اختبار لقدرتنا على تحمل المسؤولية بقلم:عدلي صادق
تاريخ النشر : 2005-08-14
اختبار لقدرتنا على تحمل المسؤولية بقلم:عدلي صادق


مرّ وقت طويل، على بدء التعبير عن التخوفات، من اصطدام الأجندات الفصائلية. وقيل الكثير، خلال هذا الوقت، حول النتائج الكارثية، التي يمكن أن تنشأ، في حال اصطدام الأجندات على الأرض ـ لا سمح الله ـ الأمر الذي أفسح مجالاً واسعاً، للوعي الشعبي الفلسطيني، للتفكير في منافع الطريق القويم. وقد انتفت الفجائية عن الحدث، مثلما ستكون طريقة تسلم السلطة، للمناطق التي ينخلع منها المحتلون، من جنود ومن مستوطنين، ذات إيقاع بطيء، أي أن التسليم وانتشار قوات الأمن الفلسطيني، سيكون جزءاً جزءاً، الأمر الذي من شأنه إفادتنا، على صعيد امتصاص الفجائية المثيرة، التي ربما تنعكس في شكل من الفوضى!

وقت طويل، نسبياً، سادت فيه التخوفات. وقد ساعد ذلك الجميع، على أن يحسب بدقة. ومن هنا، كان التقدم المتعلق بالتوافق الفصائلي، على اللجنة الوطنية للمراقبة، ولضمان حُسن التصرف، بعد خروج المحتلين من غزة. غير أن وعي الشعب الفلسطيني، ونقاء أعماقه، واستفظاعه لفكرة الصدام، والإحساس العالي بمغزى اللحظة السياسية، وبالمخاطر المحدقة بنا، كانت كلها معقد الأمل الجميل، وبالتالي تلوح في الأفق، حالة من التطامن الفلسطيني الداخلي، باعتبار أن المتغير الذي نحن مقبلون عليه، هو جزء صغير من الأمنية، وما يزال أمامنا طريق طويلة، ولا يمكن أن تغلب الغرائز، التي يمكن أن تجعلنا نخسر أنفسنا، مقابل موطيء قدم خاص جداً، في المناطق المخلاة، لفصيل، أو بجريرة حسابات صغرى!

* * *

جهود فلسطينية ممتازة، بُذلت، على صعيدي التأهب الأمني لتسلم أراضي المستوطنات ومحيطها القريب، والعلاقات الوطنية أو السياسة الداخلية. فالأمور بدت واضحة، ولن يكون في وسع أحد، أن يستحوذ على الملكية الاجتماعية، ولا على أراضي الدولة، ولا أن ينفرد بمشروعات استثمار، ولا أن يقفز عن القواعد الصحيحة، في تنفيذ المشروعات، مما تتطلبه من مناقصات وعطاءات، وسيكون الجميع الفلسطيني موحداً، ضد أي فساد، لأن المؤمن لا يُلدغ من جُحرٍ مرتين، ولأن الشعب الفلسطيني مؤمن، ولأن الظروف الراهنة، لا تتيح لأي طرف فصائلي، بأن ينفرد، وبأن يقصي الآخرين، حتى ولو كان الانفراد خالياً من الشوائب، مثلما لن يتاح لمتنفذين، بأن يواصلوا استثمار المتغيرات الفلسطينية، والدم الفلسطيني، لكي يحققوا ثراءً غير مشروع!

كنا نأمل، بأن نصل الى لحظة اندحار المحتلين، من أي جزء من وطننا، فيما نحن أعمق ثقة بأنفسنا، وببعضنا البعض. لكن نجاحنا في تجربة التعاطي مع هذا المتغير، يفتح الباب واسعاً، لتطوير نظامنا السياسي، ولتكريس مبدأ الشراكة والتنافس الشريف. ففي النهاية، ومثلما الحال منذ البداية، كلنا فلسطينيون وأصحاب قضية، وندرك بأن أي خدش لصورتنا، يُسيء لنا جميعاً.

* * *

إنها لحظات للتأمل وللاحتفال بحصاد الغرس الطيب، وللإبداع في تقديم صورة محترمة، عن شعبنا. إنها لحظات التفكر في حجم التضحيات، التي بذلها شعبنا. فكل قطرة دم، سالت من جنين الى رفح، تعطي اليوم مردودها في غزة، وفي مساحة ضئيلة، من أرضنا في الضفة. بالتالي فإن منهج التنمية للمناطق التي ينحسر عنها الاحتلال، على الشاطيء وفي المساحات التي احتلها المحتلون لكي يخنقوا حياتنا، ينبغي أن يأخذ في الحسبان، حق كل مواطن، من جنين الى رفح. فالشاطيء لكل الفلسطينيين، أينما كانوا!

وبالطبع، يتوقف على مدى التزامنا بالمصلحة العليا لشعبنا، ولقضيتنا، وضعنا السياسي وقوة الورقة الفلسطينية. فما زال أمامنا الكثير من العمل الشاق، الذي لا يليق إلا بالأحرار، وعندما تكون المعركة سياسية، فإن قوتنا هي في وحدتنا. ونحن أقوى من المحتلين، بمعايير السياسة والقانون الدولي، والأخلاق، وحسابات الحرية والعدالة والضمير الإنساني. وليس أمامنا إلا أن نكون على مستوى المسؤولية، في هذا الاختبار الكبير، لقدرتنا على أن نتحمل المسؤولية، بشرف ووطنية، وبسلام راسخ، مع النفس، وسنكون كذلك، بإذن الله!

www.adlisadek.com