اسرائيل في اثيوبيا بقلم د. أشرف الفرا
تاريخ النشر : 2012-11-30
يعد ملف السياسة الإسرائيلية تجاه إثيوبيا من الملفات الحيوية للمصلحة العربية, باعتبارها دولة من دول الجوار الأفريقي, ومن ثم لا يفتح الباحثون هذا الملف كانفعال بأحداث طارئة من نوع ما, وإنما بدافع المعني الصحيح لذلك، ولعلاقات القرب الجغرافي والتاريخي العربي بالقرن الإفريقي عموماً وإثيوبيا على وجه الخصوص, وللأهمية القصوى التي تحتلها إثيوبيا في السياسة الإسرائيلية نحو تنمية وتوثيق العلاقات معها باعتبارها جزءاً من أهم اتجاهات الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة, والتي تهدف إلي تطويق الدول العربية وتهديد أمنها القومي، وهذا ما أكده وزير الدفاع الصهيوني السابق" موشيه دايان" بقوله" أن أمن إثيوبيا وسلامتها هو ضمان لإسرائيل".
انطلاقاً من هذا, فإنه لا يمكننا النظر إلي السياسة الإسرائيلية تجاه إثيوبيا بنفس الزاوية التي تنظر منها هذه السياسة تجاه أي دولة أفريقية أخرى, علي اعتبار أن مفردات هذه السياسة تتضمن قدراً كبيراً من التركيز علي الجوانب العسكرية والأمنية في علاقاتها بإثيوبيا, بغض النظر عن توجهات الأنظمة السياسية المتعاقبة في إثيوبيا, منذ عهد الإمبراطور "هيلاسيلاسي" إلى نظام "ميلس زيناوي". ويشكل الاهتمام الإسرائيلي بمياه نهر النيل والسعي المستمر للحصول علي حصة ثابتة منه هدفاً مهماً لها, حيث تستغل نتائج عدم الإستقرار السياسي والمصالح المتضاربة في حوض النيل وإثارة إثيوبيا بدق إسفين معها والدول العربية في حوض النيل ولاسيما مصر بإثارة إنشاء مشروعات على النيل وبحجة ضعف حصة إثيوبيا مع أنها نافورة المياه في أفريقيا بدون نهر النيل, وكان هذا واضحاً في اتهام رئيس الوزراء الإثيوبي "ميلس زيناوي" لمصر, بقوله" إن مصر هي سبب النزاع علي مياه نهر النيل, ولن تستطيع أن توقف إثيوبيا أو تمنعها من بناء سدود علي النهر, وعلى المصريين أن يختاروا إن كانوا يريدون العيش في القرن الحادي والعشرون أو التاسع عشر, متهماً مصر بدعم مجموعات متمردة داخل إثيوبيا للانقلاب علي نظام الحكم".
من ناحية أخرى فإن هذا الملف شهد تدخلاً إسرائيلياً في الشأن السوداني ومحاولة تفتيت هذه الدولة العربية - الأفريقية إلى دويلات صغيرة وضعيفة, إذ لعب التنسيق الإسرائيلي الإثيوبي لدعم الجبهات المناوئة للحكومة السودانية دوراً مهماً في هذا.
وهذا ما أكده الرئيس السوداني"عمر البشير", بقوله" إن هناك مؤامرة تحاك من قبل الصهيونية العالمية من اجل تقسيم وتفتيت السودان وعدد من الدول العربية باعتبار أن السودان يمثل العمق الاستراتيجي لمصر ومن ثم الوطن العربي".
على جانب آخر فإن هنالك تطلعات لإسرائيل نحو الصومال؛ ذلك البلد الذي يعيش فوضى عارمة منذ سقوط حكومة "سياد بري" عام 1991 حيث تبحث إسرائيل عن دور استراتيجي لها يمر عبر إثيوبيا تمهيداً لاستغلال الحدود الطويلة التي تفصل بين إثيوبيا والصومال, والتوجه نحو العمق الصومالي خصوصاً الأقاليم الشمالية المحكومة بواسطة سلطة موالية لإثيوبيا وغير مهتمة بالبعد العربي, وتبحث بدورها عن تقارب مع إسرائيل, وبالتالي تتمكن إسرائيل من بتر ريشة أساسية في الجناح العربي هي الصومال بشقيه, لاسيما وان الصومال يحتل موقعاً استراتيجياً في منطقة القرن الأفريقي, وأيضاً تدعم إسرائيل نشاط وسطوة بعض قراصنة الصومال لتنفيذ أعمال القرصنة ضد السفن الأجنبية وبالتعاون مع الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى وجود عسكري بحري أميركي وأطلسي وإسرائيلي دائم على السواحل الصومالية بحجة حماية السفن من القراصنة الصوماليين.
سبب آخر جعل إسرائيل تهتم بإثيوبيا, حيث أنها تضم يهود الفلاشا وذلك سعياً إلى تحقيق التوازن الديمغرافي في أرض فلسطين المحتلة، خصوصاً وأن الفارق الديمغرافي كبير بين إسرائيل والعرب, وكذلك ما توفره إثيوبيا من قاعدة حيوية لإسرائيل من أجل بسط سيطرتها ونفوذها علي البحر الأحمر, وقد اتضح هذا عبر الدعم الإسرائيلي المستمر لإثيوبيا في حربها مع اريتريا, وذلك للحيلولة دون تحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية خالصة, وهو ما أكده "أبان إبيان" وزير الخارجية الإسرائيلي بقوله " إن أمن إسرائيل من أمن وحرية بوابة خروجها إلي البحر الأحمر, وإن إسرائيل ستدافع عن أمن هذه البوابة بأي ثمن".
على جانب آخر, فإن إثيوبيا تحتل مكانة الصدارة في اهتمام السياسة الإسرائيلية- الأفريقية حيث الصلة البحر أحمرية بين الطرفين على الرغم من استقلال اريتريا. وقد ترجم الاهتمام الإسرائيلي بإثيوبيا بهذا التطور السريع في التعاون الثنائي بين البلدين علي مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية خصوصاً بعد أحداث سبتمبر عام 2001 والحرب الأمريكية علي الإرهاب وسعي أديس أبابا لتقديم نفسها كدولة راعية للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة فيما يتعلق بسياسات مكافحة الإرهاب, هذا ما فتح الباب أمام تطوير وتعزيز السياسة الإسرائيلية تجاه إثيوبيا, في مختلف المجالات وعلي وجه الأخص المجال الأمني والعسكري.
وقامت إسرائيل بتعزيز وتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إثيوبيا, عبر الزيارات المتبادلة بين مسئولي الدولتين بغرض التباحث وتنسيق المواقف, وأيضاً من خلال التبادل التجاري, وإنشاء العديد من المشروعات الاقتصادية المشتركة, وصولاً إلى التنسيق الأمني والعسكري المشترك, خاصة وأن إثيوبيا تحتضن المقر الدائم لمنظمة الوحدة الإفريقية سابقاً والاتحاد الإفريقي حالياً, وهو ما أكده السفير الإثيوبي في إسرائيل في حديثه لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية 25/11/2002م بقوله "أن العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية تشهد تطوراً كبيراً في مختلف المجالات "
ومن الملفت للنظر هذا الدعم الأمريكي للسياسة الإسرائيلية في منطقة القرن الإفريقي وإثيوبيا علي وجه الخصوص, حيث هناك علاقة مميزة تربط إثيوبيا بواشنطن الحليف الرئيسي لإسرائيل وما يعنيه ذلك من تدفق المساعدات بمختلف أشكالها, والأسلحة المتطورة إلى إثيوبيا من كلا البلدين "إسرائيل وواشنطن", لاسيما إذا ما قورنت إثيوبيا بالدول المجاور لها مثل اريتريا، كينيا أو السودان مثلاً, فإنها تعد الدولة الوحيدة التي لم تتعرض فيها المصالح الأمريكية لعمليات إرهابية.
وقد أخذت السياسة الإسرائيلية تجاه إثيوبيا في التطور أكثر فأكثر بعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "سليفان شالوم" في مطلع يناير / كانون الثاني "2004" إلي إثيوبيا تلتها زيارة لرئيس الوزراء الإثيوبي "ميلس زيناوي" إلي إسرائيل في يونيو من العام نفسه مروراً بالعديد من الزيارات المتبادلة السرية منها والعلنية، وصولاً إلى زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" في سبتمبر2009 إلى المنطقة الأفريقية, وعلي وجه الخصوص إثيوبيا وبرفقته عدد كبير من رجال الأعمال والاقتصاد, وممثلو دائرة المساعدات العسكرية, والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية, وممثلون عن أكبر شركات الأسلحة في إسرائيل للتنسيق في مختلف القضايا المشتركة, والتي من أهمها إن لم يكن أوحداهما التباحث حول مياه النيل وكيفيه توظيفها في مصلحة البلدين كلٍ حسب إستراتيجيته مما يعود بالتأثير علي الأمن القومي العربي, ورغم أن المعلومات التي صدرت من الجانبين ضئيلة جداً بسبب حساسية الموقف إلا أنها أدت إلي تقوية العلاقة بين الجانبين لترقي إلي المستوي الاستراتيجي, ما يؤثر ذلك بدوره علي الأمن القومي العربي.