معضلة عزل الرئيس مرسي بقلم : د. سرمد فوزي التايه
تاريخ النشر : 2013-07-15
معضلة عزل الرئيس مرسي  بقلم : د. سرمد فوزي التايه


معضلة عزل الرئيس مرسي
تخبط في إدارة البلاد .........أم مؤامرة تحاك ضد العباد

بقلم : د. سرمد فوزي التايه

على مر الأزمان والأحقاب ، تتصارع القوى العظمى للهيمنة على الجغرافيا عَلَّها تُهيمن وتبسط نفوذها الواسع على التاريخ أيضاً ، هذا ولم يَخلُ هذا الصراع من تدفق شلالات الدماء والتي ما إن سالت حتى رسمت حدود الأوطان المبتغاة وملامح الطموح المرنو إليه على شكل كرسي العرش بأبسط ملامحه وصولاً للنفوذ والسيطرة والسطوة على آلاف لا بل على ملايين الرقاب والجماجم ليتم استخدامها سلماً للصعود إلى الهدف المنشود.

عالمنا العربي ليس بعيداً عن هذه المعادلات التي يُسَخِّرُ فيها شخصٌ بعينه أو تنظيمٌ أو حزبٌ سياسي على أبعد تقدير أكتاف الجموع للعلو ونيل النزوة الشرسة ، لا بل إن عالمنا العربي هو قلب وجوهر هذه المعادلة وعلى مر التاريخ وذلك لما يزخر به من مقدرات وارثٍ حضاري ودينيٍ وتراثي وخيراتٍ طبيعية ، ولو استعرضنا التاريخ لبرهة من الزمن لطالعنا انه لم يخلُ قرنٌ من الزمان أو حقبة من الحقب دون حدوث أحداثٍ جسام تزلزلت لها الأمة وأصبحت إحدى البصمات الواضحة من معالم تاريخه وكينونته.

ارض الكنانة .... ارض العروبة ....مصر الحضارة ....قائدة الأمة العربية والإسلامية منذ فجر التاريخ تراها اليوم تعيش مخاضاً قاسياً منذ خطر ببالها إزالة اللثام عن الوجه الذي أذاقها وبال أمره عقوداً من الزمن القبيح .....
تراها اليوم تفرد ضفيرتها على نيلها وتغني أغنية المجد والكرامة...
ما كادت المحروسة المحاولة للنهوض بعد شلل بغيض نخر جسدها لسنين وراء سنين حتى انهال عليها الحاقدون بالضرب المبرح والطعن المميت حتى لا تعود تقوى على النهوض بشعبها أولاً و بالأمة العربية جمعاء ثانياً.

على الرغم من وجود إجماع حول فكرة المؤامرة لصياغة الربيع العربي وإنضاجه وصولاً إلى شرق أوسط جديد ، إلا أن هواء الحرية قد تخلخل بين جنبات الأروقة الضيقة والساحات والميادين الرحبة ، وقد استنشقه من قُدِّر له أن يستمتع بشذاه .
بعد ثورة 25 يناير وما نتج عنها من انتخابات لمجلس الشعب ومجلس الشورى وتبعته انتخابات الرآسة بشكلٍ نزيه ولأول مرة بتاريخ مصر وبشهادة القاصي والداني حتى بدأت الثورات الارتدادية ومحاولة النيل من شخص الرئيس أولاً ومن المؤسسة الرئاسية ثانياً حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من عزلٍ للرئيس المنتخب ومن نفس الأفراد الذين قاموا بانتخابه والأشخاص الذين قام بتعينهم ، والمشهد المصري اليوم يكاد يجثو على فوهة بركان لا احد يعلم إلا الله مدى الضرر الذي سيلحق بالأمة في حال انفجاره.

في ظل هذه المعمعات والتجاذبات التي تؤرق العالم اجمع وتجعلهم يترقبون لحظة بلحظة ما سيؤول إليه الوضع مستقبلاً في هذا البلد العزيز والذي أدعو الله لحمايته وحقن دماء أبناء شعبه واني اجتهد متواضعا لتسجيل بعض النقاط تعبر عن رؤيتي ووجهة نظري المتواضعة والتي قد اتفق مع البعض وقد اختلف مع البعض الأخر فيما يخص الشارع والحالة المصرية وهي :
1. الرئيس محمد مرسي رئيس شرعي مُنتَخب من الشعب المصري بنسبة تجاوزت الخمسين بالمائة بقليل ولا احد ينكر أو يشكك في نتائج صناديق الاقتراع ، وعلى الرغم من اعتقادي أن شخصية الرئيس مرسي شخصية غير قيادية بحكم انه احد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وليس القائد الأول في هذه الجماعة ( كما شكل الرئيس المرحوم ياسر عرفات والرئيس المرحوم جمال عبد الناصر شخصيات كاريزمية وقيادية أهلتهم لأخذ دورهم بشكل واضح وجعلتهم أصحاب قرار لا متلقين له ) وبالتالي فإنني اعتقد من خلال ما تراءت له عيني أن الرئيس مرسي لم يكن صاحب قرار في جماعته وإنما كان صاحب القرار هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وهذا بالطبع ما اضعف من إدارة الدفة في قيادته لشؤون الدولة .

2. التخبط الذي أبدته إدارة مرسي للبلاد والعمل على أخونة الدولة والمؤسسات جعل من مرسي وجماعة الإخوان المسلمين أشخاصاً غير مرغوبٌ بهم على مستوى الشارع المصري البسيط ، نعم الرئيس مرسي اجتهد في قيادته لشؤون الدولة فأصاب أحياناً وأخطأ أحياناً أخرى إلا أن هذا ليس عيباً لأن كل ابن آدم خطاء ولا أحد معصوم غير الرسل والأنبياء ، ولكن ما يُعيبُ هنا انه بدلاً من احتضان الشارع وإشعاره بالأمان والمشاركة والعمل الجماعي وتقسيم الأدوار ؛ قامت هذه القيادة بزرع أعضاء تنظيمها في المحافظات والوزارات والدوائر العليا ناسيةً أو متناسية أن هذا الشعب قادر على إنجاب العباقرة والمفكرين والسياسيين بأفكارٍ وولاءاتٍ سياسية وتنظيمية وفكرية متباينة ومتعددة لها الباع والذراع الطويلة في السياسة والاقتصاد والإعلام وغيرها من مؤسسات الدولة .

3. لا يخفى على احد أن أبناء النظام السابق (مبارك) والمعروفون بـ(الفلول) ، والخاسرون بالانتخابات الرئاسية والتشريعية ، وأصحاب المصالح والمطامع الشخصية ، والتابعين لبعض الأنظمة العربية والغربية والذين لم يَرُق لهم استلام الإسلاميين لمقاليد الحكم في ( أم الدنيا) والذين قاموا أجمعين بمحاربة هذا الرئيس وحُكمه جهاراً ونهاراً وبالسر والعلانية ومن وراء حُجُب وأنّا أُتيحت لهم الفرصة بذلك ؛ فقاموا بعرقلة الرئيس المُستجَد ووضع عصيهم في دواليب عجلته حتى يظهر للبادي ضعف حيلته وقلة خبرته وفشله في إدارة زمام الوضع وقيادة للأمة وبالتالي يصبح العزل أمرأً مُحتًّم وتحصيل حاصل وبإجماع الشعب البسيط.

4. بعد أربعة أيام من عزل الرئيس مرسي ، وعلى مرآى ومسمع الجميع ودون خجلٍ أو إحساسٍ بالحياء نرى دولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تتبرع بما مجموعه اثنا عشر مليار دولار ناهيك عن الوقود والغاز الموهوب ، وهنا انطلى على من انطلى عليه الخداع أن هؤلاء هم الأشقاء الحنونين للشقيقة مصر المسكينة و المكسورة الجناح وأنهم على استعدادٍ تام للوقوف معها ومؤازرتها وإخراجها من محنتها ، علماً أن من أهم المشاكل التي أطاحت بالرئيس مرسي مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع المحروقات والغلاء الفاحش الذي فتك بالبلاد والعباد ، وهاهي صحيفة نيويورك تايميز تشير في تقرير لها ( بتحسن مفاجئ للمعيشة في مصر مما يشير إلى افتعال أزمة رتبت لإسقاط مرسي ) ، وقد أشار التقرير إلى اختفاء طوابير الانتظار أمام محطات البنزين واختفاء انقطاع التيار الكهربائي وعودة الشرطة إلى عملها في الشوارع ، وحسب الصحيفة فان هذه النهاية المفاجئة لانقطاعات التيار الكهربائي والمحروقات وعودة رجال الشرطة تعزز فرضية المؤامرة. هذا وقد كان من وراء هذه الأحداث تمويلاً وإشعالاً للفتنة نجيب ساويرس (المعروف بعدائه للإسلاميين ) ، وتهاني الجبالي (القاضية السابقة في المحكمة الدستورية العليا والمقربة من جنرالات مبارك ) ، وشوقي السيد ( المستشار القانوني لأحمد شفيق ). (المرجع: دنيا الوطن 14/7/2013). وللقارئ والمتابع أن يتفكر في هذه المعادلة.

5. المؤامرة الاسراأمريكية والأوروبية : صحيح أن مرسي قد تعهد بالحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد ، واحترام الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل ، ولم يتم طرد السفير الإسرائيلي في القاهرة ،ولم يستدعي السفير المصري في تل أبيب إلا أن الفرحة التي ظهرت على الشارع الإسرائيلي وما امتلأت به الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلي بعزل الرئيس الإسلامي الجديد كانت خير شاهدٍ على الكُره الدفين لرئيس مُلتحي يداوم على أداء الصلاة في المساجد ، وما الرسائل التي قام بإرسالها الرئيس اوباما ومستشاريه والناطقين بإسم البيت الأبيض إلا خير دليل على الرغبة في إزالة وعرقلة الحكم الإسلامي ليس فقط من المشهد المصري وإنما من المشهد العربي والعالمي اجمع، وها هو تقرير نشرته (الجزيرة الانجليزية) عن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية في تمويل سياسيين ونشطاء للإطاحة بالرئيس مرسي رغم أن الموقف الأمريكي المعلن أن أمريكا لا تنحاز لطرف دون الآخر في الأزمة المصرية ( المرجع : دنيا الوطن 12/7/2013). هذا وقد شهدنا في السنوات الأخيرة ومن خلال ما عُرف بسياسة مكافحة الإرهاب حرباً ضروسة على الإسلام والمسلمين بداية بمنع الحجاب والإساءة إلى الرسول الكريم حتى وصلنا إلى الإطاحة بعواصم الدول المعادية لهم ، وهنا ليس غريباً عليهم محاولة الإطاحة بالرؤساء المحسوبين على التيارات الإسلامية المتشددة بحسب رأيهم ورؤيتهم.

إضاءات!!!
أليس من الغريب أن يقوم الرئيس الجديد المستشار عدلي منصور بإعلان دستوري جديد بعد يومين من توليه السلطة وكان هذا الأمر تخبطاً وشخصنةً وعبثيةً من قبل الرئيس مرسي بعد أشهر على استلامه لمهامه كرئيس؟؟
أليس من الغريب أن يقوم الرئيس الجديد المستشار عدلي منصور بتغيير النائب العام بعد ثلاثة أيام على توليه السلطة وكان هذا الأمر إجراماً وخروجاً عن السياسة المعتدلة من قبل الرئيس مرسي بعد اقل من عام من استلامه لمقاليد الحكم؟؟
أليس من الغريب أن يتمتع الرئيس الجديد (المُؤقت) والرئيس القديم (المخلوع) بكامل الصلاحيات ويُحرم الرئيس ( المُنَتَخب) من ابسط صلاحياته في الحكم وإدارة البلاد؟؟
أليس من الغريب أن ما يكون مسموح لك ممنوع عليه ؟؟؟