تطويرالمناهج التعليمية.. خطوة على طريق المستقبل بقلم: عبير علي
تاريخ النشر : 2012-03-18
بقلم: عبير علي

مما لا شك فيه أن العملية التعليمية جوهرية لتطور أى أمة, وهى الأداة الأكثر فاعلية لمساعدتنا على مواكبة التحديات الحديثة, فأي تقدم أو تطور يتحقق لأمة يعود الى مدى كفاءة وفاعلية نظامها التعليمي التربوي, ويعد المعلم هو أهم مدخلات العملية التعليمية وأخطرها أثرا في تربية النشء, وبالتالي يحدد نوعية مستقبل الأجيال وحياة الأمة....إن مقدار العناية والاهتمام بمهنة التعليم في أي مجتمع من المجتمعات إنما يشير بعمق الى مدى مسئولية ذلك المجتمع تجاه مستقبل أجياله ومدى حرصه على توفير الخدمات التربوية لأبنائه. " فلابد أن نعد الطالب من خلال المناهج وأساليب التدريس لعالم جديد يحكمه الانفتاح والعولمة وفيض المعلومات"
وتلعب المدرسة في المستقبل دورا هاما بحيث لم يعد ينظر اليها كمصدر للمعرفة بل تتعدى الى صقل شخصية الطالب من كافة جوانبها. ومدرسة المستقبل تضطلع بدور أهم يحمل في ثناياه تحديات متلاحقة في ظل تسارع كبير في التقدم التكنولوجي, ولايمكن للمدرسة أن تواكب التطورات الا اذا تمتعت بدينامكية في البرامج وسعة أفق بحيث تبتعد عن الجمود أو التقوقع...كما لابد من تغيير نمط المعلم التقليدي الذي ينحصر في الالتزام بأساليب محددة ويتقوقع داخل قوالب جامدة...لأن مناهج مدرسة المستقبل لايقوى على تنفيذها إلا المعلم الكفء المؤهل أكاديميا وتكنولوجيا, المهتم بالنمو المهني والإطلاع على أحدث ماتوصلت اليه التكنولوجيا في مجال تخصصه, والمثابر على حضور الندوات العلمية, والالتحاق بالدورات التدريبية.
كما أن مرونة المناهج ومواكبتها للتغيرات لا ينبغي لها أن تبتعد عن الثابت إذ أن كثيرا من الدول ترى أن هناك معارف مشتركة وبرامج يجب أن يخضع لها كافة الطلاب بحيث يتم تزويد كل طفل بقاعدة معرفية واحدة بمعنى أن يكون للمناهج بعض المعايير والسمات القومية.

والمناهج الخاصة بمدرسة المستقبل يجب أن تمتاز بدافعية عالية وذات صيغة أكثر تحديا من التقليدي, مناهج تركز على النوع وليس الكم وتتصف بالدقة والتميز على أن يتم اختبارها ميدانيا لضمان الجودة وقابلية التنفيذ. وحتى تكون المناهج فاعلة ومتطورة ينبغي أن يواكبها استخدام فعال للوسائط التفاعلية (Interactive Multimedia) المتعددة والبرمجيات وكافة الوسائط السمعية والبصرية.

دورالمناهج التعليمية في تنمية التفكير
يستخدم التدريس من أجل تنمية التفكير في المناهج في أربعة مجالات رئيسة:
1- مهارات التفكير عملية إدراكية إجتماعية ينبغي أن تركز على كيفية تعلم الطالب واكتسابه لمختلف المعارف والعلوم.
2- التفكير المتضمن في المناهج عملية ديناميكية تدعو الطالب للتفاعل والمشاركة مع أقرانه.
3- إن تعلم كيفية التفكير يتجاوب مع الطموحات الشخصية ومع ذلك فإن نجاح الطالب في اكتساب مهارات التفكير الجيدة يتوقف على مدى الدافعية لدى المتعلم.
4- إن التفكير في مجال محتوى المادة الدراسية يأتي بعد الفهم والإستيعاب لمختلف المفاهيم التي تشكل المادة الدراسية.
لذلك فان هناك أبعادا رئيسة في تعليم التفكير منها على سبيل المثال :
إن تصميم الدرس يراعي تناوله عددا محدودا من المواضيع وذلك لضمان حدوث دراسة عميقة له وبعد ذلك يتم عرضه بطريقه منطقيه مترابطة وبإسلوب متناسق, ومن ثم يمنح الطالب الفرصة المواتية لممارسة التفكير قبل الإجابة عن الأسئلة. ويحرص المعلم على توجيه أسئلة تتحدى تفكير الطلاب بحيث تناسب مستوياتهم وقدراتهم وتتجاوب مع اهتماماتهم.
والمناهج التقليدية تتسم بالانغلاق إزاء المشكلات العامة على العكس مما يقتضيه عصر, المعلوماتية الذي يزودنا برؤى متعددة وآراء وتنوع كبير, أما منهج "مدرسة المستقبل" فينأى عن التلقين والحفظ والإسترجاع ويركز على نقد المعرفة وانفتاح الفكر وأعمال العقل في مانقرأ من معلومات لذلك يجب أن ترتبط المناهج بالبيئة والمشكلات ذات الصلة بالأحداث اليومية, وأن تتيح مجالا للأنشطة الفاعلة التي تنعكس إيجابيا على المجتمع. وإذا اندمج الطالب مع الأنشطة المدروسة فإنه سيجد معنى للتعلم وفائدة يجنيها هو ومجتمعه, ولكن كيف يتحقق منهج مدرسة المستقبل؟
وحتى يحقق منهج المدرسة الهدف المرجو منه ينبغي أن يتم صياغته من قبل مختصين بحيث يكون مرنا ومتضمنا أحداث وقضايا ذات مساس بالتغيرات اليومية وهموم المجتمع حتى لاتكون هناك فجوة معلوماتية أو علمية. وكذلك ضرورة أن تكون الأنشطة مرتبطة بمشكلات البيئة الجغرافية التي يطبق فيها المنهاج. أي أن يكون المنهاج متجاوبا مع الإحتياجات الفعلية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية. لأن الإنتقال الفاعل الى الألفية الثالثة بقوة واقتدار يتطلب أن يكون الطالب مسلحا بعقلية مفكرة ناقدة إبداعية ولا يتم ذلك إلا إذا كان المنهج الدراسي معدا جيدا ومشتملا على مهارات التفكير الناقد وثقافة الإبداع مبتعدا عن الأسلوب التلقيني بحيث نعمل على إعداد الجيل القادم للحياة وليس لإجتياز اختبارات المدرسة فقط.

وإذا كان من أهداف مدرسة المستقبل تنمية التفكير فانه ينبغي لها أن تركز على أن محتوى المادة مجرد أداة لنقل ماتحمله من مهارات التفكير ولذلك من الأهمية بمكان أن يعرف المعلم كيف يعلم التفكير لطلابه وينمي ذلك, وتدريب الطلاب على مهارات التصنيف والتمييز والموازنة والتحليل إذ يجب أن لاينحصر على عدد محدود من الطلاب المتفوقين, ويمكن للمعلم أن يستخدم أسلوب التعلم التعاوني الجمعي والتنافسي, ويدرب طلابه على حل المشكلات والاكتشاف والادراك البصري بمساعدة الرسوم لتعزيز عمليات التفكير.

وعلى سبيل المثال, تعلم اللغة الانجليزية في مدارسنا يعتبر ضعيفا والسبب في ذلك هو المناهج وكفاءة المدرسين لأن تعليم اللغه الانجليزيه يحتاج الى منهج متكامل... فحيثما تسعى أمة لإثبات نفسهاعلى موائد الحوار الحضاري, والنجاح في التعامل مع الآخرين, والإفادة من منجزاتهم, فانها بحاجة لأدوات الحوار والإفادة, ولاشك أن اللغة أهم أدوات الإتصال والحوار بين الأمم والحضارات, ولاسيما العصر الحالي الذي أصبح فيه قرية صغيرة نتيجة الثورة غير المسبوقة في الاتصال بين الأمم, والتأثر والتأثير المباشر وغير المباشر. فمن يجيد أدوات الآخرين, وعلى رأسها لغاتهم, يمسي ممتلكا لواحدة من الأدوات الأساسية التي يمكن من خلالها التعامل مع الآخر وفهم ثقافته وأساليب حياته, بما يخدم مسيرة تطوره.

ولذلك حقل تعليم اللغة الإنجليزية لا يحتاج منا الي التعامل معه بشكل تقليدي، ولكن يحتاج الي انتهاج الأسلوب العلمي والتربوي السليم الذي يضع في اعتباره المفهوم السلسلي للغة، والحاجات الحقيقية للطلاب، والطرق السليمة للتدريس، والمعلم الكفء والواعي، واستخدام مستحدثات العصر، والعمل بإخلاص ودافعية نبيلة .

وسلسلة العملية التعليمية للغة الإنجليزية، لا تبدأ من المعلم في - الصف الدراسي، مع وجود الكتاب المدرسي Textbook والطالب .. وإنما تبدأ كما يلي :
بالمنهجApproach ", ثم طريقة التدريسMethod , ثم الإجراءات Procedures, ثم التقويم Evaluation , وهكذا .. بحيث تبدأ السلسلة من جديد في تكامل وتناغم لا ينتهي .

إن اللغة الإنجليزية .. كمادة دراسية حية .. تتصف بالسلسلية والدينامية في علاقة تفاعلية .. بحيث تؤثر كل مهارة من مهاراتها في الأخرى، وتتأثر بها في الوقت نفسه . وإذا كانت تلك المهارات الأربع هي القراءة Reading .. والكتابة Writing .. والاستماع Listening .. والتحدث Speaking، فان الجوانب الأخرى كالمفردات Vocabulary .. تؤدي دوراً أساسياً حتى تكتمل اللغة الإنجليزية وتصل بالفرد الي المهارة الخامسة في نظرنا – وهي القدرة اللغوية العامة التي تتبدى في طلاقة التعامل بها مع كل المجالات، وبأشكالها كافة دون عناء.

فعلى سبيل المثال, قد لفت انتباهي أحد المناهج الدراسية الخاصة بتعليم اللغة الإنجليزية والذي يدرس في بعض المدارس المصرية, وهو منهج Superlandوالذي يصدر عن دار النشر البريطانية Express Publishing"" والخاص بالمرحلة الإبتدائية والذي يجمع بين جميع مهارات اللغة الإنجليزية ويولي اهتماما منقطع النظير بالمهارات الأربع لتعلم اللغة الإنجليزية مع عدم إغفال المهارات الأخرى كتعلم المفردات والقواعد ""Grammar بشكل خاص لما لها من أثر إيجابي في تعلم اللغة, وفي تمكين الأطفال في هذا السن الصغير من إستعمالها شفاهة وكتابة في جميع مواقف حياتهم, حيث هي بمثابة الضمان لإستعمال اللغة بشكل صحيح, وبالتالي نحن في حاجة الى الدفاع عن تعليمها وخاصة في المراحل الدراسية الأولى, والى إستمرارية الإهتمام بها, مثلما كان الأمر في الفترة من القرن السابع عشر, وحتى القرن التاسع عشر حيث الإهتمام بتعليم اللغات, ومحاولات إصلاح هذا التعليم بالإعتماد على الصوتيات, والقراءة والقواعد, كما يجمع المتخصصون في تعليم اللغات على أن تدريس القواعد Grammar يساعد الدارسين على تنمية كفاءتهم اللغوية, وسرعة إدراك المتعلمين للتراكيب اللغوية يعجل اكتسابهم للغة Manley,& Calk, 1997,pp (73-83) . والى جانب فائدته في اكتساب اللغة فإن درس القواعد يربي في التلاميذ القدرة على التعليل, والاستنباط, ودقة الملاحظة, والموازنة, ودقة التفكير, والقياس المنطقي, وكلها أمور يحتاجها المتعلمون.....كما يتيح هذا المنهج فرصة ليتفاعل الطالب مع المادة المعطاة بعيدا عن التلقين والحفظ, ويدرب الطالب على مهارات التلخيص والتحليل وابداء الرأي والنقد والبحث عن المعلومة, وانفتاح الفكر وأعمال العقل...

ويعتبرهذا هو النموذج الأمثل للمنهج المتطور المتكامل في مشروع "مدرسة المستقبل" هذا المشروع الذي يقوم على تطوير التعليم والمناهج وأساليب التفكير لدى المتعلمين في جميع المراحل الدراسية, كما انها تعتبر تحديا حقيقيا يظهر القدرات الإبداعية, كما يظهر قدرات المعلمين على العطاء للأجيال القادمة. فمدرسة المستقبل هي مؤسسة تعليمية تستخدم أساليب جديدة تساعد المتعلمين على اللحاق بعصر المعلومات في ظل الثورة المعلوماتية, وإعدادهم لحياة عملية ناجحة مع تركيزها على المهارات الحياتية التي تلبي احتياجات المستقبل بما يخدم الجانب التربوي والقيمي لديهم.

فإعداد الإنسان القادر على صنع المستقبل" الإبتكار والإبداع" ,و تحسين عناصر الجودة النوعية لمدرسة المستقبل في النمو المعرفي والثقافي والحضاري والتقدم التكنولوجي لدى المتعلمين, وإقامة جسور التواصل بين المدرسة والمؤسسات التعليمية والإجتماعية, وإعداد المتعلم إعدادا جيدا بحيث يكون قادرا على تحديات الحاضر ومشكلاته, ومواجهة المستقبل, وبناء عقلية ناقدة تسهم بشكل ايجابي في مواجهة مشكلات المستقبل, وتوفير مناخ تربوي سليم يسود ويحفز المتعلمين على الإبتكار والإبداع...من أهم أهداف مدرسة المستقبل.

*باحثة مصرية
[email protected]