مين ينسى عليا التونسيه واغانيها ؟بقلم:وجيه ندى
تاريخ النشر : 2012-04-29
مين ينسى عليا التونسيه واغانيها ؟بقلم:وجيه ندى


مين ينسى عليا التونسيه واغانيها ؟

لمع اسم المطربة عليا التونسية منذ أواخر الخمسينيات وحتى أصبحت في بدايات الستينيات ألمع مطربة في كل أقطار المغرب العربي، وحيث كانت القمة في الغناء التونسي محصورة بينها وبين المطربة نعمة، المعروفة بدفء الصوت وحلاوة الإحساس، وقد ظل هذا الوضع خلال كل السنوات التي تلت انطلاق شهرة كل منهما. هذا الصوت الشجي، وفير النغم، واضح الصفاء، متين الأداء فقد كانت تعرف كيف تمسك بالطبقة وكانت تعرف كيف تغني خلالها كما كانت تتمكن من تغييرها، وعبر قدرة واضحة على التصرف والابتكار، وتضيف إلى هذه القدرات معرفتها بكيفية وتوقيت وضع الحلي والزخارف الصوتية عند الكلمة ذات المعنى الذي يحتمل ذلك في الغناء. لقد لمع صوت عليا وترددت أغانيها، ولعل من أشهر ما ردد لها المستمع العربي من أغن أغنيتها (جاري يا حمودة) التي وضع لحنها أحمد حمزة، وتصور البعض خطأ أنها من الفولكلور في الشمال العربي الأفريقي، من فرط بساطتها وسهولة جملتها اللحنية الأساسية، إلى جانب انتشار الأغنية وترديد معظم الناس لها في غالبية المناسبات واللقاءات الجماعية إلى جانب ليالي الأفراح والمسرات. وظلت تقدم الأغنية العاطفية مثل ( دمعة عينى دمعة ) التي رددها الناس، هي وأغنيتها الجميلة الأخرى ( أروح له بكرة ) لم ينطلق صوت عليا بهذا المستوى من دون مقدمات، لأن بدايات صقل صوتها وقدراتها في الأداء تعود إلى سنوات التكوين، حيث اكتسبت عليا هذه المهارات عبر البدايات التقليدية، عندما عرفت فنون النغم وأساليب الغناء خلال التلقين الاعتيادي، وتوجيهات إلى حفظ الأعمال الغنائية المشهورة وترديد أعمال التراث، ولقد شغلت الهواية المطربة عليا خلال سنوات الخمسينيات وعلى الرغم من إغراءات الغناء الفرانكو آراب واتجاه الأصوات إلى الغناء المتفرنج، فقد كان اختيار عليا لمدرستها الغنائية خلال ترديدها لأغانى زعيمة الغناء العربي أم كلثوم، حيث قدمت هذا الأغانى التي تعبر عن هويتها القومية واختيارها الوطنى، خلال السنوات التي غنت فيها في الحفلات وعلى مسارح المنوعات وأيضاً في ليالي الزفاف والمناسبات السعيدة. كان الحرص العربي في الالتحاق بمدرسة أم كلثوم، وكان الحرص الوطني في التزود بمفاتيح كنوز التراث الغنائي العربي التونسي، حيث نهلت عليا من ينابيعه الأولي خلال حرصها على ترديد غنائيات التراث العربي، وتراث الموشحات العربية الأندلسية إلى جانب هذا العشق لألوان غنائيات (المألوف) التونسي.
وعندما استقلت تونس وأعلنت الجمهورية وقامت الإذاعة الوطنية التونسية، نجحت عليا في التقدم إلى الإذاعة، التي اعتمدتها عام 1957 كمطربة، من خلال لجنة الاختبار التي ضمت كبار المشتغلين بفنون الموسيقى والغناء في تونس، ومنهم أساتذة في معهد الموسيقى العربية هناك، والذي كان من أعلامه الموسيقار صالح المهدى.
تدعم نجاح عليا خلال عدة خيوط أمسكت بها، أولها موهبتها الأصيلة ومعها عرفت كيف تختار الألوان التي تناسب خامتها الصوتية المتينة وحيث حققت عليا خلال هذه الخامة الصوتية ما عرف عنها من غناء مشهود له بصفة الامتياز، وحيث إن من صفات أهل المغني قدرة الصوت على أن يسلك في الغناء سبل التدرج، وحيث عرف عن عليا أنها كانت تبدأ الغناء بصوت خفيض ثم تأخذ في التدرج ورفع الصوت حسب استطاعتها الحاذقة.
ومع قدرات عليا في سلوك السلامة الصوتية، عرفنا عن صوتها أن فيه وضوح الحليات والزخارف التي تظهر براعته في تحديد المناسب من هذه الزخارف وكيفية أدائها، بتحديد الوضع المثالي لهذه الحليات والزخارف التي لا يعرف البعض كيف يوظفها، فتبدو كأنها إضافة غير ضرورية على صوته وعلى سبل غنائه بينما يعرف البعض الآخر، مثل المطربة عليا، كيف يوظفها، فتضفى على غنائه تلك الحيوية المتجددة والتي يصعب أن تتحقق ما لم يكن لها تلك الوضعية على النحو المناسب.
وعندما زارت زعيمة الغناء العربي أم كلثوم تونس العاصمة وأحيت حفلاتها الشهيرة هناك والتي أقيمت في استاد الملعب الأولمبي الذي يسميه الناس ومنذ هذا التاريخ وحتى اليوم، مدرج أم كلثوم، وقبل أن تشدو أم كلثوم في هذه الحفلات التي أقيمت عام 1968 ضمن حفلاتها لمصلحة المجهود الحربي العربي، التقت عليا بأم كلثوم وصحبة الماجدة وسيلة قرينة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة فغنت عليا في حضرة أم كلثوم (يا حبيبي كل شيء بقضاء) هذا المقطع من رائعة رياض السنباطي وإبراهيم ناجي وأم كلثوم ( الأطلال ) فأثنت أم كلثوم على طريقتها في الغناء وقالت لها ( لو سمعك رياض السنباطى فسوف يسعد بك كثيرا) ثم أضافت متسائلة: لماذا لا تجربين حظك في مصر وأنت صاحبة صوت قوي وجميل؟
وشجعها تقدير أم كلثوم على أن تخوض تجربة الانتقال بصوتها وكيانها لتبدأ تجربتها في مصر، حيث كانت البداية في بداية السبعينيات عندما شاركت في حفلات الأسبوع الثقافى التونسى التي أقيمت في القاهرة والإسكندرية وشاركت عليا المطربة نعمة والمطرب أحمد حمزة والملحن الشاذلي أنور وفريق الكورال الغنائي التونسي تقديم ملحمة التحية التونسية لشعب مصر، والتي يقول مطلعها (يا مصر إليك من الخضراء سلام الألفة والحب).. بعدها عادت عليا لتشارك في مهرجان الغناء العربي، وحيث شاركت فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة غناء واحدة من روائع أم كلثوم، فحازت الإعجاب الكبير ونالت تقدير كل من استمع إليها.. و عادت أم كلثوم لتشيد مرة أخرى بصاحبة هذا الصوت المقبل من تونس ت، عندما تحدثت عنه في واحدة من برامج سامية صادق رئيسة التلفزيون فى تلك الحقبه من الزمن . عاشت عليا في مصر، ومنها تنتقل وراء فنها وعبر نشاطات غنائية متنوعة في أقطار المشرق العربي، وتمثل هذه الفترة ما لا يقل عن خمسة عشرة عاما من عمر التجربة الغنائية للمطربة عليا، وخلال تلك المرحلة قدمت عليا تلك الغنائيات المضافة إلى رصيد مرحلتها في تونس والمغرب العربي، وهي مرحلة ازدهرت فيها غنائيات عديدة نختار من بينها أكثرها قبولا من الناس، واستحسانا من النقاد والمشتغلين بعوالم الغناء والموسيقى، وحيث عبرت عليا في واحدة من هذه الأعمال عن عظيم تأثيرها وامتنانها لزعيمة الغناء العري أم كلثوم عندما غنت في حفل تكريم أم كلثوم في عيد الفن وبعد رحيلها عن الحياة في 1975، أغنية ( قيثار النغم ) التي وضع لحنها محمد الموجي عن كلمات شاعر الشباب الراحل أحمد رامي. ومن ألحان حلمي بكر حققت عليا نجاحا كبيراً وهي تقدم الأغنية الوطنية (يا حبايب مصر) كلمات مصطفى الضمرانى التي سجلتها قبل حرب رمضان ( أكتوبر 1973) ولم تحقق استجابة واضحة، فإذا بها تصبح حديث الأسماع عندما ترددت عبر الإذاعات المختلفة مع بداية عبور العزيمة في نهار السادس من أكتوبر عام 1973.
وغير هذه الأغنية الوطنية الشهيرة غنت عليا العديد من الأغانى التي وضع لحنها حلمي بكر الذي ارتبط بها خلال تلك الفترة من أعوام السبعينيات فكن من أنجح مجالات تعاونهما الثنائى. الأغنية العاطفية ( على اللى جرى.. لما تيجى وأنا أحكيلك )
وكما نجحت عليا في اللون الوطنى نجحت أيضا في اللون العاطفي، وهذا ما حققته أيضا في الأعمال التي غنتها من ألحان بليغ حمدى، ومن أوضحها أغنية ( داري يا ليبي دارك ) عندما وقعت الأطراف العربية ميثاق طرابلس وقيام اتحاد الجمهوريات العربية بين كل من مصر وسوريا وليبيا، وعلى المستوى نفسه من النجاح حققت عليا نجاحا مماثلا وهي تغني من ألحان بليغ حمدى أغنيتها العاطفية الحزينة ( ابكى والناس سامعة ) .
وترحل المطربة عليا التونسية عن الحياة وتصعد روح فنانة أصيلة إلى السماء، فى 19 مارس 1990 رحمها الله المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيــه نــدى
01006802177 [email protected]