فنون الرّسم البكتوغرافي بقلم: حسين أحمد سليم
تاريخ النشر : 2013-04-03
فنون الرّسم البكتوغرافي بقلم: حسين أحمد سليم


فنون الرّسم البكتوغرافي

بقلم: حسين أحمد سليم

الرّسم البكتوغرافي أو فنّ رسم البكتوغراف, هو فنّ تشكيلي قديم النّشأة حديث التّطوير والتّشكيل, وجزء لا يتجزّأ من بنية مدارس ومذاهب ومسارات الفنون التّشكيليّة العصريّة المستحدثة والمشهورة... وهذا الفنّ يقوم على أسس وقواعد وأساليب تشكيل المزج الفنّي الجمالي الدّقيق, ما بين الحروفيّات المعروفة للأبجديّات, ورسومات أشكال أجسام الحروف الأبجديّة المستنبطة للمنظومات الهجائيّة المختلفة, ضاديّة كانت أم أجنبيّة أم غير ذلك, وإضفاء الألوان عليها بشكل متناسق ومنسجم, لتعكس مشهديّات ولوحات تجريديّة أو سورياليّة أو فلسفيّة, أو خليط ما بينها, تتماهى بالجمال الفنّي التّشكيلي, وترفل لها عين المشاهد, لما توحي به من مكتنزات مبتكرة في إبداعات الخلق والصّنع, لأجسام وأشكال الحروف الأبجديّة, وعتقها من أشكالها التّقليديّة المعروفة في فنون الكتابة, وتحريرها من قيودها القواعديّة الخطوطيّة الدّقيقة والصّعبة, وتشكيلها بأنماط وأشكال مستحدثة, تماشيا مع إبداعات وإبتكارات عولمة العصر الحضاريّة, وبمرونة تتّسم بطابع فنّيّ جديد ومميّز, تتماهى به منظومات الحروفيّات الأبجديّة الهجائيّة بشكل عام والعربيّة الضّاديّة بشكل خاصّ...
فالخطوط التّقليديّة لمنظومة الحروفيّات الأبجديّة الهجائيّة العربيّة المعروفة, كخطّ الثّلث والنّسخ والرّقع والفارسي والدّيواني والإجازة والكوفي... جميعها كانت الأساس للدّخول في عمليّات فعل الإبتكارات والإبداعات في الصّنع, وتشكيل أشكال مستحدثة لأجسام الحروفيّات, من قبل العديد من الرّوّاد الخطّاطين العرب القدامى والمحدثين الجدد, وغيرهم ممّن يستخدمون منظومة الحروفيّات الأبجديّة الهجائيّة العربيّة, كالإيرانيين والأتراك والشّعوب المعتنقة للدّيانة الإسلاميّة مثلا... فالخطّاطون والفنّانون المسلمون العصريّون, في الكثير من الأقطار العربيّة, العراق ومصر ولبنان... وبعض الأقطار الأخرى, كإيران وتركيّا... و الذين تأثّروا بثورة الفنون العصريّة, سيّما محاولة تثبيت الفنون الخطوطيّة كجزء من الفنون التّشكيليّة, في محاولات لدرء وإتّقاء الوقوع في حرمات بعض الرّسومات التي نهى عنها الإجتهاد الدّيني... فإستنبطوا خطوطاً فنّيّة جديدةً, كالخطّ السّنبلي والخطّ التّاجي, وأنماط كثيرة من الخطّ الكوفي المضفّر والزّخرفي والمزهّر, وأشكال عديدة من الخطّ الهندسي, وتجارب متنوّعة من الخّط الحرّ, وأنواع أخرى من الخطوط الطّباعيّة الحديثة, والخطوط الزّخرفيّة, إلى جانب إستنباط فنّ الخطّ الورقي وفنون الخطّ العنكبوتي وفنون الخطّ الدّائري والمثلّثي والتّشكيلي... جميعها ساهمت في ولادة وإبتكار فنّ الرّسم البكتوغرافي الحديث, ودفعت ببعض الفنّانين الخطوطيين والتّشكيليين والرّسّامين الهندسيين والفنّيين على تطوير هذا الفنّ, ليغدو مدرسة فنّيّة تشكيليّة مميّزة ولافتة وقائمة بحدّ ذاتها...
والخطوط العربيّة التي نشأت على يد أساتذتها القدامى بجميع أسسها وقواعدها, ومنذ فترة وزمن إنشائها وحتّى الآن لم تتجدّد أو يتمّ تحديثها... إنّما غالبيّة الخطّاطين الذين توالوا عبر الحقب الزّمنيّة والتّاريخيّة, يُحاكى بعضهم البعض, بالمحافظة على أسس ومباديء وقواعد كتابة الخطوط العربيّة... ويبقى فعل الإبداع للفنّانين الأوائل الذين وضعوا قواعد الخطّ العربي, فأصبح الخطّ العربي لوحة جميلة مكرّرة بنمطيّة تقليديّة, وهو ما أدّى إلى إصابته بالجمود أمام الفنون التّشكيليّة الحديثة... والخطّ العربي غنيّ و الحرف العربي كتلة تجريديّة ولو وضع فى مكانه الصّحيح لأصبح أحدث ثورة فنّيّة لا تُجارى...
ولذلك إتّجه الفنّان والخطّاط المسلم والعربي العصري, لإبتكار مدرسة خطّيّة فنّيّة جديدة ومميّزة, تُحاكي الفنون التّشكيليّة العصريّة, فكانت مدرسة الرّسم البكتوجرافي, مدرسة تشكيل الخطّ العربي بالرّسم... والحرف العربي ليس كتلة جامدة, ولكنّه كتلة روحانيّة تسمع وترى, ومتحرّكة, تكاد تُعبّر بالأوان و الرّموز و المعنى و الكلمة عن مضمون اللوحة... ولو حتّى تحتوي على كلّ عناصر التّشكيل, من اللون والمساحة... أيّ الموضوع مع جمال الخطّ العربي... فعندما ينظر المشاهد إلى اللوحة للوهلة الأولى يجدها غاية فى الجمال والإبداع, وعندما يُدقّق فيها يجدها كلمة خطّيّة جماليّة إبداعيّة, وبداخلها معنى الكلمة بالرّسم والرّمز واللون... فأصبح للوحة الرّسم البكتوغرافي وجوديّتها وحضورها الفنّي, وأصبح لمدرسة فنّ الرّسم البكتوغرافي صدى الخطّ العربي في الفنّ التّشكيلي... ووضع الفنّان المبتكر لدراسته في فنّ الرّسم البكتوغرافي أشكالا ورموزا وموتيفات خاصّة, ومزج الإسم بالمعنى واللون, حتّى أصبح الحرف كتلة سيرياليّة تجريديّة إنطباعيّة, وبأسوب منفرد ومميّز... أسلوب فنّي تشكيلي حديث ومبتكر تحت إسم فنّ الرّسم البكتوغرافي...
وأصبح لهذا الفنّ المستحدث بطاقة هويّة إسمها فنّ البكتوجراف... و فنّ رسم البكتوغراف هو ذلك الإبداع و تلك الإلهامات العظيمة التي تتكون بجماليّات على سطح اللوحة أو المشهديّة... إنّه إلهام من الله سبحانه وتعالي هو الذي أوجد الفنّأن وأوجد فيه هذا الفنّ الجميل, وهو البديع بديع السّماوات والأرض الذي خلق اليد والأنامل الفنّيّة لتبدع أسماء الله و آياته في لوحات فنّ الرّسم البكتوغرافي...
مدرسة البكتوغراف الفنّيّة, أحياها وأسّسها في القطر المصريّ الفّنان التّشكيلي محمّد فهمي طوسون, الذي نشأ خطّاطا كوالده المرحوم الخطّاط فهمي طوسون, الذي كان من أشهر الخطّاطين في مصـر... إحترف محمّد طوسون الخطّ في الخامسة من عمره علي يدّ والده الخطّاط, وذلك قبل دخوله المدرسة الإبتدائيّة, وبعدها إكتشف في نفسه موهبة الرّسم, فأصبح الرّسم والخطّ ثنائي إذدواجي متلاحم بداخله, وكان الرّسم مُسيطر عليه أكثر لحبّه الشّديد للألوان والفنّ التّشكيلي عموما, فإلتحق بكليّة الفنون الجميلة "شعبة تصوير زيتي" ودرس الرّسم والمنظور والتّشريح وتاريخ الفنّ القديم والحديث وجميع المدارس الفنّيّة ورسم لجميع المدارس الفنّيّة السّيرياليّة والتّكعيبّة والتّأثيريّة و الواقعيّة... ولكنّه لم يجد ضّالّته المنشودة ولم يجد ما يبحث عنه إلى أن منّ الله سبحانه وتعالي عليه بالقرآن الكريم و بدأ بكتابة أسماء الله الحسني و مزج الإسم باللون و بتقريب المعنى بالرّسم... وذلك على قدر الإجتهاد والمعنى اللوني و الرّمزي و مزج الخطّ بالرّسم و مزج الرّسم بالخطّ حتّى أصبح الخطّ كتلة سيراليّة تجريديّة إنطباعيّة ووضع لنفسه و لمدرسته أشكالا ورموزا خاصّة به وبكيانه حتّى عندما يرى المشاهد لوحاته في أيّ معارض جماعيّة يرى فيها أسلوب طوسون و أصبح له بطاقة و هويّة فنّيّة أطلق عليها مدرسة البكتوجراف... وإعتمد الفنّان طوسون على القرآن الكريم وأسماء الله الحسنى وأعتبر القرآن دستوره و مرجعه ومعلمّه, بحيث لا تجد لوحة من لوحاته إلاّ وفيها آية من القرآن الكريم أو اسماء الله الحسنى و هو بتواضعه لا ينسب لنفسه قط ذلك الإبداع و تلك الإلهامات العظيمة التي تتكون علي سطح لوحاته أنّه شيئ من الإلهام من الله سبحانه وتعالى, وهو الذي أوجده وأوجد في دواخله هذا الفنّ الجميل وهو البديع بديع السّماوات والأرض الذي أبدع يده لتبدع أسماء الله و آياته في لوحات جماليّة بكتوغرافيّة...