الأستاذ عبدالرحمن الدويري يكتب:
لا حيا، ولا دُخَّانَ جَلّةٍ
مقولة شائعة على ألسنة أجدادنا في تراثهم الشعبي، عندما يُواجهون مَن لا يفهم ولا يرعوي، ولا يرجع إلى الحق، مع وضوحه وسطوعه، وانعدام احتمالية اللبس فيه، بعد مشوار طويل مِن الاستيعاب والتريّث، ومحاولة التفهيم والإقناع؛ لكنه لا يُغيِّر ولا يُبدل، ويَبقى كما يقولون: على موقفه، لا بِصُد ولا بِرُد.
السُّنة المشرفة سبقت للمعنى الأول مِن المثل، إذ جاء في الحديث على وجه التهديد: " إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " ، وجاء التراث - بفطرية - من بيئة الفلاح بالشق الثاني؛ ليزيد المعنى وضوحا وعمقا.
و (الجَلَّة )لمن لا يعرفها ما جُمع من فضلات البقر، وجُفف لغايات التدفئة والطبخ في الشتاء حين يشحَّ الوقود مِن الحطب وغيره، وعند إشعالها يَعظُم دخانها، وتَقلُّ جدواها، لكنها حِيلة المحتاج في وقت الزّنقة.
أخونا الذي لا يُقدِّر موقفا، ولا يُراعي مشاعر الآخرين، ويتمادى في حماقته وتطاوله وخطئه بحق مَن حوله، حتى يَجلب لهم الحرج، يستحق أن تصفعه بهذا المثل، لعله يَرجع ويقف عند حدِّه.
والمعنى قد يُفهم باتجاهين: الأول: مشان الله عِيرنا سكوتك، إذا لم يكن عندك حياء يحجزك، ولا تستطيع أن تُقدم لمن حولك خيرا، ولو أن توقد لهم (الجلة) ليستدفئوا أو يُنضجوا طعامهم، والثاني: مشان الله غُور من خِلْقِتنا، وفارقنا، ولا تؤذِنا بقولك وجدالك بالباطل، ما دام لا حياء عنك يمنعك من المجاهرة بالخطأ، ولا دخان عندك يحجب قبيح ما تأتي به من مواقف، حتى وأن كان من دخان (الجلة)، رغم رخصه وكثافته.
يفيض بك الكَيل، ويخونك مَركب الصبر، وأنت ترى وتسمع ذلك السَّفَهَ الطافح الذي تنعق به ألسنة شرذمة اللهث (البعث) على أعتاب الطائفة المقاومة الوالغة في الدم السوري على شَرَفِ ملالي طهران في مأدبة القصير والغوطة الشرقية وحمص.
تحاول جاهدا أن تَعصِرَ مِن وُجوه القوم قطرة من حياء، فتخونك المحاولة، وتُتعب نفسك في محاولة فهم الهرقطات الدَّابقة في أفواههم، وتذهب محاولا مسحها، فتتسع رقعة الدبق على الأفواه الناعقة، لتجذب مزيدا من غبار القول، وحشرات الأخلاق.
معركة حزب الله في لبنان عنوان للممانعة، ودليل على تماسك جبهة الصمود والتصدي في مواجهة المؤامرة العالمية، على آخر معاقل المقاومة ضد الإمبريالية والصهيونية!!!!
أيّ سحر هذا الذي جعل اليسار كله، وأغلب القومجية، وحزب اللهث العربي الاشتراكي ( بالمرجعيتين العراقية السورية) ليندمجوا بنسخة الأردنية، وليدخلوا مجتمعين سرداب التشيّيع، ويجتمعوا معا في الحُسينيات، يَلْدِمُون الصدور، ويهتفوا ثأرا للحسين بعد أنْ أسرجوا للمعركة بغل التقدميّة؟!!!
أيّ قوة خارقة تلك التي بدَّلت مرتفعات الجولان بقاسيون، وتل أبيب بغوطة دمشق وبيسان بالقصير؟!!
أين المقاومة في المشهد؟!! وأين العروبة؟!! والأقدام تغوص في رمال العار، وتسبح الأجسام بدم الأبرياء، وتقف جموع المرتزقة على أعتاب السفاح في دمشق، أو مندوبه في عمان؛ لتقبض الثمن، وتملأ الجيوب من أنين الجرحى وأهات الثكالى.
عن أي عروبة تتحدثون، وأنتم تضجعونها على مذبح ولاية الفقيه، وترفعون له ستر الخباء؛ ليدخل عليها شيخ المتعة، وإمام المناكحة، ويرمي على منديلكم درهمه، وبني صهيون تبارك وتبتهل إلى الله أن يديم الله على محور المماتعة حال الوداد، وتسلم لهم البلاد؟!!
قليلا مِن الحياء أيها الحمقى.. أوقفوا سيل التهاني، فليست العبرة بالبيان، وكثرة الكلام، كما قال الحبيب - صلى الله عليه وسلم - : " ولكن فصلٌ فيما يحبُ الله و رسوله، وليس العِي عِي اللسان، ولكن قِلة المعرفة بالحق (1).
لا قيمة لما تأفكون، ولا معنى ولا جدوى لما تُهرقطون، لأن سنة الله ماضية لا تتخلف، ولأن ما تُهرقطون به يأتي على خلاف ما يحبه الله ورسوله، وعلى وفاق مع ما تحبه الروافض واليهود:
وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقىً *** وما ضر ذا تقوى كِتابٌ مَعْجَمُ
باطل ما تأفكون أيها المتشيعون للشيطان وباطله، ومن الحتميات عند المسلمين وعند ثوار سوريا: {إن الباطل كان زهوقا}.
(1)تخريج السيوطي (فر) عن أبي هريرة. تحقيق الألباني (ضعيف) انظر حديث رقم: 4882 في ضعيف الجامع.
[email protected]
9 / 6 /2013م
لا حيا ولا دخان جلة بقلم:عبدالرحمن الدويري
تاريخ النشر : 2013-06-10
