رجل منزوع الدسم بقلم محمود فودة
تاريخ النشر : 2012-06-29
كثيراً ما يضيق الإنسان ذرعاً بحياته, يجد روحه مغلولة بالهموم و نفسه ثقيلة يائسة وقد صار قلبه كهفاً مظلماً لا تنفلت أشعة السعادة إليه بحال ...يرى الدنيا مقبلة على من هم دونه تغدق عليهم من دون حساب فتملؤه الحسرة على ما أضاع من سنوات الشباب .. لم يدرك أن حسبته جانبها الصواب ..و لو لم يكن لديه من نعم الخالق إلا العقل لكفى ..أيرضى كل منا ان يمنح كل شيء على أن يعيش مخلوقاً برتبة حيوان ؟!! انتهزت ام شعبان فرصة الإعلان عن توظيف عمال بأحد مصانع الورق بقطاع الأعمال , حتي حملت دوسيه الأوراق المطلوبة و ذهبت إلى الحاج سيد المعروف عنه سعة علاقاته وتشعبها رجته واستعطفته أن يساعدها في توظيف الواد شعبان الغلبان . . بعد ايام تسلم شعبان العمل ..لم يكن ينفق شيئاً الأتوبيس يغدو ويروح به و الغذاء تعده أمه له .. لم يبد تقدماً في العمل ؛لم يتعلم شيئا ًتشعر وكأنه الشاويش رجب في أفلام إسماعيل يس في البوليس والبحرية.... كان سريع الغضب؛مماجعل زملاءه يتندرون عليه..صار سلوتهم ومبعث ضحكاتهم وقفشاتهم ومقالبهم ..يفتقدونه إذا غاب وكان كثير الغياب فلم يكن يحصل إلا على المرتب ليس فوقه شيء وكثيراً ما يستقطع منه ... تقرب إليه أحد زملائه كانت له أخت كبرت سنها و عزف عنها الخَطّاب ..رآهما متوافقين لبعضهما وسبحان الله الأرواح جنود مجندة ..تزوجا ..لم يغرم مليماً ولم يتحمل مسئولية شيء وجد نفسه موظفاً ومتزوجاً ..من أول اسبوع تشنف الشتائم المتبادلة آذان المارين و اعتاد الجيران على الضجيج والعجيج.. وقد صارا مثار السخرية ... يحمل كل يوم سنارته التي أعدها بنفسه اتخذ عوداً من الغاب قصبة لها .لم يكن له حصن يلوذ إليه إلا أدوات صيده..و لا يعرف شيئاً إلا سنارته ..حتى امه التي كانت في نفس البيت لم يدر عنها شيئاً و لا يطالع وجهه وجهها إلا ليوغر صدرها عليه او أن يهديها شيئاً من صيده .. لم يكن يفرحه إلا أنه وجد مكاناً جيداً للصيد أو غابة طويلة لسنارته أو وجد طعماً للصيد أو دله أحد على خيط متين ..ولم يكن يحزنه ويملؤه حنقاً غير أن تشتبك سنارته بشيء في الماء كم تكون حسرته حينما تفلت من سنارته سمكة كبيرة..او ينقطع خيط سنارته .. كان السمك طعامه في كل الأوقات و ربما يفيض عليه صيده فيقوم بإهدائه لولد جلب له طعماً او دله على قصبة جيدة .. مرضت أمه بالمرض الخبيث ..لم يكن يعلم عنها شيئاً زوجة أخيه الشاب الذي توفي في حادثة تاركاً خلفه بنتين وولداً لا عائل لهم ولا مصدر دخل ..هي التي تجري بها هنا وهناك في معهد الاورام في جلسات العلاج ... فجأة سكنت الروح التي لطالما اعطت و ..رجت و ... أقيم العزاء امام البيت الواقع على جانب الترعة ..الناس يجيئون ويذهون ومازالت عيناه معلقتين على الغاب الذي يتمايل مع نسيم الربيع ... 8/5/ 2012