انتقام الدوري ترجمة : حماد صبح
تاريخ النشر : 2012-06-26
بسم الله الرحمن الرحيم
انتقام الدوري . ترجمة : حماد صبح
لم يكن صاحب كلب الغنم سيدا طيب القلب بل كان خلاف ذلك شخصا سيئا يعرضه للجوع ، ولما عجز عن العيش عنده تركه جم الأسى . وفي طريقه التقى عصفور دوري قال له : لم أنت كثير الحزن يا أخي الكلب ؟
فأجابه : جائع وليس عندي ما آكله .
فقال الدوري : تعال معي يا أخي العزيز إلى المدينة ! وسأشبعك .
وذهب الاثنان إلى المدينة ، وحين صارا أمام محل جزار قال الدوري للكلب : ابق هنا ! سأحضر لك قطعة لحم .
وحط فوق محل الجزار وتلفت ليرى إن كان ثمة من يراقبه وجذب قطعة كانت على حافة الإضَم ( ما يقطع عليه اللحم ) جذبا استغرق وقتا في قطعها حتى أوقعها ، فالتقطها الكلب وعدا بها إلى زاوية حيث التهمها .
قال العصفور : هلم معي إلى محل آخر ! سأحضر لك قطعة أخرى قد تشبعك .
وبعد أن التهم الكلب القطعة الثانية سأله الدوري : أخي الكلب ! هل نلت الآن ما كفاك ؟
أجاب : نعم . نلت كفايتي من اللحم إلا أنني لم أنل حتى الآن شيئا من الخبز .
قال الدوري : ستنال هذا أيضا . هلم معي !
وأخذه إلى مخبز وجذب كعكتين محلاتين حتى سقطتا . ولما واصل الكلب طلب المزيد قاده الدوري إلى محل آخر
وحصل له مرة جديدة على الخبز ، وبعد أن أكله سأله : أخي الكلب ! هل نلت الآن ما كفاك ؟
أجاب : نعم . دعنا نمشِ قليلا خارج المدينة !
كان الجو دافئا ، وبعد أن سارا مسافة قليلة قال الكلب : تعبت . أود النوم .
فقال الدوري : طيب . نم ! سأحط وقت نومك على فنن .
وكذا استلقى الكلب على الدرب ومضى في نوم عميق . وأثناء نومه قدم صاحب عربة ذات ثلاثة جياد تحمل برميلي خمر . ولا حظ الدوري أن صاحب العربة لا ينوي الانعطاف بل يسير في نفس الاتجاه الذي يرقد فيه الكلب لذا صاح : يا صاحب العربة لا تفعلها وإلا بلوتك بالفقر !
لكن صاحب العربة دمدم محدثا ذاته : لن تبلوني فقرا .
وفرقع بصوته وساق العربة فوق الكلب فقتلته عجلاتها .
فصاح الدوري : دست أخي الكلب وقتلته ! سيكلفك هذا عربتك وجيادك .
قال صاحب العربة هازئا : العربة والجياد حقا !
أي أذاة يمكنك أن تلحقها بي ؟
ومضى قدما بعربته فزحف الدوري تحت غطائها ونقر سدادة أحد البرميلين طويلا حتى انتزعها فسالت
الخمر منه كلها دون أن يلحظها السائق ، ولكنه حين التفت خلفه لاحظ العربة تقطر خمرا ، ونظر إلى البرميلين
فوجد أحدهما فارغا فصاح : أنا سيء الحظ .
قال الدوري : لست سيئا بما يكفي بعد .
وطار إلى رأس أحد الجياد وانتزع عينه ، ولما رأى السائق ما حدث اخرج فأسه يريد أن يرمي الدوري بها
فطار هذا في الهواء فأصاب السائق رأس جواده فخر ميتا . صاح : أوه ! يا لي من رجل سيء الحظ !
قال الدوري : لست سيئا بما يكفي بعد .
وحين استأنف السائق السير بالجوادين الآخرين ولج الدوري ثانية تحت الغطاء وانتزع سدادة البرميل الثاني
فانسكبت كل خمره فلما علم بها السائق صاح مرة جديدة : يا لي من رجل سيء الحظ !
فقال الدوري : لست سيئا بما يكفي بعد .
واستقر على رأس الجواد الثاني وانتزع عينه فأسرع إليه السائق ورفع فأسه لضربه ، لكن العصفور طار
فأصابت الضربة الجواد فسقط ميتا .
صاح السائق : أوه ! يا لي من رجل سيء الحظ !
قال الدوري : لست سيئا بما يكفي بعد .
وحط على رأس الجواد الثالث وانتزع عينه فضربه السائق الغاضب دون أن ينظر حوله فلم يصبه وأصاب جواده
فصاح : آه ! يا لي من رجل سيء الحظ !
قال الدوري : لست سيئا بما يكفي بعد . سأجعلك الآن سيء الحظ في بيتك .
وطار مبتعدا . كان على السائق ترك العربة فتركها وعاد إلي بيته طافحا غضبا وكدرا . قال لزوجته : آه يا للمصائب التي دهتني ! انسكبت خمري وماتت جيادي الثلاثة .
قالت : وا ألماه يا زوجي ! أي طائر خبيث دخل بيتنا ؟ جمع طيور الدنيا فحطت على قمحنا وهي تلتهمه الآن .
فصعد السائق درجات البيت ليرى ألوفا من الطير مستقرة فوقه بعد أن أكلت كل القمح ، وكان الدوري يجلس
بينها . صاح السائق : أوه ! يا لي من رجل سيء الحظ !
رد الدوري : لست سيئا بما يكفي بعد . أيها السائق ! سيكلفك الأمر حياتك .
وطار . وفقد السائق بعد ذلك كل ما يملك . نزل الدرجات ودخل الحجرة وجلس خلف الموقد عظيم الغضب والمرارة ، واستقر الدوري في الخارج قبالة النافذة وصاح : يا صاحب العربة ! سيكلفك الأمر حياتك .
فخطف السائق الفأس وقذف الدوري بها فلم تكسر سوى النافذة دون أن تصيب الدوري الذي دخل واستقر على الموقد وصاح : يا صاحب العربة ! سيكلفك الأمر حياتك .
فما كان من السائق الذي تصاعد جنونه وغضبه إلا أن ضرب الموقد فشطره شطرين . ولأن الدوري انتقل من مكان إلى آخر داخل البيت فقد أصاب كل أثاثه : المرآة والمقاعد والمائدة وأخيرا الجدران دون أن يتمكن السائق
من ضربه ، لكنه استطاع في النهاية القبض عليه فسألته زوجته : ستقتله ؟
صاح : القتل سيكون رحمة به . سيموت ميتة أقسى .
وابتلعه كاملا فراح العصفور يرفرف داخل جسمه ، ورفرف صاعدا إلى فمه ثم أطلع رأسه وصاح :
يا صاحب العربة ! سيكلفك الأمر حياتك .
فأعطى السائق زوجته الفأس قائلا : أيتها الزوجة ! اقتلي العصفور الذي في فمي !
ضربت الزوجة فطاشت ضربتها وأصابت السائق مباشرة في رأسه فأسقطته جثة هامدة ، وطار الدوري مبتعدا .
* الأخوان يعقوب وويلهلم جرم .
* عن النص الإنجليزي .