الحكمة من ذكر قصة يوسف عليه السلام الثانية مع إخوته بقلم:د. هدى برهان طحلاوي
تاريخ النشر : 2012-04-25
الحكمة من ذكر قصة يوسف عليه السلام الثانية مع إخوته بقلم:د. هدى برهان طحلاوي


د. الحكمة من ذكر قصة يوسف الثانية مع إخوته

الحكم من ذكر قصة يوسف الثانية مع إخوته في القرآن الكريم كثيرة منها:
1. جاء إخوة يوسف بعد فراق سنوات طويلة ودخلوا عليه فمن أتى بهم إلى يوسف بعد هذا الفراق؟ أليس الله يفعل ما يشاء وقت يشاء؟
2. عرف يوسف إخوته وهم لم يعرفوه، وهذا أيضاً من فضل الله على يوسف علمٌ وحكمة وذاكرة قوية.
3. عرض يوسف أمام إخوته أخلاقه الحسنة الخيرة ووفاءه بالكيل ليطمئنوا له أولاً، ثم طلب منهم جلب أخيهم من أبيه معهم أي شقيقه الذي يحبه ويتذكره، وهذا درسٌ ليختبر فيه إخوته الخاطئين الأشرار, فيمنع عنهم الكيل المحتاجين له حتى يرى ماذا يفعلون.
4. اختار شقيقه بالذات ليرى كيف يتصرفون معه بعد هذا العمر الطويل لأنه لم يجده معهم, ولأن أبيه يخاف عليه أيضاً مثلما كان يخاف على يوسف.
5. اشترط عليهم جلب أخيهم أولاً حتى يقتربوا منه ويكتل لهم، وطبعاً هو يعرف حاجتهم للكيل, وكان في نفسه خطة لمصلحتهم جميعاً مع أهله وليس استغلالاً لتلك الحاجة ومعاقبتهم على فعلتهم به سابقاً, ولكنه يعرفهم جيداً ويريد اختبارهم وتأديبهم معاً.
6. إخوة يوسف وعدوه أن يطلبوا من أبيهم إرسال أخيهم معهم، وبهذا عرف يوسف أن أباه مازال موجوداً على قيد الحياة وكذلك أخاه، وهذا من فضل الله عليه وعلمه، وليكمل ما خطط له وما أراد.
7. رد لهم بضاعتهم لعلهم يرجعون من أجل الكيل الضروري لهم، ولم يأخذها منهم حتى يعرفوا حسن نيته ويلبوا طلبه.
8. لم يتساءل إخوة يوسف كيف عرف أن لهم أخاً من أبيهم وعند القدر عمي البصر، فيوسف لديه موهبة ذكاء وحكمة وعقل أما هم فلا، وهذا من فضل الله أيضاً عليه والله يصطفي من يشاء بالحكمة والموهبة دوماً.
9. عندما طلبوا من أبيهم إرسال أخ يوسف معهم قال لهم: "فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"، وذكر أخاه يوسف الذي لم يأمنهم عليه سابقاً لأنه يخاف على أخيه مثلما كان يخاف عليه منهم، ومع ذلك لم يمنعهم من أخذه بل اشترط عليهم موثقاً من الله أن يتعهدوا بإعادته إليه إلا إذا أحيط بهم جميعاً، فجرب بذلك أولاده مرة أخرى لعله فتح أمامهم باب المغفرة وعودة الثقة تجاههم.
10. توكلوا على الله بعد موثقهم لأبيهم لأننا يجب التوكل على الله دوماً في كل عمل نعمله بعد أن نفكر جيداً بجميع الظروف والأحوال المناسبة.
11. وأيضاً نصحهم أبوهم أن لا يدخلون من باب واحد بل يدخلون من أبواب متفرقة لأنه ذو علم مما علمه الله، ولعل يعقوب يريد أن يبعدهم عن شر الحسد لكثرتهم معاً بذلك، وفعلاً يجب أن يعمل الإنسان ما بوسعه لدرء الحسد عنه، ثم يتوكل على الله.
12. أكثر الناس لا يعلمون ولذلك حضنا الله على العلم دوماً، والعلماء قلائل في كل زمان ومكان، وهذه حكمة الله في خلقه، ولو ادعى كثيرٌ من الناس العلم.
13. أول خطوة عملها يوسف هي أنه آوى أخاه الذي يحبه، وفهمه ماذا سيفعل بإخوته، حتى يطمئن ولا يخاف من التهمة التي ستوجه إليه، وهذا العمل ضروري لأن الاتهام ولو كان مزاحاً صعباً ويؤذي صاحبه.
14. اتهم يوسف إخوته بالسرقة بعد أن جعل السقاية في رحل أخيه، حتى يستطيع أن يبقي أخاه عنده، ويرى ماذا يقولون عنه ومدى حبهم له ولأبيهم، وفعلاً اكتشف أنهم لا يحبونه ولا يحبون أخاه يوسف إذ اتهموه بالسرقة سابقاً أيضاً وهو منها براء.
15. عندما اتهموا يوسف بالسرقة سابقاً أسرها يوسف في نفسه ولم يبدها، ليكمل درسه لهم، ولكن قال لهم أنتم شرٌ مكاناً والله أعلم بما تصفون، وكل شيء لا نقتنع به أو نعلمه جيداً يجب أن نقول أن الله أعلم به.
16. عندما شاء الله استطاع أخذ أخيه، والله يرفع درجات من يشاء ووقت يشاء.
17. فوق كل ذي علم عليم، فلا يغتر أحدٌ بعلمه لأنه مهما تعلم الإنسان ينقصه الكثير والله أعلم.
18. حاول إخوته استعطافه من أجل أبيهم، وطلبوا منه أخذ أحدهم مكانه، واعترفوا أنه العزيز وأنه من المحسنين، فكانت هذه بداية الهداية لهم إذ بدؤوا يخافون على أبيهم الكبير ومشاعره، ولم يخافوا عليها سابقاً عندما رموا يوسف وعادوا من دونه إلى أبيهم.
19. لم يتأثر يوسف باستعطافهم رغم حبه لأبيه وأخيه، وأراد استكمال اختبارهم وتعليمهم، وصمد بإرادته القوية أمامهم، وبين لهم أنه لا يظلم أحداً، ولا يعاقب إلا المذنب لأنه ليس من الظالمين، فكل من يعاقب البريء هو ظالم.
20. حزن أبو يوسف كثيراً على فقدان ابنه الثاني، فصبر صبراً جميلاً، وتأمل من الله أن يأتيه بهم جميعاً، ولعل المصيبة إذا عظمت يكون الفرج قد اقترب، وهذا من علم الله وحكمته.
21. طفح الكيل بأبي يوسف عندما فقد ابنه الثاني، فتولى وابتعد عن أولاده، وذكر يوسف متأسفاً عليه، وابيضت عيناه من الحزن، فالحزن الشديد قد يخلف العلل عند صاحبه، وهذا ما أثبته الطب القديم والحديث.
22. انزعج إخوة يوسف حتى من ذكره من قبل أبيهم، وودوا لو نسيه أبوهم بعد كل هذه السنوات من شدة غيرتهم منه، وهذا ما يبرر صنيع يوسف معهم حتى يعودوا إلى رشدهم عندما يلاقوا ما يكرهون.
23. قالوا لأبيهم ستظل تذكر يوسف حتى تمرض وتعجز أو تهلك وتموت ليحذروه من ذكره، ومن ضرر ذلك عليه.
24. قال لهم أبوهم إني أشكو بثي وحزني إلى الله، لأن الشكوى يجب أن تكون لله، فبيده الخير وهو على كل شيء قدير.
25. بلغ أبو يوسف أولاده أنه يعلم من الله مالا يعلمونه هم، وطلب منهم أن يذهبوا ويبحثوا عن يوسف وأخيه، ولا يقنطوا من روح الله لأن المؤمنين يجب أن يكونوا متفائلين دوماً بروح الله مهما بلغت بهم المصائب، ولا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون.
والله أعلم
المصادر:
هي آيات القرآن الكريم التالية:
"وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ58/12وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ59/12فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ60/12قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ61/12وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 62/12فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ63/12قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ64/12وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ65/12قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ 66/12وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ67/12وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 68/12وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ69/12فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ70/12قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ71/12قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ72/12قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ 73/12قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ74/12قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ 75/12فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ76/12قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ77/12قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ78/12قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ79/12فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ 80/12ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ 81/12وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ82/12قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ83/12وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ84/12قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ85/12قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ86/12يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" يوسف: 58-87
د. هدى برهان طحلاوي