حافظ ابراهيم الشاعر الملهم !بقلم:وجيه ندى
تاريخ النشر : 2012-12-25
حافظ ابراهيم الشاعر الملهم !بقلم:وجيه ندى


حافظ ابراهيم الشاعر الملهم !
الشاعر الكبير حافظ ابراهيم عاش ملهم لاشعار عظيمه - هو محمد حافظ ابراهيم فهمى ، المولود بمدينة ديروط بمحافظة اسيوط إحدى محافظات الصعيد وكان يوم 4 فبراير 1872 هو ميلادة وحيث كان يعمل والده، وبعد ولادته توفي أبوه وكان عمل خاله هناك، وبرز حبه للشعر فانهمك على القراءة وحفظ الشعر ونهم منه كثيراً وجذب إليه الأنظار حتى أطلق عليه لقب شاعر النيل، ثم دخل المدرسة الحربية وتخرج فيها ضابطاً وأرسل إلى السودان بصحبة الدكتور إبراهيم الشدودي وكان بينهما مداعبات شعرية لطيفة، ولكن حافظ إبراهيم تبرم من عمله في السودان ومن معالمة الشخصية انة كان ضخم الصوت، إذا تحدَّث فكأنَّه يتجشَّأ. واتسعت عليه ثيابُه، فلاح فيها كتلك الشخوص التي تُنصب على الكروم أو البيادر، لإفزاع الطير. طويل الأصابع، طويل الأظافر، لا يستبدل قميصه بآخر إلا بعد الزمن الطويل، فهو في اتساخ أكمامه يُشبه عاملاً في مطبعة، يُوالي صفَّ الحروف وطبع الأوراق غير عابئ بالمداد ولا بالزيت. وربما انثنت عقدة كرافتته يمينا أو شمالا فيتركها غير عابئ، فهو بعيد عن الأناقة بُعد وجهه عن الوسامة، يلبس جوربه أياماً طويلة، فإذا كرهه استبدل آخر به ولم يغسله، ولم يلبس إلا الثياب الغالية الثمن، ولكن إهماله وتضييعه يتركها وكأنها أسمال ويتوكّأ على عصا من الخيزران غليظة، انثنى رأسها انثناءة واسعة، وقد تطوّقت بطوق من العاج المنقوش بأسلاك معدنية زائفة، لم يترك صدار بذلته قط، فهو ملازم للجاكتة، جاثم تحتها صيفاً وشتاء.
الشاعر الاجتماعي: إن حافظاً لا يندمج مع نفسه أبداً، بل هو مع الناس لا يعرف غيرهم ولا يطيق سواهم ، فاستفاد خياله من هذه المُعاشرة، ووقف به على حاجات الناس وأفراحهم وأحزانهم، وكل ما يتصل بمنازعهم البشرية. فلو رُزِق هذا الشاعر خيال شوقي والتفاتاته لجاء عجباً في الشعراء. فقد كان الناس مدرسته وكتابه ومُعلِّمه، وقد رفعه فقره وديمقراطيته، والحاجة إلى الجماهير للشهرة والتكسب، إلى تفهم الأخلاق والعادات والنوازع؛ فقد عاشر الصعاليك والشعراء والكتاب والأغنياء والفقراء والوزراء والإقطاعيين، وكل الطبقات التي ينتظمها المجتمع، فكان لابد له بعد ذلك أن يُجيد في وصف الأشياء إجادة بعيدة، ويُحسن التعبير عنها، فهي مدرسته كما قدّمت. وقد عرفة الناس فأطلقوا عليه "الشاعر الاجتماعي". ولحافظ قصائد في هذا الدرب ففي حريق ميت غمر، ربَّ إنَّ القضَــاء أنْحى عليْهمْ فاكْشِفِ الكرْبَ، واحجبِ الأقدارا ومُرِ النَّـارَ أنْ تكُفَّ أذاها . ومُـرِ الغَيْثَ أَنْ يَسِيـلَ انْهِمَـارا يْنَ طوفانُ صاحبِ الفُلْكِ يَرْوي .هذهِ النَّارَ فهْيَ تشكوالأوارا .كان حافظ أجدى لحفلات التأبين من شوقي لأنه خطيب وممثل، يُلقي شعره بنفسه في روعة بالغة التأثير في نفوس الجماهير. وشعر احمد شوقي سام رفيع، ولكنة كان يدفع به إلى رجال غيره، قد لا يندمجون فيه، فيُسيؤون الإلقاء فتذهب روعته، وهو بعد ذلك غامض المعنى لا تتبيّن الأسماع جماله إلا بعد الالتفات الطويل إليه، لأنه وليد العبقرية التي تأبى إلا أن تتطلَّب في تفهمها الجهد ولكن شعر حافظ ابراهيم سهل المعنى، تألفه الأذن ساعة سماعه، وكان يُلقي قصيدة رثاء سعد زغلول في حفل ضخم حاشد، وقد تعاقب الخطباء والشعراء فلم تهتز الجماهير لأحد، ولم تهتم حتى بقصيدة شوقي ـ وهي بالغة السمو في الفن ـ ولكن لمّا نهض حافظ ليُلقي قصيدته اشرأبَّت الجماهير، وأخذتها روعةُ الحزنِ أسىً على سعد فلما بلغ إلى هذه الأبيات: كمْ شَكَـوْتَ السُّهادَ لي يوْمَ كُنَّا .:. بالبساتينِ نسْتعيـدُ الشَّبـــابا ننْهَبُ اللَّهْـوَ غافِلـــينَ وكُنا .:. نحسبُ الدَّهْــرَ قدْ أَنابَ وتابا فإذا الرُّزْءُ كانَ منَّا بمــــرْمَى .:. وإذا حَــائمُ الرَّدى كـانَ قابا وهنا نشجت السيدة صفية هانم زغلول، وعلا نحيبها، وكاد يفلت من حافظ توازنه وينسى سائر القصيدة، لأنه لا يقرأ شعره من ورقة مبسوطة، كان يحفظه ثم يلقيه من الذاكرة. ولحافظ قصائد في الرثاء تفيض بالعاطفة كان ينظمها من قلبه ومن عميق إحساسه، فما قرأت له هذا الاستهلال إلا وأخذتني هزة من الأسى: آذَنـَتْ شمْـسُ حياتي بمغيب . ودَنا المَنْهَلُ يا نفْسُ فطيـبي ان حافظاً بعد أن التحق بالوظيفة في دار الكتب تركَ الكتب، فكأنَّ هذه الأسفار المتجمِّعة الكثيرة العدد وراء الزجاج السميك في مخازن لا أول لها ولا آخر ألقت في نفسه السأم، فهو لا يقربها. كالطّبَّاخ الذي يطهو أصناف الطعام، وينظر إليها، ويُحرِّكها بيده، ويضعها في أوانيها، ثم لا تشره نفسه إليها ولا يشتهيها. لم يقرأ حافظ من عام 1911 إلى عام 1932 كتاباً ذا قيمة، فكل ما قرأه في هذه الحقبة إنما كان قصصا تافهة المعنى والأسلوب، لم أره يوماً في يده صحيفة، ولم أره يوماً يقرأ في كتاب. ولولا ذاكرته العجيبة وقوة حفظه لما استطاع أن يتصيَّد الكلام البليغ المرصوص في شعره وفي نثره، لأن عهده بالنظر في كتب الأدب البليغة كان قد طال ومرّت عليه السنون، وهو لم يقرأ من عهد بعيد شعراً جزلاً، ولا كلاماً بليغاً. ولكنه كان قويَّ الذاكرة كما قلت، وقد بلغ من قوة ذاكرته يوماً أنه اختلف هو وبعض الأدباء في لفظ "تيامن" أي سار على يمينه، فقال بعضهم: إن هذا اللفظ خطأ، فأسرع قائلاً عليَّ بالأغاني لأبي الفرج السفر الخامس عشر تجد فيه ترجمة الكميت بن زيد، فابحث فيها تجد هذه الجملة "تيامنوا يا فتيان"، فأجبته إلى طلبه، فوجدت الجملة التي أرادها كما قالها. وقد قرأ "الأغاني" مرات ومرات، وقرأ "كليلة ودمنة" لابن المقفع مرات ومرات، وحفظ من الشعر العربي الجزل الفخم الكثير الجم، فكان له من ذلك عدته في فنه. وكانت له كتب أخرى حية ناطقة استفاد منها الكثير. كان يجلس مع كل طبقات المجتمع، فكان يستفيد من كل طبقة معلومها، كان يستفيد من الأدباء أدباً ، ومن الساسة سياسةً، وإني أحار عندما أتكلَّم عن ثقافته في اللغات، فحافظ لم يتجاوز مرحلة تعليمه الابتدائي إذا أسقطنا من حسابنا مرحلته في المدرسة الحربية التي لم يستفد خلالها علماً كما اعترف هو في "ليالي سطيح"، وقال فيه المنفلوطي: "إن اسمَه فوق حقيقته". وقد قرَّظ ديوانه البارودي، والشيخ الكاظمي، وحفني ناصف، ومصطفى لطفي المنفلوطي، والشيخ إبراهيم عبده، وإبراهيم رمزي، وحسن حمدي، وأحمد عمر الإسكندري، واحمد شوقي، وأحمد الكاشف، ومحمد إبراهيم هلال. وتقريظ الأدباء بعضهم لبعض في ذلك العصر، لا يُنبئ عن رأي ولا يُفصح عن نقد صحيح، إنما هو للمجاملة وللمجاملة فقط، فقد قرّظ شوقي متشاعرين،وتحسر على فراق الأحبة في مصر وفقده للهواء البديع وليالي الأنس فأنشد قائلاً: ومــا أعذرت حتى كان نعلي دمــــاً ووسادتي وجه التراب متى أنا بالغ يا مصر أرضـاً أشـــــم بتــربها ريــح الملاب بعد ذلك يأس حافظ من العمل بالجيش وطلب إحالته إلى المعاش فأجيب طلبه، ثم عمل رئيساً للقسم الأدبي في دار الكتب المصرية وبقي بها حتى 1932م إذ أحيل إلى المعاش. كان صاحب حس مرهف، فكيهاً، ويمتلك ذوقاً بارعاً في اختراع النكت، فما يعرض أمامه شيء إلا ويحوله إلى فكاهة فيصوغ منها صياغة تستخرج ضحك السامعين من أعماق صدورهم، كما كان كريماً واسع العطاء. كانت ثقافته في البداية محدودة، لكنه أكمل ثقافته ووسع معارفه من نواح متعددة، فأكثر من قراءة الأدب خاصة كتاب الأغاني ودواوين الشعر، وكان يتخير القراءة لشعراء معينين مثل بشار بن برد وأبي نواس وغيرهما، وحرص على حضور مجالس العلماء وقادة الرأي فاتصل بالإمام محمد عبده وعد نفسه فتاه، كما كان يحرص على مجالس البارزين من أمثال سعد زغلول وقاسم أمين ومصطفى كامل، وكان ملماً بالفارسية فاطلع على آدابها وترجم البؤساء لفيكتور هوجو وبعض المقاطع لجان جاك روسو. أنعم الله على حافظ بعاطفة قوية ونفس فتية لحب الأدب ففاق أقرانه وقلد أستاذه البارودي في شعره فحذا حذوه واختط نهجه حتى بلغ مبلغاً عظيماً فذاع صيته، وتخير حافظ شعره وحفظه ونظمه وبنى لنفسه قصراً شعرياً خيل إليه أن أحداً لم يسبقه سوى امير الشعراء أحمد شوقي، قـل للألى جعلوا للشعر جائزة فـيم الخـلاف ألم يرشدكم الله إنـي فتحت لها صدراً تليق بها إن لم تحلوه فالـرحمن حلاه لم أخش من أحد في شعري يسبقني لا فتى مـا له في السبق إلاه وتغزل حافظ في حب مصر فنظم قصيدة على لسانها يقول فيها: وقف الخــــــــــلق ينظرون جميعــــــاً كيف أبني قواعد المجد وحـــدي وبُناة الأهـــــــــــرام في سالف الدهر كفوني الكـــــــــلام عند التحـــدي أنا تـــــــــــاج العُلا في مفرق الشرق ودُراتــه فـــــرائـــــــــد عقـــــــدي أي شيء في الغرب قـد بهر النـاس جمالاً ولـــــــــم يكن منه عنـــدي فتـــرابي تبـــر، ونـــــــهري فــــرات وسمــــــــائي مصقولة كـــالفرند وكتب إلى أمير الشعراء يعتذر حينما لم يتمكن من حضور زواج كريمته بسبب مرض يـا سيدي وإمـامي ويـا أديب الزمـان قـد عاقني سوء حـظي عن حـفلة المهرجــــان وكنت أول ساع إلى رحاب ابن هـــــــــــاني لـكن مرضت لـنحــسي في يـوم ذاكالقــــــــــــران وقد كفاني عقـــابــاً ما كـان من حـــرمــاني حـرمت رؤيـة شــــوقـي لثـــــم تــلك البنــــــــــان فاصفـح فـأنـت خـليـق الصـفـح عن كل جـاني وعـش لعـرش المعـانــي ودم لتـاج البيـــــــــــــان ان فاتني أن أوفي بالأمس حـق التهــــــــاني فاقبـله منـي قضاء وكـن كـريم الجنـــــان واللـه يقبــل منـا الصـــلاة بعـــــــد الأوان وقال في وداع شوقي عند سفره إلى مؤتمر المستشرقين: يا شـاعر الشـرق اتئد مــاذا تحــاول بعد ذاك هذي الــنجوم نظمتها درر القريض وما كفاك والـبدر قـد علمته أدب المــــــــــــثول إذا رآك وسموت في أفق السعود فكدت تعثر بالسماك وحباك عباس المحامـد بالـمواهب واصــــطفاك ودعـتك مصر رسـولـها للـغرب مـذ عـرفت علاك فارحل وعد بوديعة الرحمن أنت وصــاحباك شاعر النيل عَلَم من أعلام الأدب والشعر، له في ميدان الطرافة باع، وفي مجال الفكاهة والسخرية ذراع، شاعر المراثي والمدح الحزين، وشاعر العربية الناطق بلسانها، وشاعر المجتمع والعمل الإنساني، وُلد بمصر وعاش فيها، ولكن مؤرخي الأدب الحديث جهلوا تاريخ ولادته رغم حرصهم عليه، بل إن (حافظاً) نفسه يجهلها ولا يحفل بها.. غير أن بعض المؤرخين الذين أهمهم هذا التاريخ يحسبونه من مواليد السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي ولا يقطعون بذلك. والذي يهمنا أن (حافظاً) غفر الله له عُني بالشعر التقليدي وبالشعر الحديث معاً، فأجاد فيهما وأفصح. كان محباً للقراءة مؤثراً لها، يحفظ الكثير من عيون الشعر وقلائده، حتى استبان هذا المنهج البحثي في مواهبه وإنتاجه، فمنحاه قولاً عذباً يشفي الذهن الظامئ عاش (حافظ ابراهيم ) كما يؤرخ عنه يتيماً بائساً منذ صغره وصباه، تلفحه في مجتمعه ومنه رياح اليتم والعوز، وتلفه لواهج البؤس والعدم، حتى جاءه الحنان والاحتضان على حين حاجة إليهما من قِبَل خاله، فامتدت يده إليه بالإشفاق والعون فترة من الزمن، لم يتلقَّ (حافظ) في زمنه تعليماً مبرمجاً، وإنما كان تعليماً أولياً محدود المنهج والمستوى، مماثلاً لمن هم على شاكلته ومستواه الاجتماعي، ولذلك لم يحصل على شهادة دراسية تحله محلاً لائقاً بموهبته وملكاته، غير أنه رغم ذلك وبعده سعى وراء الحظ والعيش بأنفاس لاهثة، فطرق على وجل ووحل باب المحاماة، وأوغل فيه وتقلب في ميدانه، ولكنه في نهاية المطاف باء بالفشل وسوء الإياب، ثم أتيح له أن يلج المدرسة الحربية وأن يتخرج منها بعد حين ليعمل في الميدان العسكري، ولكنه لم يفلح في ميدانه؛ لأنه تمرَّد على أنظمتها ومراسمها ولم يكترث بها.. وظل دهراً طويلاً بلا عمل وبفاقة من العيش ومن هموم الحياة.. ولكنه رغم هذه القسوة كان يَغْشَ مجالس العلم والأدب ومنتدياتها آنذاك، وكان يستوطن المقاهي ومواطن الاجتماع يرسل الطرائف والفكاهات مع غيره من المجيدين وعشاق هذا اللون من القول، أولئك القابعون على قارعة الطريق ومنعطفات السبيل.. ولكن (حافظاً) وبعد بحث طويل ويأس مديد وجد ضالته في خاتمة المطاف، هناك حيث يستقر بناء ضخم ومورد عظيم تضاء جوانبه بالمعرفة والثقافة والعلوم من مصادره القديمة والجديدة، وجد ضالته في (دار الكتب العربية) العريقة؛ حيث ورد حياضها، وعُيِّن بعد ذلك موظفاً فيها. وهناك في ذلك الصرح العتيد بالأدب والعلم والمعارف تبسمت لحافظ مظاهر الحياة، وفرح بالدنيا وغنى لها قصائد خالدةً تتدفق بالرُّوح والرَّوح وبالشعور الوطني والاجتماعي.. وشخصية (حافظ) كما عُهدت تتلون بلونين متباينين وسلوكين مختلفين، فهي في مظهرها الخارجي وفي لقاءاتها مع الناس في المجالس والنوادي مرحةٌ فرحةٌ، تطلق الفكاهة و(النكتة)، فتضحك مَن حولها وتؤنسه، ولكنها في قرارتها ودخيلتها بائسةٌ يائسةٌ حزينةٌ، ولذلك جاء التعليل يفسر إكثاره في شعره من الرثاء والشعر الحزين.. وهو معروف لدى عارفيه بنفوره من ذكر الموت وكرهه له، ويقول (بأن ذكر الوفيات ورؤية الأموات يُحملون إلى مثواهم الأخير يذكِّره بدنو أجله وحينه، وينغص عليه حياته وعيشه). ولذلك أجزل في شعره من المراثي، وأحلها من ديوانه كما يقول إذا تصفَّحتَ ديواني لتقرأني وجدت شعر المراثي نصف ديواني وشعر (حافظ ابراهيم ) يعتبر سجلاً حافلاً وحافظاً للأحداث الوطنية والاجتماعية والسياسية لأمته وقومه، فكان يسجل شعراً كل حادث يطرأ أو مناسبة تحدث، فيكتبها بقطرات من دمه ومشاعره، فتأخذ طريقها للمتلقفين والمتلهفين لها، فتكون حديث المجالس وصيد الأفهام برهة من الزمان. سجل حادثة (دنشواي) الشهيرة والأليمة، تلك التي حدثت في شهر يونيو من عام 1906م، ونظم لتلك المذبحة هل نسيتم ولاءنا والودادا خفضوا جيشكم وناموا هنيئاً وابتغوا صيدكم وجوبوا البلادا وإذا أعوزتكم ذات طوق بين تلك الربا فصيدوا العبادا جاء جهَّالنا بأمر وجئتم ضعف ضعفيه قسوةً واشتدادا أحسنوا القتل إن ضننتم بعفو أقصاصاً أردتم أم كيادا أحسنوا القتل إن ضننتم بعفو أنفوساً أصبتم أم جمادا كيف يحلو من القوي التشفي من ضعيف ألقى إليه القيادا أكرمونا بأرضنا حيث كنتم إنما يُكرِم الجواد الجوادا وفي مجال الدفاع عن اللغة العربية، لغةً يفتخر بها العرب والمسلمون ويعتزون، تحفظ كتابهم وتشريعهم وتعبر عن علومهم وآدابهم.. تعالى الهمس واللمز حولها في أوساط رسمية وأدبية، وقد تعرضت حياته لألوان قاتمة من البؤس والقلق والضياع، أهَّلته لأن يجد في الرثاء النغمة التي تحيل إليها نفسه وتتدفق بها مشاعره وخياله، وكان من عيون مراثيه وأبعدها أنفاساً وأنيناً رثاؤه للشيخ (محمد عبده)، تلك التي استهلتها براعته سلام على الإسلام بعد محمد سلام على أيامه النضرات..! لقد كنت أخشى عادي الموت قبله فأصبحت أخشى أن تطول حياتي! مددنا إلى الأعلام بعدك راحنا فرُدَّت إلى أعطافنا صفرات! لقد كنتَ فينا كوكباً في غياهب ومعرفةً في أنفسٍ نكرات!! وفي مناسبة اجتماعية أخرى انبرت شاعرية (حافظ) الوقادة لنداء الخيرين لإنشاء ملجأ للأيتام، فناشد القادرين والموسرين بأن يدعموا هذا المشروع وأن يقدموا الخير والبذل له، فأخذ يهتف بهم: يا رجال الجد هذا وقته أن يعمل كلٌّ ما يرى!! أنا لا أعذر منكم مَن ونى وهو ذو مقدرة أو قصَّرا فابدؤوا بالملجأ الحر الذي جئتُ للأيدي له مستمطرا واكفلوا الأيتام فيه واعلموا أن كل الصيد في جوف الفرا أيها الثري ألا تكفل مَن بات محروماً يتيماً معسرا؟! أنت ما يدريك لو أنبتَّه ربما أطلعت بدراً نيِّرا!؟! كم طوى البؤس نفوساً لو رَعَت منبتاً خصباً لكانت جوهرا كم قضى العدم على موهبة فتوارت تحت أطباق الثرى!! وهكذا تمضي دفقاتة تعطر الأسماع المصغية في كل مجتمع وأمة، تضمد الجراحات النازفة، وتخفف الأوجاع والآلام.. ليزدهر العطاء في كل قوم، وتعلو المحبة والرحمة على جبين الزمن مدى الحياة..!! وبعد عمر يناهز الستون وفى 22 يوليو 1932 يغادر عالمنا المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيه ندى وللتواصل 0106802177- 01204653157 [email protected]