حوار مع الشاعر العربي محمود النجار رئيس تجمع شعراء بلا حدود
تاريخ النشر : 2012-08-23
حوار مع الشاعر العربي محمود النجار رئيس تجمع شعراء بلا حدود


أجرى الحوار / وفاء عياشي بقاعي

محمود النجار شاعر يسافر فوق بساط الأرض يركب مركبة الحروف ، يزرع الحرف ورودا في حدائق الكلمات ، يتنقل بين البلدان حاملا الهم الفلسطيني على كتفيه ، صارم الملامح ، بصير الرؤية . اهتم بالشأن الثقافي العام .. ابتعد عن التفرد ، فأضاف لتجمع شعراء الذي يرأسه نظاما أساسيا شاملا وجعل رئاسة التجمع وعضوية إدارته بالانتخاب ... حلم بالهُوية والوطن ... تأثر ... بكى على الحدود وفي المطارات قال حين منعته الحدود من لقاء أمه التي أحبها بجنون الشعراء وصدقهم :
"ومسافر ..
والدرب أعمى
والحدود محنطة
في كل شبر حاجز
ودمى غبية
ويمر منها كل محتمل
من الأشياء دون تأخر
إلا أنا وسمية" ..

أنه الشاعر محمود النجار ..
مساء الخير سيدي ..
يسرّ مجلة أصيلة الثقافية أن تكون ضيفها ، وأن تغدق علينا من نبع روحك فيضا نستقي منه معرفة وعلما وثقافة لقرائنا الأعزاء ...
س1: محمود النجار .. الشاعر العربي الفلسطيني بكلمات من رحيق الوجع الفلسطيني ، من هو؟
أنا محمود النجار ، ولدت جرحا فلسطينياً في معسكر الشاطئ في قطاع غزة عام 1958 ، بعد أن خرج والدي سنة 1948 من قرية الجورة في منطقة عسقلان إلى قطاع غزة مع من هاجروا بعد احتلال مدنهم وقراهم الفلسطينية ، صحوت على محمود طفلا شقيا جريئا ، لا يقبل الضيم ، يناقش معلميه بجرأة ، ولا يتنازل عن حقه في درجة فقدها بسبب سوء تقدير المعلم للإجابة ؛ ذلك أنني كنت أفهم المادة العلمية ولا أحفظها ، والمعلم يريد لفظ الكتاب .. كنت متفوقا في دراستي الابتدائية ، وخصوصا في اللغات والرياضيات .. تعلمت في مدارس وكالة الغوث في قطاع غزة ، وبعد نفينا الثاني إلى الأردن عام 1967 أتممت دراستي في الأردن حتى تخرجت في الجامعة الأردنية ، قسم اللغة العربية عام 1983 ، وقد تعثرت دراستي فيها لأسباب سياسية مرة ، ولضيق ذات اليد مرة أخرى ، فكان تخرجي سنة 1983 بدلا من 1980 ... عملت في أثناء دراستي معلما في المدارس الخاصة بشكل متقطع بسبب تكرار منعي من العمل .. ثم وفقت في اجتياز الاختبار للسفر إلى الإمارات معلما في وزراة التربية والتعليم ، ولم ألبث أن حرمت من تجديد جواز السفر الذي كنت أحمله ، فمكثت عشر سنوات بدون جواز سفر ولا إقامة ولا عمل رسمي منتج ، فكانت رحلتي إلى الإمارات عذابا جديدا يضاف إلى عذاباتي ، فساءت أحوالي المادية كثيرا ، وخصوصا أنني أنفقت كثيرا في سبيل الحصول على أي جواز سفر من أية دولة في العالم لأتمكن من العمل وإعالة أسرتي وتسديد الديون التي تراكمت على رأسي ؛ فما كان إلا أن حصلت أخيرا على جواز سفر من دولة إفريقية ، استطعت أن ألملم به بعض الشؤون ، وفي تلك الفترة حرم أبنائي من الدراسة لعدم وجود إقامة رسمية معي ، وبقي بعضهم يدرس في مدارس خاصة مستمعا دون أن يحصل على شهادة من المدرسة كزملائه ، وهو ما كان يحز في نفوسهم ويؤثر عليهم تأثيرا سلبيا شديدا ، إلى أن تمكنت من إضافتهم إلى جواز سفري وسافرت ببعضهم بصعوبة بالغة إلى الأردن وتابعوا دراستهم هناك بعد اجتياز اختبارات لمستوياتهم .. معاناة وصدمات وحرب مع الظروف القاسية ما زالت تبعاتها تطاردني حتى اللحظة ، والحديث في هذا يطول ...
بدأت أول محاولاتي الشعرية وأنا على مقعد الدراسة الإعدادية سنة 1969 ، وكانت محاولة ضعيفة ، ثم ما لبثت أن بدأت أكتب بشكل أفضل حتى قلت سنة 1971 وأنا في الصف التاسع :
هل لي أن ارفض أو أرضى؟!
هل لي أن أسبح في الوضى ؟!
هل لي أن أبدي من رأي ؟!
أم أقبع حيا كالمرضى؟!
ويومها هلل لي معلم اللغة العربية هزاع ابو ستة رحمه الله ، وانتشى بي والدي الذي زرع في روحي الشعر بما كان يلقيه على مسامعنا من قصائد وخطب للأقدمين ، واهتم بي أخي االأكبر د. محمد النجار ، وأعطاني مفاتيح العروض التي لم أكن أحتاجها ، لكنني سرعان ما ثقفت نفسي بالعروض بصفته علما ضروريا ، وتوالت الأيام وتوالى الفهم باللغة والشعر ، حتى إذا ما دخلت الجامعة الأردنية فتحت لي الأبواب على مصاريعها لأكون واحدا من شعراء الجامعة الأردنية المهمين ، وكان الفضل الأكبر لأستاذي الراقي المبدع د. وليد سيف الذي أبدع في توجيهي ونصحي ، ولم تزل نصائحه ترن في أذني حتى اليوم ، وما كتبت نصاً إلا عرضته عليه ـ وإن خيالا ـ لأحظى ببركته دون أن أراه .
محمود النجار شخص مجنون مشحون بالكثير من الحب والكثير من الحقد ، لا أعرف الحلول الوسط أبدا ، فإما أن أحب بجنون أو أكره بجنون .. لا أساوم على مواقفي ولو خسرت عمري في لحظة ، ولا أخشى شيئا ولا أحدا .. أعد الحياة كلها موقف .. والموقف عندي لا يتجزأ والحقيقة عندي واحدة .. أومن بالله إيمانا عظيما ، وأرفض نرجسية الشاعر وغروره اللذين يقودانه للتجديف بالذات الإلهية أو الاعتداء على تراث الأمة .. شرس في مواجهاتي الفكرية والسياسية ، ومهما حاولت أن أخفف من هذه الشراسة أفشل فشلا ذريعا .. آخذ من كل شيء أقصاه ؛ فإن حزنت كان حزني شديدا ، وإن فرحت وإن بكيت وإن كرهت وإن أحببت ، لكنني معتدل في القصد ، متقبل للآخر ما دام سليم النية ، صادق التوجه ، لكن سرعان ما أنفعل إذا شعرت بسوء النية أو الكيد .. هذا أنا ، محمود النجار الذي يحاول ألا يموت جبانا ، كما مات قبله كثيرون .. وفي ذلك قلت:
أبي .. سامح الله قلب أبي
أبي لم يشأ أن أموت جبانا
فأسلمني للرغيف ،
أدقق في شكله الدائري
وابحث في أفقه عن ملاذ

س2: أنت مؤسس تجمع شعراء بلا حدود ،ما هو الدافع وراء تأسيس هذا التجمع ؟
الدافع الأساسي لتأسيس تجمع شعراء بلا حدود الذي شاركني التأسيس فيه الشاعر السعودي حسن المعيني ، كان عدم الرضى عن الوجود العادي للشاعر ، فلا بد أن يكون الشعر فاعلا ، وليكن هذا الفعل جمعيا ، لا فرديا ، لا سيما أن الشعر فقد قيمته ، وكثير من الشعراء المبدعين كانوا مغمورين ، لا يعرفهم أحد ، ورغبة في التواصل العربي العربي ، والتواصل العربي الإنساني ، وإيصال صوتنا إلى كل مكان في هذا العالم ، فأنا صاحب قضية ، وصاحب القضية يبحث دائما عن الأفضل والأنجع لرسالته ، فأنا لست مجرد شخص يكتب الشعر ، بل صاحب قضية وصاحب رؤية وفلسفة خاصة في الحياة ، ومن هنا كان لا بد من عمل مؤسس أستطيع من خلاله إيصال رسالة الشعر وإعادة الدور للشعر العربي وإعادة الاعتبار للشاعر العربي ..

س3: هل الرؤية الشمولية التي رأيتها قبل التأسيس نستطيع أن تقول أنها تحققت ما بعد التأسيس؟
تحقق الكثير مما كنا نطمح له ، ولم يزل أمامنا الكثير .. أهم ما تحقق لتجمع شعراء بلا حدود هو الوجود والتحقق ، فقد استطاع تجمع شعراء بلا حدود تقديم نفسه في أهم العواصم العربية وعلى أعلى مستوى ، واقام الكثير من الأنشطة في كثير من العواصم العربية محققا بذلك التعارف والتلاقح بين الشعراء العرب ، فقد استطاع أن يجمع بين شعراء المغرب والمشرق أكثر من خمس مرات في القاهرة وتونس والمغرب ، ناهيك عن الأنشطة المحلية الكثيرة ، كذلك فقد استطاع تجمع شعراء بلا حدود أن يصدر مجلته الورقية التي ظلّ يحلم بها منذ التأسيس ، وهي مجلة نوارس الشعرية ، وافتتح داراً للنشر في القاهرة ، ويكفيه فخرا أنه سمى يوم 25 /10 من كل عام بيوم الشعراء العرب ، ولم يزل لديه الكثير من المشروعات التي تعطلها قلة ذات اليد ، فنحن حتى اليوم لم نتلق تبرعا من أية جهة قط .. خمس سنوات من العمل المضني .. كلها كانت من جيوبنا التي تمزقت .. !!

س4: هل واجهت صعوبة في تأسيس هذا التجمع؟ وهل تجد تعاونا من قبل الاعضاء؟
أكبر صعوبة واجهناها ولم نزل نواجهها هي مسألة التغطية المادية لأنشطتنا .. فلم نعد قادرين على بذل المزيد ، لقد أرهقنا بما فيه الكفاية .. أما صعوبات التأسيس فكانت كثيرة ومتشعبة ، وأظن أن الخوض فيها سيأخذ كثيرا من مساحة هذا اللقاء ، لكن المهم أننا نجحنا في استقلالية هذا التجمع ، وتفرده ونشاطه الذي يعرفه القاصي والداني ، والذي عانينا كثيرا ليستمر قويا متفردا بشخصية عربية صميمة بعيدا عن الصيحات التغريبية ، لا سيما أننا نشق طريقنا في حقل من الألغام الفكرية والسياسية والأخلاقية ، لكننا لن نغير جلدنا ، ولن نسمح لأحد باختراقنا ، وسنستمر في التزامنا بقضايا أمتنا ووطنا العربي الكبير ، وعلى رأسها قضية فلسطين ؛ فهي قضية كل عربي حر .. ولا اقول هذا لأنني فلسطيني ، فأنا لا أعترف بالحدود وأمقت ما أفرزته سايكس بيكو وأقررنا به ؛ ليزداد عدد الكراسي التي تحكمنا وتضغط على أعصابنا ، وتشوه إنسانيتنا ، وتضاعف المساحات الحدودية التي تحول بين أبناء الوطن الواحد .


س5: ما هي شروط الانضمام للتجمع ؟
شروط الانضمام إلى التجمع هي:
1. أن يكون المتقدم للعضوية شاعرا يمتلك الحد الأدنى من الشاعرية والمعرفة باللغة .
2. أن يؤمن بقضايا أمته الكبرى ، وألا يكون تغريبي الفكر .
3. أن يؤمن بدور الثقافة العربية الإسلامية في صناعة التاريخ الإنساني .
وحين يتقدم شاعر لطلب العضوية ، نتابع نتاجه الشعري ، ونتوثق من شخصيته قبل منحه العضوية .. ويمكن للصحافي والمترجم للأدب والناقد والفنان التشكيلي والقاص الانتساب إلى التجمع بموافقة خاصة من مجلس الإدارة .

س6: كلمة حدود ...كلمة جواز سفر...كلمة هُويّة.. ماذا تعني لك كونك فلسطينياً تؤلمه تلك المصطلحات؟
لا شك بأن حرية التنقل مطلب إنساني أساسي ، نصت عليه مواثيق حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وغيرها ، ولأننا نعيش زمن الفهلوة السياسية والمتاجرة باسم فلسطين ، نجد أن أعقد القوانين وأكثرها قذارة في وطننا الممتد من الماء إلى الماء هي تلك المتعلقة بسفر الفلسطيني وحرية تنقله ؛ فابسم فلسطين يخنقون الفلسطيني ويغلقون في وجهه الحدود بحجة الحفاظ على هويته وإبقائه في فلسطين ، علما بأن الفلسطيني أكثر أهل الأرض تمسكا بأرضه ووطنه ، وقد عاد كثيرون إلى غزة عبر معبر رفح في ظل القصف الصهيوني الحاقد إبان محرقة غزة 2009 ، ومن هنا أطالب كل الأنظمة العربية بأن تسمح للفلسطيني بحرية التنقل بدون حواجز وبدون تأشيرات ، فمعاناة الفلسطيني على الحدود قاتلة .. إن كانت فلسطين همهم كما يقولون فليحترموا الفلسطيني ، وليبتسموا في وجهه ويرحبوا به ، لا أن يتجهموا في وجهه لمجرد أنه فلسطيني .. إنني أطالب الدول التي ثارت على الظلم (مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا القادمة) بالسماح لأبناء قطاع غزة بخاصة والفلسطينيين بعامة بالدخول بدون تأشيرة إن كانت صادقة في توجهاتها الثورية .



س7: غزة ...رام الله شطران في جسد واحد ، ماذا يقول الشاعر محمود النجار ابن معسكر الشاطئ في غزة في ذلك ؟
الحديث هنا موجع وقاسٍ ؛ فنحن بين فصيل رأى أن يحيد السلاح ، وفريق يرى أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد إلى تحرير فلسطين ، ولو قرأنا التاريخ االراهن لوجدنا أننا منذ أوسلو 1993 حتى اليوم لم نحقق من المكاسب ما يمكن أن يجعلنا نقول بأن إلقاء السلاح والمفاوضات هما الحل .. لكن ومع كل هذا ، لا بد من التصالح ورأب الهوة بين الفريقين ، على أن تتوقف سلطة رام الله عن التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ، فهذا التنسيق يصب في صالح الكيان الصهيوني على حساب الفصائل الأخرى .. إن التنسيق الأمني يعني فقط أن نسلم أبناءنا للكيان الصهيوني .. هذا ما لا يمكن لي أن أتخيله أو أتقبله بحال من الأحوال ؛ فهو بالنسبة لي شيء مقزز يبعث على الغثيان ، ويشكل انكسارا نفسيا للفلسطيني ، وهو فضيحة وطنية وأخلاقية لا تناسب الحالة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال !!

س8: هل تعتقد أن القضية الفلسطينية همشت بعد الربيع العربي ؟
على العكس تماما .. كلنا انشغلنا بالثورات العربية ، ما جعل بعضهم يتهمنا بنسيان قضية فلسطين حين يعجزون عن حوارنا والرد عن أسئلتنا المتعلقة بالثورات العربية ... إنني أرى ـ وقد يرى معي كثيرون ـ أن الثورات العربية هي بداية البداية لتحرير فلسطين ، ولذلك نحن نركز على هذه الثورات وندعمها بكل ما أوتينا من قوة ؛ ذلك أننا على يقين بأن الحكومات الجديدة نقية ومحكومة بإرادة الشعوب العربية ، والشعوب لا تجمع على خطأ ولا تقدم رؤى خاطئة .. أرى شخصيا أن قضية فلسطين في ربيعها العربي الحقيقي ، وأن القادم يبشر بكثير من الخير .. فهي قضية القضايا ، وما علينا سوى أن نبذل قليلا من الصبر وعدم استعجال النتائج .

س9: ما هي الرؤية الشمولية للشاعر الكوني محمود النجار ما بعد الربيع العربي ؟
كما كنت توقعت حدوث هذه الثورات ، فإنني أستشرف مزيدا من الثورات على الأنظمة المرتهنة لأعداء الأمة ، على فترات متباعدة نسبيا ، وأرى أن هذه الثورات ستؤتي أكلها على كل صعيد ، على الرغم من كيد أعداء هذه الثورات من الموتورين والفلول ، والتحدي الكبير اليوم قائم على نجاح ثورة مصر ، وتحقيق مطالب الشعب المصري العظيم ، فإن نحجت مصر في تخطي العقبات القائمة ؛ فقد آن أن نقول : لقد فازت فلسطين ، وإذا تبعتها سوريا ؛ صرنا قاب قوسين أو أدنى من فلسطين .. هذه قناعتي التي أستشرفها بقلبي وعقلي في آن معا ، وأترك للأيام أن تقول كلمتها ، وأنا على يقين أن كلمتها ستكون كما نحب ونتمنى .. إنني أتهم كل من يسيء لهذه الثورات العربية العظيمة بأنه متآمر أو جاهل ؛ وأتهم بالتهمة نفسها كل من يطالب بحلول سريعة لكل مشكلات المجتمع بعد الثورة ، ولا يراعي مقتضيات الحال .. !

س10: المرأة تحتل مكانة متميزة في وجدان الشاعر العربي منذ امرئ القيس وقيس بن الملوح وعمر بن أبي ربيعة، وبشار بن برد، وأبي نواس وابن زيدون إلى حافظ إبراهيم، ونزار قباني، ومحمود درويش وغيرهم.
أين المرأة ومكانتها في قصيدة الشاعر محمود النجار؟ وكيف تنظر لمقولة أن المرأة هي الوطن .؟
المرأة هي الحياة .. هي الوطن .. هي الخصب .. هي صنو الروح .... هي الكائن الذي لا يستغنى عنه .. هي الأم والزوجة والحبيبة والابنة والشقيقة والصديقة .. وقد ظللتُ حتى فترة قريبة لا أكتب غزلا ؛ لإحساسي بأن القضية الفلسطينية والقضايا العربية أولى وأهم ، مستذكرا دائما أن صلاح الدين الأيوبي لم يبتسم حتى حرر بيت المقدس .. لكنني مؤخرا أمام كثير من الأسئلة التي ووجهت بها ، كتبت عددا من نصوص الغزل بكل أجناس الكتابة الشعرية (النثر والتفعيلة والعمودي والموشح) ، لكن المرأة ظلت حاضرة في شعري طوال الوقت ، فسعاد وسمية وسلمى ظلت أسماء مهمة وحاضرة في شعري حضور الهواء بصفتها رموزا للتضحية والإباء ، لكل منها حكاية وإطار خاص في قصائدي ، والشاعر بطبيعته يحس بالمرأة إحساسا مختلفا ، فهو يعي قيمتها ودورها ؛ فهي ملهمته ويده التي يكتب بها ، وعيناه اللتان يرى بهما .. المرأة تشكل لدى الشاعر الجزء الأهم في مكونات الكتابة وأجوائها الخاصة .
العلاقة بين المرأة والوطن علاقة لصيقة ، وأعتقد أن ذلك مرتبط في الذهنية الفلسطينية بالأم الصابرة والأم الثكلى والحبيبة التي ظلت تنتظر حبيبها الذي فارقها أو استشهد عنها أو اعتقل .. في المرأة دلالات كثيرة ذات علاقة بالوطن ، فهي الشجرة التي تطرح الثمار ؛ إنها الأم الولود التي تنجب الثوار ، وتدفعهم إلى الموت ، لتنجب غيرهم .. هي البحر في عظمتها وكبرياء روحها .. هي الحقل والبيدر والخصب .. لذلك فهي الوطن الذي يعطي ولا ينتظر العطاء .. إنها دفء الوطن .. وجبينه الشامخ ..

س11: هناك خلاف حول قصيدة النثر ،هناك من يرفضها ويريد للقصيدة الكلاسيكية أن تبقى نموذجاً للشعر العربي ، ما رأيك أنت في هذا الشأن ؟
أنا ضد النفي والإقصاء لأي جنس شعري على حساب آخر .. أحترم كل الأجناس الشعرية وأكتبها جميعا بدون استثناء بالحب والرغبة ذاتها .. وأزعم أن قصيدة النثر من أجمل النصوص وأرقاها وأنبلها .. لكنني في الوقت نفسه أرفض رأي من يقول بأن الشعر هو قصيدة النثر وحسب ، وأرفض بشدة العراك بين الأجناس ، وأرى أنه لا بد أن يتقبل كل منا الآخر ، فالنص الجميل يفرض نفسه بأية لغة كان وبأي جنس جاء .

س12: مجلة نوارس التي تصدر عن تجمع بلا حدود . ما أهدافها ، وكيف تصل الى يد القارئ ؟
أهداف المجلة هي نفسها أهداف تجمع شعراء بلا حدود ، وهي إحدى القنوات الإعلامية لتجمع شعراء بلا حدود ، تعبر عن توجهات التجمع وثقافته وأدبياته ، وتحاول رفد الساحة الثقافية العربية بثقافة جديدة ووعي جديد يتكئ على فكرة الالتزام الناضج الذي يوائم بين الفن والواجب .. من خلال شعارنا المركزي : (نحن مع الأصالة حين تعني الانتماء ، ومع المعاصرة حين تعني الارتقاء) ... وقد أعطينا الفرصة لكثير من الشباب الذين لم يكتبوا ورقيا من قبل أن يحسوا بأهمية كتابتهم ، وأن يزدادوا ثقة بأنفسهم ، كذلك استطعنا أن ننشر لكتاب وشعراء من معظم الدول العربية ، وهذا مما يؤكد على مطلب تجمعنا الذي يحاول المساهمة في تقريب مفهوم وحدة التراب العربي ووحدة الثقافة العربية .
توزع المجلة في مصر مبدئيا ، لكننا استطعنا أن نوصلها إلى المغرب وتونس والأدرن ، ونتمنى أن يتاح لنا الاستمرار في طباعتها وإيصالها إلى كل مكان في هذا العالم .

س13: الشاعر محمود النجار ، بعد هذا اللقاء الشائق والمشوق ماذا يقول لمجلة أصيلة وأي الكلمات يهديها للقراء من ينبوعه الشعري ؟
أحيي مجلة أصيلة وإدارتها وروادها وقراءها ، وأتمنى لها الخير ، واقول لهم: ثقوا بأمتكم أكثر .. ثقوا بأنفسكم أكثر .. لا تيأسوا .. الأمة تتجه نحو الخير ، قدموا لها ما استطعتم من مواقفكم النبيلة ، وحروفكم الجليلة .. علينا أن نعي درس التاريخ ، وأن نكون جزءا من صانعيه وليس جزءا منه فقط ..
وأهديهم هذا النص القصير الذي تمتد فيها سمية ذلك الامتداد الذي كان في النص الذي اخترته في مقدمة الحوار .. سمية التي علقت بقلمي وقلبي وروحي .. إنها سمية الفلسطينية الصابرة المحتسبة :
كانت سمية قاب رفة نورس أو رفتين
قلبي تعثر في مداها مرتين
فجناحي الموصول بالرئتين منتوف
يطير بريشتين
وتضيع الأنواء وجهته ؛
فيسأل في احتدام الشوق :
أين ؟!

في نهاية لقائي الذي سعدت به وبك لا يبقى إلا أن أشكرك واتمنى لك المزيد من العطاء والتألق.