غرسوا فلم يأكلوا بقلم:حماد صبح
تاريخ النشر : 2012-06-20
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة : غرسوا فلم يأكلوا بقلم : حماد صبح
خطفها من سيل الماء الموشى بالعيدان والزبد وورق الشجر . همس في المطر الذي أخذ يهدأ : جوافة كمال !
ترقرقت في عينيه دموع . حمل الشجيرة إلى الكوخ الذي يحفظ فيه كل ما له صلة بالزراعة من أدوات ومبيدات وبذور ، وأسندها في رفق وحب في زاوية الكوخ الجنوبية الغربية ، وعاد إلى عمله . تابع تحويل ماء السيل بالمسحاة إلى أشجار الزيتون . انهمرت عليه الذكريات . في مطلع أكتوبر 2008 اتفق مع كمال على الذهاب
إلى السوق . قال كمال إنه يريد شراء شجيرة جوافة ليغرسها عند سور البيت من الخارج . وفي الصباح هاتفه
بالجوال وأخبره بأنه لا يستطيع مصاحبته إلى السوق ، ولم يضف أي كلمة لبيان السبب . اشترى معتز الشجيرة .
ماذا كان سيفعل سوى ما فعل ؟ وأصيلا ذهب بها إلى كمال ، ورفض صادقا أخذ ثمنها . قال مازحا : إنها شجيرتي . ازرعها لي عندك !
استشهد كمال مجاهدا رابع أيام عدوان الرصاص المصبوب ، وانكف معتز عن الذهاب إلى بيته وملاحظة
نمو الشجيرة . هاهي تأتيه على وجه السيل بعد ليلة من المطر الوابل والريح الهائجة . قالوا إن السيل لا يبدل مجراه . قد تجبره تغييرات في شكل أرض المجرى بفعل الإنسان إلى انعطاف هنا وتوقف هنا ، لكن إذا
اشتد المطر وامتد زمن تهطاله عاد إلى مجراه القديم . وهذا ما حدث للسيل الذي جلب الشجيرة بعد
أربعة أشهر من غرسها عند الجهة الجنوبية من سور بيت كمال . وبعد أن اطمأن معتز إلى تحويل مسار
الماء نحو أشجاره قصد الكوخ . انتبه إلى أن الشجيرة كبرت كبرا لا يخفى . ترقرت الدموع في عينيه .
رفع الشجيرة من ساقها وقبلها هامسا : مستها يد كمال ورأتها عينه . فكر : هل يعيدها إلى أسرته ؟ وناقش نفسه :
ابنه في الثانية من عمره ، من سيرعاها ؟ قد تهملها زوجته ، ثم هو صديقي ، صديقي ؟ ! أخي . وغرسها أصيلا
حين صحا الجو ودفىء في حضن السياج الجنوبي لزيتونه . غرست في مكان ووقت يشبهان المكان والوقت
اللذين غرست فيهما أول مرة عند بيت كمال . ومنذ أيام قطف فاتحة ثمارها القليلة فأكل حبة وأعطى الباقي
لأسرتين من الجيران الذين قالوا إنه وزع عليهم فاتحة جوافته حتى يبارك الله له في الآتي من ثمارها . لا يعلمون أنها جوافة كمال ، وأنه لا يراها إلا هكذا . كان في قلبه حرارة حسرة . أرملة كمال وابنه لم يأكلا من ثمرها . الابن معتز مات في مرض ، والأم عادت إلى أهلها ،
والبيت اشترته أسرة جديدة . ونظر صوب البيت فدهمه انهلال الدمع فمسحه بكمه وتمتم في نشيجه : غرسوا
فلم يأكلوا .