الإشكالات القانونية الدولية لوضع قطاع غزة والدور المصري المرتقب بقلم:د. إبراهيم أبراش
تاريخ النشر : 2005-09-02
د/ إبراهيم أبراش

[email protected]

الإشكالات القانونية الدولية لوضع قطاع غزة والدور المصري المرتقب

ليس مرامنا من مقالتنا هذه تبديد فرحة الفرحين أو نشر روح اليأس والإحباط،بل هي دعوة للتفكير العميق والجاد والهادئ بالمرحلة القادمة ،ذلك انه سيكون من الوهم الخطير الخلط من جانب ما بين شعارات وخطاب ومظاهر النصر التي تسود هذه الأيام ظاهريا وإعلاميا رسميا عند كل القوى السياسية، ومن جانب ثان حقيقة خطة شارون وما ستأتي به الأيام،القول بان المقاومة أجبرت شارون على الخروج من غزة لا يعني تلقائيا بان نهج المقاومة وبالأساليب السابقة سيتواصل بنفس الوتيرة وأنه بالمقاومة ستُجبر إسرائيل على الخروج من الضفة والاعتراف بحقوقنا في دولة بالضفة وغزة وعاصمتها القدس الشريف ،ذلك أن عملية الخروج من غزة لم تستكمل بعد وحسب تصوري فالخطة مكونة من ثلاث مراحل :الأولى خروج المستوطنين وقد أنجزت هذه المرحلة ،والمرحلة الثانية هي خروج الجيش وربما تنجز بعد اشهر ،ولكن المرحلة الأخطر هي التسليم الإسرائيلي بالسيادة الفلسطينية على قطاع غزة دون ان يكون ذلك على حساب الضفة وبقية قضايا الوضع النهائي .

المشكل الذي سيواجه الفلسطينيين ليس مشكلا سياسيا وحسب ،بل مشكل قانوني دولي معقد،فإذا كان شارون قادرا على اتخاذ قرار انفرادي بفك الارتباط بقطاع غزة ،فأن الفلسطينيين لا يستطيعون ان يتخذوا قرارا مستقلا بفرض السيادة على القطاع لعدم وضوح المرجعية الدولية التي تعطيهم هذا الحق فإسرائيل لم تحتل القطاع من الفلسطينيين أو من دولة فلسطينية بل من مصر – وهنا يمكن فهم الدور الفاعل الذي تقوم به مصر هذه الأيام – وقبل الحديث عن الدور المصري القادم لا بأس من التوسع بعض الشيء بمفهوم الشرعية الدولية حول القضية الفلسطينية والالتباس الذي صاحب تعاملنا مع قرارات الشرعية الدولية.

بالرغم من خطاب الشرعية الدولية الذي بدأت منظمة التحرير الفلسطينية تتبناه وتبني على أساسه التعامل مع القضية منذ عام 1988 ،إلا أن الملاحظ أن المنظمة لم تكن تتوفر على استراتيجية واضحة للتسوية السلمية على أساس قرارات الشرعية الدولية أو على أي أساس أخر ، فقد دخلت معترك التسوية السياسية والشرعية الدولية ولسان حالها يقول فلندخل ونرى ماذا سيحدث !. وكان لابد لهذه السياسة أن تؤدي إلى ما وصلت إليه الأمور اليوم ، ولكن فلنبدأ قصة المراهنة على الشرعية الدولية من بدايتها .

من المفهوم جيدا أن شعبا يخضع نصفه للاحتلال ونصفه الآخر مشتت في بلاد الغربة ويناضل من اجل الاستقلال وتقوده حركة تحرر وطني تتمركز أساسا خارج الوطن ،يحتاج هذا الشعب إلى خطاب سياسي ذي شحنة عاطفية وتعبوية وتحريضية زائدة وحتى شيئا من البراغماتية السياسية ،لرفع معنوياته وإخراجه من حالة الإحباط والتيئيس التي تمارس عليه أو يُراد له الوقوع فيها. هذا ما يفسر اهتمام الخطاب السياسي الفلسطيني بكل موقف أو توصية أو قرار يصدر عن هيئة الأمم المتحدة أو إحدى هيئاتها يعترف ببعض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو يندد بالاحتلال .

لا ريب إذن أن كل ما صدر عن الشرعية الدولية من قرارات وتوصيات بشأن القضية وإن كان لا يرق إلى طموحات الشعب أو يتطابق مع حقوقه التاريخية إلا أنه يعد مكسبا يجب التمسك به والعمل على مراكمته : قرار التقسيم 181 لعام 1947 وقرار عودة اللاجئين 194 لعام 1949 والقراران 242 و 338 ،وعشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة ، قرارات كانت بداية تؤكد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه بالمقاومة ،ثم مع انتفاضة الأقصى أكدت على حقه بدولة مستقلة دون تحديد بان هذه الدولة ستقوم على كامل الأراضي المحتلة عام 1967،ثم قرار محكمة لاهاي بخصوص الجدار، بالإضافة إلى اتفاقات جنيف ولاهاي الخاصة بالأراضي المحتلة بشكل عام وكيفية التعامل معها … كلها إنجازات تضفي طابعا دوليا على القضية الفلسطينية وتكرس وجود الشعب الفلسطيني كشعب خاضع للاحتلال ،وتنقل قضيته ومعاناته إلى العالم في وقت أصبح فيه للإعلام وللرأي العام العالمي تأثيرا في تطور الأحداث في مختلف بقاع العالم .

ولكن بعيدا عن خطاب التحريض السياسي ، يمكن القول إن اضطرابا شديدا شاب أسلوب تعامل العرب والفلسطينيين مع قرارات الشرعية الدولية حيث غابت الرؤية الواقعية المبنية على فهم عقلاني للقانون الدولي وللعلاقات الدولية ولميكانزمات صدور وتفسير وتطبيق القرارات الدولية .حيث لم يفصل البعض ما بين مخاطبة الجماهير الشعبية من جهة ومخاطبة المنتظم الدولي من جهة أخرى ،وجرت عملية تسييس القرارات الدولية باستخدامها لأغراض السياسة الداخلية والتنظيمية الضيقة على حساب توظيفها دوليا ، وتم تحميل القرارات الدولية أكثر مما تحتمل ، بل وصل الأمر بالبعض إلى حد التعامل مع مجلس الأمن أو الجمعية العامة وكأنهما دار ندوة عربية أو أحد دواويننا يدعونهما للاجتماع متى يريدون ويتجاهلونهما متى يريدون.

إذن بعيدا عن الديماغوجية السياسية يمكن القول إنه وباستثناء قرار التقسيم رقم 181 الذي رفضه العرب ورُفض فلسطينيا بنصوص الميثاق الوطني لا يوجد أي قرار صادر عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة يقول بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس أو يُلزم إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة وإعطائها للفلسطينيين تحديدا ليقرروا عليها مصيرهم السياسي ! .ولن نعالج هنا قرار التقسيم ليس لأن الزمن تجاوزه كما تزعم إسرائيل ،بل لأنه لم يُعتمد كمرجعية أو حتى يُشار إليه فيما تم توقيعه من اتفاقات سلام ما بين الفلسطينيين و وإسرائيل بما في ذلك اتفاقات أوسلو وما بعدها،مع التأكيد على أن اكبر خطأ تم ارتكابه فلسطينيا هو القبول بمشروع تسوية يقوم على مجرد الإشارة إلى قراري مجلس الأمن 242 و 338 دون قرار التقسيم الذي يعتبر مشروعا سياسيا واضحا يخاطب الفلسطينيين ويؤكد على حقهم بدولة خاصة بهم ،وكذا تجاهل قرار 194 (حق العودة)، كمرجعية للتسوية السلمية.

لا نتجنى على الحقيقة إن قلنا إن غالبية ما صدر عن المنتظم الدولي بخصوص ما سمي بالصراع في الشرق الأوسط بعد 1967 هي توصيات غير ملزمة أو قرارات تباينت التفسيرات حولها -242 و338- ودون توفرها على آلية للتنفيذ. كما أن مستجدات الأحداث قللت من قوة إلزامية هذه القرارات . صحيح إن العديد من توصيات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن تعترف بحقوق للفلسطينيين وتعترف بهم كشعب بل وتعطيهم الحق بالمقاومة ،إلا أنها مع ذلك لا ترق إلى درجة الاعتراف الواضح بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أراض الضفة والقطاع ،إن هذا الحق متضمن بطريقة غير مباشرة في هذه القرارات والتوصيات ،أو بشكل أخر إن تطبيق هذه القرارات قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ،فهي تشكل الأرضية والدافعية القانونية والسياسية لقيام الدولة ،ولكن للأسف التعنت الإسرائيلي والرفض الأمريكي بالإضافة إلى التعامل العربي والفلسطيني الخاطئ افقد هذه القرارات قيمتها ، وهذا ما يفسر لنا أن إسرائيل ومعها أمريكا لم يكونا منزعجين كثيرا من هذه القرارات والتوصيات بل كان على رأس الشروط الأمريكية للقبول بفتح حوار مع منظمة التحرير نهاية الثمانينيات هو اعتراف هذه الأخيرة بقراري مجلس الأمن 242 و338 تحديدا .

وفي اعتقادنا إن اخطر ما صدر عن الأمم المتحدة بعد 1967 وكان أكثرها إزعاجا لإسرائيل هو القرار رقم 3379 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 /11/ 1975 والذي اعتبر الصهيونية ( شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري ) فهذا القرار شكل ضربة موجعة لإسرائيل وللحركة الصهيونية لأنه ينسف الأساس التاريخي والديني والأخلاقي للكيان الصهيوني من حيث اعتبار العقيدة التي يقوم عليها هذا الكيان شكلا من أشكال العنصرية . وقد بقيت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة يتحينان الفرصة لإلغاء هذا القرار وهو ما حدث بعد حرب الخليج الثانية- 1992- وانهيار المعسكر الاشتراكي وبالتالي تبدل موازين القوى داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة .

لا يعني ما سبق أن قراري مجلس الأمن 242و338 لا قيمة لهما ولا يخدما القضية الفلسطينية والعربية ، بل المقصود أن إسرائيل وأمريكا لديهم من أساليب المناورة والحجج القانونية ما يمكنهم من جعل هذين القرارين غير ذا قيمة للفلسطينيين . فعلى اثر اعتراف المنظمة بقرارات الأمم المتحدة في دورة المجلس الوطني في الجزائر 1988 صرح الناطق الرسمي باسم البيت البيض مارلين فيتزووتر (إن تطورا إيجابيا طرأ أثناء هذا الاجتماع وعلى الأخص اقتراع على القرارين 242و338) ،أما وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيرس فقد رد تعقيبا على إعلان الجزائر بتكرار شروط إسرائيل للاعتراف بالمنظمة وهي (القبول بقراري الأمم المتحدة 242و338 من دون إضافات أو تغيير ،والاعتراف بحق إسرائيل بالعيش بسلام ووقف الإرهاب ) ،وهو يقصد بذلك أن اعتراف المنظمة السابق كان بكل قرارات الشرعية الدولية وكان مصحوبا بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وهو ما لم ينص عليه قرار242.

من المعلوم أن القرار 242 صدر بعد حرب 67 وقرار 338 يؤكد عليه ويضع آليات للتنفيذ،المهم هو قرار 242 فهذا القرار يخاطب الدول المشاركة في الحرب ويدعو إلى:-1/ سحب القوات الإسرائيلية من أراض (الأراضي )التي احتلتها في النزاع –حرب 1967- 2/إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف سيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة .بعد ذلك يؤكد القرار-ضمن أمور أخرى- على تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين ….)

من الواضح أن القرار يخاطب الدول المشاركة في الحرب ولم يكن آنذاك دولة تسمى فلسطين ولا يشير من قريب أو بعيد للحقوق السياسية للشعب الفلسطيني ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية بل لم تُذكر كلمة فلسطين بتاتا في هذا القرار ،وحتى عندما تحدث القرار عن تسوية مشكلة اللاجئين لم يقل اللاجئين الفلسطينيين بل اللاجئين دون تحديد جنسيتهم. -أيضا تزعم إسرائيل وأمريكا أن نص القرار هو سحب القوات الإسرائيلية من (أراض احتلتها في النزاع الأخير) وليس ( الأراضي التي احتلتها… ) والمقصود من ذلك أن تدعي إسرائيل أنها طبقت القرار بمجرد انسحابها من أي جزء من الأراضي المحتلة ، والأخطر من ذلك عدم وصف الأراضي/أراض بأنها فلسطينية أو حتى عربية بمعنى إسقاط هوية هذه الأرض وخصوصا الضفة الغربية وقطاع غزة ،وهو الأمر الذي سمح لإسرائيل فيما بعد الادعاء بحقوق تاريخية وتوراتية في الضفة الغربية.

إذن القرار يخاطب إسرائيل وسوريا ومصر والأردن، والأرض المقصودة هي الجولان وسيناء وغزة والضفة الغربية ، وعليه فان الذين يجب عليهم المطالبة بتطبيق هذا القرار هي الدول الثلاثة المشار إليها وليس منظمة التحرير الفلسطينية المُغيبة عن القرار بل التي لم يكن قد أُعترف بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني آنذاك لا عربيا ولا دوليا .قد يقول قائل إن الاعتراف حدث عام 1974 وانه في 30/7/88 تم فك الارتباط ما بين الأردن والضفة الغربية مما يجعل المنظمة مسئولة عن الشعب الفلسطيني وعن الأرض الفلسطينية وبالتالي يمكنها أن تحل محل الأردن ومصر كمخاطب بقرار 242 و 338! ، هذا كلام صحيح ونافذ بيننا كعرب ومفهوم حسب العقلية العربية ولكن لا قيمة له في القانون الدولي ولا يؤثر على منطوق القرار 242 أو تفسيره لان منظمة التحرير ليست عضوا كامل في الأمم المتحدة، وبالتالي موقف المنظمة المطالب لإسرائيل بتطبيق قرار 242 سيكون ضعيفا لأنه موقف طرف غير معني رسميا في نظر القانون الدولي. ومن هنا فأن اعتراف المنظمة بالقرارين المشار إليهما كان مكسبا إسرائيليا أكثر مما هو مكسب فلسطيني وخصوصا أنه لم يقابله اعتراف إسرائيلي واضح بالانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة عام 1967 ولا اعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة على هذه الأراضي .

لا يعني قولنا هذا التخلي عن المطالبة بقرار 242 أو أن ننأى بأنفسنا عنه ، بل يجب التمسك به لأنه قرار دولي يعترف بان الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان أراض محتلة وكونها كذلك فان على إسرائيل أن تطبق اتفاقيات جنيف لعام 1949 حول أسلوب التعامل مع الأراضي المحتلة وسكانها وهذا يعني أن كل ما قامت به إسرائيل في هذه الأراضي بما في ذلك بناء جدار الفصل العنصري والاستيطان ،هي تصرفات غير قانونية ، كما أن الاعتراف بصفة الاحتلال لهذه الأراضي يمنح الشعب الخاضع للاحتلال الحق باللجوء إلى كافة الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح لإنهاء الاحتلال وتقرير المصير.الخلل لا يكمن في القرار بحد ذاته لان القرار جاء بعد هزيمة عربية وليس بعد نصر حتى نفرض تطبيقه على إسرائيل ، إن الخلل يكمن في أسلوب التعامل العربي والفلسطيني مع القرار وهو التصرف الذي اضعف القيمة القانونية للقرار واضعف من قوته الإلزامية ،وقد لعبت اتفاقات التسوية التي وقعتها مصر والسلطة الفلسطينية والأردن مع إسرائيل دورا خطيرا في إفقاد هذا القرار لأهميته .

هذا التعامل العربي اللاعقلاني مع قرارات الشرعية الدولية هو الذي شجع إسرائيل على الزعم بأنها نفذت قرار 242 وان هذا القرار لم يعد مرجعية مناسبة للتسوية مع منظمة التحرير وهي تبني موقفها ليس فقط من تفسيرها للقرار بأنه انسحاب من( ارض محتلة) وليس (الأراضي المحتلة) بل انطلاقا مما وقعت من اتفاقات مع مصر والأردن ومنظمة التحرير .فإسرائيل ترى أن الاتفاقات –كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو ثم خطة خارطة الطريق-التي وقعت مع هذه الأطراف أصبحت هي المرجعية وهي التي تحدد الحقوق والواجبات لكل طرف .فمصر عندما وقعت اتفاقية كامب ديفيد التي أعادت لها سيناء (بشروط) دون قطاع غزة وأنهت بالتالي حالة الصراع مع إسرائيل فإنما هي تعترف بان إسرائيل أوفت بالتزاماتها المنصوص عليها في قرار 242 بالنسبة للجبهة الجنوبية، نفس الأمر بالنسبة للأردن فعندما وقع اتفاقية وادي عربة وأنهى صراعه مع إسرائيل فكأنه يعترف بان إسرائيل أوفت بالتزاماتها تجاهه بالنسبة للقرار 242 ، أما الضفة الغربية فقد أصبحت أرضا بلا صاحب أو مُطالب حسب منطوق قرار 242 وهذا ما جعل إسرائيل تتعامل مع الضفة وقطاع غزة كأرض متنازع عليها ، وحتى بالنسبة لمنظمة التحرير فأنها قَبِلت بإشارة غامضة للقرارين المشار إليهما كأساس للتفاوض في مدريد ثم في أوسلو بل إن اتفاقية أوسلو وفي المادة الخامسة عشر أكدت أن المرجعية في حالة حدوث أي خلافات في تفسير أو تطبيق الاتفاق هو التفاوض بين الطرفين وليس العودة للأمم المتحدة أو أية هيئة أو قرارات دولية ،ونفس الأمر مع خطة خارطة الطريق والتي كان من ضمن أهدافها تجاوز كل المرجعيات الدولية والاتفاقات الموقعة سابقا بين الطرفين حيث أشارت بصيغة مبهمة لقرار 242 ولدولة فلسطينية، وهذا ما يفسر لنا التأكيد الإسرائيلي المتواصل على رفض تدخل الأمم المتحدة أو أي تدخل دولي بالمفاوضات وبالصراع بشكل عام.

وهنا نعود للدور المصري .بداية لا مجال للتشكيك بالدور المصري لأنه لا مجال للمفاضلة ما بين الاحتلال الإسرائيلي وأي تواجد مصري في القطاع ،ولكن يبدو ولحسم إشكالات قانونية دولية حول وضع قطاع غزة ما بعد خروج الجيش الإسرائيلي –سبق الإشارة إليها-فسيكون للمصريين دور هو دون الاحتلال بطبيعة الحال واقل قليلا مما كان عليه الوضع قبل 1967ولكنه أكثر من مجرد التنسيق والتدريب ،فالحيز الزمني ما بين خروج الجيش الإسرائيلي من غزة من جانب وحسم قضية السيادة الفلسطينية وكل قضايا الوضع النهائي سيملأ بحضور مصري امني وسياسي قوي وفاعل –الدور المصري بدأ يتعاظم بشكل متدرج والاستقبال الحافل والمهيب الذي حضي به السيد عمر سليمان كان لافتا للانتباه ويحمل دلالة لا تخفى- وسيكون ذلك بموافقة وتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة والرباعية ،هذا الأمر هو ما يقلق البعض ويجعلهم يتحسسون من وصاية مصرية على القطاع ستفتح المجال لوصاية أردنية على ما سيتبقى من الضفة لنفس المبررات القانونية الدولية المشار إليها ،وخصوصا أن قرار الأردن بفك الارتباط مع الضفة كان قرارا إداريا وليس سياديا ولم تتم المصادقة عليه من المؤسسة التشريعية .

.من المفترض أن لا يطول التواجد الأمني المصري ويجب أن لا يكون بديلا عن السيادة الفلسطينية الكاملة على القطاع ،ولكن ماذا بعد ؟ماذا بشأن علاقة الضفة الغربية بغزة؟وماذا بشان الدولة الفلسطينية ؟فأن لم تعلن دولة فلسطينية بقطاع غزة بعد استلام المعابر والحدود فهل ستستمر السلطة كسلطة حكم ذاتي ؟.التخوفات من قيام دولة في غزة مبررة ولكن الأمر يحتاج إلى كثير من التفكير القانوني والاستراتيجي لتحديد وضع قطاع غزة ما بعد الخروج الشامل للجيش الإسرائيلي،ونقترح على الفعاليات القانونية والسياسية الفلسطينية التفكير بإعلان قيام دولة مستقلة بالضفة والقطاع تمارس سيادتها بداية في القطاع وتعمل على دحر الاحتلال من الضفة بما فيها القدس ،وأن لا يتخذ قرار إعلان الدولة من جانب واحد بل في مؤتمر دولي يعترف بوضوح بهذه الدولة على كامل الضفة والقدس وغزة وتقبل عضويتها كاملة في الأمم المتحدة ،ويحدد آليات وجداول زمنية للانسحاب الإسرائيلي من الضفة.ومبررات هذا الاقتراح هو تثبيت وجود كياني سياسي وسيادي فلسطيني على ارض فلسطين ،والحفاظ على الهوية الوطنية،والحفاظ على وحدانية السلطة وعلى التواصل ما بين الضفة وغزة .