صفحات من تاريخ الاذاعة - نشأة الاذاعة المصرية بقلم:د.وليد برهام
تاريخ النشر : 2013-05-12
صفحات من تاريخ الاذاعة
نشأة الاذاعة المصرية :

79 عاماً‮ مضت علي نشأة الإذاعة كانت خلالها خير شاهد علي أحداث مصر المحروسة،‮ كانت ولا تزال أهم العوامل المؤثرة في حياة مصر وشعبها‮ .‬
الإذاعة ليست فقط الراديو الذي استمعنا إليه كثيراً أيام المذاكرة ، ونسمعه في كل مكان في المنزل والعمل وفي وسائل المواصلات وفي السفر ، ولم ترتبط فقط بذكرياتنا وأهم لحظات حياتنا .. بل كانت شاهداً على مراحل هامة جداً من تاريخ مصر ، ولا أبالغ في القول بأنها اشتركت في بعض الأوقات في صناعة تاريخ مصر بل والعالم العربى .
لقد كانت مصر سباقة كعهدها فكما سبقت أكثر الدول الأوروبية في مد خطوط السكك الحديدية ،‮ سبقت أيضاً‮ في استخدام التصوير السينمائي وفي البث الإذاعي .
مرحلة الإذاعات الأهلية:
عرفت مصر الإذاعة فى مراحل متقدمة عن الدول العربية وبالتحديد فى سنة 1925 م — أى بعد ظهور أول محطة إذاعية فى العالم بخمسة سنوات — من خلال محطات أهلية يملكها بعض الهواة وتعتمد فى تمويلها على الاعلانات التجارية ومن أمثلتها فى لك الوقت راديو فاروق ، راديو فؤاد ، راديو فوزية ، راديو سابو.
وفى بداية مايو 1926 م صدر المرسوم الملكى يحدد شروط استخراج تراخيص الأجهزة اللاسلكية طبقا للاتفاقيات الدولية ، وبدأت هذه المحطات الأهلية تذيع بالعديد من اللغات كاللغة العربية وللأجانب فى مصر كانت تذيع بالإنجليزية والفرنسية والإيطالية.

كانت إذاعة “مصر الجديدة”، هي أول إذاعة أهلية، وبعد عامين افتتحت محطة أهلية أخرى أوروبية هي إذاعة “سابو”، وفي العام 1932 افتتحت “محطة راديو الأمير فاروق”
وفى الإسكندرية افتتحت إذاعتان أشهرهما “محطة راديو فيولا”.
وهذه الإذاعات كان يقوم بتشغيلها هواة، لذلك استخدموها كما يحلو لهم، فبعضهم استخدمها لبث رسائل الغرام، والبعض الآخر في الاعلان عن البضائع وايضا للرسائل الخاصه والموجهه الى اصدقائهم
ولقد حاولت الحكومة المصرية، آنذاك، تنظيم الإذاعات الأهلية والسيطرة عليها، لكن تلك الاذاعات قاومت بشدة وكانت تهدأ أحيانا وتمتنع عن بث رسائل الغرام، ثم تعود مرة أخرى للعبث .
لقد كان معظم اصحاب تلك الاذاعات من التجار الذين استغلوها للترويج لبضائعهم وتحقيق الربح من وراء اذاعة الإعلانات التجارية‏,‏ مثل محطة راديو فؤاد التي أنشأها عزيز بولس‏,‏ ومحطة راديو فاروق التي أنشأها تاجر أجهزة الراديو الياس شقال‏,‏
كما كانت معظم هذه المحطات شركات بين عدد من الأفراد‏,‏ وكانت ضعيفة الإرسال لا تغطي أكثر من الحي الذي تذيع منه‏,‏ ومعظمها أقيمت في غرفة أو شقة صغيرة‏,‏ وتتعرف علي رغبات مستمعيها عن طريق الخطابات والمكالمات‏,‏ حيث كان يحمل البريد يوميا الي بعض هذه المحطات ثلاثين أو أربعين خطابا‏,‏ وكانت ـ علي حد وصف جريدة الأهرام ـ التليفونات لا تهدأ في الغرفة الملحقة بغرفة الإذاعة .
وكانت هذه المحطات تجيب طلبات مستمعيها في التو واللحظة ويتراوح ارسال معظم هذه المحطات الأهلية ما بين‏2‏ ـ‏4‏ ساعات يوميا‏,‏ سواء علي فترة ارسال واحدة أو علي فترتين‏ .‏
** فاصل **
وكان الجزء الأكبر من المضمون الإذاعي الذي تقدمه معظم هذه المحطات ترفيهيا‏,‏ ويتضمن مهاترات وأغاني مبتذلة‏,‏ مما دفع الجمهور الي الشكوي من بعض المضامين الإذاعية‏,‏ وبلغ الأمر أن المحبين كانوا يتخذون من موجات الأثير وسيلة لبث الغرام وتحديد المواعيد‏,‏
وكانت إحدي هذه المحطات لشاب يوناني يهدف الي اذاعة اسطوانات الحب الايطالية‏,‏ التي تفضلها حبيبته الايطالية والتي يوجد في منزلها جهاز الاستقبال جاءت به من روما‏ .‏

فاتسم أغلب مضمونها بالسوقية والابتذال والخروج علي الذوق العام، ولم يكن بغريب علي الأسماع في ذلك الوقت أن يخرج شخص بصوت عالٍ فينادي «ألو ألو الحق يا أخينا أنت وهو في قنبلة انفجرت في الموسكي» ثم يأتي مرة ثانية «القنبلة التي انفجرت الآن هي الأسعار المذهلة التي تبيع بها محال الضبع للعب الأطفال».
الى ان جاء اليوم الفصل بصدور هذا الانذار ونصه كالتالى :
ليكن في علم الجمهور أنه لن يسمح ابتداءً من ٢٩ مايو ١٩٣٤ ببقاء التراكيب الكهربائية اللاسلكية التي بالرغم من مخالفتها أحكام الأمر العالي الصادر في ١٠ مايو ١٩٢٦ تركت حتي الآن تسامحاً ويجب فك التراكيب قبل ذلك التاريخ وإلا طبقت الجزاءات المنصوص عليها في ذلك القانون».
كان هذا بمثابة الإنذار الأخير الذي وجهته الحكومة المصرية إلي الإذاعات الأهلية المصرية.

وفي عام‮ 1931‮ قامت وزارة المواصلات بتقديم مذكرة إلي مجلس الوزراء تطالب فيها بإنشاء محطة إذاعة لاسلكية علي أن تتولي شركة ماركوني الإنجليزية التلغرافية اللاسلكية مسئولية تشغيلها لحساب الحكومة .
وبالفعل وافق مجلس الوزراء في‮ 21‮ يوليو‮ 1932،‮ وتم تعيين المفتش العام لمصلحة التلغراف والتليفونات‮ " ‬مستر ج وب‮ " مشرفاً‮ علي أعمال الإذاعة ومستشاراً‮ فنياً‮ لها في‮ 29‮ أبريل من‮ 1934 .
وتم افتتاحها في‮ 31‮ مايو من هذا العام‮..
لقد كانت المهاترات بين المحطات الأهلية أهم أسباب إغلاقها‏,‏ علي الرغم مما أبداه بعض أصحاب هذه المحطات بوضع محطاتهم تحت الرقابة الحكومية‏,‏ وتوقفت هذه المحطات عن الإرسال في‏29‏ مايو‏1934,‏ لتترك مكانها للمحطة الحكومية التي بدأت ارسالها في‏31‏ مايو‏1934.
د / وليد برهام
كاتب - وسيناريست - ومعد برامج اذاعية