قِصَّةٌ مِنَ الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ بقلم:محسن عبد المعطي محمد عبد
تاريخ النشر : 2012-08-09
اَلْعَمُّ شِنْدِي ، رَجُلٌ مُكَافِحٌ ، صَبُورٌ ، قَوِيٌ ، جَرِيءٌ ،لاَ يَخَافُ فِي الْحَقِّ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ، وَلاَ يَخْشَى إِلاَّ اللَّهَ ، وَهَذِهِ هِيَ حَقِيقَـتُهُ وَطَبِيعَـتُهُ وَ سِمَـتُهُ ، سَأَلْـتُهُ يَوْماً ، مَا اسْمُكَ الْحَقِيقِيُّ يَا عَمُّ شِنْدِي ، قَالَ :- بِإِحْسَاسِ الْمُؤْمِنِ : اسْمِي - مَحْمُودٌ الْمُتَوَلِّي الْعِشْمَاوِي ، قُلْتُ : وَمَا قِصَّةُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلاَثَةِ يَا عَمُّ شِنْدِي ؟! لِمَاذَا سَمَّوْكَ مَحْمُوداً ؟! اِبْـتَسَمَ الْعَمُّ شِنْدِي وَبَادَرَنِي سُؤَالاً بِسُؤَالٍ ، أَلَم تَعْرِ فْ أَنَّ خَيْرَ الْأَسْمَاءِ مَا حُمِّدَ وَعُبِّدَ؟! قُلْتُ : لَقَدْ فَهِمْتُ ، سَمَّوْكَ مَحْمُوداً حُبًّا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى -اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا قِصَّةُ اسْمِ أَبِيكَ (الْمُتَوَلِّي ؟!) ، صَمَتَ اَلْعَمُّ شِنْدِي بُرْهَةً ، وَ تَرَوَّى ، وَ كَـأَنَّهُ يُقَلِّبُ الْأَمْـرَ عَـلَى جَمِيعِ وُجُوهِهِ ، وَقَالَ : لَقَدْ كَانَ جَدِّي رَجُلاً مُؤْمِناً ، طَالَمَا كَانَ يَقْرَأُ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى -اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الْخَاصَّةَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْـيَا وَ التَّوَلِّي عَنْ مُلْهِيَاتِهَا ,مِثْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ يَقُولُ :‏" ‏ ‏أَلَا إِنَّ الدُّنْـيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّماً " رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (رِيَاضُ الصَّالِحِينَ ) وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بِمَـنْكِـبِي فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْـيَا كَـأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: إِذَا أَمْسَـيْتَ فَلاَ تَـنْـتَـظِـرِ الصَّـبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَـنْـتَـظِـرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرِضِكَ، وَمِنْ حَـيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رَوَاهُ الْـبُخَارِي ،(رِيَاضُ الصَّالِحِينَ ) فَسَمَّى جَدِّي ابْـنَهُ (الْمُتَوَلِّي) أَمَلاً فِي تَوَلِّيهِ عَنْ مُلْهِيَاتِ الدُّنْـيَا وَأَلْوَانِ الْفَسَادِ فِيهَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ وَابْتِغَاءَ رِضْوَانِهِ, قُلْتُ : وَمَا قِصَّةُ اسْمِ الْعَائِلَةِ (الْعِشْمَاوِي)؟! أَجَابَ اَلْعَمُّ شِنْدِي ،لَقَدْ كَانَ الْأَجْدَادُ يُوَاظِـبُونَ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَ يَـتَـفَانَـوْنَ فِيهَا وَيُخْلِصُونَ فِي الْعَمَلِ ابْتِغَاءَ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانُوا يُوقِنُونَ بِأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ سَوَاءً فِي الدُّنْـيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ هِيَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ مِنْهُ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَـتَعَشَّمُونَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ وَ يُؤَمِّـلُونَ فِي فَضْلِهِ ، وَمِنْ هُـنَا كَانَ اسْمُ(الْعِشْمَاوِي) ، قُلْتُ : إِذَنْ ( فَشِنْدِي) لَقَبٌ لَكَ وَ لَيْسَ اسْماً ، قَالَ : نَعَمْ وَاشْتَهَرْتُ بِهَذَا اللَّقَبِ وَعَرَفَنِي النَّاسُ بِهِ ، قُلْتُ : وَهَلْ تُحِبُّ هَذَا اللَّقَبَ ، قَالَ : نَعَمْ ، لَقَدْ لُقِّـبْتُ بِهَذَا اللَّقَبِ وَ أَحْـبـَـبْـتُـهُ مُـنْذُ صِغَرِي – قُلْتُ: وَمَا قِصَّةُ اشْتِغَالِكَ بِـتِجَارَةِ الْغِلاَلِ ؟ ! قَالَ :لَقَدِ اشْتَغَلْتُ بِـتِجَارَةِ الْغِلاَلِ (الْأُرْزِ وَ الْغَـلَّةِ وَالْقَمْحِ وَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا ) بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجْتُ حَتَّى أَسْتَطِيعَ أَنْ أَفْتَحَ بَيْتاً ، قُلْتُ : وَمَا قِصَّةُ ضَمِّكَ لِلْعَمَلِ فِي مَعْهَدٍ أَزْهَرِيٍّ ؟ قَالَ اَلْعَمُّ شِنْدِي: لَقَدْ كَانَ دَخْلِي لاَ يَكْفِينِي فَقَدَّمْتُ فِي هَذِهِ الْوَظِيفَةِ وَوَفَّقَنِي اللَّهُ ، وَكَانَ زَمِيلِي شَعْـبَانُ أَبُو دُغَيْدٍ يَعْمَلُ بِالْـبُوفِيهِ وَيُقَدِّمُ الشَّايَ وَ الْقَهْوَةَ وَ الْحِلْبَةَ وَ الْـيَنْسُونَ وَ غَيْرَهَا لِلْمُوَظَّفِينَ ، ذَاكَرَ شَعْـبَانُ أَبُو دُغَيْدٍ وَحَصَلَ عَـلَى الْإِعْدَادِيَّةِ وَعَمِلَ إِدَارِيًّا ، قُلْتُ : وَتَوَلَّيْتَ أَنْتَ مُهِمَّةَ الْـبُوفِيهِ يَا عَمُّ شِنْدِي ؟! قَالَ: نَعَمْ ، وَأَنَا رَاضٍ وَسَعِيدٌ ، إِنَّ هَذِهِ إِرَادَةُ اللَّهِ ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31))) سُورَةُ الْإِنْسَانِ ، اِبْـتَسَمَ اَلْعَمُّ شِنْدِي: وسألتُهْ ؟، هَلْ تُحَافِظُ عَلَى الصَّلاَةِ يَا عَمُّ شِنْدِي؟! قَالَ ، بِالطَّـبْعِ يَا أُسْتَاذُ (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) )) سُورَةُ الْـبَقَرَةِ ، قُلْتُ : إَذَنْ فَالصَّلاَةُ يَا عَمُّ شِنْدِي تَدُلُّ عَـلَى إِيمَانِ الْعَبْدِ بِـلِقَاءِ اللَّهِ وَحَـتْمِيَّةِ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ؟! قَالَ : نَعَمْ ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، قَالَ: (( إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْـتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بَالْإِيمَانِ)) قُلْتُ ،اُدْعُ لَنَا يَا عَمُّ شِنْدِي بِظَهْرِ الْغَـيْبِ أَنْ يُوَفِّـقَـنَا وَ يَـرْزُقَـنَا رِزْقاً مَالَهُ مِنْ نَفَادٍ ، قَالَ الْعَمُّ شِنْدِي:- بِابْتِسَامَتِهِ الْمَعْهُودَةِ- اُدْعُ ربَّكَ فَهُوَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60))) سُورَةُ غَافِرٍ ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُوداً (79)))) سُورَةُ الْإِسْرَاءِ ، رَدَّدْتُ فِي خُشُوعٍ آمِينْ آمِينْ اللَّهُمَّ هَبْ لَـنَا الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَارْزُقْـنَا مِنْكَ السَّـنَا وَالْجُودَ 0

الشاعر والروائي/محسن عبد المعطي محمد عبد ربه(شاعر..العالم)