وحشية إسرائيلية ووهن عربي بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2012-08-22
وحشية إسرائيلية ووهن عربي بقلم : حماد صبح
حادثة بل جريمة مرت في الإعلام العربي منذ أيام مرور الكرام _ وإن كانت من فعل اللئام _ وكأنما ختم في هذا الإعلام على الأفواه والأقلام ، فلم تدن على لسان ولم تدن في مقال . قصدت جريمة عرض وزير خارجية إسرائيل ليبرمان حنجرة صدام حسين في ندوة بجامعة حيفا . العظام تحملها الكلاب إلى أوجارها والوحوش إلى أوكارها ، وقياسا على هذه الحقيقة المألوفة في الطبيعة نحن أمام كلب أو وحش هو ليبرمان ووجار أو وكر هو جامعة حيفا . والاثنان ( الوزير والجامعة ) شاهدان سخيان في صدق الشهادة على أننا إزاء دولة تستوفي كل شروط الانحطاط الحضاري والزيغ الإنساني . قد يكون معقولا _ وإن يكن جريمة _ أن تسرق الحنجرة ويحتفظ بها سرا ، أما أن تعرض في جامعة وعلى يد وزير خارجية وإن كان علما في الجلافة والفظاظة والانسلاخ الكامل من الصفات المعتادة في وزراء الخارجية والدبلوماسيين ؛ فهذا هو الانحطاط الخلقي المتفرد . مخابرات أميركا قتلت الثائر العالمي جيفارا وقطعت أصابعه إثباتا لقتله ، ولعلهم مازالوا يحتفظون بتلك الأصابع . ويقال إنها تحتفظ بجثة ابن لادن أو برأسه . وفرنسا لا تزال تحتفظ برؤوس محاربين جزائريين منذ القرن الثامن عشر زمن الصراع البحري بين الجانبين ، ولعلها تحتفظ بأعضاء من المجاهدين الجزائريين الذي قتلتهم منذ احتلال الجزائر في 1830 إلى الاستقلال في 1962 . إسرائيل فعلت نفس الشيء ، والقوم في الختام خيوط في نسيج أخلاقي واحد منحط ، ولكنها زادت على أميركا وفرنسا في عرض عضو من جسد رجل أعدم ظلما ، والعارض وزير خارجية والمعروض فيه جامعة . وفي سبب العرض الهمجي قال ليبرمان إنه يريد برهنة قدرة إسرائيل على ملاحقة أعدائها حتى أصواتهم ! ويمكن التساؤل : حتى عند الرغبة في الكشف عن هذه الجريمة ؛ أليس من وسيلة أخرى ومكان آخر للعرض القبيح ؟ لكن العارض ومكان العرض يشهدان مثلما قلنا منذ قليل شهادة سخية الصدق على الانحطاط الحضاري والزيغ الإنساني اللذين تجسدهما إسرائيل . ومثلما يقول المثل : " العيب إن جاء من أهله فليس بعيب " . إنه متوقع طبيعي . وفي معتقدنا أن الغاية من سرقة حنجرة صدام أبعد من برهنة قدرة إسرائيل على ملاحقة أعدائها ، وأن هذه الغاية السطحية المعلنة تخفي غاية أخرى هي استنطاق الحنجرة مخبريا
لاستعادة كلام صدام وبالذات ما له علاقة منه بإسرائيل . هذا ما نقدره غاية حقيقية لسرقة الحنجرة ، وهو تقدير فرضي مبرره أهمية هذا الاستنطاق لإسرائيل ، والتقدم العلمي الذي لا تتوقف عجائبه وغرائبه مدار الساعة على
قلة ما نعرفه عن هذه العجائب والغرائب وقلة ما يذاع منها باعتبارها أسرارا نفيسة تخص من توصلوا إليها ، وتحمى من التجسس والسرقة . لم خرست الأفواه وجمدت الأقلام العربية عن استنكار هذه الجريمة الإسرائيلية
الكريهة ؟ وماذا لو قام وزير عربي في جامعة عربية بما قام به ليبرمان في جامعة حيفا ، وكان العضو المعروض من جسد يهودي أو غربي؟ نترك الذين يكرهون صدام دولا وأفرادا ، وننظر في الذين يحبونه ، وهم كثر ، لم سكت هؤلاء ؟ إنه الوهن الذي غشي أرواحهم والتشوه الذي جبه آراءهم لكثرة ما ذم صدام من أعدائه ، أعداء الأمة ، حتى صاروا لا يجسرون على الدفاع عنه في استحياء أو في صراحة وقوة ، وهو أيضا انحدار قيمة الإنسان في المجتمعات العربية ، وأحادية التقييم للإنسان فيها . الإنسان في هذه المجتمعات خاصة إذا صار
في القيادة والضوء إما خير كامل أو شر كامل ، هو غالبا خير كامل مادام في السلطة والقوة ، وشر كامل متى فقدهما ، وهذه معيارية كبيرة الأضرار بالمجتمعات . قال الغرب وأشياعه من الأتباع العرب إن صدام شرير
وخطر عالمي ، ويجب " تحرير " العراق منه وتأمين العالم من خطره ، فسايرهم كثيرون في العالم العربي دون تروٍ
وتبصر . والشيء ذاته قيل عن معمر ويقال الآن عن بشار . الوطن يختصر في فرد " شرير " ، ويتم التخلص من هذا الفرد بواهمين مضللين من الداخل مدعومين أوسع الدعم من الغرب وإسرائيل والأتباع المطاويع من العرب لينتهي الأمر بالسيطرة على بلد " الشرير " وتخريبها واستنهابها . هل ترضى إسرائيل أن يحاسب أحد سواها رئيسها السابق كاتساف على فضائحه الخلقية ؟ هل تقبل أن يقتل شخص أجنبي إيجال عمير قاتل رابين
أو فعنونو كاشف بعض أسرارها النووية ؟ وهذه التساؤلات لا تقلل من وطنية صدام ومعمر وبشار وإخلاصهم لأمتهم ، ولا تنفي ما لهم من نواقص وأخطاء ، ولكن يلزم ذكر حسناتهم مثل ذكر سيئاتهم ، وعدم
إهانتهم أحياء أو أمواتا من مجتمعاتهم أو أعدائهم الذين تشهد عداوتهم في ذاتها أن أولئك القادة ليسوا بالسوء الذي
يقدمون به ، وأنهم أفضل لأمتهم كثيرا من زعماء عرب تغدق عليهم الأماديح مع أنهم بقلبهم ومالهم وسلاحهم في
خندق أعداء الأمة ، ولا ننسَ أن القادة الذين حاربهم الغرب وقتلهم اشتقوا من جلدنا بخيرهم وشرهم .