*الحكم الصالح*
*الدكتور عادل عامر***
*يشير مفهوم الحكم الصالح و ما يطلق عليه أحيانا الحكم الجيد أو الرشيد إلى
ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية لإدارة شؤون بلد ما على جميع
المستويات. يستند مفهوم الحكم الصالح إلى منظومة الحكم التي تعزز وتدعم وتصون
رفاه الإنسان وتقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا سيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع
فقراً وتهميشا. الحكم الصالح هو "نسق من المؤسسات المجتمعية، المعبرة عن الناس
تعبيراً سليماً، تربط بينها شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة بواسطة
المؤسسات، وفي النهاية بواسطة الناس. *
*هو الذي يقوم على دعائم الدستور؛ فلا محاباة ولا تلاعب ولا تحكم ولا طغيان.
ويفرض هيبته باستقامة ولاته، فلا عقوبة إلا مع الجريمة، ولا عفو إلا مع
المخلصين. وينتزع الحب في قلوب الرعية؛ بالعدل الذي يسوي بين الناس، واليقظة
التي تدفع الأخطار، والتفاني الذي يجهد النفس ويمنع لذائذ الحياة. وهو الذي
يرى ولاته أنهم خدام الأمة لا متكبروها. وأنهم أمناء على أموالها لا سراقها
ومبددوها. وأنهم أقلهم شأناً ولكنهم أكثرهم واجبات. وأنهم يلزمهم ما يلزم
الخادم لسيده من النصح وأداء الأمانة. وهو الذي تصان فيه فضائل الأمة من
الذوبان. وتحفظ أخلاقها من التدهور والانحطاط. وتمنع عقيدتها من التحلل
والتلوث بالخرافات. وتنمى عقولها بالعلوم والآداب والثقافات. حتى لتكون الأمة
إيماناً يبعث على السمو، وكمالاً يدعو إلى الاحترام، ورقيًّا وحركة متقدمة
بروية واتزان، وشخصية متميزة بين الأمم بحبها للخير ومحاربتها للفساد. وهو
الذي يعمل قادتها في وضح النهار لا في الظلام. ويقولون للأمة ما ينوون عمله
وتنفيذه. وتكون رجولتهم في أعمالهم أبين منها في خطبهم وأقوالهم. ويكون الدهاء
عندهم طريقاً لانتزاع حق الأمة من الغاصبين، لا للتغرير بها والتحكم في
شؤونها، والتمكن من خيراتها وأموالها ولو أدى ذلك إلى وضع القيود في أعناقها
لتذل للظالمين والمستعمرين. وهو الذي يدخل السعادة إلى كل بيت! والطمأنينة إلى
كل قلب، والكساء إلى كل جسم، والغذاء إلى كل بطن. فلا تعرى أمة ليكتسي أفراد،
ولا تجوع آلاف ليشبع رجال، ولا تفتقر جماهير لتغنى فئات. هو الحكم الذي يقول
فيه التاريخ لرجاله: عففتم فعف ولاتكم، ولو سرقتم لسرقوا. وهو الحكم الذي يقول
كبير أمرائه: "مثلي ومثلكم كمثل قوم وكلوا إلى واحد منهم أموالهم؛ فلا يحل له
أن ينفق منها إلا برأيهم ومشورتهم".وهو الحكم الذي يقول فيه رجل الدولة:
"القوي عندكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له
الحق. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق".هذا هو الحكم الذي يكون عرش رجاله في قلوب الأمة، والثقة به من رضاها
وثنائها، واستمراره وبقاؤه رهين بتأييد الجماهير الواعية العاملة المؤمنة؛ لا
بنفر محدود يرهبهم الوعيد، وتغريهم الوعود. سيقولون: هذا انقطاع عن الحياة،
وإغراق في الخيال. وسيقول لهم الحق: طلب المثل العليا في أجواء الخيال أنبل من
الإسفاف إلى واقع كله ضلال.*
*فرضت بحوث الحاكمية نفسها على الفضاء المعرفي السياسي في الآونة الأخيرة. و
مع تطور و رقي المجتمعات الإنسانية بات من الضروري و الملح ان يتم مناقشة دور
الحكومات في قدرتها على مجارات هذا التطور الإنساني الذي نجم عنه طرح مواضيع
طرأت عليها مثل العولمة التجارية و العالم أحادي القطبية و التداخلات الثقافية
والحضارية و العقائدية و كل ما يختص بذات الإنسان و علاقته بدولته . و بذلك
ينفتح للمواطن القدرة على التحرك بمجاميع مستقلة لتلعب دور مهم و قيادي في
معالجة المشاكل و طرح الحلول و توجيه الحكومات إلى تلك الحلول. فالأمل معقود
على الشعوب والحكومات على حد سواء للاستفادة من المبادي العالمية للحكم الصالح
كما اسهبنا في تفصيلها بهذه الورقة . كما يجب على الباحثين المختصين بمثل هذه
العلوم بأن يتوسعوا و يتبحرو في هذا الباب ليتم التعرف على طبيعة الحاكمية من
حيث الوسيلة و الغاية و من ثم التوسع في المبادئ مما يمكننا من استنباط وسائل
تحليلة قابلة للتطبيق العملي المطلوب استمرار النهج الإصلاحي ودعمه و عدم
الكلل و الملل إلى أن تتهاوى قلاع الفساد و يرتقي المجتمع و تتحقق الرفاهية
للمواطنين*
*.* *قال الحسن البصري رضي الله عنه: من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن
نظر في العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل ومن حلم غنم ومن خلف سلم ومن اعتبر أبصر
ومن أبصر فهم ومن فهم علم ومن علم عمل فإذا زللت فارجع وإذا ندمت فاقلع وإذا
جهلت فاسأل وإذا غضبت فامسك*
*وقال ايضا الحسن البصري: يا ابن آدم إنما أنت عدد فإذا مضى يومك فقد مضى
بعضك، إنما الدنيا حلم والآخرة يقظة والموت متوسط بينهما ونحن فى أضغاث أحلام،
من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر فى العواقب نجا، ومن أطاع هواه
ضل، ومن حلم غنم، ومن خاف سلم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم،
ومن علم عمل، فإذا ذللت فارجع، وإذا ندمت فأقلع، وإذا جهلت فأسأل، وإذا غضبت
فأمسك، وأعلم أن خير الأعمال ما أكرهت عليه النفوس كيفَ أحاسبُ نفسي ؟ سؤالٌ
يترددُ في ذِهن كل واحدٍ بعدَ قراءةِ ما مضى . وللإجابة على هذا التساؤل: أن
محاسبةَ النفس تكون كالتالي: أولاً: البدءُ بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصٌ
تداركهُ. ثانياً : النظرُ في المناهي ، فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً
تداركه بالتوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحية . رابعاً:محاسبةُ النفس على
الغفلةِ، ويَتَدَاركُ ذلِك بالذكرِ والإقبالِ على ربِ السماوات ورب الأرض رب
العرش العظيم. رابعاً : محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح ، وكلامِ اللسان ،
ومشيِ الرجلين ، وبطشِ اليدين ، ونظرِ العينين ، وسماعِ الأذنين ، ماذا أردتُ
بهذا ؟ ولمن فعلته ؟ وعلى أي وجه فعلته ؟ بينما كان أحد الصالحين يمشى ذات يوم
من الأيام فوجد رجلا يشوى لحما فى النار فبكى الرجل الصالح فقال له الشواء :
ما يبكيك؟ هل أنت محتاج إلى اللحم ، فقال الرجل الصالح : لا . فقال له الشواء
: إذن فما يبكيك ؟ فقال الرجل الصالح : إنما أبكى على ابن آدم . يدخل الحيوان
النار ميتا وابن آدم يدخلها حيا***
الحكم الصالح بقلم:د.عادل عامر
تاريخ النشر : 2012-05-09
