الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ ( الحلقة الثالثة ) بقلم:مصطفى الغريب
تاريخ النشر : 2005-09-13
ذكرنا في "الحلقة الثانية " من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ بعض المعلومات الإضافية التي قد تضاف الى الأسباب التي أدت الى وقوع تفجيرات سيناء ونستطيع ان نوجزها في مايلي : مايقوم به الموساد في منطقة سيناء , مخططات إسرائيل لتهويد شبه جزيرة سيناء , خطر تنقل المصريين والإسرائيليين بين بلديهما , إنخراط البدو فكرياً في المنظمات الأصولية الراديكالية , القاعدة وتهديداتها المستمرة للقيام بعمليات إرهابية في مصر , موقف التنظيمات اليهودية المتطرفة من زيارة اليهود الى أرض سيناء .



وفي هذه "الحلقة الثالثة " سنلقي مزيداً من الأضواء على معلومات إضافية مهمة في تفسير الأحداث لأن مايحدث هو خطر حقيقي بسبب أخطاء فادحة أرتكبت قبل وأثناء وبعد أحداث طابا وشرم الشيخ بسيناء فهي تراكمات السنين التي نجني ثمارها من الفشل الأمني والسياسي بعد أن زرعت بذورها الخبيثة لتثمر إحتقاناً إنتشر بين عشائر وقبائل بدو سيناء، وهي طبيعة تختلف كليا وجذريا عن طبيعة الشخصية الريفية وسكان المدن .

إن المبالغة في الإندفاع من جميع الأطراف بالفعل ورد الفعل ولاسيما أنه لايزال هناك من يغذي الفتنة ويضمر لهذه الأمة شراً وأنهم أبدعوا في إستغلال السلوكيات الأمنية العنيفة التي حدثت وتحدث وسوف تحدث وإستغلال للشعور بالسخط المتزايد والتحدي بين الفئات المحتقنة , وهو الأمر الذي تمت ترجمته إلى خلق (ثأر) بين قبائل وعشائر سيناء والدولة ممثلة في جهازها الأمني.

وقد نسميها مرحلة إنطلاقة الشرارة الأولى ببدء إنخراط شباب سيناء وشباب مصر في تنظيمات عنف وإرهاب سواء كانت ساذجة و/ أو عشوائية، منظمة و/أومحترفة، وليس هناك أدنى شك في أن جهات استخبارية سوف تلعب على هذا الوتر بكل ما أوتيت من ذكاء ومهارة وخبث، والحديث عن "بلورة" لتوجهات تمرد على "الدولة" في سيناء ، كما أن الهوس بالثأر والانتقام طبيعة بشرية ، والتقارير الغربية تؤكد على أن سيناء مقبلة على المزيد من العنف في المستقبل القريب .

تقارير استخباراتية تشير الى مخطط لتسليح بدو سيناء ‚ وتشكيل ميليشيات لخوض حرب عصابات ضد وحدة مصر وإحداث قلاقل أمنية وتقوم جهات أمنية بدراستها وأشارت الى ان الاجهزة الامنية الأجنبية ضالعة في هذه المؤامرة بالفعل في عمليات تهريب الآلاف من قطع السلاح والقنابل لرغبة أجنبية جامحة برؤية مصر وقد فقدت مركزها القيادي للامة بأي سيناريو من السيناريوهات المعتمدة عن طريق تجربة حروب ونزعات إنفصالية كما في السودان كالجنوب ودارفور وغيرهما.

إن وجود هذا المخطط العدواني غير المستبعد عن العقلية الخارجية الشريرة التي تريد أن تنام وتصحو لتجد الدول العربية وقد تضاعفت ثلاث مرات أو اكثر لتؤول الهيمنة والسيادة وتقرير مستقبل المنطقة برمتها بيدها‚ وتحقق أطماعها عمليا عبر ارتباط هذه المنطقة بالارادة والتعليمات والاملاءات الأجنبية ‚ وليس بالضرورة الاحتلال عسكري وإنما هيمنة إقتصادية عبر تعليمات منظمات إقتصادية دولية والدعوات الى الديموقراطية .

مصادر استخباراتية عالمية تتوقع أن تشهد سيناء أعمال عنف اخرى في المستقبل القريب وربما يعزز وجود هذا المخطط العدواني أيضاً أكثر والذي يستهدف النيل من وحدة مصر وامنها واستقرارها ودورها القومي في القضايا العربية‚ واشغالها بمعارك مصيرية تبعدها تماما عن دورها العربي تماما مثلما ابعدت العراق وزرعت الفتن الطائفية والعرقية والسياسية‚ هو وجود توقعات لجهات مصرية بعد عمليات "كر" و"فر" , واشتباكات بين رجال الشرطة المصرية وعناصر من بدو سيناء .

هناك إجتماعات مستمرة بين زعماء قبائل سيناء الشمالية والجنوبية والقوات الأمنية المحلية ، قادت إلى توقيع "وثيقة عهد" , يستمر بموجبها شيوخ البدو بإظهار "الولاء والامتثال" بحيث تقوم بتزويد القوات الأمنية بالمعلومات عن المجرمين المشتبه بهم , الأمر الذي يتعارض مع الأصول الثقافية والأعراف الأخلاقية والقانون القبلي التقليدي، الذي يحث على حل كل النزاعات ضمن إطار القبيلة، لكن هذا النظام يمثل عقبة صعبة أمام عمل قوات الأمن .

تعالت بعض الأصوات النافذة الى إستخدام مصطلح (إدارة الأزمات والكوارث )، وهو من المصطلحات الحديثة في علوم الإدارة ، الهدف منه هو شد القاريء لأنها طارئة ومفاجئة وشديدة القوة ومتسعة وتحتاج الى فترة طويلة لعلاجها حتى تعود البلاد الى طبيعتها لأنها تحتاج الى أسلوب علمي متطور سعياً لكبح جماحها وترويضها وإبطال مفعولها، وطرق التأمين والوقاية منها وكيف تجنب الكيانات السياسية الإدارية من شرورها , والأزمة معقدة مركبة تحتاج إدارتها والتعامل معها لمراحل عدة يعرفها المتخصصون .

هذه المرحلة بحاجة الى حضور سياسي وسيادي محلي داخلي على أعلى المستويات وليس دولي لإستضافة مؤتمر لمكافحة الإرهاب في شرم الشيخ ، ولا يمكن ولا يجوز أن يترك الأمر فيها للاجتهادات الأمنية وحدها، هذه "أزمة وكارثة " ، كما أن سيناء بشكل عام في حاجة ماسة إلى إعادة نظر لإدماج مواطنيها بكل فئاتهم وفعالياتهم بكل ما يعزز من انتمائها إلى مصر، حتى لانصحوا على "أزمة وكارثة" أكبر يصعب وقتها الحل علينا أو الإحتواء وسيناء بحاجة الى مشاريع تنموية تشمل جميع مناطقها لا السياحية منها فقط .

بعد أن بنيت المناطق السياحية في جنوب سيناء ، تزايد تجريد البدو من أرضهم التقليدية ، وبيعها إلى المستثمرين سواء كانوا مواطنين أو أجانب وأصبح بدو سيناء يتسابقون فيما بينهم لضمان الحصول على عمل في تلك المناطق رغم أنهم أصحابها وسادتها وبدلاً من إكرامهم وتأليف قلوبهم مسحت وكالة التطوير السياحي سبعة مخيمات للبدو عن وجه الأرض ونزعت ملكيات أصحابها من أجل إقامة "الريفييرا المصرية". قبض بعض البدو ثمن بخس دراهم معدودات كتعويضات محدودة وأجبروا على التخلي عن حقوقهم في المنطقة كلها.

وبعد إستعراض كل ماتقدم سنلقي نظرة عامة حول بدو سيناء الرحل ومن واقع معرفتنا بكثير من أوضاعهم الداخلية ومن إحساسنا بالمناخ العام السائد، الساخط والمتمرد على أنظمة الحكم العربية المختلفة ومنها مصر لتبعيتها الواضحة للسياسات العالمية الخارجية , وهو مناخ يشجع علي الصدام ويفرخ العنف، ويفسح الطريق أمام الأفكار الأصولية والمواقف الأكثر راديكالية لتجد من يتبناها ويعمل بها، فتتسع دوائر الفتنة لتجد من يشارك ويساند في مثل هذه الضربات ، مهما وصلت درجة إدانتها، إما تشفيا أو انتقاما ولن تكتفي بجلد الذات وإنما بتعذيبها ايضاً .

يتميز أهالي سيناء بالتدين الفطري والتمسك بالقيم والأخلاقيات باعتبارهم منحدرين من قبائل عربية ذات موروث أخلاقي ملتزم ومن ثم فهم رافضون لكافة الموبقات التي تزخر بها القرى السياحية المنتشرة علي ساحل البحر الأحمر من طابا إلي شرم الشيخ ، وخاصة بعدما تردد من افتتاح (صالة إستربتيز) بأحدي القري السياحية .

مشاركة أو تورط بعض شباب سيناء في أنشطة تلك القري السياحية وخدمة السائحين (الخمور – المخدرات – الإمتاع الجنسي بالمقابل المادي ) ، وهو الأمر الذي يراه حكماء القبائل والعشائر مصدرا خطرا علي شبابهم وأخلاقهم وقيمهم .

الإحباط الذي إنتاب مجتمع بدو سيناء بعد التحرير فهي لم تكن علمانية إباحية بهذا الشكل المفرط الآن ، وأثناء الاحتلال كان هناك محاولات إسرائيلية لمراعاة الشعور الديني والاجتماعي للاستقطاب، رغم حالات الانفلات، وبعد التحرير فوجئ أبناء القبائل بالانفلات الديني و الأخلاقي المتصاعد والذي بلغ أوجه من خلال حركة الاستثمار المتزايدة في منتجعات سيناء، والذي يعتبر أشد وأفظع مما كان عليه الوضع أبان الاحتلال الإسرائيلي .

وأبناء سيناء مثلهم مثل باقي البشر، يتأثرون ويؤثرون، فهم في منطقة يحيطها الإرهاب من كل جانب، ويخضعون لمهادنة ومساندة للدول الراعية "لإرهاب الدولة المنظم" الذي يمارس علناً في دول الجوار ، وخميرة العنف موجودة في مصر، كما في غيرها، سواء توجه هذا العنف نحو عدو حقيقي، كما هو عليه الحال في الكفاح المسلح والمقاومة المشروعة، أو عدو وهمي، كما في الحرب المعلنة ضد الوطن العربي والعالم الإسلامي لمواجهة الإرهاب لتمكين القوى العظمى من السيطرة ، وأبناء سيناء ليسوا من كوكب آخر، وليسوا شعبا بلا مشاعر، أو بشرا بلا نخوة , فهم من سكان هذا الكوكب وهم من جنس البشر لهم حقوق كما لغيرهم ، وأصحاب نخوة إن لم تكن أكثر فهي تتساوي مع ما عند سواهم .

الواقع أن هذا المخطط الأجنبي له أهداف بعيدة ستتحقق إذا لم نتنبه لها ونقف في طريق تحقيقها

ومن المرجح أن من وقف وراء هذه العملية أراد أن يوجه رسالة واضحة للعرب، مصريين وغير مصريين، يقول فيها: هذا هو حجم الوجود الصهيوني، المادي والبشري، في سيناء، وأبناء المنطقة من بدو سيناء يعيشون على هوامش مصر وحدودها، بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة , وفي الوقت الذي يعاني البدو فيه من شظف العيش وتسلط قوات الأمن التي تطاردهم ، فإنهم سيبقون تجسيداً رمزياً للترحال العربي وللأعراف التقليدية , ولايزال السؤال ماثل أمامنا : الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ .

مصطفى الغريب – شيكاغو