الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ ( الحلقة الأولى ) بقلم:مصطفى الغريب
تاريخ النشر : 2005-09-01
تعتبر منطقة سيناء ذات بعد إستراتيجي لأنها حلقة إتصال بين مصر وبين السعودية والأردن وفلسطين وإسرائيل ولو تم إكتشاف المياه الكافية والثروات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة لقامت بعض الجهات لتغذي بعض القوى للمناداة بالإنفصال ولوكان أهلها من غير البدو الرحل لوجدوا من يقف معهم ويدعمهم لإحداث شرخ داخلي لتنفيذ المخططات الرامية الى تقسيم العالم العربي وفقاً للنظرية القائلة تجزأة المجزأ وتفتيت المفتت أو ماسمي قبل ذلك بنظرية فرق تسد .

لقد خبت أصوات المنادين بالوحدة العربية وأستبدلت بأصوات الحركات الإصلاحية وكأن المنطقة على موعد مع تقليعات سياسية من حين الى آخر , وفيما يتعلق بالحديث عن الإرهاب في سيناء فيتكرر القول القديم المتجدد وهو دراسة الأسباب تؤدي الى نتائج إيجابية تفضي بحلول للقضاء على هذه الظاهرة المتزايدة بإستمرار .

وعند مراجعتي للعديد من المقالات بعد أحداث الصيف الساخنة في كل من لندن وشرم الشيخ جذبني هذا النداء الى الأمين العام للأمم المتحدة " لماذا لا تتدخل لإنقاذ بدو سيناء" وكأن المنادين أرادوا من حيث يعلمون أو من حيث لايعلمون الى تدويل قضية المعتقلين من بدو سيناء خصوصاً وسكان المنطقة عموماً .

لتجد الأمم المتحدة أو بعض القوى العظمى تدخلاً صارخاً في المنطقة ولاسيما أنها حدود مجاورة لإسرائيل الذي يحرص العالم على بقاءها والمحافظة على أمنها رغم الأعمال المشينة التي تقوم بها والحديث عن الإعتقالات في سيناء التي شملت الآلاف من النساء والأطفال كرهائن للضغط على ذويهم بتسليم أنفسهم هي حديث صحافة إذا لانجد مايؤكد هذا القول إلا من خلال أخبار الملاحقات المستمرة للمطاردين من قبل رجال الأمن المصريين وحدوث مقاومة شرسة من قبل المطاردين والمتهمين بالأعمال الإرهابية الأخيرة في طابا وشرم الشيخ .

إذ أن الدول غير الديموقراطية بدأت تفكر بنفس أسلوب الدول العظمى لضرورة وحتمية وجود عدو ينبغي محاربته , وبعد الفشل الذريع لمنع الإرهاب في منطقة سيناء رغم وجود معلومات تحذيرية مسبقة تؤكد وقوعها , بدأت الحملات بالمطاردة والإعتقال العشوائي وتعذيب الآلاف من أبناء سيناء لتشعل شرارة البداية وليس النهاية .

إن شبه جزيرة سيناء صحراء مجدبة فيها مساحات خضراء محدودة وزراعة تقليدية , ولم تكن سيناء خالية من السكان في يوم من الأيام , فقد كان هناك على الدوام قبائل البدو الرحل الذين يهاجرون ضمن سيناء وعبرها، ليست القضية قضية بدو في أساسها. ولكن الأكثرية الساحقة من الرجال وعائلاتهم الذين عانوا كنتيجة للاحتجازات الأمنية بعد التفجيرات كانوا من البدو.

يعيش بدو سيناء ظروفاً متداخلة , فهم يعملون بالقرب من المنتجعات المترفة وفي داخلها، بينما يعيشون دون مياه شرب وكهرباء أو حتى بنية تحتية , وهم يستفيدون من السياحة لكنهم مستغلون من قبلها , إنهم يعتمدون على السياح الأجانب محاولين المحافظة على ثقافة الترحال القديمة رغم استقرارهم في المدن والقرى ، وبدأ البعض منهم يتخلى عن الأعراف المحافظة التقليدية لصالح التفاعل مع سياح أجانب أقل تحفظاً بكثير مما أحدث إنشقاقاً وإنقلاباً على العادات البدوية الأصيلة .

بعد الإحتلال الإسرائيلي لسيناء ، بدأت الحكومة الإسرائيلية بتطوير جنوب سيناء لتكون مقصداً للسياح , وبعد أن أدرك البدو أن السياح يدفعون مالاً مقابل طعامهم وخدماتهم وبضائعهم ، بل حتى مقابل صورهم ، بدأ البدو ببيع تلك الأشياء. وقد تعززت السياحة في منطقة سيناء التي امتدت من شرم الشيخ إلى طابا كنتيجة لوجود المياه النظيفة والشواطئ الخلابة والخلجان الرائعة و"الثقافة البدوية التقليدية".

بعد تحرير سيناء وعودتها الى السيادة المصرية سرعان ما وجد بدو سيناء أنفسهم على مفترق طرق. فقد انجذبوا إلى الأرباح الكبيرة والاستقلالية في العمل مع السياح، لكنهم اشمأزوا من سلوك السياح غير الأخلاقي وثقافة العري التي يتمتعون بها إذ لم ير السياح من جانبهم أي سبب لارتداء الملابس في "الطبيعة الخلابة " .

بل أصبحت شواطيء سيناء مقصداً للعراة تحت مسمى السياحة فمن ياترى يقلب المفاهيم لتصبح المقاومة إرهاباً والفحش طهراً وثقافة العري سياحة ويحتدم النقاش دوماً حول هذا الموضوع بلا نهاية في كل محادثة بين السياح العراة الذين يقصدون المناطق السياحية في سيناء وأفراد من البدو أصحاب البلاد الأصليين .

لكن المفاوضات كانت غير مثمرة... ولم يسمح للبدو أصحاب الأرض الأصليين بفرض قوانينهم على غيرهم من السياح الأجانب بحجة أن السياحة تعتبر من أهم مصادر الدخل .

وكانت بداية الإرهاب هو تفجيرات طابا وشرم الشيخ الأمر الذي شجع قوات الأمن على تشديد قبضتها على بدو سيناء.

وكانت سلطات الامن قد شنت حملة إعتقالات واسعة النطاق ضد بدو سيناء وخاصة في مدينة العريش بعد الهجمات التي وقعت في طابا وشرم الشيخ , ان هذه الحملات "لم تمنع وقوع جرائم جديدة بل انها على العكس حفزتها, وستكون بداية عمليات أخرى أشد شراسة طبقاً لنظرية الفعل ورد الفعل .

بعد الحادث الفظيع على الفور، اعتقلت قوات الأمن بطريقة عشوائية واعتباطية آلافاً من البدو وعذب كثير منهم الأمر الذي جعل منظمة هيومان رايتس ووتش تصدر تقريراً بعد الإنفجارات قالت فيه أن ما يقارب 2400 محتجز ما يزالون قيد الاعتقال.

تواصل قوات الأمن حملتها الموسعة بمنطقة جبل الهلال بوسط سيناء لملاحقة المشتبه بتورطهم في الهجمات الأخيرة وقالت إن العبوات الناسفة التي تسببت في مقتل الضابطين المصريين كانت تحتوي على نفس نوع المتفجرات الذي استخدم في هجمات طابا وشرم الشيخ.

وتم الاستعانة بفرق مكافحة الألغام للتعامل مع الألغام والمواد المتفجرة التي زرعها المطلوبون علي الطريق الذي تتقدم عليه قوات الأمن, وأقرت المصادر الأمنية أن عناصر مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة تواجه مقاومة شرسة من الملاحقين .

لا يؤيد الكثير من المفكرين وعتاة المحللين السياسيين إلصاق (نظرية المؤامرة) بالأحداث التي تقع بين الحين والآخر ولكنهم يفضلون إرجاع الأسباب إلي سوء إدارة الصراع ، فالأمة العربية تعيش في (عالم من المؤامرات) منذ الحروب الصليبية الى إحتلال إسرائيل لفلسطين وأسر الأقصى .

واجه بدو سيناء وضعاً فريداً من نوعه، حيث تغيرت القوى التي خضعوا لها عدة مرات من العثمانيين إلى البريطانيين إلى مصر ثم إلى إسرائيل ومن ثم عادوا للسيطرة المصرية عدة مرات جيئة وذهاباً. وفي الخمسين عاماً الأخيرة، احتلت إسرائيل سيناء في 1956، وسرعان ما سلمت إلى مصر مرة أخرى، ثم احتلت من جديد في عام 1967، لتسلم إلى مصر بشكل تدريجي من العام 1974 حتى 1982، حيث سلمت إسرائيل كل شيء ما عدا طابا، التي لن تعد إلى السيطرة المصرية حتى 1989.

المشكلة الأخرى التي تحول دون نجاح الحرب على الإرهاب في هذه المنطقة على وجه الخصوص وهي ان أكثر الدول غير مستعدة للتعاطي مع الأسباب الحقيقية المؤدية إليه، وهي «الظلم» السياسي والاجتماعي التي تشكل المحور الأساسي . فليس من المعقول أن نضع ولو بالإشارة الى دور السياسة الأجنبية وممارساتها، في إشاعة الإرهاب وتوسيع نطاقه وتفريخ أجياله، وتدويله وتعميمه .

إن الحملة تلقى مقاومة عنيفة , في وقت أعلنت فيه أجهزة الأمن توقيف معظم المشتبه في تورطهم بتفجيرات شرم الشيخ قدر عددهم مسؤول أمني بنحو 650 معظمهم من مدينة العريش على ساحل البحر الأبيض المتوسط وقد وجهت لهم تهمة تهريب المتفجرات والتجارة في تهريب المخدرات .

ما يزال هذا الصراع الثقافي بانتظار الحل , يعرف كل سائح قضى وقتاً ما على الساحل الشرقي لسيناء ذلك المنظر الغريب للمرأة البدوية ، محجبةً بشكل كامل بثوبها الأسود الطويل، وهي تتجول لتبيع منتجات لسياح عراة أو شبه عراة , وهنا نود أن نؤكد حقيقة أن من يعتقل له قريب يأخذ على عاتقه عهداً بأن يقاوم حتى الموت أو أن يتم الإفراج عن أقاربه فهل الإرهاب في سيناء هو بداية أم نهاية ؟ .

مصطفى الغريب – شيكاغو