروا بها في أسلوبهم ، لنعرف تأثيرها في التعبير بل في الفن نفسه ، وليس هناك أي مبرر للخوف من مثل هذه الدراسات ، فالأدب أخذ وعطاء , تأثير وتأثر , وهذه أبرز سمة للإبداع الإنساني في مختلف العصور .
وختاماً لهذه الجزئية نقول أن التأثير والتأثر موجود لا محالة , وهذا ما يقرره المنطق والحياة الإنسانية ، هناك تأثر بالسيرة الروحية أو الفكرية لكاتب معين ، وتأثر بالموضوعات التي يتضمنها الأدب ، وتأثر بالمضامين أو الأفكار التي يحتويها ... الخ ..
نعم هناك تأثير وتأثر ، رغم وجود من ينكر هذه الفكرة , واصفاً إياها بالإبهام والغموض وعدم الواقعية .
والله ولي التوفيق ،،،
يسري عبد الغني عبد الله