اعتاد قراء الصحف في مصر أن يبحثوا في صحفهم في زاوية بهذا الاسم عن دار السينما المناسبة والفيلم المناسب. وتصلح هذه الزاوية لمتابعة الأفلام الرائجة هذه الأيام! ليس المقصود الفيلم الذي يسيء إلى الرسول الكريم بالذات ، فالفيلم المذكور ليس آخر ولا أول الأفلام التي سيكون من نصيبنا أن ننشغل بها ونكون منها جبهة قتالية تستهدف التصدي لكل محاولات النيل من نبينا الكريم أو من ديننا القويم آخر رسالات السماء إلى أهل الأرض، أو من أي رمز من الرموز التي نعتز بها (وأنا أفترض أننا نعتز بها فعلا لا مجرد شوفيني يا مرت خال!). وبالمناسبة فأنا أستخدم الفيلم بمعناه الإصطلاحي لا الفني، فقد تعودنا أن نحتج على من يحاول أن يسخر منا فنقول: "إنتا بتفلم عليا؟!" وقبل أن أنسى أوكد التأكيد على أنني أفضل أن أشاهد فيلم تايتنك للمرة الرابعة تقريبا على أن أشاهد ولو مقطع واحد من الفيلم الذي أثار الضجة الأخيرة!
ذكرني الفيلم بقصة سلمان رشدي وكتابه "آيات شيطانية"، وبالطبع ذكرني بالرسومات المسيئة للرسول ايضا. ولأنني لم أقرأ الكتاب ولم أشاهد الرسومات وبالطبع لم أشاهد الفيلم الأخير، فلا يمكنني أن أعلق علي أي منها. لكن ما يعنيني ردود الأفعال التي سمعت عنها أو قرأت عنها في أكثر من مكان.
لابد أولا من التنبيه على أمر هام، وهو أن انتقاد ردود الأفعال لا يعني الدفاع عن الأطراف الأخرى. ولا يستطيع أحد أن يزايد على أحد في قضية مبدئية وهي أننا جميعا نعرف أعداؤنا، وهم يعرفون أننا نعرف، وهم لن يتحولوا إلى أصدقاء بمجرد أن يجدوا من بيننا من يقف إلى جوار المنطق. ولعلهم – أي أعداؤنا يخشون من بيننا أصحاب المنطق والعقل والحكمة أكثر من أصحاب الردود المنفعلة المنفلتة، فهؤلاء الأخيرين يسهلون عليهم مهماتهم!
ماذا لو لم ينتبه أحد لكتاب سلمان رشدي! ماذا لو تكفلت أحد المنظمات الإسلامية التي تغار على القرآن مثلا وجمعت كل نسخ الكتاب وتصرفت فيها كما يفعل اليهود أو أنصارهم في الغرب والشرق حين يظهر من الكتب ما يخالف ما يريدون؟! في ظني أن أحدا لم يكن يسمع بسلمان رشدي هذا لولا الضجة التي أثارتها غيرة لم تكن في محلها، ولعلنا ساهمنا في أن يجني ثروة طائلة من زيادة الطلب على الكتاب!
أيها السادة ! يا من ينتقدون الفيلم الذي يسيء إلى الرسول، ومعظمهم مثلي لم يشاهدوا الفيلم: هذه الإنترنت التي أتاحت لكم فرصة البوح هي اختراع أمريكي، والصواريخ التي أصابت القذافي هي صواريخ أمريكية، وزجاجة الكوكاكولا إلى يمينكم من صنع أمريكي، ومكيف الهواء الذي تستظلون به من قيظ الصيف هو اختراع العم سام، ونسيت أن أقول أن الدقيق في مخابزكم هدية من شعب الولايات المتحدة!
لكن هل هذا يعني ألا نغار على نبينا الكريم، أو غيره من رموزنا الدينية وغيرها؟ قطعا لا! لكني أحب أن تتخذ غيرتنا شكلا أنظف وأجدى من مجرد السباب والشتائم! ولمن يريد أن يتذكر حين أضرب عمال الشحن عن تفريغ البواخر أيام العدوان الثلاثي على مصر وما كان لهذا الإضراب من تأثير بالغ على مسار الأحداث حينها.
هناك ألف طريقة وطريقة للتعبير عن الغضب، ولا أظن أن السباب والشتائم والهجوم على السفارات من بينها. لكن السؤال الأهم : هل نحن قادرون على التصويب الدقيق ؟ أم أننا اخترنا – أو لنقلها صراحة- اختاروا لنا أن ننفس عما هو مكبوت في أعماقنا بطريقة فجة ثم نعود إلى وجبة كنتاكي في المطعم على قارعة الطريق، ويستمر مسلسل التفليم (من فلم) على أمة ضحكت من جهلها الأمم منذ زمن بعيد ولا تزال!
أين تسهر هذا المساء؟ بقلم:يونس طبش
تاريخ النشر : 2012-09-16