معركة غزة الأولى ترجمة: سالم أحمد غانم
تاريخ النشر : 2005-08-06
معركة غزة الأولى

دارت وقائع هذه المعركة في سياق الحرب العالمية الأولى في 26/3/1917 وكانت ساحتها مدينة غزة جنوب فلسطين وانتهت بانتصار الجيش التركي. كانت المعركة بين قوات الإمبراطورية العثمانية في مواجهة قوات الحلفاء وتضم قوات استرالية و بريطانية ونيوزيلندية.

كانت قوات العثمانيين بقيادة طلال بيك و قوات الحلفاء بقيادة ( أرشيبلد ميروي) و بلغ حجم قوات العثمانيين 4000 رجل في غزة و 11 ألف رجل فيما حولها.أما قوات الحلفاء فكانت 22 ألف رجل منهم 16 ألف رجل مشاة و 6 آلاف قوات محمولة( فرسان).

أسفرت المعركة عن انتصار الأتراك و هزيمة الحلفاء حيث سقط من الحلفاء 400 قتيل و2900 جريح وفقدوا 200 جندي, في حين كانت الإصابات في الجانب التركي 2000 رجل.

وقعت هذه المعركة على الطرف الجنوبي من فلسطين. وبعد ثمانية أشهر من المعارك المتواصلة أستطاع الإنجليز أن يدفعوا القوات التركية من شبه جزيرة سيناء حيث كانت القوات التركية تحاول قطع طريق الإمداد عن قوات الحلفاء عبر قناة السويس.حاولت القوات البريطانية التقدم في فلسطين بهدف قطع التواصل بين قوات الأتراك في بلاد الرافدين وجزيرة العرب. وكخطوة أولى كان الإ نجليز بحاجة للسيطرة على حصن غزة الحصين الذي كان يتحكم في الطريق الساحلي عبر فلسطين.

في الجزء الأول منها كانت المعركة في الأساس هجوماً برياً بقوات المشاة و دفع فيها الإنجليز ثمناً باهظاً و قدموا النصر على طبق من ذهب للأتراك.

مقدمة:

كانت العمليات العسكرية البريطانية في الشرق الأوسط دائماً في المرتبة الثانية بعد الجبهة في أوروبا و كان السير جنرال / أرشيبلد ميرفي هو قائد قوات التدخل في الشرق و التي تشمل القوات في مصر و المتوسط كان بحاجة إلى إرسال قوات لفرنسا مما عطل بشكل كبير قدرته على شن هجوم واسع على الأتراك في الشرق. و كان الرجل يشعر بأنه محظوظ حيث لم يطلب منه إرسال قوات كبيرة من سلاح الفرسان إلى هناك. مما مكنه من الاحتفاظ بكتائب الفرسان عالية الخبرة. و استطاع زيادة قدرة هذا السلاح من خلال تكوين فرق الفرسان الخفيفة من الأستراليين.

في يناير 1917 طلب إلى الجنرال /ميروي إرسال الفرقة البريطانية الثانية و الأربعين إلى فرنسا و وجد نفسه قائداً لثلاث فرق مشاه و فرقتين محمولتين. و كان رأس الحربة في هذه القوات هو طابور الصحراء تحت قيادة العقيد / فيليب سيتوود و هي القوة التي كلفت بشن الهجوم على غزة تحت أشراف القائد العام لهذه القوات العقيد / تشارلز دوبل. و لقد أثارت هذه العملية و أربكت صانعي القرار في القيادة البريطانية في الشرق.

ميدان المعركة:

و لمدة ألف عام كانت مدينة غزة بوابة مرور للجيوش المارة عبر طريق الساحل في فلسطين بين مصر و فلسطين. و لحماية هذه القلعة و منع مرور أي جيش عصري محمول, كون الأتراك خط دفاع قوي أمتد من غزة على الساحل و حتى بئر السبع. و امتد الخط لمسافة 30 ميل من غزة على الساحل و حتى بئر السبع في الجنوب الشرقي. و لقد كانت المنطقة مناسبة لأغرا ض الدفاع إلا أن مصدر الماء الذي يمكن الاعتماد عليه كان على مقربة من مدينة بئر السبع.

أما غزة التي كانت على منحدر مخفض يبعد عن الشاطئ مسافة ميلين فقط فقد كانت منطقة رملية و في الشرق منطقة تلال مرتفعة تمتد من الشمال إلى الجنوب و تبلغ أعلاها ارتفاع 300 قدم عن سطح البحر و تسمى قمة " علي المنطار" . و قريباً من المدينة و حولها حقول زراعية خصبة تحيط بها أشجار كثيفة تمثل وضعاً مثالياً للدفاع و المباغتة.

و في مارس 1917 ومن خلال قواته المتمركزة جنوب غزة و تصلها إمدادات منتظمة عبر خط السكة الحديد من مصر فقط لمح الجنرال موري لرؤسائه برغبته في الاستيلاء على غزة و اعتقاده أن الأتراك في نيتهم التراجع شمالاً و التحصن عند خط دفاعهم الثاني بين ( يافا – القدس)

و لقد قدرت القوات التركية في حينه بأربعة آلاف رجل في غزة و أحد عشر ألفاً في جوارها في حين كانت قوات الحلفاء المشتركة في الهجوم حوالي أثنان و عشرون ألف رجل و شملت الفرقة 53 و 54 و كتيبتان محمولتان علاوة على كتيبة الهجانة الملكية .

***

الاستعدادات للمعركة:

كان يقصد من الهجوم على غزة أن يكون سريعاً و بجميع الوحدات بما فيها المدفعية و أن يكون التقدم أثناء الليل و عبور حاجز طبيعي عند وادي غزة العميق.

بدأت القوات تحركها عند الساعة الثانية و النصف ليلاً يوم 26/3/1917 و أعاق تقدمها ضباب كثيف لم يتراجع حتى الساعة الثامنة صباحاً.

و قد بدأ الهجوم الأساسي من الفرقة 53 و يقودها الجنرال أيه جي دالس, بدعم من الكتيبة 161 من الفرقة 54. أما الكتيبتان المحمولتان و كتيبة الهجانة فقد أوكل لها مهمة حماية الخاصرة الشرقية و الغربية للقوات المهاجمة. وعند التقدم تقوم أحدى الكتيبتين المحمولتين بمحاصرة غزة من جهة الشرق و الشمال فيحين تقوم الكتيبة المحمولة الأخرى و كتيبة الهجانة بمنع وصول الأمدادات من خط بئر السبع غزة.

و على الرغم من الضباب الكثيف فقد أكملت القوات المهاجمة الإحاطة بغزة دون أي تخلل في صفوفها. و قد أسهم الضباب في أعاقة حركة القوات إلا أنه شكل حماية لقوات الخيالة و جعلها خارج نطاق المراقبة. لقد فاجئ الهجوم بالكامل القوات التركية و تم تدمير طائرتين ألمانيتين على الأرض و تمت السيطرة على بعض المواقع التركية المعزولة و اسر قائد الكتيبة التركية 53 و بعض عناصره بينما كانوا في طريقهم لاستلام الأوامر من حامية غزة التركية.

أما تقدم كتائب المشاة فقد كان أقل نجاحاً فحيث كانت الخطة تقضي بعبور هذه القوات لوادي غزة عند الساعة الخامسة صباحاً و الاستعداد لمهاجمة موقع "علي المنطار" شرق مدينة غزة عند الساعة الثامنة صباحاً بعد قصف مدفعي تمهيدي فإن الكتيبة 158 تهاجم الموقع من اليمين ( الشرق) و الكتيبة 160 من اليسار ( الغرب) مع بقاء الكتيبة 159 في موقع الاحتياط للمساعدة عند الضرورة.

إلا ان قوات المشاة لم تصل المواقع المحددة لها حسب الخطة حتى الساعة الثامنة و النصف و لم تبدأ المدفعية في القصف التمهيدي حتى الساعة التاسعة صباحاً مما أفقد الهجوم عنصر المفاجأة.

***

المعركة:

لأسباب لا تزال غامضة فإن الجنرال / دالاس قد أخر الهجوم و لعل عدم تأكده من مدى قوة القوات التركية قد جعله متردداً في الهجوم مما اضطره لترك مقر قيادته و التحرك لميدان المعركة و معاينته بنفسه.و بقي مع معاونيه غائياً عن مركز القيادة لمدة ساعتين و أكثر. و خلال هذا الوقت كان وستوود يحاول دون جدوى الاتصال به و تسليمه أوامر الهجوم مباشرة. و لقد رأى دالاس أعمدة الغبار المتصاعدة من الميدان عن بعد مما جعله يعتقد أن التعزيزات التركية في طريقها للميدان مما جعله عصبياً عاجزاً عن أخذ القرار رغم كون ما رآه إنذاراً غير حقيقي.

و عند الظهر أي بعد حوالي خمس ساعات بدأ دالاس هجوم المشاة من الكتيبة 161 و مدفعية الفرقة 54 عند الساعة الواحدة ظهراً. و في نفس الوقت و تحت ضغط انحسار مساحة النهار المتبقية أمرالجنرال/ وستوود قوات الفرقة المحمولة بقيادة الجنرال/ شافيل بالهجوم على غزة من الشمال و الشرق مستخدماً كتيبتين محمولتين.

أما بخصوص هجوم المشاة فقد تم عبر جبهة عرضها 4000 قدم من الأرض المفتوحة تحت وابل كثيف من المدفعية التركية. و عندما اقترب خط الهجوم من مسافة 1000 ياردة من موقع قمة " علي المنطار" بدأت الرشاشات و البنادق التركية في الإطلاق باتجاه القوات المهاجمة و عندها بدأ هجوم الانجليز بالترنح. و عندها أرسل دالاس كتيبة الاحتياط 159.

و في حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر وصلت بعض طلائع القوات الانجليزية المهاجمة إلى سفوح قمة "علي المنطار" ذات الأشجار الكثيفة. و عندها بدأ اشتباك بالسلاح الأبيض بين المتحاربين.

عند الساعة 4.20 دقيقة وصلت كتيبة الاحتياط رقم 161 و بدأت الاشتباك الذي أصبح بثلاث كتائب. و عند هذه المرحلة كانت كافة قوات المشاة الانجليزية مشتركة في العمليات حول قمة المنطار.و خرج الأتراك عنوة من موقعهم في تلة " علي المنطار" قبل الغروب بقليل و تمكنوا من الانسحاب بشكل منظم باتجاه مدينة غزة.

عند الساعة الواحدة كانت الكتيبة الأسترالية و الكتيبة النيوزيلندية و هما من الخيالة تتحرك باتجاه مدينة غزة من الشمال و الشرق على التتابع. كان الأتراك متأكدين من ضعف هذه القوات فقاموا بسحب بعض قواتهم في مواجهتها و إرسالها لمواجهة الهجوم الإنجليزي القادم من الجنوب. و هذا مكن جنود هاتين الكتيبتين من الوصول إلى مقربة من مدينة غزة قبل الترجل من على جيادهم. و دخلوا في منطقة الأشجار الكثيفة التي تحيط بالمدينة من الشرق.

عند الساعة السادسة مساء كانت المواقع التركية في وضع خطر و قد أحاطت بها القوات الانجليزية كالخاتم. إلا ان دوبل و وستوود قررا استدعاء القوات المهاجمة و الانسحاب و هو قرار أزعج الجنود المقاتلين الذين أصر قادتهم على تلقي أوامر مكتوبة بهذا الخصوص.

***

تبعات المعركة و نتائجها:

لقد كان القرار الإنجليزي نابعاً من مخاوف الانجليز من حلول الظلام و ارتفاع الخسائر في صفوف المشاة و وصول تعزيزات تركية قدرت بعشرة ألاف رجل من جهة الشرق و الشمال. و لقد فوجئت الحامية التركية التي كانت على وشك الانهيار بانحسار الهجوم و عند فجر 27/3/1917 كان الانجليز قد تخلوا عن هجومهم.

و قد كانت الخسائر في صفوف القوات الأسترالية و النيوزيلندية طفيفة ( ثلاث قتلى) و 34 جريح. أما المشاة البريطانية فقد فقدت ( 394) جندي و أصيب منها 2900 و فقد 200. أما خسائر الأتراك فهي غير معروفة و قدرت بنصف الخسائر في صفوف الانجليز.

و قد صور الجنرال موري و الجنرال دوبل المعركة على أنها نصر انجليزي محض و ذلك وفق ما جاء في تقاريرهم لوزارة الحرب البريطانية و برروا انسحابهم بدعوى وصول تعزيزات تركية و التعب الذي انتاب الجياد التي لم تشرب طوال النهار. و هوي أمور تفندها تقارير الميدان الصادرة عن جهات أخرى.

لقد كان فشل الجنرال موري في الاستيلاء على غزة في محاولته الأولى و طموحاته في فلسطين. أما على جانب الأتراك فقد أصيبت القوات التركية بنكسة معنوية أثر تراجعها أمام الانجليز في شبه جزيرة سيناء و بدأت التفكير في الانسحاب لخط الدفاع الثاني (يافا القدس) و لكن بعد هذه المواجهة تأكد لهم أهمية خط الدفاع (غزة –بئر السبع)

و مع ذلك فقد عاد الانجليز و حاولوا ثانياً احتلال غزة في 19/4/1917 و هذه ما عرفت بمعركة غزة الثانية

المصادر:

وثائق وزارة المستعمرات البريطانية.

وثائق وزارة الحرب البريطانية ( War Office)