انا وحماري
بقلم:جميل السلحوت
مدخل:-
حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الاعرج عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فانها رأت ملكا واذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فانه رأى شيطانا".
*حدثني سلمة بن شبيب،حدثنا الحسن بن اعين،حدثنا معقل عن ابي الزبير عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال:"لعن الله الذي وسمه"
ملاحظة:"هذه نصوص ساخرة لا علاقة لها بالفن القصصي".
يسهرون النهار والليل
ترددت اكثر من مرة هذا الاسبوع على مكاتب احدى المؤسسات لاستكمال معاملة تهمني،ولما كنت حريصا على عدم ضياع يومي فقد كنت اذهب مبكرا،فاربط ابا صابر بشجرة امام مكاتب المؤسسة،فيلتهم الكثير من الاعشاب ومن بقايا الطعام والقمامة التي تحيط بالمكاتب،فيستفيد ابو صابر بان يملأ بطنه وتستفيد المؤسسة بان تتخلص من قمامة تستقطب الحشرات من ذباب ونحل وزنابير لا تنفك عن مطاردة المراجعين، ويبدو انها لا تؤذي الموظفين للالفة القائمة بينهم وحفاظا من الحشرات على حق الجوار.
وبما ان ابا صابر ينهق عندما نصل مكانا جديدا وكانه يخبر ساكنيه بقدومنا،الا ان احدا لم يتحفنا بطلعته البهية كما هي العادة،وتبين لي انه لم يكن هناك أي موظف مع انني وصلت في الثامنة والربع ومع وجود اكثر من مؤسسة في نفس المبنى، وان تبين لي لاحقا بان بعض الموظفين يناوبون في المكاتب نائمين باستغراق لم يوقظهم منه نهيق ابي صابر،وفي حوالي الثامنة والنصف حضر موظف قادني الى مكتبه وسالني عن مرادي؟؟وبعدها اخذ ينهال علي ببعض الاسئلة فتأكدت انه من عسس السلطان، فدب الخوف في قلبي لحساسيتي من مكاتب العسس في بعض الدول العربية الشقيقة التي ما اشعرتني بانسانيتي يوما من الايام،ولكن خوفي بدأ يتلاشى بعد ما اكرم الرجل وفادتي وتعامل معي بمنتهى الادب واللطف، وشربت قهوة الصباح بصحبته. ثم جاء شخصان لا تدل ملامحهما عن شيء من الذكاء،فاستغليت ذلك وركزت انتباهي لتحركاتهما ولاحاديثهما فتاكدت اكثر من ذي قبل بانهم يعانون من نقص حاد في الفسفور الدماغي، ولا يستوعبون كل ما يسمعون فقلت في نفسي "عدي رجالك عدي" ثم جاء آخر كانت ملامح وجهه وتصرفاته تدل على ذكاء خارق ففرحت له، وعندما نهق ابو صابر راقبت ردود الفعل عند الجميع،فضحك الاول والاخير وعلقا بكلمات ذات معنى اشعرتني باهميتي واهمية ابي صابر،في حين ان الاثنين الاخرين ظهرا وكأن بينهما وبين ابي صابر صلة قرابة وان كانا لا يفهمانها.
وبعدها دخل شخص آخر انتبه له الجميع،وامتنعوا عن الكلام واخلوا له مكانا رئيسا للجلوس فاعتقدت انه كبيرهم،واخذت اراقبه،فكانت الجدية بادية على وجهه،كلامه قليل،ونظراته ذات معنى،فأعطى المكان هيبة وجدية لم المسها من قبل،وتصفح بعض الاوراق وخرج فعادت الفوضى من جديد،ولما ذهبت لقضاء حاجتي لم اتمكن من ذلك لان دورة المياه اكثر قذارة من حظيرة ابي صابر،فانصرفت الى ابي صابر وامتطيته وعدت الى بيتي خائبا.
الجار ولو جار
عندما جرت اعادة ترتيب القبيلة في حينا،كان نصيب جارتي لمياء ان تنتقل الى بيت اكثر سوءا من بيتها الذي كان في جوارنا ومع انها تحفظ حق الجار الى سابع جار ولو جار الا انه لم يكن لها خيار في عملية الانتقال.
اما نحن فقد عز علينا الفراق لان حالنا لا يختلف عن حال ذلك الاعرابي الذي عرض بيته الفقير للبيع لضيق ذات اليد وعندما جاء احدهم لابتياعه قال:البيت بمائتين وجوار ابي دلف بألفين،ولما سمع ابو دلف بما قاله جاره،علم حاجته فقضى ديونه وافرج عنه واحتفظ بجواره لكننا لا نملك ما يمكننا من الابقاء على جارتنا لمياء كما فعل ابو دلف.
وهكذا ارتحلت لمياء رغما عنها وعنا وان كنا نتمنى لها الاقامة السعيدة في سكنها الجديد خصوصا وانه منفرد.ولما كانت لمياء هذه حسناء خفيفة الظل،سريعة البديهة،طليقة اللسان،فقد كان لها علينا فضائل لا ينكرها الا جاحد،وبما اننا والحمد لله لسنا من الجاحدين ونعترف لذوي الفضل بفضلهم،فان فضائل جارتنا لمياء لن تغيب عن بالنا خصوصا حواراتها مع حمارنا-اجلكم الله- الذي افتقدها كثيرا وشرع ينهق نهيقا موجعا وتحديدا عندما يرى جيراننا الجدد الذين يحتاجون الى ترجمان من العربية الى العربية نفسها نظرا لقلة الفسفور او انعدامه في ادمغتهم الصدئة التي لم يدخلها علم او ثقافة الا على شكل رتوش مشوهة زادتهم قبحا على قبح.وان كانوا ينفخون اجسادهم المهترئة على شاكلة طاؤوس هرم تساقط ريشه وبان جسمه المترهل فاضحى اضحوكة للناظرين.
ولولا ان لمياء تزورنا بين الفينة والاخرى فتتحفنا بعذوبة حديث٧ا لفكرنا ببيع بيتنا بابخس الاثمان،وان كنا قد عزمنا على الخروج في رحلة قد تطول وذلك لاحبا في الرحيل وانما هروبا من واقع مرير وسنترك ابا صابر في عهدة لمياء لانها تفهم عليه ويفهم عليها.
سبق ثوري
وقف حماري امامي ضاحكا،وقد تستغربون ان تروا حمارا ضاحكا،وهذا ليس غريبا لان جارتي لمياء استغربت ذلك قبلكم،لكنها اصيبت بصدمة نفسية عندما تاكدت بام عينها ان حماري يضحك،بعد ان كانت تعتقد استحالة وجود حمار يضحك فعلا،لتخرج بعد ذلك بحكمة تقول "ان كلمة مستحيل موجودة بكثرة في قاموس الفاشلين" ولتكون الرديف لنابليون ذلك القائد الذي لم يكن فاشلا عندما قال "بأن كلمة مستحيل لا توجد الا في قاموس الحمقى".
ويبدو ان ابا صابر اخف وطأة من ذلك الشاعر الذي قال "يا امة ضحكت من جهلها الامم"لان شاعرنا الذي رأى ان امتنا قد اصبحت اضحوكة بين الامم لم يطل به العمر ليكون شاهدا على ما قال،ويبدو ان الله اختاره الى جواره،لانه لو عاصرنا لانتحر بطريقة خليل حاوي ذلك الشاعر اللبناني الذي اختار ان يموت بيديه احتجاجا على صمت امتنا على دخول الغزاة الاسرائيليين الى بيروت عام 1982،ولو قدر له بدوره ان يبقى حيا لانتحر مرتين،مرة لدخول نفس الغزاة الى عواصم عربية اخرى وبدعوات وترحيب رسمي في الوقت الذي لا يزال فيه اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين اسيرا، وثانيهما لتطور الابداع الرسمي العربي الذي سبقنا فيه كل الديمقراطيين والدكتاتوريين الطغاة باسم الفكر "الثوري" "ولمصلحة الوطن والشعب"،عندما نرى انظمة من بني قومنا وصلوا الى الحكم على ظهر دبابات تحميها طائرات عسكرية لم ترابط يوما على ثغور الوطن لحمايته نراهم يبتكرون النظام الوراثي الجمهوري وهذا سبق ستخر له الشعوب ساجدة مع الاعتذار لذكرى عمرو بن كلثوم ذلك الشاعر الجاهلي صاحب المعلقة المشهورة، الذي ارتأى ان الاعداء الجبابرة يخرون ساجدين لطفل من قبيلته عندما يبلغ الفطام اما شعوبنا فانها تخر ساجدة اما جبابرة الحكم لانها وكما يبدو لم تبلغ سن الرشد السياسي بعد.
ووطأة حماري الخفيفة جاءت لانه ضحك علي وحدي ولم يضحك على امتي معي اما سبب ضحك حماري علي فهو غلبتي الكثيرة عندما احاول ادخال انفي في انتقاد امور طغى الفساد فيها غير متعظ من الحكمة القائلة "لا يصلح العطار ما افسد الدهر".
اما اللعينة لمياء فساتركها فرحة بضلالها عندما لم تفهم ضحك حماري فظنته جزءا من فطنتي لاعتقادها أنني"سايس"حمير اصلح لان اكون بهلوانا في سيرك يلعب على حلبة غيره،ولم تعلم انه يضحك من جهلي وجهلها، وانا بدوري ساقوم بترويض حماري واعادته الى طبعه الاصلي وهو النهيق بدلا من الضحك كما يفعل بنو البشر،لخوفي من ان يستغل بعض الوكلاء التجاريين حماري الضاحك على غرار البقرة الضاحكة "لافاشكري" التي انستنا طعم الحليب النقي.
الرجل المناسب في المكان المناسب
احسست بآلام في الجانب الايسر من صدري وانا في طريقي لحراثة الارض في السواحرة الشرقية،فانتحيت جانبا ونزلت عن ظهر حماري والعرق يتصبب من جسدي المنهك،فاعتقدت انني قد اصبت بذبحة صدرية لا نجاة منها!!واذا بأحدهم يمر بي ويعرض علي المساعدة بايصالي الى المركز الصحي العربي عند مدخل العيزرية،فرفضت ذلك لعدم ثقتي بالمراكز الصحية العربية،ورجوته ان يساعدني في الوصول الى احد عيادات "الكوبات حوليم" صندوق المرضى الاسرائيلي،لكفاءة العاملين فيها،وتوفر مختلف الادوية والاجهزة الطبية الحديثة،الا ان حماري نهق نهيقا غاضبا،ففهمت منه انني قد اخطات،ورغبة مني في عدم معرفة الاخرين بأنني انقاد لحكمة حمار،وافقت على الذهاب الى المركز الصحي العربي ويدي على قلبي ولما وصلت الى المركز،فوجئت بنظافته وسعته،ونشاط العاملين فيه،ولما كنت متعبا وخائفا من الاجل المحتوم فقد ظهر المرض على ملامحي،فاقتادتني ممرضتان حسناوان الى سرير طبي في احدى الغرف وقاست احداهما ضغطي وحرارتي،وفجأة رأيت طبيبين احدهما شاب في مقتبل العمر لم اكترث لامره لعدم ثقتي بالاطباء الشباب،وثانيهما اشيب طويل القائمة،حفر الزمن اخاديد على وجهه لا يخفيها سوى ضحكته الرنانة،وعرفت لاحقا ان اسمه الدكتور عدنان عرفة ويشغل المدير الطبي للمركز،فقاما بفحصي وطمأناني بأن قلبي سليم وان لا داعي للقلق،وما مرضي الا اصابة برد خفيفة وشيء من الارهاق،واعطياني حبة دواء اعادتني الى وضعي الطبيعي،ومع ذلك لم اقتنع بالعلاج لاعتقادي بان حبة الدواء هي عبارة عن مخدر يزيل عوارض المرض،وانني ساموت سريعا وانا واقع تحت تاثير العقارات المهدئة.ولما كانت الحياة عزيزة فقد صرحت بما يدور في صدري،فضحك د.عدنان حتى بانت نواجذه،واصطحبني الى مكتبه واكد لي انني لا اعاني من شيء وانهم لا يعطون الدواء الا بعد تشخيص المرض،وقدم لي كأسا من الشاي،وهذا ما لم اعتد عليه في العيادات الطبية وشرح لي عن الكفاءات الطبية التي في المركز والمختبر الحديث والالات الحديثة المتمثلة في الصور الشعاعية والملونة والتلفزيونية والسينية،ولمعالجة الامراض الجلدية المستعصية وتخطيط القلب ومنظار المعدة ومختبر طبي لجميع الفحوصات واجهزة لفحص العيون ومعالجتها وطب الاسنان وقد تم اختيار طاقم طبي من الاختصاصيين ذوي السمعة والكفاءة والخبرة.
فلم استغرب كثرة المراجعين من المرضى والواهمين بالمرض وان استغربت حداثة التجهيزات والاستعدادات والنظافة،وكيف ان هذا المركز مقام على المدخل الشرقي لحدود بلدية القدس التي يدخلها الناس من كل بقاع الارض ويحرم دخولها على ابناء شعبها الفلسطيني فشكرت هذا الجهد المحمود وشكرت القائمين على هذا المركز،وهذا من باب ذكر فضل ذوي الفضل وهو اضعف الايمان،وخرجت راكبا حماري الذي بدا وديا معي ولم ينهق هذه المرة لانه لم يكن مبرر للنهيق.
فضل ذوي الفضل
بينما انا في طريقي لحراثة الارض وجدت عجوزا يحمل حفيده الطفل المريض بين يديه ويبكي على حافة رصيف الشارع في انتظار سيارة لتقله لاحدى العيادات الطبية،حيث كان الطفل يعاني من ارتفاع في حرارته ويئن من شدة الالم،وكانت سيارات الفورد ترانزيت التي اصبحت بطغيان قوانين الاحتلال حافلات لنقل المسافرين الى القدس الشريف مفتاح السماء وجنة الارض، بعد ان منعت تلك القوانين شركات النقل العربية من الوصول الى المدينة المقدسة،فقررت ان اساعد العجوز وحفيده بن انقلهما على ظهر حماري الى احدى العيادات الطبية ،وترددت في نقلهما الى فرع المركز الصحي العربي في العيزرية الذي عالجني في الاسبوع الماضي،وذلك لغضبي على القائمين عليه لانهم لم يفتحوه داخل حدود البلدية حسب التقسيمات الادارية للمحتلين،مع علمي المسبق بان المركز الرئيس يقع في قلب القدس ما بين بابي الساهرة وباب العامود،فنقل المؤسسات العربية داخل القدس يصل الى درجة الحرام،وبينما انا في هذه الافكار واذا بحماري يمد اذنيه ويجحظ عينيه ويلتفت غاضبا،فتوقعت من انه لو لم يرحم شيخوخة الرجل العجوز،وبراءة طفولة حفيده اللذين على ظهره لرفسني رفسة ستلحق بي اضرارا بالغة،فصحوت الى نفسي وتذكرت اللافتة التي رايتها في الاسبوع الماضي تزين واجهة المركز ومكتوب عليها "لا بديل عن القدس" وتذكرت كلام المدير الطبي للمركز د.عدنان عرفة وكلمة احمد سرور المدير الاداري اللذين ركزا على هذه العبارة وافاضا في الحديث عن عروبة القدس وان فرع المركز في العيزرية هو من اجل خدمة ابناء شعبنا المقدسيين وغير المقدسيين الذين يمنعهم المحتلون بالقوة من دخول القدس حتى للوصول الى المستشفيات او لأداء الصلوات في الاماكن المقدسة،فلعنت الاحتلال في سري وعلانيتي وقررت التوجه الى فرع المركز الصحي العربي في العيزرية خصوصا بعد المعاملة الحسنة والرعاية الطبية الفائقة التي لقيتها في الاسبوع الماضي.
وعندما وصلت هناك تركت العجوز وحفيده في الممر وركضت الى غرفة الدكتور عدنان عرفة طالبا النجدة مع خوفي من انه سيصاب بنكد عندما يراني على رأي مقولة"احذر من ان تدل بدويا على باب بيتك" غير انه كان على عكس ما توقعت فقد قابلني بابتسامة عريضة،وشرحت له حال الطفل المريض فاصطحبني الى طبيب اطفال متخصص واوصاه بنا خيرا ففحص الطبيب الطفل واعطاه علاجا سريعا شافيا وكتب لنا وصفة طبية،ولم ياخذ المركز منا اجرة بتوصية من مديره الذي راى بؤس حالتنا-انا والطفل والعجوز والحمار-فشكرتهم وسالتهم ان كانوا لا يعالجون الا الاطفال والعجائز؟؟ فكان ردهم بأن لديهم مختلف التخصصات من الامراض الباطنية،الجلدية،القلب،تنظير الجهاز الهضمي والاسنان،النسائية،العيون،وصور الاشعة،ولما كنت من انصار "اللي ببلاش كثر منه" فقد قلت ساستغل الوضع واصلح ما فسد من اضراسي،فاصطحبني د.عدنان الى غرفة طبيبة الاسنان الحسناء التي عالجتني برشاقة ولطف،فشكرتها وشكرت د.عدنان وخرجت لاجد الطفل يلعب بجانب جده وقد تحسنت حاله فتركتهما وشانهما ليعودا الى بيتهما مشيا على الاقدام وذهبت الى عملي ممتطيا ابا صابر الذي كان ينهق نهيق النصر.
كلنا روس ما فينا كنانير
يبدو انني وحماري قد اصبحنا عملة نادرة في هذا الوقت بحيث ان رؤية رجل يخيل علىحمار اصبحت فرجة يتمتع بالنظر اليها من لم يعودوا يقتنون الحمير والبغال وحتى الخيول التي تغنى بها احمد بن الحسين الذي لقبوه بالمتنبي لزعمه بانه نبي الشعر عندما قال "اعز مكان في الدنى سرج سابح" فلم يكن يعلم- يرحمه الله-بانه سياتي من بعده اجيال لا يسرجون على الخيل ولا خيل عندهم يسرج عليها الرجال وحتى انهم تخلوا عن اضعف الايمان فلم يعودوا يقتنون الحمير والبغال كما فعل اباؤهم وبالتالي لم تعد تعنيهم الارض في شيء فأضاعوها وهم يغنون "امجاد يا عرب امجاد" فسبحان مغير الاحوال!!
ولا اعلم ان كانت ندرتنا-انا وحماري-هي لصالحنا ام ضدنا في هذا الزمان الذي تشقلبت فيه الامور واصبح "اللكع" و"الرويبضة" فيه ذوي شان وهذا من امارات قيام الساعة.
لكن والحق يقال فانني عندما اذهب لاحدى مؤسساتنا لقضاء امر ما يتجدد ايماني ويقوى بان رسولنا عليه الصلاة والسلام لم يكن ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى عند ما قال "رحم الله امرءا عرف قدر نفسه" فاعرف قدر نفسي واضعها في مكانها الصحيح وهو انني خلقت لحراثة الارض وفلاحتها ، وان الله يرزق من يشاء بغير حساب فسبحانه وهو العلي القدير.
ويزداد ايماني بحقوق شعبي في التحرير والاستقلال عندما ارى امكانات شعبي في انجاب جيش من الموظفين الكبار يشغلون مختلف المؤسسات بالجلوس على مكاتب وثيرة وكراسي دوارة وهزازة بحيث انهم لم يعودوا بحاجة الى موظفين فنحن مثلما قال مثلنا الشعبي "كلنا روس ما فينا كنانير" والكل له مؤهلاته النضالية والوساطية والمحسوبية فقريب الموظف الكبير او المحسوب علية كبير مثله.
ولا يعقل ان يكون غير ذلك فهذه سنة الحياة فثقافتنا تقول "خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام" وهذه حكمة توارثناها بمفهومها اللغوي الساذج ولا نستطيع استبدالها مع اننا استبدلنا الكثير من الايجابيات التي توارثناها.
اما انا فانني ارى نفسي اكبر من أي موظف كبير فانا ملك على ارضي وفي بيتي وعلى حماري وهذا يكفيني.
هدية ارستقراطية
التقيت المدعو خلف العبيدي وانا في طريقي الى بيت لحم فعرض علي ان يشاركني جولتي شريطة ان نتبادل ركوب ابي صابر،فقبلت شرطه بعد ان لفت انتباهي باننا لن نستطيع ركوب ابي صابر في شوارع عدة في بيت لحم نظرا لكثرة الحفريات التي فيها ووعورتها التي لا تطاق تمهيدا لاستصلاحها لتليق بمهد المسيح التي ستستقبل ملايين الحجاج والزائرين اثناء وداع الالفية الثانية واستقبال الالفية الثالثة لميلاد السيد المسيح عليه السلام.
وفي الطريق حدثني المدعو خلف بمرارة عن كيفية هدم بلدية اولمرت لحظيرة خيوله واغنامه لتزداد الامه الاما جديدة على ذكرياته الحزينة في تلك الحظيرة التي قضى ابنه المرحوم (وسام) نحبه فيها قبل ان يكمل ربيعه العشرين اثناء اعدادها، فانهالت عليه الصخور فلقي وجه ربه تحتها فأبكى البواكيا لما كان يتمتع به من خلق رياضي رفيع، فلم يفتقده ذووه وحسب وانما افتقده كثيرون وخصوصا الرياضيين منهم حيث كان لاعب كرة قدم ممتازا وليترك حسرة في قلب والدته التي لم تغسل دموعها الكثيرة احزانها الاكثر حتى لقيت وجه ربها هي الاخرى بعد اقل من عام على رحيل ابنها، وقد حاولت جاهدا ان اصرف المدعو خلف عن احزانه بأن فتحت له قصصا اخرى ليس اقلها قصة جاره الذي كان يعد وليمة لأولمرت فاختطف موظفو بلدية اولمرت الخراف لعدم حيازتها على شهادات صحية تثبت خلوها من الامراض كي تستطيع ان تستوطن معدة رئيس البلدية الذي لا ينام الليل وهو يخطط لتهويد القدس الشريف ولمواصلة التطهير العرقي ضد مواطنيها العرب.
ولما وصلنا الى مشارف بيت صفافا سمعنا اصواتا ورأينا اناسا يهرعون قرب احد البيوت،ولم نستطع التمييز ان كان هذا التهافت لحضور حفلة زفاف ام للمشاركة في "طوشة" وكلاهما امران لا يهمانني،الا ان المدعو خلف ومن منطلق وجاهته العشائرية اصر على الذهاب لاستطلاع الامر لأن العادات والشهامة العربية لا تسمح بأن تمر بمتخاصمين دون ان تفك نزاعهما ولو بأخذ عطوة عشائرية لتهدئة الخواطر،وهكذا وجدنا انفسنا بين الجموع التي كانت تحتشد لمعاينة هدية ثمينة هي عبارة عن فأرين ابيضين في قفص ثمين جاءت لصاحب البيت من عزيز عليه،واستحق الفاران المبجلان ما يستحقان من استقبال لا يحظى به كثيرون من بني البشر فلمت المدعو خلف على الورطة التي اوقعنا بها، وان كنا شهودا على احتفال اطلاق سراح الفأرين الاسيرين في الارض الخلاء المجاورة ليتكاثرا ويعم خيرهما الجميع ونكاية بالمدعو خلف الذي اوقعنا في هذه الورطة امتطيت حماري وعدت الى بيتي خائبا دون ان اصل الى بيت لحم.
ابو العظرط يحل ويربط
عندما عزمت على الذهاب الى احدى المؤسسات لاستكمال معاملة بسيطة هالني منظر حماري عندما رايته مقعيا على مؤخرته ويلهث كما الكلاب وكان يمد لسانه من شدقيه كمريض اقض الالم مضجعه،فتشاءمت من ذلك خوفا من ان يكون حماري قد اصيب بمكروه،او ان تتعثر مهمتي،ومع ذلك نهرت ابا صابر الذي وقف على قوائمه باسترخاء،وعندما امتطيته تثاقل في مشيته ونظر الي نظرة عتاب فهمت منها انني سأخسر يومي دون أي مقابل،لكنني لم اكترث لابي صابر فلا يعقل ان يرعوي شخص مثلي لنصيحة حمار،مع انني انقاد له في كثير من الامور المفيدة فهو يمشي امامي في الحراثة ونقل الاحمال وغيرها، وهكذا واصلت المسير الى ان وصلت احدى المؤسسات المرموقة بعد ان ربطت ابا صابر على مقربة منها وتركته ينهق نهيقا غاضبا،مما اضطر بعض الموظفين ممن كان آباؤهم يقتنون الحمير والبغال لفلاحة الارض واصبح الابناء يتفرجون عليها بعد ان تركوا ارضهم نهبا للمستوطنين ان يخرجوا لاستطلاع الامر،ففرح بعضهم لنهيق الحمار لانه اعاده الى طفولة عذبة وان كانت معذبة،في حين استنكر البعض الاخر نهيق الحمار لأنه اضطره ان يتحرك من على كرسي مكتبه الوثير والحركة ليست في صالحه لأنها قد تذيب بعض الشحوم والدهون من على جسده المترهل مما سيفقده بعضا من مؤهلاته الادارية.
وعند مدخل المؤسسة استوقفني موظف عيناه كعيني فأر يقف امام جحره يراقب ان كان الطريق آمنا لخروجه ام لا، واخضعني لتحقيق طويل حتى حسبت نفسي انني المسؤول عن نكبة الشعب الفلسطيني الاولى والثانية وعن الترهل الاداري في مؤسساتنا الرسمية والاهلية.وبعدها اجلسني في زاوية حتى ياذن لي الموظف الكبير بالدخول وكان الموظف كلما رآني اتململ من ضيق الانتظار وذل الجلوس يمسد بيديه على شاربيه ويتنحنح بعد ان ينتهرني كما انهر أبا صابر،فعرفت ان لأبي صابر اقارب قد يأخذون بثأره مني.ولما رأيت الموظف الكبير يشرب القهوة والشاي والماء البارد ويثاءب ناعسا من قلة العمل ورأيت صلف الحاجب تذكرت قصة ذلك الحطاب الضعيف الذي ذهب الى احدى الغابات يحتطب وصادف اسدا،ولم يجد منجاة له سوى الاحتيال والخديعة،فصاح بالاسد طالبا المبارزة،فقبل الاسد،ولكن الحطاب اخبر الاسد بانه قد نسي قوته في البيت وسيحضرها بعد ان يتاكد من ان الاسد لن يهرب،واقنع الاسد بضرورة ان يربطه بالحبال كي لا يهرب،فوافق الاسد وبعدها هرب الحطاب ولم يعد فتضايق الاسد، واذا بفأر يخرج من جحره ويعرض عليه ان يفك رباطه شريطة ان يبتعد الى الابد عن جحر الفأر فوافق الاسد!!وقرض الفأر وثاق الاسد، بعدها التفت الاسد الى الفأر وقال:البلاد التي يربط ويحل بها ابو العظرط يحرم علي دخولها وترك الغابة ورحل الى بلاد اخرى.
اما انا فقد اتعظت من ذلك وعدت ادراجي الى البيت بعد ان خسرت يوم عمل ولم اكمل معاملتي.
وجاهة
بكل بساطة راودتني افكار بان اصبح (وجيها) يشار لي بالبنان،وتفتح لي الابواب في كل مكان،واجلس في صدر الديوان ،بين الكارهين والخلان،فكل الامور سيان في هذا الزمان،وستوكل لي مهمة حل المشاكل والتوسط بين المتخاصمين بغض النظر عن طبيعة الخلاف ان كان على عقارات واطيان،او بين زوجين ضاقت بهما سبل العيش.
ومتطلبات الوجاهة هي سيولة المال وعمل المناسف او مناطحة الكؤوس في البارات والمنتزهات والمطاعم،فلكل مقام مقال،ولكل دفعة حساب.
وتحقيقا لاحلامي بالوجاهة فقد ركبت حماري وقمت بجولة لاستطلع بعض المسحوقين سابقا "والمتوجهين" حاليا بعد ان امتلأت جيوبهم وارصدتهم بالمال فأصبحوا ذوي شأن بعد ان لم يكونوا في الحسبان كي اقلدهم في جمع الثروة بلا حدود.
وهكذا وجدت نفسي امام ابواب جهنمية اقلها الاتجار بالمحرمات من مخدرات لا اعرف اسمها وسمسرة ورشاوي ربما تصل الى انتهاك حرمة انسانية الانسان وخيانة الاوطان وبعدها ستمتلئ جيوبي وسأفتح ارصدة في البنوك واحمل الشيكات بعد ان افصل عباءة تليق بوجاهتي عند البؤساء وبدلات انيقة عند ذوي العلم والشأن، فمتطلبات الوجاهة تقتضي ان اغير جلدي كما الحرباء وسأصلي في الصفوف الاولى في المساجد،وربما سأقف خطيبا من على المنابر فهفواتي ستكون مغفورة ولو عصيت رب المعمورة.
وسأستبدل حماري بسيارة فاخرة تسوقها فتاة ساحرة وستخدمني القيان اللواتي سيحظين مني بواحدة من السبع الموبقات.
و بينما انا في هذه الاحلام،واذا بحماري يكبو على غير عادته،مما ادى الى وقوعي ارضا واصابتي بشج في رأسي اسال دمائي فأعادني الى صحوتي على طريقة (المضبوع) الذي سالت دماؤه فعاد الى رشده وازدادت قناعتي بعدها بانني لا اصلح لهكذا وجاهة وسبحت بحمد الله الذي قلب القرود الى غزلان والغزلان الى قرود.
المدافعون عن الوطن والمواطن
عندما علم حماري بنيتي زيارة مكاتب احدى المؤسسات غير الحكومية مد اذنيه الى الامام ورفع ذنبه ونهق وضرط،فأوجست خيفة،غير انني صممت ان انفذ مهمتي رغم ان حماري الحرون رفض الاقتراب من المكاتب الفاخرة التي تنم عن ثراء فاحش يوحي باننا شعب لا نعيش تحت الاحتلال، ولا نعاني مشاكل اقتصادية، فغبطت العاملين في هذه المؤسسات على عملهم معتقدا ان مداخيلهم ستكون مرتفعه فعلى رأي مقولتنا الشعبية (الخير الكثير يصل للجميع) وبينما كانت عصاي تنهال على رقبة حماري الحرون كي نواصل المسير،على عادة بني البشر،فالذي لا يرعوي لأوامر ورغبات مسؤولة يقع تحت العقاب الذي يتراوح بين قطع الارزاق وبين قطع الاعناق وما بينهما من امور تشوه الابدان والاذهان واذا بفتاتين من تلك المؤسسة تخرجان والنكد باد على وجهيهما الحسناوين،فازدادتا جمالا على جمال رغم سوء الحال، ولما علمتا بمرادي ضحكتا حتى بانت منهما النواجذ واخبرتاني بان راتب احداهن الشهري مائة دولار وراتب الثانية مائتا دولار،فلم اصدق ما قالتاه خصوصا وان رأس المؤسسة قد صرح بان اقل الرواتب عنده هو ثلاثمائة وخمسون دولارا وعندما سمعت براتب رأس المؤسسة تذكرت الاغنية الشعبية التي تقول: وكم من شب بيسوى اتنعشر شب وانا بسوى دزينة.
واخذت احسب كم دزينة يساوي راتب رأس المؤسسة؟؟
فوجدته يساوي اكثر من ثلاثين دزينة!!ولما اخبرتاني بانهما مهددتان بالفصل من عملهما لم اعد اعرف كم دزينة سيساوي حضرة الموظف الكبير من جيش العاطلين عن العمل!!
لكنني حمدت الله على وجود مثل هذه الكفاءات في شعبي فلا شك انها ستعطي صورة للأجانب عن ثراء شعبنا خصوصا العاملين في اعمال الخير ومساعدة الفقراء من خلال اعمالهم الطوعية!!
وركبت حماري عائدا الى البيت وانا اشتم المتطاولين على العمل الاهلي.
الموسيقى المناخيرية
جارتي لمياء مرهفة الاحساس،وتاكل السمك كثيرا لتغذي دماغها بالفسفور،ليبقى سريع الاشتعال دائما،لذا فلا تفوتها صغيرة او كبيرة الا وعلقت عليها بكلمة او جملة او نظرة ذات مغزى فيها من التورية ما فيها،وكانها قد تخصصت في البديع والبيان والمعاني،ليدخل المستمع اليها في دوامة قد لا يخرجه منها الا قدماه او صمته وفي كلتا الحالتين هو مغلوب.
ولما كانت تعمل في احدى المؤسسات المشهورة بالتسيب وعدم الانضباط،فان تميزها الفسفوري يضفي جوا مرحا من خلال تعليقاتها،وهذا التميز هو الذي يشحنها بالصبر على روتين العمل وثقل دم زملائها الذين يختص بعضهم بلحن "الوخ" المنفر،وهذا البعض كونه كدجاج المزارع او كبقر التسمين لا يمارس عملا فانه يصلي الفجر ويأتي الى العمل مبكرا فيظنه البعض نشيطا وهو عكس ذلك،فيبدأ من ساعات الصباح بالموسيقى "المناخيرية"المتمثلة بالضغط على الخياشيم وما يتبعها من "اخ خ خ تفو" التي تثير الاعصاب وترهق السمع وتجعل المرء يخرج عن اطواره الطبيعية.
وهذه "الاخ خ خ تفو" المستمرة هي بديل لموسيقى الصباح الهادئة واذا ما صوحبت بابتسامة متصنعة فان جارتي لمياء اصبحت تخاف على نفسها من عقدة نفسية قد تورثها طفلا بعد زواجها من شاكلة "اخ تفو" بسحنة باسمة بطريقة كاريكاتورية.
وعندما زرت المؤسسة التي تعمل فيها وسمعت نهيق حماري،ضحكت بالفم الملآن،لانها وجدت نهيق حماري موسيقيا اكثر من موسيقى "اخ خ واخ تفوه" حتى انها اقترحت علي مساعدتها بأن ازور المؤسسة يوميا ليطغى نهيق حماري على موسيقى "الاخ واخ تفو" وهكذا اصبحت تغني "زميلي بوخ" بكسر الباء وتشديد الخاء وانا اقول له "بدك طخ" لتضفي جوا من المرح على تعاسة الموقف، وهي بهذا اقنعتني ان نهيق حماري ليس مزعجا فعرفت ان للحمير مزايا قد تتفوق على مزايا بعض بني البشر.
عقاب المبدعين
عندما ينهق حماري صباحا اعرف ان يومي يوم شؤم،اما نهيقه اثناء عودتي من العمل فهو نذير خير على رأي جدتي رحمها الله حيث ان الحمار حينما ينهق وهو عائد الى البيت من يوم عمل انما يبشر ربة البيت بعودة زوجها سالما-ولهذا فان بعض الفئات الشعبية لا تقتني (الاتن) لان انثى الحمار لا تنهق الا عندما تحتاج الى لقاء غرامي مع حمار وهذا من الامور المخلة بالشرف والعياذ بالله لان اشتهاء المرأة للرجل حرام وعيب ويقاس ذلك على بقية ابناء الجنس الحيواني الاخرى،اما العكس فهو مباح تماما لانه دليل على الذكورة في مجتمع ذكوري.
ما علينا فقد نهق حماري صباح احد ايام الاسبوع الماضي وانا في طريقي الى مركز الدراسات والبحوث الاسلامية في ابوديس لاتسول بعض الكتب المهمة التي سمعت انها صدرت عن هذا المركز، وبالذات اردت معلومات عن مقبرة مأمن الله (ماميلا) في القدس الغربية والتي جرف الجزء الاعظم منها لاقامة فنادق ومواقف للسيارات ومؤسسات رسمية وحديقة عامة يرتادها الشاذون جنسيا والعاهرات،مع انها تحوي قبور بعض الصحابة الذين شاركوا في فتح القدس وبعض المشاهير الذين تركوا بصماتهم على القدس واثروا الحضارة الانسانية.
ولما رآني بعض العاملين في المركز لم يهتموا بطلبي كوني من عامة الناس ومنظري لا يوحي بانني قارىء او من هواة تصفيف الكتب على الرفوف،مع انهم احسنوا ضيافتي-وان شعرت في البداية انني شخص غير مرغوب فيه-وذلك لان النسخ المحدودة من منشوراتهم توزع على بعض الشخصيات المهمة التي تزين الكتب المهداة لهم رفوف مكتبات البعض منهم وان كانوا لا يقرأونها، في حين ان البعض الاخر يودعها سلة المهملات،فاعتقدوا ان بدويا مسحوقا مثلي لن يكون بأفضل من حال علية القوم في التعامل مع الكتب، لكنهم عندما استمعوا لوجهة نظري واهتمامي وانني اجيد القراءة اهدوني مشكورين عددا مما يتوفر من منشوراتهم القيمة والتي لا تقدر بثمن،فهالني ان هذه الابحاث مطبوعة بشكل فقير ومصورة ومجموعة بطريقة اكثر فقرا،وموزعة على بعض المؤسسات وبعض الشخصيات،مع انه من المفترض ان توزع بعشرات الاف النسخ لقيمتها التي لا تقدر بثمن!!والتي قام ببحثها وتأليفها نخبة من الباحثين الاكفياء والعلماء الاجلاء، وهالني اكثر ان هذا المركز الذي يحوي كنوزا من المعلومات التاريخية والدينية والثقافية والجغرافية وغيرها،لا يجد من يدعمه ولا من يطبع كتبه بطريقة لائقة،في حين ان عشرات المؤسسات الرسمية والشعبية تصدر مطبوعات انيقة بورق صقيل واغلفة تحمل لوحات جميلة ملونة ومكلفة وتوزع بالاف النسخ مع ان محتوياتها لا تستحق ذلك،ولا يستفيد القارئ منها شيئا في حين ان النتاج الفكري لابحاث مركز الدراسات والبحوث الاسلامية يبقى يعاني من مشكلة النشر،فهل وصلنا الى درجة عدم تمييز الغث من السمين؟؟ ام اننا نعاقب المبدع والامين ونثيب المسيء؟؟
وعدت الى بيتي مهموما لعدم اتعاظي من نهيق حماري الصباحي واصراري على الذهاب الى مركز الدراسات والبحوث الاسلامية فوضعي الصحي لم يعد قادرا على احتمال المزيد من الهموم والمتاعب التي ركبتني بعدما علمت ان المركز المذكور لا يستطيع نشر ابحاثه ونتاجاته الغنية بسبب ضيق ذات اليد،غير ان الكنز الذي عدت به من المركز والمتمثل ببعض المنشورات قد عوضني عما لحق بي من اضرار.
الهوية….
هل سمعتم بقصة الحمار الذي قطع رباطه وهرب من صاحبه؟؟ انها ليست حكاية بل حقيقة وهذا ما حصل مع حمار محسوبكم…فقد تركني وولى هاربا…وبعد التفكير وجدته على حق…ومن اراد منكم سماع الخبر اليقين فما عليه سوى ان يشد انفاسه.وان يضع اعصابه في ثلاجة،واذا ما كان مصابا باحدى امراض القلب فانني انصحه ومن باب الحفاظ على حياته ان لا يقرأ هذا الموضوع!!
فعندما ركبت حماري وقصدت مكاتب وزارة الداخلية الاسرائيلية في شارع نابلس في القدس العربية المحتلة لتجديد هويتي البالية من كثرة ما ينبشها ويفتشها حرس الحدود بطرق يعجز الحديد عن تحمل عواقبها،فما بالكم بالورق؟؟ ولما وصلت باب المكتب في الساعة السابعة صباحا وجدت طابور المصطفين على الدور قد وصل الى بضع مئات من الامتار،البشر فيها متراصون كيوم الحشر ولا مكان للنساء والاطفال والشيوخ وضعاف البنية فيه،لأنهم لا يقوون على المصارعة وبالتالي لا يستطيعون حماية انفسهم،فوقفت في مؤخرة الطابور حتى الثانية عشرة ظهرا حيث يمنع الدخول بعدها فعدت الى بيتي والعرق يتصبب من جسدي،ولم يكن حال حماري بأفضل من حالي.
وفي اليوم التالي عدت الى نفس المكان قبل صلاة الفجر فوجدت امامي حوالي المئة شخص،ووقفت في الطابور،وذقت الوان الهوان،بينما كان بعض الشباب من ذوي البنية القوية يطلبون مائة شاقل او مائتين حسب الزبون مقابل ان يعطوه دورهم،فيدفع البعض ويجد مكانا له بعد ان يخرج البائع من الطابور،لكنه لا يلبث ان يعود بزبون ثان وثالث ورابع ويدخله الى الدور بقوة عضلاته وهكذا، اما المغلوبون على امرهم فلا مكان لهم حتى اذا ناموا يومين متتاليين امام المكتب،هذا عدا عن المطالب الاخرى التي يطلبها الموظفون من الذين يستطيعون الدخول لأي معاملة سواء كانت شهادة ميلاد لمولود جديد او تسجيل زوجة في بطاقة الهوية او الحصول على بطاقة جديدة لمن بلغ السادسة عشرة من عمره،او بدل هوية ضائعة او تجديد هوية بالية او الحصول على وثيقة سفر "لاسيه باسيه" وهذه المطالب هي:
1-ضريبة السكن-الارنونا-عن السنوات السبع الماضية.
2-فواتير الكهرباء والماء والهاتف عن نفس المدة.
3-شهادات مدرسية للأبناء والبنات من مدارس تقع داخل حدود البلدية.
4-شهادة من مكان العمل ويشترط ان يكون داخل حدود البلدية او داخل الخط الاخضر.
ومن لا يحضر هذه المتطلبات مجتمعة او لم يحضر احداها فان بطاقة هويته ستسحب منه وسيصبح من ضمن –الحاضر الغائب- أي انه ميت مع انه حي يرزق ويترتب عليه عدم العيش في المدينة كي يثبت انه حي ويستطيع العيش مع عدم توفير الحماية له من حواجز الاحتلال الدائمة او الطيارة كونه لا يستطيع ان يثبت انه غير متسلل!!
ولما كنت عاطلا عن العمل فقد ارتايت ان الاحتفاظ بالهوية البالية خير من ضياعها كليا…وبالتالي عدت الى بيتي مشيا على الاقدام بعد ان قطع حماري رباطه وولى هاربا من موقف الذل الذي يقفه المقدسيون امام الداخلية الاسرائيلية دون ان يسمع صرخاتهم احد؟؟فوجدت العذر لحماري الذي لم يحتمل الاهانة واقنعت نفسي بان الاحتلال يشكل لعنة على اصحابه اكثر من لعنته على ضحاياه.
منتهكو حرمات الله وحرمات الوطن
يبدو ان الشيخ سعد احد اولياء الله الصالحين الذي يقوم حوله احد احياء السواحرة الغربية ويسكنه حوالي اربعة الاف مواطن والذي تحول بقدرة الله وبجبروت الاحتلال الى قرية منفصلة بعد ان ضم المحتلون الاجزاء الباقية من البلدة الى بلدية القدس،ويبدو ان هذا الشيخ الجليل قد ارتحل من مثواه الى مكان اكثر امنا لاسباب لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم.
ومقام الشيخ سعد هذا كانت له كرامات تبعث الايمان في القلوب ليس اقلها ان احدا لم يكن يجرؤ على التقاط سنبلة من المرج ذي التربة الحمراء الخصبة المحيط به لان السنابل كانت تتحول الى افاع كما روى كثيرون من الثقات الذين اكدوا انهم شاهدوها بعيونهم. وليس اقلها ايضا ان احدى النساء المجاورات وكانت عروسا قد جاءها ليلا فارس اسود البشرة وطوى لسانها بيده عقابا لها على شتم الذات الالهية والعياذ بالله فانخرست لبضعة شهور ولم تعد الى وضعها الطبيعي الا بعد ان توسط لها بعض المشايخ الاتقياء بقراءة القرآن وعمل التقايا وذبح النذور، استرضاء للولي الشيخ سعد طيب الله ثراه وبعد اضاءة مقامه الطاهر بزيت الزيتون النقي وتوضيب جدرانه بالحناء.
وليس اقلها ان المقام غير مسقوف لان السقف يطير بقدرة الله تعالى كون صاحب المقام يرفض الضيق، ولذا ابتنى الاهالي مسجدا على مقربة منه ليتركوا له حرية الحركة.
واعتقد جازما ان صاحب المقام الشريف قد ارتحل من مثواه والا لما تجرأ نفر من اللصوص عديمي الدين والاخلاق ان ينبشوا المقام الطاهر مساء الجمعة الاول من تشرين اول الحالي بحثا عن كنوز وهمية يعتقدون انها دفينة في المقام، وبالتأكيد فانهم لم ولن يجدوا شيئا لسبب بسيط يعلمه الجاهل والعالم وهو ان المسلمين لا يدفنون شيئا مع موتاهم، اى انهم قاموا بنبش وتخريب اثر ديني وحضاري ونسأل الله ان يتم القاء القبض عليهم لينالوا عقاب الدنيا قبل عقاب الاخرة.وهؤلاء اللصوص لا تقتصر اعمالهم المشينة على المقامات الدينية فحسب بل تتعداها الى امكن اخرى بحثا عن اثار تشهد على تاريخ هذا الوطن وحضارة هذا الشعب ويقومون ببيعها بأبخس الاثمان الى الاعداء ليكون لهؤلاء اللصوص عار المشاركة في تزييف تاريخ وجغرافية هذا الوطن الذي يئن من ويلات المحتلين، وهم عندما يخربون المقامات الدينية انما يعتدون على حرمات الله ومعتقدات عبيده وثروات الوطن والشعب،ومن هنا فهم بقصد او بدون قصد يقفون في صف المحتلين واذرعهم من مستوطنين وغيرهم.ولذا فان الحرب عليهم يجب ان تكون فرض عين وعلى كل من يراهم او يعلم عنهم شيئا ان يقدم معلومة الى وزارة الاثار والى الاجهزة الامنية الفلسطينية لينالوا جزاء سوء اعمالهم.
باراك والسلام
ومع انني لا اتعاطى السياسة ولا احب النقاشات فيها،الا انني ومن باب حماسي لتحقيق السلام في منطقتنا التي انهكتها الحروب حمدت الله كثيرا لنجاح ايهود باراك رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي في الانتخابات،مع انها شأن اسرائيلي داخلي لا علاقة لي ولشعبي بها.
ويبدو ان عملية الموت البطيء تحت التعذيب التي مارسها سلفه بنيامين نتنياهو ضد العملية السلمية هي التي زادت حماسي لايهود باراك،فأصبحت اتكلم في السياسة وامني النفس بالسلام العادل والدائم الذي سيتحقق على يدي ايهود باراك،هذا الشخص ذو الوجه الطفولي البريء الذي كنت اتصوره حمامة سلام خلقها الله تعالى على شكل انسان،وكلما ازداد حماسي لاهمية نجاح ايهود باراك في الانتخابات كلما ازداد نهيق حماري الذي لم افهم منه شيئا رغم طول الالفة بيننا.
وبما ان ايهود باراك لا يكثر من التصريحات الصحفية،ومن المقابلات التلفزيونية على عكس سلفه نتنياهو فقد وجدت لذلك تفسيرات لا ينوي الخوض فيها خوفا من ضياع بعض اصوات الناخبين الذين رباهم حزب العمل الاسرائيلي،حزب باراك نفسه،على التطرف اليميني والتعصب العرقي.
الا ان حماري-اجلكم الله-خالفني الرأي فحسبته من انصار نتنياهو فخاصمته وبلغت الخصومة بيننا حدا جعلني افكر ببيعه لولا حاجتي اليه عندما ذكرني بقصة شهاب الدين واخيه ولما كان ابو صابر مخلصا لي اكثر من اخلاصي له فانه لم يغضب مني بل ذكرني باعمال باراك التي ليس اقلها اغتيال الشاعر الانسان كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار في شارع الفردان في بيروت.
فقلت له كما قال الشاعر"دع عنك هذه الثرثرة يا حمار المعصرة". واضفت بان تلك الايام كانت ايام حرب وخير من يبني سلام اليوم هم محاربو الامس،وباراك محارب شرس استحق بجدارة بان يكون الجنرال الاسرائيلي الاكثر حصولا على الاوسمة،وسيكون شجاعا في بناء السلام كشجاعته في الحرب. فمد ابو صابر احدى اذنيه وارخى الاخرى وادار ظهره لي وهذا عدم اكتراث في لغة الحمير،مما اغضبني ودفعني الى شتيمة ابي صابر،فالتفت الي وقال:قد اغفر لك حماسك العاطفي للسلام وجهلك في السياسة،واخذ يسرد على مسامعي تصريحات باراك وشروطه للسلام المصحوب باللاءات الشهيرة وهي،لا للانسحاب الى حدود الرابع من حزيران1967،لا لجيش اخر غربي نهر الاردن،لا لتقسيم القدس التي ستبقى عاصمة ابدية موحدة لدولة اسرائيل،ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين،ولا لتفكيك المستوطنات،ونعم لمواصلة سياسة الاستيطان ومصادرة الاراضي…الخ.
فثار غضبي على ابي صابر وقلت له:-هذه تصريحات للاستهلاك ومن اجل عدم الاصطدام مع حلفائه من احزاب اليمين.
فنهق ابو صابر وقال:-هكذا وجدتم الاعذار لنتنياهو ايضا فقلتم بان معتقداته وتصريحاته قبل الانتخابات لن تجد لها طريقا على ارض الواقع بعد ان اصبح رئيسا للوزراء وانتهت ولايته وهو يزداد عداء للسلام.
فاوضحت لابي صابر بان الوضع مختلف فها هو باراك ينفذ اتفاقية "واي ريفر" فقاطعني ابو صابر وقال:-انه يعرقل تنفيذ اتفاقية شرم الشيخ المعدلة لما وقع عليه نتنياهو في واي ريفر مثلما نفذ نتنياهو اتفاقية الخليل المعدلة لما وقع عليه سلفه شمعون بيرس.
فلم افهم عليه شيئا فتركته وانصرفت.
انتهاك قوانين السير
عندما كنت امتطي حماري وأسير في شوارع القرى والمدن لقضاء امر ما،علما بانني قليلا ما اسلك الطرق المأهولة كوني اعمل في الحقول خارج التجمعات السكنية كنت اكثر ما اخاف على نفسي وعلى حماري من سيارات جنود الاحتلال والمستوطنين ، لانهم يسيرون في وطننا المحتل على غير هدى،وبسرعة جنونية دون مراعاة لقوانين السير،والسرعة المسموح
بها لعدم اكتراثهم بحياة انساننا الفلسطيني،وكون ضحاياهم يقتلون-بضم الياء وتسكين القاف-دائما حسب القانون او دفاعا عن النفس،حسبما تفيد لجان التحقيق الاسرائيلية الرسمية واذا ما اضفنا الى هؤلاء الجزء الاعظم من سائقي سيارات الفورد ترانزيت التي اصبحت وسائل نقل عامة،ولا يرعى سائقوها حرمة للمواطن او لقوانين السير،يضاف اليهم جزء كبير من سائقي السيارات العمومية الذين ينافسون في خرق قواعد السير السليمة،ويتسابقون معهم لالتقاط مسافر لوصلنا الى نتيجة مفادها ان السير للمشاة على طرقاتنا يحمل في ثناياه مخاطر كثيرة تؤدي الى ازهاق ارواح وتشويه اجساد،عدا عن الاضرار المادية التي تلحق بالممتلكات وبالاقتصاد الوطني.
ويجب ان لا يغيب عن البال ان عمر السائق وثقافته وبيئته التي يعيش فيها لها دور اصيل وهام في التزامه بقواعد وقوانين المرور،فلا يكفي ان يمتطي الانسان ظهر جواد ليصبح فارسا،بل هناك مهارات وعلوم عليه ان يتقنها ونأمل من دوائر السير في سلطتنا الوطنية ان تاخذ بعين الاعتبار هكذا امور عند اعطاء رخصة قيادة سيارة لاي مواطن،حفاظا على حياته اولا وحياة غيره ثانيا،لان الانسان اعز ما نملك، اما الذين يقودون مركباتهم دون حصولهم على رخصة قيادة،ودون ان تكون مركباتهم مرخصة ومؤمنة فحدث ولا حرج وان كانت جرائمهم بحق الاخرين تدرجها عاداتنا وتقاليدنا ضمن باب (القضاء والقدر) وغالبا ما تنتهي بتقبيل اللحى والتسامح.
ولما كان وطننا المحتل في غالبية اراضيه لا يخضع لسلطتنا الوطنية الا ان هذا الواقع المرير لا يعفي شرطة المرور من تشديد رقابتها على المخالفين وردعهم بقوانين صارمة وهذا لا يعفي المواطن نفسه من ان يمنع ابنه او قريبه من قيادة سيارة وهو او مركبته غير مؤهلين لهكذا امر.
حارس أملاك الغائبين
تكاسل حماري على غير عادته ونهق نهيقا مؤلما،عندما علم بنيتي ان اصطحب ذلك الرجل الاشيب الذي عاد الى ارض الوطن بعد غياب قسري اجبرته عليه ويلات حرب حزيران 1967 العدوانية،فترك بيته وارض واملاكه التي استولى عليها"حارس املاك الغائبين" فقام بتأجير البيت الى اخرين. ولما كان صاحبنا قد ترك الوطن شابا في مقتبل العمر وعاد اليه اشيب هرما مع انه في اخر العقد الخامس من عمره،الا انه كان يمني النفس بعيشة هادئة ومريحة فيما تبقى له من عمر،وهكذا عاد الى بيته الذي بناه بعرق جبينه ليجده مأهولا باسرة اخرى لم تسعد بلقياه ولم تحسن ضيافته. فلم يجد بدا من التوجه الى مكتب وزارة الاسكان والسؤال عن حارس املاك الغائبين للمطالبة بتحرير بيته. وهناك وافق المستأجر على اخلاء البيت ففرح صاحبنا لذلك لكنه لم يتمكن من العودة الى بيته لان المستأجر لم يدفع اجرة البيت حيث ان حارس املاك الغائبين يحتفظ بثمانين بالمئة منها للمالك الاصلي ويحسم العشرين الباقية كرسوم. ولم ينفع المالك عن تنازله عن نصيبه لان القانون ينص بان عليه ان يدفع العشرين بالمئه التي يتقاضاها حارس املاك الغائبين.وهكذا فان صاحبنا بدلا من ان يجد مبلغا ماليا في انتظاره وجد نفسه مدينا بمبلغ لا يقوى على تسديده حتى يتمكن من العودة الى بيته.تماما مثلما ان حارس املاك الغائبين بدلا من تسليم البيت لصاحبه وملاحقة المستأجر قضائيا لتحصيل رسوم حارس املاك الغائبين ونصيب المالك من اجرة بيته،ولا اعلم ان كان هذا القانون موروث عن الاحتلال ام عن الانتداب البريطاني اوعن عهد العثمانيين او انه فلسطيني. لكنه في كل الاحوال ضد مصلحة المواطن وفيه اعتداء على حقوقه بالتصرف باملاكه وحقه في العودة اليها.
وعلينا ان ننتبه الى كثرة المشاكل الناتجة عن اطماع ذوي القربى من اخوة واخوات وابناءعمومة في حقوق ذويهم الذين اجبرتهم الحروب التي اوقعت الوطن تحت الاحتلال،عن الابتعاد عن هذا الوطن مكرهين فوقعت املاكهم المكتسبة والموروثة نهبا لاقرب الاقربين لهم حيث ورثوهم احياء.
ان فرحتنا بعودة أي مواطن الى اهله ووطنه يجب ان يصاحبها اعترافنا بحقوقه في املاكه،ويكفيه ما لاقاه من عذابات الغربة ومن عذوبة الحلم بالعودة للوطن.
تشليح سلمي…
واثناء زيارتي لبلاد العم سام في الشهر الماضي تركت حماري تحت رعاية جارتي لمياء التي بانت عليها اثار العقوق،وهذه قضية لم المسها الا بعد عودتي حيث ان حساسيتهاالزائدة قد كدرت علي صفاء نفسي.وان كنت لا انكر دورها في رعاية ابي صابر في ظل اوضاع نمت فيها النفوس المريضة وترعرعت واصبحت النميمة فيها قاعدة حميدة مع انها سنة سيئة. وبما ان عقوق جارتي لمياء كان عفو الخاطر فانني لا الومها.
اما الادهى والامر فهو سفر محسوبكم وعودته من مطار تل ابيب لان السفر منه هو اهون الشرور مع عدم وجود بديل له، وقد تعرضت لتفتيش دقيق في الذهاب والاياب وكأنني قاطع الطرق او الارهابي رقم واحد في العالم اجمع، وليت الامر توقف عند هذا الحد بل تم الاستيلاء على حقيبة سفري وتحويلها للجمارك قطعة قطعة بما فيها جواربي وملابسي الداخلية وحذائي واحد قمصاني الذي يزيد عمره عن ثلاث سنوات. وتم احتجازها لمدة عشرة ايام لاذهب لفك قيودها بعد دفع "الخاوة الجمركية" مع غرامة مماثلة لانني لم اذهب مباشرة للجمارك وامور اخرى وصلت الى حوالي الالف والاربعمائة دولار امريكي. أي اكثر من ثمن محتويات حقيبتي التي لم يكن بداخلها سوى ملابسي الشخصية وهدية رمزية لزوجتي وابنائي ودواء لقدمي والدتي العجوز التي ارهقها الزمن. وقد قضيت يومي اتنقل بين مكتب واخر واتعرض للتفتيش فيما بين المكاتب وبعد يوم شاق ومرهق وما صاحبه من نكد وغم وهم ضحكت ليس فرحا وانما على رأي حكمتنا القائلة "وشر البلية ما يضحك" عندما اخبرني موظف الجمارك انه سيعمل معي سلاما؟؟ وكان سلامه ان تركني في مديونية قدتمر سنوات قبل تسديدها. فعدت الى البيت وفرحت فرحة حقيقية عندما رأيت ابنتي الطفلة "لمى" فرحة بفستانها الجديد الذي لم تعلم كم كلفني من الجهد والعناء.
وهذه التجربة اكدت لي من جديد ان تمكن شعبي من حقه في تقرير المصير واقامة دولتنا المستقلة بعد خلاصنا من الاحتلال وشروره هي السبيل الوحيد لانقاذنا من هكذا اعمال تمتهن انسانيتنا.
"اللوح"
قد لا يستغربن احد منكم كيف اعوجت الامور وحاز صاحبكم "الشيخ"وزميله عبد الله بن توفيق بن العبد بن صيام المخماسي على لقب"لوح" وذلك ليس لذنب اقترفاه او لسلوك سلكاه بل لانهما استقاما كما هو ديدنهما في البحث عن الحق والفضيلة واعادة الامور الى نصابها الصحيح والحق الى اصحابه، وذلك عندما تم تعيينهما في لجنة اشراف وتحقيق على مؤسسة عاث فيها الفساد!! وقبل الشيخ بالتعيين بالرغم من ان حماره مد اذنيه وجحظ عينيه وادار ظهره وضرط فلم يفهم عليه شيئا.فما كان منهما الا ان باشرا عملهما مع صحب اخرين بالفحص والتدقيق كي لا يظلموا احدا، وبالتالي يظلمون انفسهم "فأظلم الناس من اطعم الناس للناس" ولم يقبلا وساطة او ترغيبا او وعيدا ولم يعتبرا نفسيهما طرفا في الصراعات بين بعض المسؤولين بغض النظر عن نوايا هؤلاء المسؤولين واختلاف مشاربهم ومقاصدهم،واختارا ايضا الانحياز الى الحقيقة مهما كانت النتائج واختارا ان يذكرا لذوي الفضل فضلهم ولذوي الاساءة اساءاتهم ولم يكترثا بالرسائل المرفوعة الى بعض المسؤولين والتي تنافي الحقيقة بالطعن في لجنة الاشراف ومحاباة هذا ومعاداة ذلك. وكان تقريرهما الذي اشار الى اساءات المسيئين واحسان المحسنين، وبدلا من الثناء عليهما ومكافأتهما فقد اطلق عليهما البعض لقب "لوح"وهذا امر ليس غريبا في هذا الزمن الغريب الذي يسير على رأسه بدل قدميه. وعندما علم ابو صابر بالامر نهق نهيقا غطى على الابتسامه العذبة لرئيس اللجنة الذي ابتسم ابتسامة عريضة عندما سمع باللقب الجديد.واتفق مع زميله الشيخ بان "اللوح" غير معيب مادمنا في زمن يصدق فيه الكاذب ويكذب فيه الصادق ويؤتمن فيه الخائن ويخون فيه الامين. "وقالا لابي صابر" لن تموت يا حمار قبل ان يأتيك العليق".
بين التلقين والتفكير
وصباح يوم من هذا الاسبوع وكان الجو صقيعا غير ماطر صادفتني طفلتان صغيرتان تبينت بعد السؤال انهما في الصف الابتدائي الثالث فقررت ان اردفهما خلفي على ظهر حماري كمساهمة مني في ادخال البسمة على شفاه طفلتين من أطفال شعبي الذين سرق الاحتلال طفولتهم، بل ذبحها بسكين مثلم مما زاد في تعذيبهما. وتداولت الحديث مع الطفلتين وانا اعيد شريط الذكريات عن ايام الدراسة وطفولتي الذبيحة أيضا انا وابناء جيلي وسألتهن عن المواضيع التي يدرسنها، واذا بهما تشكوان من ضعف المدرسين والمدرسات فاستغربت ان يصدر ذلك عن طفلتين في مثل عمرهما، واذا كل واحدة منهن تخرج ورقة امتحان من حقيبتها وقالت الاولى انظر الى هذه الاجابة هل هي صحيحة ام خطأ كما صححتها المعلمة؟ وكان السؤال اكتبي فعل امر في جملة مفيدة؟؟ فأجابت الطالبة:قال ابي لاخي نم مبكرا وانهض مبكرا،فوضعت المعلمة اشارة خطأ وكتبت الاجابة الصحيحة حسب رأيها وهي قال المعلم للطالب اكتب درسك.فعجبت من ذلك واعتبرته خطأ من المعلمة نتج عن سرعة التصحيح ونصحت الطالبة بان تراجع المعلمة فانها بالتأكيد ستتراجع عن خطئها؟؟ واذا بالطالبة الثانية تخرج ورقة اخرى وتريني شيئا مماثلا وكان نص السؤال كالتالي:اكتب عكس الكلمات التالية:ومنها سجناء،فاجابت الطالبة (احرار) واعتبرتها المعلمة خطأ وكتبت الجواب الصحيح حسب فهمها (طلقاء) فطلبت منها ان تراجع معلمتها ايضا.
وفي اليوم التالي تعمدت لقاء الطالبتين المذكورتين لاعرف نتيجة مراجعة المعلمة فعجبت انها اصرت على رأيها، وتأكدت من ذلك من والدي الطفلتين حيث انهما راجعا المعلمة على نفس الموضوع فاصرت على رأيها، وهنا وجدت نفسي امام ظاهرة التلقين الحرفي والتقيد بالمنهاج كما هو في الكتاب المقرر وما يصاحب ذلك من حصار للعقل والفكر وقتل لحرية الابداع والتفكير عند الطلاب.
وهنا تذكرت المرحوم الدكتور عمر فروخ استاذ التاريخ العربي والقضية الفلسطينية في جامعة بيروت العربية في بداية السبعينات عندما كان يكتب ملاحظة في اخر ورقة الاسئلة يقول فيها(اكتب رأيك الشخصي ولو كان مخالفا لما هو وارد في الكتاب المقرر) وللعلم فانه مؤلف الكتاب المقرر.وتساءلت ان كان لثقافة الخريج الجامعي دور في تعيينه مدرسا وعن دور المديرين والمديرات والموجهين والموجهات التربويين في مراقبة المعلمين والمعلمات ومعرفة كفاءاتهم في المادة التي يدرسونها.وهنا نهق حماري نهيقا موجعا فهمت منه٧ انني تأخرت عن عملي وتدخلت في امرليس من اختصاصي وان كان يعنيني.
ديمقراطية…
سألني حماري اذا ما كانت توجد حكومة عربية تسمح لنفر من مواطنيها بالتظاهر في كنيس يهودي على أراضيها مطالبين بهدمه وبناء جامع او كنيسة مكانه؟.
فاستنكرت سؤال حماري لانني من امة عرفت بالتسامح الديني واحترام الديانات الاخرى فلا يمكن وجود نفر من المواطنين العرب والمسلمين يفكرون بهكذا امر اصلا؟؟واذا سرحنا بخيالنا عن امكانية وجود هكذا تظاهرة،فستكون فضيحة اعلامية وسياسية سيقودها حكام اسرائيل ويتجاوب معها السياسيون والاعلام في الديمقراطيات الغربية،وسيتهمون العرب باللاسامية مع انهم ساميون ينحدرون من نسل سام بن نوح رضوان الله وصلواته عليهما.
وهنا مد حماري اذنيه وجحظ عينيه ورفع ذنبه واستطال جسمه حتى خلته حيوانا مفترسا يكاد يلتهمني وسألني مرة اخرى لماذا يسمح حكام اسرائيل لجماعة المستوطنين الذين يسمون انفسهم (امناء الهيكل) المدججين بالاسلحة بدخول المسجد الاقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والتظاهر فيه مطالبين بهدمه وبناء الهيكل مكانه؟ وتحت حراسة الشرطة الاسرائيلية ويشتمون من شاؤوا ويرقصون ويعربدون كيفما شاؤوا؟؟وتمر جريمتهم مر الكرام؟؟!
فأفحمت حماري بجوابي بأنها الديمقراطية الاسرائيلية التي يفتقر اليها العالم العربي؟؟
فغضب حماري ونهق نهيقا عاليا وقال وهل الديمقراطية تتضمن الاعتداء على الديانات والمعتقدات الاخرى ودور عبادتها والمس بمشاعر اتباعها؟؟
فانخرست لانني لا اعرف الجواب!
فقال حماري يا بني ادم-وهي شتيمة في عرف الحمير-فلماذا لا تحتجون على ذلك؟؟
فأجبته بسؤال استنكاري وهو: ومن قال لك يا حمار النحس باننا لا نحتج فنحن ندعو الله في قلوبنا واثناء صلواتنا وهو اضعف الايمان لايماننا بأن للبيت رب يحميه.
فغضب ابو صابر وانصرف وهو يقول (يا امة ضحكت من جهلها الامم) فلم افهم عليه شيئا سوى انه انصرف مهزوما اما حكمتي وغبائه1999
مضار التعليم وفوائد الزواج المبكر
وبما ان الانسان ابن بيئته وزمانه وعلى قول الخليفة الرابع كرم الله وجهه (لكل زمان دولة ورجال) فانني افكر جديا بان اشجع ابني وشقيقتيه على ترك المدرسة قبل الانتهاء من المرحلة التعليمية الألزاميه فبإمكان الولد ان يعمل في سوق العمل الاسود في بناء المستوطنات التي تقام على ارضنا او داخل الخط الاخضر، وبامكانه ان يحصل على اجرة تفوق اجرةخريج جامعي قد يكون حاصلا على شهادة الاستاذية التي يسميها (المتفرنجون) من بني قومي (الدكتوراة) هذا عدا عن جيش العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الجامعية وبامكانه ان يبني بيتا، وان يشتري سيارة حديثة، وان يتزوج ويخلف الصبيان والبنات ويعيش في ثبات ونبات قبل ان ينهي ابناء جيله تعليمهم الجامعي، وقبل ان يدخلوا معترك الحياة العملية ويشجعني في ذلك الكثيرون من ابناء شعبي، وخصوصا ابناء قريتي حيث ان الشواذ وهم قلة طبعا يستمرون في دراستهم، اما الاناث فان من لا يحالفها الحظ بعريس وهي في محيط الرابعة عشرة من عمرها، ولا يخفى عليكم ما يكون عليه جمال الفتيات في هذا السن الذي نضرب فيه المثل حينما نقول (مثل بنت "اربعتعش") وهذا تشبيه بالقمر ابن اربعة عشر يوما حيث يكون بدرا فانه يسمح لهن بمواصلة دراستهن حتى يأتيهن النصيب،وهكذا فانهن يدخلن في غالبيتهن سلك الزوجية قبل ان ينهين المرحلة الثانوية دون الاكتراث باقوال بعض الجهلة والكفرة والعياذ بالله بأنهن لا زلن في سن الطفولة حيث انهم لا يعرفون احتياجات الانثى الجنسية في مثل هذا السن المبكر ولا يعترفون بان الزواج سترة ومع ذلك فان من لا يأتيها (النصيب) في مثل هذا السن المبكرة نتيجة لعين حسودة اصابتها او اصابت والديها فانها ربما تتاح لها ظروف تكميل دراستها الجامعية، ومع ذلك فان هؤلاء الفتيات من بنات قريتي على الاقل يشكلن نسبة اعلى من نسبة الذكور الذين يلتحقون بالجامعات.
وبينما انا في هذه الافكار قررت بان اطرحها على حماري ليقضي لي بها قبل ان ابوح بها واذا بابي صابر يبقى مستلقيا في مراغته غير مكترث باهميتي بعد ان علم بمرادي وقال:يا بني ادم-وهذه شتيمة في عرف الحمير-العيب ليس في العلم وانما في اصحابه فالعلم كنز ينفع صاحبه في كل الظروف والاحوال واوضاع شعبكم الاستثنائية نتيجة للاحتلال هي المسؤولة عن كل الأوضاع السيئة في مجتمعكم وحذرني من مغبة اخراج ابنائي من الدراسة قبل ان ينهوا تعليمهم، كما نصحني بتعليم البنات حتى المرحلة الجامعية الاولى على الاقل وحذرني من مخاطر الزواج المبكر خصوصا على الفتيات.
ولما سمعت نصائح ابي صابر لمت نفسي على افكاري السوداوية واكتشفت خطأي وصواب حماري.
احتفالات الالفية الثالثة
ونحن نودع الالفية الثانية ونبدأ الالفية الثالثة وقفت للحساب امام حماري على عادة البدو الذين كان يقف الواحد منهم امام قبعته ويقاضيها ليرى ماله وما عليه قبل ان يقف امام خصمه.
واستغليت انحباس الامطار هذا العام وخوفا من ان تضيع البذور في الارض كما حصل في العام الماضي نتيجة القحط قررت ان استريح هذا اليوم انا وابو صابر لنجرد حساب هذا القرن، فاصلحت ملابسي الرثة ونفضت الغبار عنها وحمدت الله كثيرا لتوديعنا هذا القرن كأمة عظيمة فلنا والحمد لله اثنان وعشرون مقعدا في الجمعية العمومية للامم المتحدة وفي المؤتمر الاسلامي، ومثلها كان لنا في مجموعة دول الانحياز ولدينا اكبر مخزون نفطي في العالم، ويمتد وطننا الكبير من المحيط الاطلسي الهادئ الى الخليج العربي الغاضب ويحكمنا بدل الحاكم اثنان وعشرون حاكما، منهم صاحب الجلالة ومنهم صاحب الفخامة ومنهم صاحب السمو ويحرس اوطاننا بدل الجيش اثنان وعشرون جيشا، ولدينا ثروات كبيرة وعددنا اكبر من عدد سكان أي دولة عظمى اذا استثنينا الصين. ونتشكل من مجموعات كثيرة من القبائل العشائرية والسياسية، وهذا دليل على ديمقراطيتنا وايماننا بالتعددية، واسواقنا من اكبر الاسواق الاستهلاكية في العالم، وعندنا عدة مجموعات ومنظمات اقليمية، ونشارك في منظمات دولية واقليميه خارج حدودنا. وحققنا انتصارات لم تبلغها الامم الاخرى يشهد بذلك مؤرخونا والاف المطبوعات الدورية وغير الدورية. وبينما انا اسرد انجازاتنا العظيمة على مختلف الصعد نهق ابو صابر ورفس فتوقفت عن الحديث لاستمع لما يقول: واذا به يرغي ويزبد ويقول: والله ما رايت امة تقلب الحقائق وتجعل الباطل حقا ولا تعترف بأخطائها مثل امتكم!! فغضبت منه وسألته ماذا تعني يا حمار النحس؟! فقال:انكم تودعون القرن الاخير بهزائم كبيرة وتدخلون القرن القادم بلا عدة ولا عتاد!! فلم اسمح له بمواصلة الحديث الا انه استشاط غضبا ونهيقا وقال: لقد دخلتم القرن العشرين بدولة واحدة كانت نواة لدولة وشعوب اخرى فانقلبتم عليها وهدمتم دولة الخلافة، وانقسمتم الى قبائل ودول شتى وتحالفتم مع اعدائكم ضد انفسكم فكان ما كان من تنفيذ اتفاقية "سايكس بيكو" التي اوقعتكم تحت استعمار حلفائكم الذين نهبوا خيراتكم واستعبدوكم بعد ان استعبدوا وطنكم، وكان ما كان من تنفيذ وعد بلفور وضياع فلسطين وتشتيت شعبها كما خسرتم غيرها من البلدان ليس اقلها الاسكندرونة وعربستان والجزرالثلاث في الخليج، واعترف انكم كسبتم لجامعتكم العربية دولا اخرى مثل جزر القمر.وتحاربتم وقتلتم بعضكم بعضا اكثر مما قتلكم الاعداء وتغنيتم بامجاد الماضي ونسيتم الحاضر والمستقبل،فأهملتم العلوم حتى ان العاملين في مراكز البحث العلمي عندكم اقل من العاملين في دولة اخرى صغيرة الحجم والمساحة. ومع ان بلدانكم من اغنى بلدان العالم الا ان شعوبكم من اكثر الشعوب فقرا. حتى ان المجاعات طالت بعضكم وقمعتم شعوبكم وقيدتم الحريات وتدخلون القرن الجديد والالفية الجديدة بمديونية عالية ستجعل اوطانكم رهنا للدائنين. فعن أي انتصارات تتحدث ايها المخبول؟؟ فانهلت بعصاي على ابي صابر وانا اقول له:الحق ليس عليك يا حمار النحس وانما علي انا الذي ارحتك هذا اليوم يا ناكر الجميل.
وعدت احرث عليه حتى يهده التعب ولا يتطاول بعدها علي وعلى بني قومي وتناسيت الاغاني الشعبية التي يرددها الحراثون وشرعت اغني "امجاد يا عرب امجاد"
لا يبغون حمدا ولا شكورا….
لا احد يقدر فرحتي بتبرع الشرطة الاسرائيلية وبلدية اولمرت بتنظيم حركة السير وبتسيير باصات ايجد لنقل المسلمين ايام الجمعة من الحواجز العسكرية الاحتلالية على مداخل القدس الشريف الى المسجد الاقصى المبارك في شهر رمضان المبارك، فهذا تبرع يدل على ايمان وورع وتقوى لم يكن موجودا من قبل، ويتفوق على ورع نابليون الذي اعتمر العمامة في مصر عندما غزاها.وفرحتي نابعة من تعاطفي مع الشيوخ والنساء والاطفال الصائمين الذين لا يقوون على المسير مع انني شخصيا لا استفيد من هذا التبرع كوني لا استعمل المواصلات فاما ان اركب حماري وهذا يكفيني،وان اسير مشيا على الاقدام عدا عن فوزي بالثواب العظيم لان الثواب على قدر المشقة.
وفرحتي هذه اوقعتني في خصومة مع جارتي المشاغبة لمياء التي ترفض استعمال باصات ايجد وتصل الى المسجد الاقصى على قدميها لا طلبا للثواب العظيم وانما خوفا من الوقوع في الحرام، بحيث انها تعتقد ان الله سبحانه وتعالى لن يقبل صلاة من يصل الى الاقصى في هذه الباصات، لان نوايا الذين يسيرونها ليست سليمة.واعتقد ان فتوى الشيخ محمد عبده رحمه الله في القرن التاسع عشر قد اثرت فيها واربكتها. وتلك الفتوى تقول بانه اذا احرق المسجد الاقصى او دمر نتيجة لكارثة طبيعية ولم توجد دولة اسلامية لاعادة تعميره فان التبرعات تؤخذ من المسلمين والنصارى ولا تقبل من اليهود لوجود اطماع لهم في هذا المسجد العظيم.
ولمياء هذه تقيس على هذه الفتوى حتى سحبتها على باصات ايجد.
فشككت بنوايا جارتي لمياء هذه خصوصا وانها نصحت والدتها العجوز بعدم استعمال هذه الباصات كي يقبل الله سبحانه وتعالى صلاتها.
ولم يسعف جارتي من غضبي سوى حماري الذي اوضح لي بان اهداف المحتلين واضحة وهي انهم يريدون ان يثبتوا للمصلين المسلمين الذين يتوافدون للصلاة في المسجد الاقصى ايام الجمعة بمئات الالاف من شهر رمضان المبارك بان القدس تحت السيادة الاسرائيلية فقط، وهم يسمحون للمصلين المسلمين والمسيحيين ان يؤدوا شعائرهم الدينية في القدس او يمنعونهم متى شاء المحتلون وكيفما شاؤوا.
فارتعبت خوفا مما طرحه حماري وواصلت مسيري للصلاة في اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وانا مطمئن لانني لااستعمل المواصلات اصلا.
التكيف مع الاستيطان
وعندما امر يوميا من منطقة راس العامود في القدس الشريف احمد الله كثيرا الذي اطاح ببنيامين نتنياهو زعيم الليكود ورئيس وزراء اسرائيل السابق واتى بايهود باراك. حيث ان الاخير قد وعد في حملته الانتخابية بوقف البناء الاستيطاني في راس العامود لعدم جدوى هذا الاستيطان وما سيترتب عليه من مشاكل كونه يقع في وسط كثافة سكانية فلسطينية عالية.وهكذا فانني ارى فقط مجرد حفريات وتلال من الطمم الناتج عنها، ولا ارى أي بناء استيطاني فأتأكد من ان ايهود باراك اوفى على الاقل بوعوده الانتخابية لناخبيه العرب قبل اليهود، وانه جاد فعلا بمواصلة مسيرة السلام التي حطم سلفه نتنياهو عجلات مركبتها، فلا بد ان الرجل قادر على قيادة سفينة السلام تماما مثلما اثبت قدرته في الحروب العلنية والسرية كجنرال حاز على اكبر اوسمة عسكرية من بين امراء الحرب في اسرائيل. وهو يواصل معركة السلام على مختلف الجبهات بما فيها الجبهه السورية الشقيقة وستتبعها لبنان.
وبينما انا اعدد المناقب الحميدة لايهود باراك في الحرب والسلم فاذا بحماري ينهق نهيقا عاليا ويلتفت الي قائلا:
-هل تعلم انك كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال فلا ترى شيئا فتعتقد ان احدا لا يراها!!!
فأجبته غاضبا بسؤال وهو:ولماذا يا حمار النحس؟!
فأجاب الحمار:ان البناء الاستيطاني لم يتوقف لا في راس العامود ولا في غيرها!!!
فقلت له:ويحك يا ابا صابر ها نحن في راس العامود ولا ارى استيطانا؟.
فسحب الحمار نفسا عميقا مثل شخير الانسان وقال لي:يبدو انك قد "تكيفت"مع الخداع الاستيطاني في راس العامود فانتم العرب كما وصفكم نتنياهو "تتكيفون" مع الامور المضادة لحقوقكم بسرعة حتى انها تصبح امرا واقعا من "شدة كيفكم"!
فزجرت ابا صابر قائلا :ماذا تعني يا حمار؟فاجاب:يا بني آدم ان البناء الاستيطاني يصل الى الطابق الخامس ولكنه محاط بطمم من جهة الشارع الرئيسي كي لا يراه المغفلون امثالك. وما هي الا بضعة اشهر حتى ينتهي البناء ويتم تنظيفه من الطمم المجاور،ولن تراه الا والمستوطنون يقفون امامه بعتادهم ليحرسوا ساكنيه.
وفي الحقيقة لم افهم على حماري شيئا سوى انه يشكك بمواقف باراك تجاه العملية السلمية وهذا امر لا يمكن السكوت عليه فقطعت عنه العلف حتى يتأدب ويعود الى رشده.
تطوير التراث….
تأكدت في ايام عيد الفطر الذي لم اشعر انه كان سعيدا،لانني لم احظ فيه باي نوع من السعادة اللهم الا سعادتي الغامرة بتطورالاغنية العربية المصورة على (الفيديو كليب) كما شاهدتها في المحطات العربية خصوصا الاغاني البدوية او القريبة الى البداوة حيث ان رقصات الديسكو التي تصاحبها جعلتني افاخر ببداوتي اكثرمن أي وقت مضى فهي تثبت مما لا يدع مجالا للشك ان البادية العربية قد دخلت عولمة القرن الحادي والعشرين قبل غيرها من الشعوب الاخرى، التي لا يمكن ان توصف الا بالتخلف، فلم تطور نفسها مثلنا نحن العرب العاربة الذين نثبت يوميا باننا متطورون حتى اكثر من العرب المستعربة الذين لا يملكون امكانياتنا المادية فبقوا يراوغون مكانهم ويحسدوننا نحن الاعراب كلما خطونا خطوة الى الامام، ولا احد منكم يستطيع ان يقدر مدى فرحتي بهذه الرقصات المتطورة خصوصا وان الراقصات والراقصين يلبسون الملابس البدوية التي تدل على اصالة تراثنا وعراقته وان كنت فرحا اكثر بالراقصات والمغنيات لانهن لا ينحدرن من اصول بدوية، وذلك حفاظا منا نحن البدو على نسائنا العفيفات الشريفات فنستقطب نساء غيرنا ليغنين بلهجتنا ويلبسن ملابسنا فيهززن الخصور والارداف وتتمايل الصدور والرقاب وتنثر الشعور.فانتشي طربا مع ان كلمات الاغنيات التي يطلق عليها(شبابية) ليست ذات معنى فلا افهم منها سوى الحب وربما سبب عدم فهمي ناتج عن انتباهي للرقص اكثر من انتباهي للكلمات.
الا ان حماري لم يتركني وفرحتي عندما نهق سخرية من فرحتي وشبهني بالغراب الذي قلد البلبل في مشيته فنسي مشيته الحقيقية على بشاعتها ولم يحسن تقليد البلبل ولما سألته أي الحمار عن السبب؟؟ قال لي:انكم تنسلخون عن تراثكم فلم تبقوا على قديمكم ولم تطوروه بما يتلاءم وبيئتكم فوجدت عذرا لحماري لانه غير عصري ولم يستوعب المرحلة الجديدة ولا يفهم من العولمة شيئا، لكنه ذكرني بالرقصات الشعبية المصرية واللبنانية المطورة ومدى جمالياتها.فنهرته بعصاي لانه يريدني ان اعود الى الخلف.
قذف المحصنات…
واثناء تجوالي على ظهر حماري صادفني في الطريق شاب في الثلاثينات من عمره.
فصحبناه-انا واالحمار-في طريقنا،واذا بفتاة جامعية تنزل من سيارة عمومية،ولما رأتني طرحت علي السلام بخجل فرددت التحية باحسن منها، واذا بالشاب يقول لي:هل تعلم انني رايت هذه الفتاة في مطعم مع شاب كانت تجلس قبالته وتحادثه وتضحك امامه بثقة تامة.وكأنها زوجته،فاستغربت ذلك في نفسي واسفت له كوني اعرف الفتاة واسرتها واعرف تربيتهم الدينية المحافظة.واذا بالشاب يضيف بانه رأى نفس الفتاة مع شاب اخر في سيارة بمكان شبه منعزل ويجزم بان الفتاة منحرفة تمارس الفاحشة، وانها ربما تصبح زانية محترفة وعزا ذلك الى الاسر المنحلة التي ترسل بناتها للجامعات، وقبل ان انبس ببنت شفة نهق حماري ورفس وضرط مما اوحى لي بان في الامر لبسا فغيرت ما كنت اود قوله بالاتجاه المعاكس وقلت للشاب بانه ربما قد اخطأ في تشخيص الفتاة كونها من اسرة محترمة لا تشوبها اية شائبة ولا يمكن ان تقع في الخطيئة.
فعاد الشاب واكد بانه على يقين من انها هي نفس الفتاة التي رآها اكثر من مرة في مواقف مشبوهة مع شابين معينين فاحترت امام تأكيداته ونهيق حماري وفجأة مرت بجانبنا سيارة خصوصية لوح لي سائقها بيده فقفز الشاب مثل قفزة نيوتن عندما قال: وجدتها وقال:هذا هو الشاب الذي رايت الفتاة معه،فانفرجت اساريري لعلمي ان الشاب هو شقيق الفتاة لكنني لم اتكلم وواصلت المسير حتى وصلت الى احد المكاتب، وطلبت من رفيقي الشاب ان ينادي لي صاحب المكتب ولما نزلا معا قلت له: اخبر والدك بانني سازوركم مساء،وكان الذهول على وجه رفيقي الذي ما ان انصرف صاحب المكتب حتى اخبرني بانه هو الشاب الذي رآه يصطحب الفتاة في المطعم، ولما اخبرته بانه شقيقها وان صاحب السيارة هو شقيقها ايضا انخرس ولم يتفوه بكلمة، فزجرته على نواياه السيئة وقذفه للمحصنات الغافلات لكنه بقي على اصراره بان التعليم الجامعي مفسدة، فما كان من حماري الا ان رفسه رفسة شجت صدغه واخرسته ففرحت لابي صابر لانه قام بما لم استطع القيام به.
استنساخ الابناء…
ازعم بانني اب فاضل حيث انني اعتقد جازما بانني اوفر لابنائي ما يحتاجونه قدر امكاناتي واربيهم تربية حسنة على الاخلاق الحميدة حسب مفاهيمي التي تربيت عليها، والتي اكتسبتها ايضا، فأراقبهم وأسأل عنهم في المدرسة، واحرص على معرفة اصدقائهم وذلك خوفا عليهم من اصحاب السوء، واراقب دراستهم لكتبهم المدرسية في البيت، وادقق واجباتهم البيتية واشتري لهم المواد الغذائية والملابس حسب ذوقي انا صاحب الخبرة الطويلة قياسيا بخبرتهم ودرايتهم في هذه الحياة، واتدخل في مطالعاتهم الخارجية في الكتب التي اشتريها انا نفسي واحدد لهم ساعات مشاهدة التلفازوالبرامج التي اعتقد انها مفيدة، ولا استمع لاي اعتراض من جانبهم لانني اريدهم مطيعين بارين، وذات مساء غضبت من ابني "قيس" عندما ترك كتبه المدرسية في العاشرة ليلا وجلس ليشاهد التلفاز فزجرته بلهجة آمرة عندما قلت ساخرا:اياك ان تدرس فالتلفاز يفيدك اكثر من الدراسة؟! فقال باستحياء: وهل تريدني ان ادرس حسب مزاجك انت؟ لقد درست المطلوب مني ومن حقي ان اشاهد التلفاز..! فغضبت من تساؤله الذي اعتبرته وقاحة وتطاولا على مسؤوليتي الابوية.فاذا بحماري ينهق،فذهبت لاستطلع الامر.
فقال ابو صابر:يا بني آدم تعلم من الحيوانات؟ فاعتبرت ذلك مسا بانسانيتي؟ الا ان ابا صابر لم يعطني فرصة لردعه عندما اضاف:انظر الى كافة الحيوانات الاليفة والبرية بما فيها المفترسة كيف انها ترعى صغارها في سن مبكرة،فتوفر لها طعامها وتوفر لها الحماية قدر استطاعتها وفي هذه الاثناء تدربها على متاعب الحياة استعدادا لقادم الايام. اما انتم البشر فان بعضا منكم يتعامل مع ابنائه كأطفال مادام على قيد الحياة. فيكبر ابنكم ويتزوج ويصبح ابا وهو لا يعرف ان يشتري قميصا يلبسه،او طعاما يأكله فيتربى اتكاليا لا يعرف معنى المسؤولية بما فيها مسؤوليته عن نفسه، وبالتالي يصبح عالة على المجتمع بدلا من ان يكون فاعلا فيه، فهل تريدون استنساخ ابنائكم عنكم ليكونوا صورة طبق الاصل لكم دون مراعاة لتطور فنون الحياة. فلم اجد ما اقوله لحماري.
راصد جوي….
قد لا يعلم البعض قدر علم الحمير وفهمها لانهم لم يعودوا يقتنون الحمير بعد ان ابتعدوا عن الارض ،فابتعدت عنهم اما اخواننا العثمانيون فقد انتبهوا لذكاء الحمير قبل غيرهم عندما استعانوا بخبرة الحمير الهندسية في فتح طرق السكة الحديد، حيث كانوا يبنون خطوطها في الطريق التي تسلكها الحمير.اما البدو امثال محسوبكم فاننا نستعين بالحمير في معرفة الاحوال الجوية.فالحمار راصد جوي بالفطرة، ومعرفته بالارصاد الجوية غير قابلة للشك كما يفعل الراصدون من بني البشر الذين يستعينون بالصور الجوية التي تلتقطها الاقمار الصناعية فأنبأونا اكثر من مرة قبل الثلجة الاخيرة عن امطار غزيرة ستسقط ،وعن موجات هوائية باردة ثم مالبثوا ان تراجعوا بحجة ان المنخفضات الجوبة كانت تغير اتجاه س٪رها في الساعات الاخيرة.اما الحمير فانها تمد اذنيها،وتجحظ عينيها باتجاه الغرب قبل وصول المنخفض الجوي بساعات وتكون معرفتها دقيقة، حتى انه ليس من باب الفكاهة مايروي عن احد الزعماء العرب في احدى الدول العربية المجاورة عندما زار مضارب احدى القبائل البدوية ظهر احد الايام فطلب شيخهم الاستعجال بتحضير الغداء له قبل ان تمطر السماء عصر ذلك اليوم. فاستغرب المسؤول الامر خصوصا وان الجو كان صافيا وسألهم عمن اخبرهم بذلك فاخبروه عن الحمار الذي يمد اذنيه ويجحظ عينيه تجاه الغرب عندما ستمطر السماء…فضحك المسؤول وقال:اذا اعطونا الحمار وخذوا مدير الارصاد الجوية.
وهكذا فاننا نحن البدو قد اتخذنا احتياطاتنا قبل الثلجة الاخيرة عندما انبأتنا الحمير بالعاصفة الثلجية. فنقلنا اغنامنا الى الكهوف وثبتنا خيامنا وانتقل من كان منا يسكن على رؤوس الجبال الى البطاح اتقاء للرياح الشديدة، وحملنا هموم غيرنا من غير البدو على هدى ذلك التعيس الذي كان يسكن خيمة في جوار احدى القرى،وقال عندما تساقط الثلج كان الله في عون من يسكنون البيوت الحجرية كيف سيتحملون هذا البرد القارس؟؟!!
غير ان اوضاع ابناء عمومتنا من عرب الجهالين الذين طردهم المحتلون من مضاربهم الدافئة والامنه قرب الخان الاحمر الى قمة جبل في ابوديس كانت على غير ما يرام حيث ان العواصف الثلجية والهوائية قد اطارت بخيامهم وبراكياتهم والحقت بهم اضرارا كبيرة دون ان يسأل عنهم احد ودون ان يترك لهم المحتلون مكانا آمنا يأوون اليه.مع علمهم المسبق بالعاصفة الثلجية عن طريق حميرهم.
من فضائل الحيوان
عندما نتكلم عن ذكاء الحيوانات،ومعرفة بعضها ببعض الظواهر الطبيعية يغضب بنو البشر،فالحمار الذي يصبر على ما يلحق به من ظلم الانسان حتى كناه العرب بأبي صابر اصبح شتيمة في مفهومنا الشعبي،فلو وصفنا انسانا بأنه "حمار" لأقام الدنيا ولن يقعدها،اما اذا وصفناه بالسبع فانه سيفتل شاربيه ويعتبر نفسه ابا الفوارس،في حين ان الحمار يخدمه ويحمل على ظهره،ويحرث له ارضه،وفي نفس الوقت من الممكن ان يكون فريسة سهلة ووجبة شهية للأسد.
فسبحان الله كيف نحترم قاتلنا،ونحتقر من يعيننا على شظف الحياة.
والادهى ان الانسان يخفي سوءاته وشروره ويلبسها للحيوانات ومنها الحمير فنقول "ما يتقطش من ذنيه الثنتين الا الحمار" مع ان الانسان هوالذي يقوم "بتقطيش" اذني الحمار.
علما انه في واقع الحياة ان الحمار يتعلم من عثرته الاولى،فلا يسلك طريقا تعثر فيها،وعندما يصل الى المكان الذي تعثر فيه فانه يرفض المسير مهما كان جبروت الانسان الذي يقوده او يسوقه.
في حين ان الانسان لا يتعلم من اخطائه،ويكررها مرات كثيرة حتى انها تصل احيانا الى درجة الخطيئة او الجريمة.
وبالرغم من الخدمات الجليلة التي تقدمها الحمير للأنسان الا ان الانسان ناكر للجميل بطبعه فعندما يهرم الحمار ولم يعد قادرا على الخدمة،فان الانسان يكافؤه برصاصة الرحمة التي تقضي عليه، ولو اجرينا مقارنات بين بعض البشر وبين الحمير لوجدنا امورا هامة لصالح الحمير ويفتقر اليها البعض من بني الانسان،فمثلا الحيوانات بمختلف انواعها واشكالها تعطف على صغارها فترعاها وتحميها وتعدها للحياة القادمة التي تنتظرها،في حين نجد كثيرين من البشر يضطهدون صغارهم او صغار غيرهم ويلحقون بهم الاذى او يتنكرون لهم.
وكثيرا ما شاهدنا انسانية بني البشر في قتل اطفال غيرهم من الاعراق والاجناس.وهكذا فان للحيوانات ومنها الحمير طباع واخلاقيات ومعارف ليس اقلها ايضا اكتفاءها بوجبة طعامها دون ان تمارس النهب والسلب والفساد والتخزين على حساب غيرها من بني جنسها او جنس غيرها.
نعيم الجهل…
قد لا يعلم البعض ما للجهل من فوائد في عصور الانحطاط التي تصيب شعبا أو أمة،أما محسوبكم فإنني استثني نفسي من هذا الاستثناء،أي انني عالم بحكم الخبرة والتجربة والواقع المعاش بفوائد الجهل وذلك لأنني اعمل بأرضي في النهار،وأعود إلى بيتي مساء وقد هدني التعب،فأنام ليلي الطويل دون حراك،وهكذا فان حياتي تسير على منوال واحد "من الفرشة للورشة والعكس صحيح" فلا أقرأ كتابا أو صحيفة ولا اسمع نشرة أخبار ولا أشاهد التلفاز وأنا سعيد بهذا على رأي ذلك الشاعر الذي قال "وأخو الجهالة في الجهل ينعم" ونعيمي ناتج انني بعيد عن عالم السياسة،فلا اعرف كيف تتضخم المستوطنات في ظل ما يسمى "المسيرة السلمية" ولا كيفية تقسيم وطني إلى "كانتونات" غير متصلة ولا أمر بالحواجز العسكرية،لأنني لا اخرج من "الكانتون" الذي أعيش فيه،وهذه نعمة اغبط نفسي عليها لما فيها من راحة عقلية تؤدي إلى راحة جسدية لا يعرف كليهما ذوو العلم.
وإمعانا مني في نعيم الجهل فإنني لا أومن بالطب أيضا فإذا ما أصابتني أو أحد أفراد أسرتي وعكة صحية فإنني اركب حماري واذهب إلى البراري،فالتقط بعض الأعشاب الطبية وأداوي نفسي بدون تكلفة وسأكشف لكم سرا شخصيا بانني أيضا لا أؤمن بالقدرات العجيبة "للفتاحين والمشعوذين والمتسترين بالدين الذين يعالجون بالقران الكريم"
وبالتالي فإنني لا أقع ضحية للنصب والاحتيال،وقد حمدت الله كثيرا لعدم إيماني بالطب بعدما علمت بقصة كمال ذلك المريض من الخليل الذي أصيب بانزلاق غضروفي في العمود الفقري وأجريت له عملية جراحية في أحد مستشفياتنا الحكومية استدان من عباد الله حتى دفع تكاليفها لأنه غير مؤمن صحيا،وبعد العملية ازدادت أوضاعه الصحية سوءا،فاصبح لا ينام الليل من شدة الألم. واستمر في مراجعة المستشفى وأطباء آخرين دون جدوى. وبعد عناء استمر طويلا قرر الأطباء إجراء عملية أخرى له على اعتبار انه مصاب بانزلاق غضروفي جديد.ونظرا لأوضاعه المالية السيئة ولتوفير ألف شاقل،أجرى العملية الجديدة في مستشفى آخر،وكانت المفاجأة أن اكتشف الأطباء في جسمه "ضمادة شاش"بقيت من الجراحة الأولى.
وهذه الحادثة أكدت لي من جديد فوائد جهلي وعدم إيماني بالطب حتى انني عندما شعرت بآلام حادة في اسفل ظهري اكتفيت بتدليك أم العيال لظهري بصحبة زيت الزيتون النقي.
فتذهب الآلام وتعود وعندما تعود نعود إلى التدليك لكن المهم إنني حميت جسدي من زراعة "ضمادة" لو ذهبت إلى المستشفى وأجريت لي عملية،وهذه أيضا نعمة من نعيم الجهل التي لم يحظ بها صاحبنا كمال.
ولو اننا قررنا تعداد فوائد الجهل لاحتجنا إلى بحث طويل ليس هذا مجاله،لان حماري شرع بالنهيق كوني تأخرت عن عملي.
تجار الموت…
عندما ركبت حماري وذهبت الى احد المخازن التجارية في قرية العيزرية لأملأ خرج حماري بما تيسر من سكاكر وشكولاته وبسكويت مخصصة للاطفال،وشجعني على ذلك ما سمعته عن ورع وتقوى ذلك التاجر الذي يبيع بأسعار اقل من نصف اسعار السوق،فاعتبرت ذلك فرصة مناسبة خصوصا وان اطفالي محرومون من هذه المأكولات ولا يتذوقونها الا قليلا في مناسبات قليلة. وقد اغرتني الاسعار الزهيدة بان أملأ خرج حماري بمائة شاقل،ببضاعة تكفي اطفالي لعدة شهور،غير ان فرحتي لم تتم عندما دخل مراقبو وزارة التموين الى المخزن،و بداوا يحصون البضاعة وأمسكوا بمشترياتي بدعوى ان البضاعة فاسدة بعد ان مضت سنوات على مدة صلاحيتها. وبما انني لا اعلم كيفية معرفة مدة الصلاحية فقد وقفت مذهولا عندما سمعت المراقبين يقولون بان جميع البضاعة فاسدة وان ختم المدة عليها مزور ووجدوا آلات واختام التزوير. فلم اقتنع،فشرح لي احدهم ان هذه البضاعة الفاسدة ستقتلني وستقتل ابنائي،فدب الرعب في نفسي ،وتساءلت عن مصدر هذه البضاعة؟؟ فاخبروني ان التجار الاسرائيلين يبيعونها في مناطق السلطة الوطنية لتجار الموت الفلسطينيين عندما تنتهي مدتها ولا يستطيعون تسويقها في السوق الاسرائيلية،فاستعدت ثمن مشترياتي وتركتها ليصادرها مراقبو التفتيش وركبت حماري وعدت ادراجي خائبا.
وفي الطريق حمدت الله كثيرا لانني نجوت بنفسي كما نجا اطفالي من موت محقق،أو من أمراض قاتلة. ودار في خلدي لو انني اكلت من هذه المواد الفاسدة ومت كيف سينعاني اهلي،وكيف ستكون صيغة النعي فبالتأكيد سينعونني كالتالي:-"تنعى العائلة بكل فخر واعتزاز شهيد الواجب ابنها المناضل البار…"
وربما سأجد تنظيما فلسطينيا سينعاني بنفس الصيغة، وربما سينعاني بعض الاصدقاء بنفس الصيغة ايضا. فضحكت من نفسي على حالي البائس وكيف سيتم نعيي بفخر واعتزاز وكأن الجميع ينتظر ساعة الخلاص مني. غير انني زهوت بنفسي عندما سيعتبرونني شهيدا مع انني مت مسموما،ومع ايماني ان الشهادة لا يعلمها الا الله. ولم افق على نفسي الا بعد ان نهق حماري فتعوذت من الشيطان الرجيم وبسملت وحوقلت وحمدت الله انني مازلت حيا
محامون ولكن…..
ليس من باب الفكاهة ما تناقله المواطنون اثناء الانتفاضة وما صاحبها من كثرة المعتقلين من ان عددا من المحامين الموكلين بالدفاع عن المعتقلين كانوا يطمئنون اهاليهم،بان ابناءهم في غياهب المسالخ الاحتلالية بالف خير،مع انهم لم يروهم وحتى لم يتعرفوا عليهم حتى ان احد المحامين دخل الى مكتبه معتقل مفرج عنه بعد اعتقال ستة شهور بصحبة والده ،فسأل الوالد المحامي عن ابنه فأجابه بانه في صحة جيدة وانه قد رآه يوم امس مع انه مفرج عنه منذ اسبوع، فذهل الوالد وابنه من جواب المحامي الذي دفع الابن المعتقل الى ان ينهال ضربا وشتما على المحامي الذي كان قد قبض اجره عن دفاعه البطولي والمشرف عن ذلك المعتقل.
وهذه القصة ذكرتني بحادثة اخرى وهي ان احد "الاعراب" تخاصم مع زوجته "المستعربة" فأوكلت محاميا ليرفع عليه دعوى قضائية في المحكمة الشرعية وفي المحكمة وقف محاميها امام القاضي وقال في زوجها مالم يقل مالك في الخمر. وعندما انتهى المحامي من مرافعته طلب القاضي من الزوج ان يدافع عن التهم الموجهة اليه،فأجاب الزوج،ارجو يا سعادة القاضي ان تؤجل المحكمة حتى ابحث عن كذاب يدافع عني كهذا الكذاب.
اما محسوبكم فقد وقعت ضحية لكذابين يزعمان انها محاميان ليدافعا عني في قضيتين مختلفتين.
اولهما:انني تعرضت لحادث طرق في حزيران 1991 اوصلني الى المستشفى حيث اجريت لي عملية جراحية فيها "فك رقبة" لاصابتي بانزلاق غضروفي في عنقي عانيت منه آلاما مبرحة. واوكلت محاميا غضنفرا يبدو انه ملدوغ من ذبابة "تسي تسي" التي اصابته بنعاس دائم وفقدان ذاكرة،اورثه احتراف الكذب،ومع انه كان يطمئنني اسبوعيا بأنه يتابع قضيتي باهتمام كبير،وسأكسب من شركة التامين مبالغ كبيرة،وتبين لي انه حتى الان لم يرفع الدعوى امام المحاكم،وان حقوقي قد ضاعت لمرور سبع سنوات على الحادث دون متابعة.
اما الثانية فهي ان ابني قد تعرض لحادث طرق ايضا عام 1994،ادى الى اصابته اصابة بليغة في الرأس تركت تشوها دائما على جمجمته،فأوكلت محاميا له لحية ناسك،قادما من الجليل الاشم توسمت فيه خيرا،بعدما رأيت اسمه ضمن الاسماء المتقدمة في القوائم الانتخابية للكنيست.
وكان الرجل يطمئنني بانه يتابع القضية في المحاكم وسينهيها حتى نهاية الاسبوع وبعدها حتى نهاية الشهر،وبعدها حتى نهاية العام.وتبين لي مؤخرا ان القضية موجودة عند محام اسرائيلي لا اعرفه ولا اعرف عنوان مكتبه وانها لم تتابع مطلقا،ورغم محاولاتي لاسترداد الملف وتوكيل محام آخر،الا ان محاولاتي باءت بالفشل.حتى انني بدأت افكر بأن اعمل "فك رقبة" لهذا المحامي او ان اشكوه لنقابة المحامين التي اعطته ترخيصا لممارسة المهنة.
الا ان حماري عندما علم بمرادي،نهق نهيقا عاليا وقال "فك الرقبة" لا يحل المشكلة بل يوقعك في مشكلة اكبر،وما دمت تعرف اكاذيب ولصوصية بعض المحامين،فلماذا وقعت في ألاعيبهم،فلم اعلم بماذا اجيبه غير انني سأشكو ذلك المحامي الى نقابته وهذا اضعف الايمان.
عروس عروبتنا
عندما باشر مجلس الاسكان الفلسطيني باعطاء قروض للمواطنين المقدسيين لمساعدتهم في البناء داخل حدود البلدية للمدينة المقدسة،هذه القروض المقدمة من الصندوق السعودي للتنمية،البرنامج السعودي لمساعدة الشعب الفلسطيني-مجلس الاسكان،كما تدل اللافتة التي يلزم المستفيدون من هذه القروض على رفعها في مكان بارز من بنايتهم،استبشر المواطنون المقدسيون خيرا من ذلك،فشكروا مجلس الاسكان الفلسطيني كما شكروا الجهة الممولة على هذه البادرة التي تعتبر خطوة صحيحة على الطريق الصحيح لدعم صمود المواطن المقدسي الفلسطيني في مدينته التي يتفنن المحتلون الاسرائيليون في اقتلاعه منها.
وبالرغم من ان شروط الاستفادة من هذا القرض محصورة في دائرة الميسورين واشباههم ممن يستطيعون دفع كلفة رسوم الرخصة من بلدية الاحتلال والتي تزيد عن عشرة آلاف دولار للسكنة الواحدة التي لا تزيد مساحتها عن مئة متر مربع مما يستثني المسحوقين من المقدسيين الذين يملكون اراضي ولا يملكون رسوم الترخيص،الا ان هذا العمل يبقى جهدا مشكورا على قاعدة "ان تضيئ شمعة خير من ان تلعن الظلام".
غير ان هناك امورا لا يمكن فهمها في رفض طلبات القروض لبعض المواطنين من قبل مجلس الاسكان الفلسطيني بعد الكشف والمعاينة.
فعندما ركبت حماري وقمت بجولة في قريتي-جبل المكبر- التقيت بثلاثة من هؤلاء المواطنين لم اجد سببا او مبررا لرفض طلباتهم في الحصول على قرض:اولهما اسامة نصر حميدان مطر شاب في أواخر العشرينات يتيم الاب له اخوان ذكران وست اخوات متزوج واب لطفلين يسكن في بيت موروث عن الجد المرحوم يتقاسم ارثه ابنة وابنان ذكران احدهما المرحوم والد اسامة واسامة هذا يتقاسم نصيب والده في ارث الجد مع شقيقيه وشقيقاته الست ويرفض مجلس الاسكان اعطاءه قرضا بحجة انه يملك بيتا.
وثانيها سرور محمد حسن سرور مشاهرة،جاري في السكن متزوج واب لعدة اطفال،يسكن في بيت اخيه واعلم علم اليقين انه لا يملك بيتا خاصا به وطلبه مرفوض بحجة انه يملك بيتا.
وثالثهما محمد علي محمد عويسات،متزوج واب لأربعة اطفال وشقيقه في السجن محكوم ثمانية عشر عاما يسكن في تسوية لشقيقه الثالث مكونة من ملجأ ومرآب سيارة.
وطلبه مرفوض بحجة انه يملك بيتا ايضا.
فأصبح لدي انطباع وكأن مفتشي مجلس الاسكان يخرجون من مكاتبهم وقرار رفض طلب المواطن جاهز في حقائبهم،ويصلون الى مكان سكن المواطن للبحث عن ادلة وحجج لاثبات هذا الرفض.
وركبت حماري وعدت ادراجي خائبا ومررت بمستوطنة "ارمون هناتسيف" المقامة على قمة جبل المكبر والمكونة من ستة آلاف شقة،ونظرت الى رأس العامود حيث يبني المتطرف اليهودي موسكوفيتش مائة واثنتين وثلاثين شقة مع انه مقيم في نيويورك ويبحث عن مستوطنين ليسكنوها.
وخلفي كانت اعمال البناء الاستيطاني على قدم وساق في منطقة ابو غنيم ولم افق من شرودي الذهني الا على نهيق حماري فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم" وعدت الى بيتي حزينا واخذت احصي معارفي من الاسر المتعددة كثيرة الابناء والمتزوجين والمنجبين الذين يسكنون في شقة واحدة للضائقة السكنية التي يعيشونها فغلبني النعاس ونمت،وعندما استيقظت تذكرت نصيحة عالم نفسي يقدمها للمصابين بالارق بان على كل واحد منهم ان يستلقي على فراشه وان يتخيل انه يصعد الى السماء على درجات سلم عظيم ويبدأ بعد الدرجات التي يصعدها الى ان ينام،فهتفت قائلا:القدس عروس عروبتنا،فطار النعاس من عيني.
العصا من الجنة
مررت وحماري امام احدى مدارس الذكور الابتدائية فرأيت ثلاثة معلمين يجوبون ساحة المدرسة احدهم يحمل عصا خشبية والاثنان الاخران يحملان برابيش بلاستيكية يلوحون بها للطلبة الاطفال،فشعرت بأن اطفالنا بألف خير وان العملية التربوية على خير ما يرام.وواصلنا المسير انا والحمار من امام مدرسة الاناث المجاورة فرأيت معلمتين تحملان "البرابيش"البلاستيكية وتجوبان ساحة المدرسة وسط الطالبات كما جنرالات الحرب في ساحة الوغى،فازددت اطمئنانا على نجاح مسيرتنا التعليمية وتذكرت ايام طفولتي وبداية شبابي في اواخر الخمسينات والستينات من القرن الماضي وكيف كان معلمونا-رحم الله من قضى نحبه منهم واطال عمر من بقي على قيد الحياة-يضربوننا بسبب وبدون سبب.وحتى ان احدهم كان يدخل الصف ويقول:سأسألكم عن الدرس الماضي فالذي يعلم انه سيخطئ في الاجابة مهما كانت بسيطة عليه ان يخرج من مقعده ليتلقى اربع ضربات موجعات على راحة يده، والذي سيخطئ ممن لم يخرجوا سأضربه اربع ضربات على راحة يده وثماني ضربات على قفاه.فكنا نخرج جميعا لنتلقى الضربات على راحة يدينا ولنحافظ على قفانا من الضرب.
وبعدها يسأل المعلم ومن كان يجيب اجابات صحيحة كان يتلقى اللوم وربما صفعة على الوجه لأنه لم يفهم نفسه انه فاهم للدرس وبالتالي اجبر المعلم على ضربه وكنا نعجب لرقة المعلم لأنه لم يكسر لنا عظمنا حسب نصيحة ابائنا رحمهم الله-الذين كانوا يقولون له "اللحم لك والعظم لنا" والحق يقال:فقد نجحنا في المدارس نجاحا باهرا،ولا نزال نحترم معلمينا.مع انه لم يكن يتوفر لنا شيئ من متطلبات النجاح او الاستمرارية في المدرسة.وعندما رأيت معلمي ومعلمات ابنائنا وبناتنا مسلحين بالعصي الخشبية والبرابيش البلاستيكية حمدت الله كثيرا لأن هذا سيدفع الاجيال الصاعدة من ابناء شعبنا الى النجاح،فلا يمكن ان يكون ابناؤنا خيرا منا نحن الذين تربينا على ان العصا خلقت من الجنة.
ودعوت الله ان يثيب معلمينا القدامى على جلدهم لنا، ومعلمينا الحاليين على جلدهم لأبنائنا، غير ان حماري نهق نهيقا موجعا،ورفس حتى اوقعني عن ظهره،ولولا انني هربت منه لداسني بحوافره، وواصل مطاردتي الى ان تسلقت جدار احد الابنية التي يدل منظرها الخارجي ان مالكها من "المبرطعين" الراقصين على دماء الشهداء والجرحى وانات الاسرى وانين تراب الوطن الذي اثقلته بساطير المحتلين.فوقفت من على السور وانا اعتقد ان حماري قد اصيب بمس من جنون.الا انه شخر شخيرا منفرا وقال يشتمني يا بني ادم انني وابناء جنسي من الحمير خلقنا الله صبورين على ظلم الانسان لنا، وهكذا فانني اتحمل صفعات عصاك على رقبتي وقفاي ارضاء لساديتك كونك مالكي،اما ان تعلموا ابناءكم بالعصي فيبدوا انكم في واد والعلم الصحيح يبعد عنكم سبعة بحور،فما هكذا التعليم وما هكذا التربية فلم افهم على حماري شيئا سوى انه حمار والعياذ بالله.ولما ذكرني بأن جنود الاحتلال كانوا ينتهكون حرمة مدارسنا بالعصي والغازات السامة والرصاص المطاطي والبلاستيكي والحي لم افهم عليه شيئا ايضا سوى انه حمار.
وتذكرت اننا على ابواب عيد الاضحى المبارك فقلت:كل عيد وكل جيل من شعبنا بخير.
وعلى الارض السلام…
وعندما ركبت حماري وتوجهت لمستشفى المقاصد لزيارة احد اقاربي الذي يرقد على سرير الشفاء في مستشفى المقاصد الرابض كنسر هرم على قمة جبل الزيتون،وعند منطقة الشياح الواقعة على السفح الجنوبي للجبل في ذلك الشارع الرئيس الذي يعاني ساكنوه والمارون منه الامرين من "تصليحات" بلدية الاحتلال التي زادت عن عامين كاملين ولا يزال يعاني من كثرة الحفر وانخفاض جوانبه وعلو وسطه كما سنامة الجمل وارتفاع مناهل المجاري ومناهل خطوط الهاتف الارضية مما يوقع المركبات المارة فيه في عذاب يفوق عذابات المسافرين فيها،وهذا جعلني وحماري نشعر بأهمية خاصة لاكتشافنا ان هذا الشارع مخصص للسائرين على اقدامهم ولراكبي الحمير.ولم ينغص علي هذا الشعور سوى السيارات التي كانت تنحرف على غير هدى تجنبا للوقوع في الحفر او الارتطام بالمناهل البارزة.وفجأة اوقفني حاجز اقامته شرطة الاحتلال ولم يسمحوا لي بمواصلة مسيرتي.وبعد نقاش سمحوا لي بالدخول بدون الحمار فقررت ان اتركه عند ابناء عمومتي ابناء المرحوم عزمي الهشلمون وهذا ما حصل رغم اعتراض الفاضلة والدتهم خوفا من ان يصادر المحتلون الحمار -وهو وديعة عندها-كما صادروا جهاز التلفاز من بيتها في العام الماضي.
وعندما وصلت مستشفى المقاصد استغربت اعمال الصيانة والتنظيف التي اقيمت في طريق الصوانة وغيرها من الطرق التي سيسلكها قداسة البابا اثناء حجيجه للديار المقدسة قتمنيت لو ان قداسته يزور دير بيت فاجي في الشياح على حين غرة او يزور أي منطقة اخرى في الاراضي الفلسطينية المحتلة ليرى كيف عاث المحتلون فيها فسادا ولم يعتذروا عن خطاياهم بحق شعبنا كما اعتذر قداسته عن اخطاء الكنيسة بحق اليهود.
ومع فرحتي وفرحة شعبي بزيارة قداسة البابا الدينية للاماكن المقدسة الا ان المحتلين وامعانا منهم في تشويه تسامحنا الديني المتمثل في عناق الصليب والهلال فقد قرروا اغلاق المحلات التجارية في الاسواق الرئيسة للقدس العربية المحتلة،ومع الاضرار التي تلحق بأصحاب المحلات الا ان هذا الاجراء يثبت ان المحتلين يعترفون بقرارة انفسهم ان القدس مقسمة وانهم لا يزالون يسومون سوء العذاب للجزء المحتل منها والذي يمثل العاصمة الابدية لدولة فلسطين العتيدة.وان بركات السيد المسيح عليه السلام ذلك النبي الفلسطيني رسول المحبة والسلام الذي يبدو انه اورثنا المسير على طريق الالام الذي سار عليه قد اوقعت المحتلين في شرور اعمالهم لأن زيارة قداسة البابا لأرض السلام تعني ان على المحتلين ان يرفعوا سيف الاحتلال عن رقبة حمامة السلام التي ترفرف على الديار المقدسة.
وعندما عدت الى حماري وجدت ابناء عمومتي قد احسنوا ضيافته فعلفوه شعيرا واسقوه ماء فركبته وعدت الى بيتي حزينا على اوضاع شعبي.
سري للغاية…
لم اعلم لماذا كان ينهق حماري نهيقا موجعا كلما مررت يوميا بتلك الفتاة "سهير" الا متأخرا وذلك لالتزامها الصمت دائما وابتسامة عذبة ترتسم على شفتيها كلما رأت مشهدا لا يروقها او سمعت حديثا لا يعجبها فهي تتدثر بجلبابها وتغطي رأسها بحجابها وكأن حالها يقول حسبي الله ونعم الوكيل، ولا يخرجها من وحدتها سوى بعض التعليقات الساخرة الصادرة من زميلتها في العمل،هذه التعليقات المجازية التي تحمل اكثر من معنى فتضحك البعض وتغضب آخرين ولا يفهم مقصدها الا من اكثر من اكل السمك والكافيار ليغذي الفوسفور في دماغه الصدئ ويبقيه سريع الاشتعال.
وسهير هذه تعمل ولا تعمل وهذه المعلومة ليست "فزورة" وانما هو الواقع فهي تداوم في احدى المؤسسات الرسمية منذ ستة شهور ولم تستلم كتاب تعيينها حتى الان بالرغم من ان رأس المؤسسة كتب لديوان الموظفين وراجع اكثر من مرة.
وهي بالتالي لا تستلم راتبا ومع ذلك لا تشكو ولا تتململ ولا تغضب لعلمها ان الشكوى لغير الله مذلة.
ولما كانت قد تعلمت الصبر منذ نعومة اظفارها فانها قد كظمت غيظها عندما قام احدهم برفقة اخر بالتسلل الى بيتها ليلا ونقدها مبلغ الف وستمائة وخمسين شاقلا من اصل خمسمائة دولار هي هدية العيد من الجهات الرسمية المسؤولة، ثم مالبث ان استعاد منها مائة وخمسين شاقلا لم تعلم ان كانت ضريبة دخل او رسوم معاملة، ومع ذلك ولولا الاشتعال الفوسفوري لزميلتها لبقي الامر طي الكتمان ولكن حماري دأب على كثرة النهيق حتى اعتبرته ازعاجا غير ان اساريرها انفرجت عندما علمت ان حامل الامانة قد اودع في بيت خالته في قضايا كانت قضيتها هي الاهون منها. وازدادت ابتسامتها اتساعا كلما نهق حماري قربها وان كانت لا تفهم على نهيقه شيئا على عكس زميلتها التي من طول الالفة اصبحت تستأنس بعالم الحمير وهذه فضيلة اغبطها عليها وان كنت اشفق عليهما خوفا من ايقاعهما في دائرة ظلم الانسان لاخيه الانسان.
وذات يوم من الاسبوع الماضي عندما انجفل حماري وسار خببا ولم يتوقف الا امام المؤسسة الرسمية التي تعملان بها وشرع بالنهيق فأطلت "سهير وزميلتها" علينا -أنا والحمار- وضاعت ابتسامتهما وسيط نهيق الحمار فلم افهم عليهم شيئا ولما غابتا واستمر الحمار في النهيق علمت انها لم تزل بدون تعيين.
في أعمال البر والتقوى…
اخاف ان يحسدني احدكم عندما تعلمون انني من المؤمنين ان تناول الادوية يترك اثارا جانبية على صحة الانسان أي انها تصلح جانبا وتعطب اخر وهذه بدهية لا تنكرها حتى الشركات المصنعة للدواء حيث انك تجد في الورقة المصاحبة للدواء تعليمات عن الاثار الجانبية التي يتركها، وبالرغم من انني مصاب بأكثر من داء ليس اقلها تقرحات في الجهاز الهضمي، و انزلاقات في العمود الفقري الا انني الجأ الى التداوي بالاعشاب،وانا هنا اصطاد عدة عصافير بحجر واحد منها توفير ثمن الدواء مع انني لا املك هذا الثمن،ومنها انني احمي جسدي المنهك من متاعب المواد الكيماوية الداخلة في صناعة الادوية، ومنها ايضا وهو الاهم انني اعفي وزارة الصحة من توفير الادوية التي يتطلبها علاج هكذا امراض.
وبهذا فانني اعفي التأمين الصحي من القيل والقال كما انني لا اضطر الى كشف المستور في مستشفياتنا كما فعل زميلنا حافظ البرغوثي،واذا ما قضيت نحبي خارج المستشفيات فانني سأموت راضيا مرضيا لم اغتب احدا ولن يغتابني احد،وسأجد من ينعاني بأنني انتقلت الى رحمته تعالى عن عمر قضيته في اعمال البر والتقوى بدلا من نتيجة لخطأ طبي او نقص في الادوية، واذا ما اكتشف احد حقيقة موتي فسيحملني مسؤولية ذلك بدلا من تحميله لوزارة الصحة والتامين الصحي.
غير ان حماري الحرون ادار ظهره ورفس ونهق عندما علم ان بعض المرضى يستعملون ادوية ولا يجدون لها بدائل في الطب الشعبي من اعشاب وغيرها، ولا يجدونها في المراكز والعيادات الصحية مع انهم مؤمنون صحيا ومن هذه الادوية تلك التي يستعملها من زرعوا اعضاء في اجسامهم كالكلى او مرضى القلب او السرطان وان كانت متوفرة في المستودعات التابعة لوزارة الصحة ولا يفرج عنها الا لذوي الشان او المحسوبين عليهم.
وهؤلاء المرضى من عامة الشعب يبدو انهم منسلخون عن واقعهم الاجتماعي ولا يريدون ان يموتوا بهدوء كما يريد محسوبكم وبالتالي فانهم يستحقون الالام التي يعانون منها ولن يجدوا من ينعاهم عند وفاتهم بانهم قضوا اعمارهم في اعمال البر والتقوى، لان وفاتهم تصبح امنية لهم ولذويهم ليرتاحوا من الالم ولن يرتكبوا حراما لأنهم لم ينتحروا ولم يجدوا من يقتلهم على طريقة القتل بدافع الرحمة.
الكبير كبير…
وبعد ان سمعت بان الاوامر قد صدرت لتطبيق قانون الخدمة المدنية لكسر الفجوة القائمة بين الصغار والكبار من الموظفين استبشرت خيرا مع انني ضحكت حتى سالت دموعي ووقعت على قفاي من تعبير "الصغار والكبار" لانني لم افهم حتى الان كيف يكبر الموظف او يصغر؟ وامام حيرتي هذه لم اجد مناصا للخروج منها سوى ان اركب حماري وازور بعض معارفي من التصنيفين.فابتدأت بكبار السن منهم خصوصا من تجاوزوا سن الرشد عمرياً وهو سن الأربعين أي من هم في خريف العمر وتعمدت ان اخص بزيارتي من اكتوى منهم بنار الاحتلال التي تركت بصماتها ظاهرة للعيان على جلودهم ويحمل شهادة جامعية وعمل في مؤسسات وطنية قبل قيام السلطة. وابتدأت بصديقي الذي يحمل اسمي فوجدته كبيرا حقا،حيث انه شاخ قبل أوانه وتصنيفه الوظيفي شبه كبير أي في ادنى درجات الوظيفة الكبيرة ولم تحسب له سنوات خدمة مع انها حسبت لبعض اقرانه ممن عملوا في نفس المهنة، ولم اجد كما لم يجد هو نفسه تفسيرا لذلك.وبهذا فانه عندما سيبلغ سن الستين سيخرج الى التقاعد براتب اصغر من الموظف الصغير وسيقضي شيخوخته صاغراً،فضحكت عندما تصورت ذلك لانه لن يعيش حتى يشيخ عمرا مع انني فرحت له لانه شبه كبير فالقطعة خير من القطيعة…وفرحت اكثر لمسؤوله في العمل لانه موظف كبير في تصنيفه الوظيفي صغير في عمره ولا يحمل مؤهلا جامعيا، وفرحتي ناتجة عن سببين أولهما رعاية الشباب ونبوغهم،وثانيهما ان هذا الموظف الكبير من المحسوبين وهو بهذا يستحق كل خير لانه على رأي زعيم وشاعر قبيلة تغلب الجاهلية:
اذا بلغ الصغير لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدينا
وهاهو صديقي الذي يحمل اسمي يخر ساجدا امام "تفوق" مسؤوله الذي هو من تلاميذه ومن جيل أبنائه.
وكانت فرحتي اكبر عندما وجدت موظفا كبيرا كبيرا وهو كبير كبير في العمر وفي التصنيف الوظيفي وفرحتي ناتجة عن كونه لم يكمل المرحلة الابتدائية،ولم يعمل في أي مؤسسه وطنيةوالحق ليس عليه طبعا وانما على المؤسسات الوطنية التي لم تقدر نبوغه وكفاءته، وبالتالي لم تراع حكمتنا القائلة "احترم الكبير ولاطف الصغير" فلم تلاطفه صغيرا كما لم تحترمه كبيرا.ومع ذلك فان نظامنا الوظيفي قد عوضه خيرا فاحترم شيخوخته واعطاه منصبا محترما لا يفقه به شيئا.اما صغار الموظفين المؤهلين جامعيا واداريا فان المستقبل امامهم وسيحصلون على ترقيات في قادم الايام حتى يصبحوا كبارا وهذه سنة الحياة.وبينما انا في طريقي الى موظفين اخرين تذكرت مسلسلا تلفزيونيا يردد فيه الممثل كثيرا عبارة"الكبير كبير والنص نص" بضم النون المشددة وكسر الصاد دب الرعب في ركبتي فركبت حماري وعدت الى بيتي لثقتي بان تطبيق قانون الخدمة المدنية سيلغي كل ما سبق فنهق حماري وقلت له"مت يا حماري حتى يأتيك العليق".
صاحب السعادة
وعندما اوقعني حظي العاثر امام احدى المؤسسات هالني ان ارى شخصا يجلس خلف مقعد وثير يملأ المكتب صراخا بدون أي مبرر، فالتقطت انفاسي خوفا من ان يلحقني دور الشتيمة، فلا بد ان سعادته قد ارهقه الجلوس بدون عمل فاخذ يوزع طاقته الكامنة على المراجعين، ثم ما لبث ان استدار الى موظف اخر اشبعه صراخا وشتائم لم اجد لها سببا لجهلي بالعمل المؤسساتي، فقررت ان انجو بجلدي قبل ان يلحقني الدور، فغضب المسؤولين لا اقوى عليه، لعلمي ان طاعتهم واجبة والخروج عليها خروج عن رأي الجماعة -والعياذ بالله- والخوارج هنا يستحقون العقاب، ولن اقبل ان اكون خارجا، فانا ممن يسيرون "الحيط الحيط ويقولون يا رب الستر" واذا ما تحقق الستر فانا بألف خير. وعندما وصلت حماري دون ان انجز مهمتي ودون ان اعلم سببا لغضب صاحب السعادة جحظني حماري غاضبا فلم التفت اليه لعلمي انه حمار -اجلكم الله- غير انه التفت الي وقال: هل سمعت بالمثل الذي يردده اشقاؤكم في ارض الكنانة، فاستفسرت منه عن أي مثل يتحدث، فقال:" ماقدروش يحملوا الحمار حملوا البردعة " فانهلت عليه بعصاي التي لا ترحم،فقال لي: صحيح انك لا تفهم، وخير دليل على ذلك انك لم تفهم المثل الذي قلته لك،وكي اثبت لحماري انني رجل فهامة قررت ان اعود الى المؤسسة لاقضي معاملتي التي جئت من اجل انجازها .
فعدت الى المؤسسة نافخا جسمي كالطاؤؤس . وعندما وقفت امام صاحب السعادة سحب شهيقا عميقا حتى خلته يحمل هموم الدنيا وما عليها،ثم نفخ زفيرا طويلا،فقلت في نفسي "اللبيب من الاشارة يفهم " وبما انني لبيب فقد انسحبت من امامه مسرعا واتجهت الى فتاة توسمت فيها خيرا فصمتها ونظراتها اوحيا لي بذلك ، عدا عن كونها مظلومة . والمظلومون يتعاطفون مع بعضهم بعضا ،ولم يخب ظني فقد انجزت لي معاملتي بصمت ،فشكرت لها لطفها ومساعدتها لي وانصرفت قبل ان تلحقني "بركات " سعادته وعندما وصلت حماري قال لي :هل فهمت المثل؟ فلم افهم عليه شيئا،فركبته وعدت الى بيتي منتشيا.
احذروا التقليد
سوف اكشف لكم سرا مع انني اخاف ان يقلده احدكم فيقع في وزر اعماله ،ومع ذلك ساقوله لكم مع التحذيرمن مغبة التقليد لما في ذلك من هلاك شخصي يتمثل في انفصام في الشخصية ،وفي ويلات على الشعب ودمار على الوطن .
ومأساتي يا سادة يا كرام تتمثل في محاولاتي قضاء بعض معاملاتي الرسمية، فأضيع يوم عمل في الأرض واعود بخفي حنين دون ان انجز معاملاتي، لا لقصور مني وانما لانشغال غيري من اصحاب التواقيع على المعاملات ،لا لقصور منهم لا سمح الله فهم يقومون الليل والنهار لخدمة هذا الشعب وهذا الوطن .ولهذا فانني اجد لهم العذر فكان الله في عونهم.
وعندما ذهبت لانجاز احدى المعاملات استغرق ذلك مني اكثر من اسبوع ،لأن الشخص المخول بالتوقيع لم يكن لديه وقت للحضور الى المؤسسة التي يقف على رأسها مع انني كنت احضر حسب موعد يحدده موظف غلبان مثلي ،وكنت اجد تعزية لنفسي عندما اصطف بجانب مواطنين مغلوبين على امرهم مثلي.وكنا نعدد مناقب الموظف الكبير كونه شخصية مهمة ليس لديها وقت لأمثالنا من الرعاع ،وكلما طال انتظارنا كلما ازدادت اهميته في نفوسنا حتى اذا ما حاول احد الغمز او اللمز كنا نردعه خوفا من الوقوع في المحظور ،وبما انني تقي نقي ورع ولا اقوى على أكل لحم الآخرين حيا او ميتا من باب كراهيتي للغيبة والنميمة فانني من اكثر المدافعين عن الموظفين الكبار الذين لا يداومون في مكاتبهم ،واجد لهم الأعذار والمبررات امام الآخرين لأبدو مواطنا صالحا امام الناس في العلن ،اما في الواقع فان لي طموحات شخصية بان اصبح شخصية مهمة واحلم بان اكون موظفا كبيرا لا يسألني احد عن الدوام وسأتحكم برقاب الآخرين ومصالحهم ولهذا فانني اطبق مقولة ( من كان بيته من زجاج فعليه ان لا يلقي الحجارة على بيوت الآخرين ) سلفا او كما يقول المزارعون من امثالي (رجم على غمورك قبل ان يطيرها الهواء ) .
غير ان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ،فبينما كنت ادافع عن غياب احدى الشخصيات المهمة عن عمله امام احد الشيوخ بعد ان اركبته حماري رحمة بشيخوخته التي لم يرحمها طول الانتظار، سرح بي الخيال فأكدت للعجوز بأن الرجل موجود خارج الوطن في مهمة رسمية لا يقوى على القيام بها غيره وشرعت اشرح طبيعة هذه المهمة وكأنني احد ابطالها واذا بنا نمر بالشخصية المهمة جالسا في حديقة احد البيوت يدخن النارجيلة بعد وجبة دسمة وينظر امام من تحولقوا حوله ومع ذلك واصلت حديثي مبررا انشغال الرجل في مهمات ضرورية ،فالتفت الي العجوز قائلا هل سمعت بالمثل الذي يقول (عنزة ولو طارت ) فلم افهم عليه شيئا الا ان نهيق حماري المتواصل انقذني من شرور ان افهم.
يعبدون الله على حرف
صدقوني انه لو عرض احدهم علي ان اعمل وحماري في احدى المؤسسات الرسمية لرفضت ذلك ،مع ان شرطي للعمل المأجور ان اعمل وحماري سوية نظرا للألفة التي بيننا وسبب رفضي نابع من خوفي من بيروقراطية هذه المؤسسات التي تلحق الأذى بها اولا وبالعاملين فيها ثانيا، وبالمستـفيدين من خدماتها ثالثا.وهذا الكلام ليس خيالا او اشاعة يرددها حاسدون اوكارهون او معادون بل هي الحقيقة،ولاثبات ما أقوله فانني سأورد قصة تلك المؤسسة التي اصيب مقسم هاتفها بعطب فانقطعت الاتصالات الهاتفية منها واليها، وبعد مراجعات شفوية وتحريرية جاءها مسؤول الصيانة من محافظات الجنوب الى مقرها في وسط محافظات الشمال، لتوفير المال على المؤسسة،مع العلم مسبقا بصعوبة الاتصال ما بين الشطرين الجنوبي والشمالي للوطن والتي تزيد في قسوتها ومشقتها عن امكانية الاتصال ما بين القطبين الشمالي والجنوبي للكرة الارضية، بالرغم من وجود الطريق الامن الذي ما كان يوما آمنا. وما كان من موظف الصيانة الا ان اخذ المقسم معه لاصلاحه منذ عدة شهور ولم يعد المقسم لأنه جهاز الكتروني ويحتاج الى تـفتيش وتصريح كي يستطيع العودة الى قواعده سالما،وفي كل الأحوال بقيت المؤسسة بدون هاتف مما يعطل مصالحها ومصالح المستفيدين من خدماتها،مع انه لو تم اصلاح المقسم في مكان سكناه لتم توفير الجهد والمال والمعاناة.
والذي يخيفني ويحرضني على عدم قبولي العمل في المؤسسات الرسمية هو خوفي من الذين يعبدون الله على حرف، فإذا ما اصيب حماري اصابة عمل واحتاج الى علاج فانني اخاف ان يتم نقله الى محافظات الجنوب ويضيع مني كما ضاع مقسم هاتف المؤسسة ،وعندها ساقع في ورطة لا يعلمها الا الله ستكون وبالا علي وعلى اسرتي الفقيرة التي لا اقوى على الانفاق عليها بجهدي وجهد حماري،فكيف سيكون حالنا بجهدي وحده؟.
مين فرعنك يا فرعون
عندما يقودني حظي العاثر بان اسير في شوارع قرانا واحياء بعض مدننا،اشعر براحة تامة عندما أرى الأبنية المقامة على حرمات الشوارع فتزيدها ضيقا على ضيق،مع ان السيارات المارة تزعجني وتكاد تقضي علي وعلى حماري،خصوصا اذا ما التقت سيارتان ولا مجال لمرورهما بقربنا .ويساعدني بالنجاة أن حماري غير معتاد على السيارات،فينجفل هاربا ، مع ان نجاتنا تكون عادة على حساب شيخ هرم او امرأة او طفل يسير على رصيف غير واضح المعالم،وفي كل الأحوال فان المتضرر يضع اللوم على سائقي السيارات ،واذا ما حاول احدهم ان يلومني لاصطدام حماري به،فانه لا يلبث ان يتراجع عندما اساله غاضبا:هل المذنب انت ام الحمار؟؟ فينصرف خائبا وباسما لأنه لا يريد ان يقترن مع حمار في خصومة،وهذه من فوائد الحمير التي لا يعلمها من لم يعودوا يقتنون الحمير.
اما سبب راحتي للأبنية المقامة على حرمات الشوارع فهي تنبع من طموحاتي بأن ازدياد العمران بهذه الطريقة سيغلق الشوارع كليا،وستبقى طرقات للمشاة وللدواب ومن ضمنها ابو صابر،وبالتالي سنعود الى ماض عريق اعتز به انا شخصيا،لأنني لا انتظر مستقبلا لم يأت بعد.
وتزداد فرحتي عندما ارى ابنية من عدة طوابق واضيف اليها طوابق زيادة عن المسموح به في رخص البناء،لأن بناة هذه الابنية يبيعونها بأسعار ارخص من المتعارف عليه لعدم تقيدهم بمواصفات البناء والترخيص،وهكذا سأشتري شقة رخيصة الثمن،ولا يهمني احتمالات انهيارها لايماني بأن الاعمار بيد الله سبحانه وتعالى،ولايماني بالقضاء والقدر خيره وشره ولأنه لن يصيبني الا ما كتبه الله لي.
علما بأن لهذه الابنية فوائد اخرى لانها لا تخصص مرآبا لسيارات ساكنيها،وبالتالي فانهم سيضعونها في الشارع ويغلقونه،وهكذا سأستطيع وحماري ان نتجول فيها كيفما وانى شئنا دون ازعاج كما ان لها فوائد اخرى لا يعلمها الا المساهمون في تلويث البيئة امثال محسوبكم،وهي ان هذه الابنية تقام في مناطق لا مجاري فيها وبالتالي فان حفرة الامتصاص –اجلكم الله- تفيض منذ شهرها الاول فتنتشر الحشرات بأنواعها المختلفة كما تنتشر الفئران والجرذ،والروائح الكريهة وهكذا فان الموت مع الجماعة فرج ولن يستطيع احد ان يتهم حماري بالمسؤولية عن هذا التلوث لان حظيرته تصبح في هكذا حالة هي الاكثر نظافة.واذا ما حاول احدهم ان يحتج على الوضع،فان جوابي جاهز وهو انني سأقول له "اعلى ما في خيلك شد واركب" لأنه لا يوجد من يعاقبني تماما مثلما لا يوجد من يعاقب المعتدين على حرمات الشوارع وارواح البشر،فنحن على مقولة "قالوا لفرعون من فرعنك؟؟ فأجاب:لم اجد من يردني".
غيبة ونميمة
اعجب من طويلي اللسان الذين يحبون الغيبة والنميمة،لأنهم لا يحبون الخير لأنفسهم،كما لا يحبونه لغيرهم،فهم دائمو الشكوى من كل شيء.فعندما يرون انتشار الفقر والبطالة،يرفعون اصواتهم احتجاجا متناسين الاوضاع السيئة لاقتصادنا الوطني الذي دمره المحتلون، وعندما يتحدثون عن الرواتب المتدنية لصغار الموظفين ينفثون سمومهم ولا يتركون مسؤولا كبيرا الا وحملوه المسؤولية، وكأن هذا المسؤول يملك مفاتيح خزائن قارون ولا يفتحها لأبناء الشعب وبما انني اتعاطف مع المحرومين والمسحوقين فانني اشعر بأن من يطالب بتحسين اوضاعهم وكأنه يدافع عني شخصيا لأن أي تحسين سينالني منه جانب، مع انني لا اجرؤ على الحديث في هكذا امور لكراهيتي للغيبة والنميمة، لكن الذي يثير عجبي وحنقي على هؤلاء هو غيبتهم ونميمتهم على الذين كانوا لا يملكون شيئا ثم اغتنوا بقدرة قادر مرة واحدة،وفي فترات قصيرة جدا مع انني افرح لكل فقير اغتنى وظهرت نعمة الله عليه لان الله سبحانه وتعالى يحب ان يرى اثر نعمته على عبده.
ولا احد يقدر فرحتي عندما ارى موظفا لا يتجاوز راتبه الثلاثمائة دينار ويعيل اسرة ويدخر فيبني بيتا من عدة طوابق ومن شقق قد يتجاوز عددها عدد اصابع اليد فيقول المتقولون في هكذا اشخاص ما لم يقل الامام مالك طيب الله ثراه في الخمر، وكأني بهؤلاء يعشقون الفقر والحرمان ولا يحبون ان يروا مظاهر نعمة الله على عبيده،واعتقد ان طويلي اللسان ضد الفقراء الذين يغتنون فجأة يأتي من باب المشاركة في الحملة الضالة ضد الاسلام والمسلمين،فالجزء الاعظم من الاغنياء الجدد يؤدون صلواتهم بين يدي الله وامام عباده حتى ان بعضهم يصلي في الصفوف الاولى في المساجد،وان كنت لا اجد سببا لتركهم الصلاة والصيام بعد ان يغتنوا ويبدأون بارتكاب الموبقات السبع والعياذ بالله.
اما محسوبكم فانني لا اسعى للغنى خوفا من ان اقع في المعاصي،واكتفي بقوت يومي،كما انني اخاف ان اقع في طائلة الالسن الطويلة،واخاف ان تقوم القيامة في زمني لأنني اؤمن بما اخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام بأن من علامات الساعة "ان ترى الرعاة الحفاة يتطاولون في البنيان" وهكذا فانني ارتضي بأن افلح ارضي واعتاش منها واركب حماري واقضي حوائجي وبالتالي فلن يتطاول علي احد ولن يجد ما يغتابني به.
درس في الكلبنة
واخيرا لقد وجدتها كما قال ارخميدس،فقد تأكدت اكثر من أي وقت مضى انه يحق لي ان افاخر الدنيا بحماري،علما بأنني لا اقتنيه حبا في الحمير وانما لفوائده العظيمة التي لا ينكرها الا جاحد،ابتعد عن ارضه فابتعدت عنه بمقدار ابتعاده عن مفهوم الوطن.
فأصبح ينطبق عليه مثلنا الشعبي "ميت من الجوع ومشندل من الضيعة" "أي الضياع" والفضل في ايجادي لها يعود للمحامي الصديق علي غزلان الذي استعير منه مصطلح "مدرسة الكلبنة" حيث ان بعض "المتعولمين"من بني قومي خصوصا ابناء العائلات غير ذات الكدح مع اعتذاري للشاعر فوزي البكري لاستعارتي هذا التعبير منه ايضا،يقومون بشراء انواع مختلفة من الكلاب التي تنقل من اوطانها الاصلية وتجبر على "الاستيطان" غصبا عنها وعن جدودها،وغصبا عن كلابنا الاصلية ايضا.
وبما انني ومن هم على شاكلتي لا نقتني الكلاب الا لنفع،كحراسة قطعان المواشي من الذئاب المفترسة او اللصوص،في حين ان "المتفرنجين" منا يقتنونها للزينة والترفيه وربما لأمور اخرى اخاف من ذكرها لأنني اخشى ان تخدش الحياء المقنع.
وهذه الكلاب ترسل الى مدارس متخصصة لتدريب الكلاب،وهذا يخدم سياسة "التضبيع" على رأي الصحفي المبدع خيري منصور.ويكلف تدريسها مبالغ قد تفوق دخل اسرة كادحة،حيث يتم تعليمها الا تنبح الا في امور محددة،فمثلا عندما يقف عند الباب وينبح بدلع فهذا يعني انه يريد ان يخرج من البيت ليتبول او يتبرز.وهذه الكلاب مدللة تماما مثل اربابها،فهي لا تأكل الا المعلبات الخاصة غير المنتهية مدة صلاحيتها للاستعمال الكلبي،ولا تأكل الا اللحوم الطازجة قليلة الدسم،لأن الشحوم قد تؤثر على صحتها،وهذه فضيلة لها ولأصحابها،لأنها لو اكلت اللحوم البيضاء رخيصة الثمن لما وجد الفقراء من بني البشر شيئا من اللحوم يأكلونه،لأنهم لا يقوون على شراء اللحوم الحمراء.
ولهذه الكلاب متطلبات منها الرعاية الصحية الكاملة وما يصاحبها من "طعومات" ضد الامراض "الكلابية" السارية كما انها تتطلب ايجاد مسكن مناسب لها امام البيت تستعمله عند الحاجة،او عندما تتكدر نفسيتها من الجلوس في الصالون او غرف النوم،وهذا رفق بالحيوان لا تحظى به كلاب المزارعين او حيواناتهم ومن ضمنها حمار محسوبكم،فللكلاب مقامات مثلما للبشر.ومواصفات الكلاب "المتعولمة" تذكرني بقصة حقيقية،وهي ان احدى سيدات المجتمع كانت تخصص بيتا رائع البنيان ذا حديقة واسعة،لكلابها المدللة،وحاولت احدى المؤسسات الثقافية استئجاره مقرا لها.فأبدت مالكة البيت تعاطفا مع المؤسسة،الا انها رفضت تاجيرها البيت رفقا بكلابها،خصوصا وان الكلاب "الراحلة" منها مدفونة في الحديقة،فمن سيحافظ على قبورها؟؟ ومن سيسقي الورود على اضرحتها؟؟ وبيني وبينكم فقد تعاطفت مع السيدة ورفقها بالكلاب خوفا من ان اتهم بعدم الرفق بالحيوان.وهذه قضية لم تنشرها صحافتنا المحلية،لنفاخر بها حيزبون فرنسا ممثلة الاغراء "بريجيت باردو" التي اعتزلت التمثيل بعد ان لم يعد فيها ما يغري،والتي خصصت ثروتها للحيوانات ومن ضمنها الكلاب،وتهاجم الملسمين "لوحشيتهم"ولارتكابهم "مجازر" جماعية رهيبة بحق الملايين من الانعام في عيد الاضحى.
وبينما كنت ابدي اعجابي بهذه العناية الفائقة بالكلاب نهق حماري،فامتطيته وعدت الى عملي،وفي ذهني تدور احوال آلاف العائلات التي لا تجد ما تاكله،وآلاف الاطفال الذين يتسربون من المدارس لضيق ذات اليد فقلت في نفسي:"هذا ما جنيتم على انفسكم وما جنى عليكم احد" غير ان الذي يزعجني في الموضوع هو خوفي من ان تعلم كلابنا البلدية،بطريقة حياة الكلاب المستوردة،فتثور مطالبة بتحسين احوالها المعيشية وهذا ما لا نقوى عليه.لكن المخيف هو اذا ما علم ابناؤنا بعيشة هذه الكلاب كيف ستكون ردة فعلهم ضدنا؟.
القضاة العشائريون الجدد
قد يشمت الشامتون،ويهنأ الحاسدون،لانني افكر بالتخلي عن بداوتي،لكنني حتما لن اتخلى عن حماري،بالرغم من انني اخاف ومنذ حوالي السنة ان يختطفه الموت مني،ومع كل هذا فهو يتجدد دائما ويزداد عنفوانا.
اما هذه الافكار السوداوية التي تراودني،فهي كثرة الاعتداءات التي تتعرض لها الاعراف البدوية،واولها العرف العشائري وعموده القضاء العشائري،فمع انني اصلي الليل والنهار داعيا الله سبحانه وتعالى ان نتخلص من الاحتلال ومخلفاته ونقيم دولتنا العربية الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ،جنة السماوات والارض بدون منازع،كي تصبح لنا قوانينا الخاصه ويستقل القضاء عندنا وتعود اليه هيبته،فيأخذ العدل مجراه،وبالتالي نتخلص من القضاء العشائري وغيره،الا ان الذي يثير دهشتي وحيرتي هم لابسو العباءات الجدد،او الدخلاء على ارتداء الازياء الحديثة،وكلا الصنفين من غير المؤهلين لذلك،لعدم اهليتهم الشخصية،الا ان لديهم مؤهلات مادية لم يبذلوا نقطة عرق واحدة لتحصيلها،فيبحثون عن مخرج لتعويض النقص الذي يعانون منه،فلا يجدون شيئا الا ان ينصبوا انفسهم قضاة عشائريين،فيطلقون على انفسهم القابا لا يفهمون فحواها،فهذا منشد،وذاك منقع دم،وذلك صاحب بيت…الخ.
وياويل من يقع في مشكلة خصوصا اذا كان لا يعرف الاعراف العشائرية،وتجره قدماه الى واحد من هؤلاء،فانه سيخسر ما فوقه وما تحته،عدا عن انه سيخسر حقه،مهما كان هذا الحق صغيرا او كبيرا،وليت الامور تقف عند هذا الحد،بل قد ينقلب الباطل حقا،والحق باطلا،ولكن المثير في الامر هو عندما "يتسلح" احد هؤلاء القضاة الجدد بعدد من الايات القرانية الكريمة،وليتهم يحفظونها جيدا،او يفهمون معناها،بل يحرفونه لتخدم اهواءهم،والمصيبة تقع على رأس من يخالفهم او يحاول ردهم عن ضلالهم،فانهم لا يتورعون عن اتهامه بالكفر والعياذ بالله،وهم بافعالهم هذه،يكفرون بالله سبحانه وتعالى ويخرجون عن تعاليم دينه الحنيف.
والذي يضيع في هذه"المعمعة" هم حماة الاعراف العشائرية وعارفوها،ومتعلموها في بيوتهم منذ نعومة اظفارهم،وعلى رأسهم البدو الذين لم تفسد نقاءهم"الحضارة"الزائفة،حتى ان بعضهم تاب توبة نصوحة عن التعامل بالقضاء العشائري،لا عن عجز او ترفع منه،بل على رأي المرحوم عوض علان احد شيوخ عرب السواحرة في النصف الاول من القرن الماضي والذي كان يلبس معطفا من الجوخ الفاخر،الذي لم يكن يلبسه الا شيوخ القبائل،وعاد يوما الى مضارب عشيرته فوجد راعي اغنامه مضربا عن العمل،ولماسأله عن سبب اضرابه قال:-والله لن اعود الى رعي الاغنام حتى تشتري لي معطفا من الجوخ مثل الذي تلبسه!!فخلع الشيخ معطفه واعطاه للراعي وهو يقول "يحرم علي لبس الجوخ بعد اليوم".
ترحموا معي على لويس السادس عشر
صدقوني انني اصبحت اخاف من المناطق الحضرية،ولا اجد راحتي الا في الحقول التي تقع في اطراف القرى،بعيدا عن ذوي الياقات متعددة الالوان،وبعدي هذا يحقق لي الحفاظ على نقاء بداوتي،ونقاء سريرتي،ونقاء نفسيتي،لانني ببعدي هذا لا اشارك في الفساد والافساد والاساءة للآخرين حيث أنني كلما التقيت بمسؤول او موظف كبير الا من ندر منهم الا وشعرت بانه يعاني من انفصام في شخصيته،حيث انه يبدو متواضعا عفيفا شريفا راعيا لمصالح عامة الناس اذا ما كان بحاجة اليهم،ولو لنصرته في "طوشة عشائرية" اما اذا لم يكن له معهم مصلحة شخصية،او اذا كانوا بحاجة الى خدمة منه تتعلق بعمله،فانه يلبس جلدا بلون آخر،فينظر اليهم باحتقار وترفع يمس بكرامتهم،وكرامة ابائهم واجدادهم،فيشعرون بحرج عميق يكتمونه في داخلهم،وتزداد آلامهم عندما يتذكرون انه لولا دعمهم له،لما وصل الى ما وصل اليه.
اما محسوبكم –والعياذ بالله من كلمة انا- فانني كلما قابلت احدا من هؤلاء "المتكرشين" او مررت به صدفة فانني اترحم على لويس السادس عشر الذي كان ملكا لفرنسا زمن كانت مملكة واطلب الرحمة لزوجته الفاضلة التي ضاع اسمها من ذاكرتي التعيسة،وسبب دعائي لهما بالرحمة،هو انهما لم يموتا لأن "من خلف ما مات" فقد خلفا عند معظم الشعوب،خصوصا التي يطلق عليها "النامية" تأدبا و"المتخلفة" حقيقة ولنا من هذه الخلفة الطيبة نصيب كبير،وحصتنا من هذه الخلفة "الصالحة" لم ترث من تراث فرنسا العريق سوى ما ورثناه عن صاحبة الجلالة عندما قالت لاعوانها ان يخبروا المتظاهرين الجياع الذين يطالبون برغيف الخبز ان يأكلوا البسكويت اذا لم يجدوا الخبز.
اما وارثو هذا التراث من شعبنا فانهم احتاطوا لانفسهم،وثأروا من مرحلة الجوع التي عاشوا واباؤهم من قبلهم فملأوا الجيوب وفتحوا الارصدة الكبيرة،واقتنوا العقارات الفاخرة،ولم يعودوا يحتاجون لا للخبز ولا للبسكويت وان احتاجوه فهو "للهامبورغر" او "التشيكن تيكا" او "البروستيد تشيكن" وقانا اللهم واياكم من معرفة ترجمتها للعربية.
ويكفيهم من تراثنا ان يرددوا ما قاله اعرابي لقريبه عندما شتمه قائلا :"لعن الله اباك الذي مات جائعا" فرد عليه "لعنة الله عليه ان وجد ما يأكله ومات جائعا" وفي هذه الاثناء نهق حماري فذكرني انني جائع مثله فعلفته تبنا من عرق جبينه وسقيته ماء،وعدت الى بيتي فوجدت ام العيال قد طبخت لنا العدس الشهي وبجانبه شرائح من مخلل البصل فملات بطني وحمدت الله على هذه النعمة.
ما احلى العيون الزرقاء!
اعترف امامكم لأسباب لا اعرفها بحبي واعجابي بكل ما هو اجنبي حيث انني اشعر بكبرياء عندما ادخن سيجارة اجنبية،او البس قميصا اجنبيا،واشعر بخفة ورشاقة عندما انتعل حذاء اجنبيا.
ومن باب الوفاء للأجنبي فانني شديد الانضباط عندما اكون في حضرة الاجانب،فمثلا عندما اضطر للتجول داخل الخط الاخضر،فانني احترم قوانين السير للمركبات وللمشاة،فلا اعبر شارعا الا من الخط الابيض المخصص للمشاة،وعندما اسافر في حافلة فانني لا ادخن داخلها،خوفا من ان يعطس احدهم،وعندما يوقفني شرطي او احد المارة مدعيا انه من رجال الامن،فانني اقف امامه بأدب جم،واشعر بأنني مهم،خصوصا عندما يفتشني بطريقة دقيقة،بما في ذلك الاماكن الحساسة من جسمي،وهذه خصوصية لا يحظى بها الا ابناء شعبي،ويختلف حالي عندما ادخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية،حيث انني اعبر الشارع كيفما اشاء واعطل حركة السير،ولا يجرؤ احد ان يتكلم معي.واذا ما حاول احد رجال الشرطة ان يبعدني من المكان ليفتح الشارع فانني اصفعه ان كانت بنيته اضعف من بنيتي،اما اذا كان قويا فانني اكتفي بشتمه وهذا اضعف الايمان،وادخن في الحافلات وفي المستشفيات والقي بالنفايات في كل مكان،اما عندما اقابل شخصا اجنبيا فان فرحتي تكون كبيرة جدا وانا اجمع كلمة انجليزية من هنا واخرى عبرية من هناك.واقدم له طواعية اية خدمة يريدها ولا ابغي من وراء ذلك لا حمدا ولا شكورا.وهذه فضيلة من فضائلي لا اقدمها لأبناء شعبي او امتي،وانا لا اشذ عن القاعدة،فالاغلبية من ابناء شعبي هم من شاكلتي في هذا الجانب او يزيدون.
واحتراما للأجنبي ولقدراته العجيبة التي ليس اقلها احتلال وطني ونهب ثروات وخيرات امتي الماجدة،فقد فرحت كثيرا عندما سمعت عن دعوة وجهها شخصان احدهما اكاديمي لأكثر من عشرين اكاديميا لحضور لقاء مع خبيرين اجنبيين في الزيتون،ولما كنت مزارعا فقد قررت ومن باب التطفل ان احضر اللقاء مع هذين الخبيرين فلربما استفيد من علمهما شيئا يساعدني في العناية بشجيرات الزيتون المزروعات في ارضي.غير ان احد الاكاديميين المدعوين،لم يعجبه العجب،فقد جلس بجانب "الخبيرين" وهما شابان في بداية العشرينات من عمرهما المديد ويلبسان الكاوبوي،وشعرهما منفوش بطريقة عجيبة،وسأل احدهما عن عمله،فأجابه بأنه يحمل شهادة البكالوريوس في الزراعة،ويواصل دراسته للماجستير هو وزميله،وقد كلفتهما جامعتهما الاوروبية بأن يعدا رسالة عن زيتون فلسطين.وقد حضرا الى رام الله لجمع المعلومات وللقاء مزارعين لخدمة بحثهما العلمي،فما كان من ذلك الاكاديمي الا ان تكلم بالعربية مهاجما وموبخا الداعين لهذا اللقاء،وفض الاجتماع وتكشيرة تعلو وجهه،فغضبت منه في سري لأنه فوت علي فرصة اللقاء بأجنبيين،فقد كان بامكاني ان اتحدث لهما عن خبراتي الزراعية،لكن الفرصة ضاعت علي كما ضاع يومي في العمل بأرضي.
فركبت حماري وقررت ان اعوض خسارة يومي بزيارة حديقة الحيوان في قرية المالحة التي في القدس الغربية والتي كانت عامرة بسكانها العرب الفلسطينيين قبل اثنتين وخمسين سنة بالتمام والكمال.فربطت ابا صابر خارج الحديقة وعلى مرآى منه حظيرة لحمار الوحش،غير ان اللعين ابا صابر عندما رأى الحمار الوحشي جحظ عينيه ومد اذنيه الى الامام وشخر وانقلب هاربا ففهمت منه انه خاف من حمار الوحش، ولما لحقت به انهلت بعصاي على رقبته لأنه اضاع على نفسه رؤية حمار اجنبي،كما اضاع الاكاديمي علي فرصة لقاء "الخبراء الاجانب".
وفي الطريق "احبتني" فتاة شقراء الشعر والبشرة،زرقاء العيون،ناهدة الصدر،نحيلة الخصر،شبه عارية،ولما كلمتني بدلال،ذبت بسهام ناظريها،فشلحتني كل ما في جيوبي وقالت لي باسمة:الخك خمورك يا خمور! فأعجبت من شدة ذكائها وكيف عرفت انني مخمور بحبها فأهديتها ساعتي للذكرى،وعدت الى بيتي نشوان وانا اشتم النساء المحتشمات،ذوات العيون الحور،والارداف الممتلئة والشعر الفاحم،فأجسامهن عفنة لا تراها الشمس ولا الهواء.
انوثة…..
لم اجد مناصا من ان اصطحب زوجتي ونذهب لتقديم التهاني لصديقي عبد الصبور بمناسبة زواجه ،وعندما شاهدت العروس غبطت صديقي على حظه السعيد وحسن اختياره لرفيقة حياته،فقد كانت حقا اية في الحسن والجمال المعنوي والجسدي عدا عن كونها من اسرة ذات حسب ونسب،وفي الواقع فان عبد الصبور يستحق كل خير لا لكونة صديقي فحسب بل لانه رجل اخلاقه حميدة وحسن السيرة والسلوك وسمعته تسبق اسمه في الاستقامة والامانة.
وكثرة ثنائي على العروس اوقعتني لاحقا في مشكلة مع زوجتي حيث انها اعتقدت بانني سأتزوج مره ثانية مع انها تعلم انني لا املك شروى نقير وهي بهذا وضعتني في حالة تشبه حالة "الحمال" التي يرددها اشقاؤنا المصريون عندما يقولون "حملوه عنزة فضرط من ثقلها وقال:ضعوا الثانية فوقها" وبيني وبينكم فقد اشعرتني زوجتي بفعلتها هذه باهميتي التي لم اكن اعرفها وهي انني زير نساء والله اعلم، فوجدتها فرصة كي اغيظ زوجتي خصوصابعد ان التقينا زوجة صديقي في شارع صلاح الدين في القدس وكانت غاية في الاناقة والجمال وتنهشها عيون المارة رجالا ونساءا وان اختلفت منطلقات كلا الجنسين.وذات مساء ذهبت لزيارة صديقي في بيته فقرعت الجرس على استحياء ففتحت لي الباب سيدة شابة رثة الثياب قبيحة الطلعة منثورة الشعر ومنظرها منفر،وعندما رأيت صديقي استفسرت منه عن"الخادمة" التي فتحت الباب،وواصلت حديثي والذهول باد على وجه صديقي قائلا:بان عروسه تستحق ان يكون لها خادمة، غير انه قطع حديثي متسائلا:عن اية خادمة تتحدث يا رجل؟؟فأجبته:الخادمة التي فتحت الباب، فابتسم وقال:انها زوجتي ونفى ان يكون بامكانه استخدام خادمة، فتصبب العرق من جسدي خجلا من نفسي وعجبت من زوجة صديقي كيف تخرج متبرجة في الشوارع والاسواق ولاتغسل وجهها في بيتها وامام زوجها، فركبت حماري وعدت الى بيتي خائبا وانا اتساءل:لماذا يا صاحبات الصون والعفاف؟
رجولة
وهذا اليوم ضاع علي كما قال احدهم:
لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع عقد على عنق خالصة
ففي اثناء مسيري مبكرا للعمل،راعني نحيب امرأة تبكي وتستنجد بصوت مرتفع قرب بيت،فدبت النخوة بي،وقررت ان انجدها فلعلها تتعرض لعملية اغتصاب او سرقة او ما شابه ذلك،ولما وصلت المكان،فوجئت بزوجها ينهال عليها ضربا "بخيزرانة"كتلك التي انهال بها على رقبة ابي صابر،وتنطلق الشتائم من فمه كالجزء المكشوف من وادي الديماس الذي ينطلق حاملا المياه السائبة من القدس بشطريها عبر قريتي الوادعة،فأمسكت بالرجل بكل قواي وهدأت من روعه بينما انتحت زوجته المسكينة جانبا تلملم جراحها وآلامها ودموعها،وتنظر الى شعرها الذي انتزعه زوجها من رأسها وهو معلق يداعبه الهواء على اشواك نبتة،فشرع الرجل الزوج يشرح لي عن "اعوجاج" المرأة اية امرأة وكيف لا يصلح هذا "الاعوجاج"الا بالعصا وان المرأة اذا لم تجد زوجا فحلا يعاقبها صباح مساء فانها ستفعل العجائب ، وافاض في حديثه حتى وصل الى نتيجة مفادها "ان المرأة كالحذاء تستطيع استبدالها متى شئت كما تستبدل الحذاء"!!!
ولما سألته مازحا:كيف تسمح له رجولته العظيمة بأن ينام في حضن حذاء؟؟ وكيف يقبل ان يعاشر حذاءا وينجب منه اطفالا؟؟جن جنونه واتهمني بالانحراف زاعما ان المسلسلات التلفزيونية قد افسدت اخلاقي!!
ولم يعطني فرصة كي اخبره بأنني لا اشاهد المسلسلات التلفزيونية،لأنني اعود الى البيت مهدود الحيل من يوم عمل شاق،فأنام على غير هدى قبل ان اصلي صلاة العشاء،فانصرفت غير راشد قبل ان تتحول "الطوشة بيني وبينه،بعد ان قررت الذهاب الى بيت كبير عائلته لأروي له ما شاهدت كي يتدبر الامر قبل فوات الاوان.
وجلست امام كبير العائلة متهيبا كجلوس تلميذ امام مدرسه،وبعد ان استمع للحادثة قال:بأن المرأة خطاءة،والخطاؤون عقابهم واجب،وشتم من يدللون بناتهم لأنهم لا يعدونهن للحياة الزوجية القادمة وقال:لا تنسى يا ولدي خبرة الاجيال عندما قالوا:"دلل ابنك يغنيك ودلل بنتك تخزيك" "وان عار البنات للمات" وان المحظوظ هو من لم يرزقه الله البنات لأنه "موت وليتك من حسن نيتك" فدارت في رأسي افكار سوداوية كثيرة وخفت ان تموت ابنتي الغاليتين وان بقيتا على قيد الحياة فان مستقبليهما مخيف ايضا.
فركبت حماري وانصرفت ايضا غير راشد وانا اترحم على من اورثونا وأد البنات.
وعجبت من رجولة الرجال كيف تظهر سطوتها على النساء فحمدت الله لأن خلقني ذكرا كي احمي نفسي من الجلد،وفي الطريق تذكرت ان ابا صابر كان يتعارك مع الحمير فقط،ولم يحصل ان تعارك مع اتان،وهكذا هي اخلاقيات عالم الحيوان باستثناء الجنس الانساني.
طفولة…
مع انني قليل الاختلاط بالناس،نظرا لطبيعة عملي في الارض،مصحوبا بابتعاد الغالبية عن هكذا اعمال،الا انني اجد نفسي احيانا امام ظواهر تعذبني دون ان يدري بي احد…ففي الاسبوع الماضي واثناء ذهابي لعيادة الطبيب في القدس الشريف لاعالج جهازي الهضمي المتقرح،مررت وحماري اكثر من مرة بأطفال من اعمار مختلفة لا يصل اكبرهم سن الثانية عشرة،وهم يقفون عند اشارات المرور يبيعون اشياء رخيصة الثمن،وهي بمثابة ترخيص للتسول المشروع تحت يافطة البيع والشراء،وهم عدا عن كونهم لا يذهبون الى المدارس فانهم يعرضون انفسهم لحوادث السير،ويتعرضون للاختلاط بأناس مختلفي المشارب،فحزنت لطفولتهم الضائعة ولمستقبلهم الاكثر ضياعا،وتذكرت انني لم اشغل ابا صابر بأي عمل عندما كان جحشا لادراكي بأن "الجحوش" لا تقوى على العمل،فعدت الى بيتي وقد ازدادت آلامي ولومي لنفسي لهذه المقارنة السخيفة.
واثناء عودتي الى البيت مررت بأطفال يلعبون في المزابل،في حين كان جزء منهم يبحث عن اشياء ومنها بعض المواد الغذائية في حاويات القمامة،ولا احد يسأل عن هؤلاء الاطفال،ولم اعرف ان كان لهؤلاء الاطفال والدان ام لا؟ وان كان لهم اولياء امور فأين هم؟؟ام ان فاقد الشيء لا يعطيه.
وفي الطريق ايضا شاهدت والدة في عز الظهيرة تنهال على ابنها ضربا،وصراخه يملأ الحارة،وعندما طلبت منها ان ترحم طفولته؛ اجابت بأنه ابنها،وفهمت من ذلك ان كونها والدته فهذا يعني رخصة لها بممارسة تعذيب ابنها.
وواصلت المسير فمررت بقرب مدرسة،وكان صياح طفل ينبعث من احد الصفوف،وسيل من الشتائم ينبعث من فم معلم فاضل.ولم اعلم سببا لذلك تماما كعدم علمي لمدى صلاحية ومفهوم المعلم لعقاب التلميذ لأي سبب كان.
ومررت بمقبرة فلفت انتباهي قبر طفل شهيد لم يتجاوز الخامسة من عمره وعجبت كيف يستشهد الاطفال فتذكرت شاعرنا الكبير الذي قال:"نحن ادرى بالشياطين التي تخلق من طفل نبيا" وتذكرت قوله ساخرا:"مرحى لسفاح الطفولة" وترحمت على شاعرنا الراحل توفيق زياد عندما قال "واعطي نصف عمري لمن يجعل طفلا باكيا يضحك" وضحكت من بؤس عمري لأنني لم اشاهد من يمسح دمعة طفل".
فنهرت ابا صابر وعدت الى بيتي ولم تنفع الادوية بتهدئة آلامي.وفي المساء كانت هناك ندوة في التلفاز تتحدث عن حقوق الطفل،وكيفية تربيته تربية صحيحة،فتذكرت ما شاهدت في يومي التعيس وخرجت بنتيجة مفادها ان طفلنا الفلسطيني مستثنى من حقوق الطفل التي نتحدث عنها وسائل الاعلام بشكل موسمي.
ليلة القبض على حمار ابي شريفة…
يبدو ان المحتلين لم يكتفوا بسياسة التطهير العرقي ونهب الارض العربية والاستيطان الجنوني في القدس العربية المحتلة بل تعدوا ذلك الى الحمير ايضا،وهذا ما حصل مع حمار المواطن محمد علي سالم درجة المكني "بابي شريفة" وهو رجل عجوز خائر القوى من السواحرة الغربية ويقتني حمارا يتنقل على ظهره ويساعده في رعي اغنامه التي يعتاش من خيراتها،وقصة حمار ابي شريفة قصة لم تدخل وسائل الاعلام ولم يهتم بها احد.وملخصها ان ابا شريفة هذا كان يركب حماره في احدى شوارع قريته، وتصادف ان مرت دورية شرطة احتلالية من نفس الشارع في الوقت الذي رفع فيه الحمار ذنبه وتبرز في الشارع.فما كان من الدورية الا ان توقفت وحررت مخالفة لصاحب الحمار ابي شريفة بقيمة مائة وثلاثين شاقلا دفعها يشكل مأساة اقتصادية لرجل عجوز لا دخل له ، ولا اعلم ان كان روث الحمار في قرية عربية يشكل قنبلة موقوته تهدد امن المحتلين ، تماما مثلما لا اعلم ان كانت هناك قوانين خاصة بالحمير تحدد الاماكن المسموح بها للحمير بالتبول والتبرز.ام ان قضاء الحمار لحاجته في الشارع العام يشكل خرقا للاخلاق العامة مع انه يقوم بامر غريزي لا ارادة له فيه ، في حين ان الانسان يعمل الموبقات السبعة في الشارع ووراء الابواب المغلقة ،ولا يعتبر ذلك خرقا للاخلاق العامة.
ويبدو ان حمار ابي شريفة أسوأ حظا من حماري،عندما وقع هذه الوقعة،غير انه كما يقول مثلنا الشعبي بأن "ابن الحزينة يعلم اولاد الجيران"فقد اتخذت الحيطة لتعليمه الاخلاق"الانسانية"
في طريقة قضائه لحاجته،وبما "ان الحاجة ام الاختراع" فانني ابحث الان عن مدرسة لتعليم حماري "الحمرنة الانسانية "على غرار "مدرسة الكلبنة" التي تحدثنا عنها في الاسابيع القليلة الماضية ، ولا اعلم ان كانت هناك مدارس كهذه ام لا ،وان وجدت فما هي تكلفتها خصوصا وان ثمن حمار ابي شريفة اقل من قيمة المخالفة التي ابتلي صاحبه بها،مع ان القيمة الخدماتية والمعنوية للحمار المذكور تساوي اضعاف ذلك،ولوفكر صاحبه ببيعه لوقع رهين المحبسين "حبس الشيخوخة" و "حبس بيته".
أنا وحماري بقلم:جميل السلحوت
تاريخ النشر : 2005-07-27
