كاتب عربي دخل الادب الروماني بقلم:عصام عقرباوي
تاريخ النشر : 2012-01-16
كاتب عربي دخل الادب الروماني بقلم:عصام عقرباوي


كتب عصام عقرباوي - لم تعتد رومانيا بعد على الاحتفال بأحداث ثقافية عربية ، فخلال العشرين سنة الماضية بعد الثورة الرومانية ، اشتاق المثقفون الرومان إلى الأمسيات الأدبية العربية ونادرا ما شاركوا في احتفالية ثقافية ( اصدرا مجموعة شعرية – معرض نحت – معرض رسم – حفلات موسيقية ) . لذلك تهافت المثقفون الرومان لحضور احتفالية اطلاق المجموعة القصصية الثانية باللغة الرومانية للكاتب والصحفي السوري "مازن رفاعي " فقد كان حدثا تزامن مع الأعياد الرومانية وكان هدية تقدمها الثقافة العربية إلى رومانيا المتعطشة للثقافة العربية والأدب العربي المعاصر.


ضمن سلسة تراجم "الف" وهي سلسلة أسسها البروفسور المستعرب عميد كلية الأدب العربي في رومانيا " جورج غريغوري " وضمت تراجم لبعض كنوز الأدب العربي المعاصر ابتداء من " جبرا خليل جبرا" مرورا ب "زكريا تامر" و" محمود درويش " و "غادة السمان " والشيخ "سلطان بن محمد القاسمي " والشاعر العراقي " شيركو بيكاز " وانتهاء بالكاتب المعاصر "مازن رفاعي" وروايته " العودة إلى شواطئ الحقيقة " تلك العودة التي خاض فيها الكاتب في بحور الغربة والمعاناة ، وآتت بعد ان انطلق بمجموعته القصصية الأولى " بقايا أحلام ممزقة " عام 2008 ، ولاقت صدى مميزا لدى الأوساط الثقافية الرومانية والعربية على حد سواء، وحصدت العديد من الجوائز المحلية والدولية ومنها جائزة ناجي نعمان الأدبية للعام 2009 .

"مازن رفاعي" أبدع في هذه المجموعة كما ابدع في مجموعته الأولى في تصوير المهاجر وحالته النفسية ،وتطرق بشفافية وصدق إلى الصراع بين الثقافتين الرومانية والعربية ، وتحدث عن الصراع بين القيم وعن الخلاف في العادات والتقاليد ،

و بأسلوب الأدب الصحفي تناول المشاكل اليومية نتيجة هذا الصراع ، وتناولت قصصه مشاكل الجيل الثاني للمهاجرين العرب ، ومحاولتهم التوازن بين القيم المتوارثة في المنزل والقيم الجديدة خارجه ، وصعوبة إيجاد طريق بين أشواك الخلافات اليومية دون الانفصال عن الواقع أو إرضاء الآباء ، إضافة إلى حقيقة الصراع بين جيلين مختلفين لا يجمعهم إلا قرابة الدم ، ومحاولتهم لحفاظهم على تراث الآباء والعيش في مجتمع لا يفهم تلك المواريث ويجدها غريبة عنه. ومن ثم تطرق الكاتب في بعض قصصه إلى الصراع الأزلي بين الحياة والموت، ولكن تناوله من رؤيا مختلفة وهي رؤية صوفية تقارب كتابات وأفكار " ابو العلاء المعري ".

لقد اكتسبت رومانيا نوعا جديدا من الأدب المعاصر ، وعبر تلك الروايات سيتمكن المثقف الروماني من فهم واستيعاب المهاجر العربي، وحقيقة معاناته وأحاسيسه و فهم تلك الروحانيات بعيدا عن الصورة التي تقدمها له وسائل الإعلام التقليدية .

الإعلامي الروماني "اوريسته تيودرسكو " وهو مقدم برامج مشهور جدا في رومانيا ومتخصص في حوار الأديان ، كان من ضمن المشاركين في حفل اطلاق المجموعة القصصية وتحدث بإسهاب عن الحوار بين الحضارات ، وتطرق بعدها للحديث عن المجموعة والمؤلف فبين ان الكاتب "مازن رفاعي" يمتلك خصائص نادرة في هذا الزمان ، و صفات افتقدها وللأسف المجتمع الروماني ، وهي تلك الروحانيات والشفافية التي يشتهر بها الشرق، فحين تقرا ما كتبه المؤلف فانك تفهمه بقلبك ، لان عباراته تنبض بالمشاعر وسطوره مشبعة بالأحاسيس التي لا يمكن إلا لمن يمتلك قدرة استشعارية حسية من ان يستمتع بكتاباته ،

وأضاف الإعلامي "تيودوريسكو " من خلال قراءاتي للكتب الإسلامية استطيع ان افهم تلك الحوارات التي يدخلنا المؤلف بها من أوسع أبوابها، ليعبر عنها بسلاسة مستخدما لغة بسيطة سلسلة تؤدي المعنى ، وتنساب الجمل لاحقا بعذوبة فلا تتوقف عن القراءة إلا حين ينتهي بك النص .

وتابع تيودوريسكو : المؤلف "مازن رفاعي" هو احد العرب القلائل الذين التقيتهم في رومانيا ، والذي استطاع ان يتأقلم مع مجتمعه الجديد ، ويفهم جذور المتناقضات بين المجتمعين ، ويتنقل بسهولة ومرونة بينهم ، ويساهم في الكشف عن المساحات المشتركة بين الثقافيتين ، وهو من احد نشطاء الجالية العربية القلائل الذي يشارك ويساهم في اغلب الفعاليات ، ويعد مع مجموعة من أصدقائه في النادي الروماني العربي للثقافة والإعلام جسورا يمكن ان تخلق التواصل بين الثقافتين والحضارتين .

أما الناقدة والشاعرة " فكتوريا ميليسكو " فقد تحدثت عن استمتاعها الشديد لدى قراءة المجموعة القصصية ،,وعن أهمية الكتابة باللغة الرومانية وشكرت البروفسور "جورجي غريغوري" على جهوده في مساعدة الكاتب لكي ينقل احاسيسه ومشاعره بالشكل الأمثل لغويا إلى اللغة الرومانية.

وبينت ان هذ النوع من الأدب المعاصر جديد على الساحة الثقافية الرومانية ، كونه يتحدث عن الهجرة إلى رومانيا ، وعن المهاجر ، وكيف ينظر الروماني إلى المهاجر العربي ، وكيف يفكر المهاجر إزاء مجتمعه الجديد ، ومعاناته ،وطرق تحقيق الثروات، والتي في غالبها طرق غير شرعية، توصل بعض المهاجرين إلى السجن أو إلى المشفى ، كما تحدث في القصة المعنونة " في السجن " والقصة الأخرى " في المشفى" ويدرك هذا المغترب لاحقا كما ذكر الكاتب انه فقد أشياء ثمينة مقابل المال ، هي الصحة والشرف والأخلاق والقيم ، وهي أشياء لا يمكنه شرائها من جديد

يقول الكاتب:
"اليوم أحس بمكانته واكتشف حقيقة المال الذي ضحى من أجله بكل شيء غال في حياة إنسان. بالمال استطاع أن يجمع الأصدقاء ولكن لم يستطع أن يشتري الصداقة، استطاع أن يشتري الكتب ولم يتمكن من أن يشتري الثقافة. استطاع أن يشتري الدواء ولم يتمكن أن يشتري الصحة،استطاع أن يستحوذ الإعجاب ولم يستطع أن يشتري الحب.".
وأضافت الشاعرة " ميليسكو" مازن يتحدث عن الجيل الثاني من المغتربين في قصته " فتاة بوخارست العربية " حيث يبين انه لا فرق في الانتماء بين عربية ورومانية لتجعل بعض الذئاب البشرية تستغل الفتاة ويستغلون ظروفها، كما ان الدين والعادات لم تردع هذا الشباب العربي عن فعل فعلته النكراء. وفي قصصه الأخرى يحلل " المؤلف" أسباب الهجرة ، ويردها إلى الحكومات العربية التي لا تقدم إلى شعوبها المعيشة الكريمة فيضطرون للهجرة والانتقال.

أما المؤرخ والكاتب والاكاديمي " ماريوس فاسيليانو" فقد تحدث عن لقائه الأول مع كتابات "مازن رفاعي" وإعجابه بأفكاره وأسلوبه، وبين انه نشر له في صحيفة "الحقيقة" التي تراسها في العام 2007 احدى تلك القصص ، وبين انه وكونه من المؤرخين فانه يميل إلى راي المؤرخ الروماني الكبير " ميرشا الياده" الذي قال بدلا من ان ندرس كافة العلوم للوصول إلى الحقائق التاريخية ، من الأفضل ان ندرس الأدب المعاصر قبل 25 سنة لنتمكن من الفهم الحقيقي للأحداث .

وبين أعجابه بالقصة المعنونة " وداعا أيها الجسد" حيث تتناول الماضي والمستقبل عبر تناولها الحياة وحياة ما بعد الموت بأسلوب ادبي مميز وتوقف عند العبارة التي يقول فيها الكاتب :

"ولم يكن "عدنان" يعلم أن الديدان توقفت عن التهام الأجساد البشرية منذ مدة، وقد أخذت قرارها بعد أن كثرت حالات السرطان والأمراض الغريبة فيها بسبب اللحم الملوث .و لاحقا ستتخذ الأسماك والطيور قرارات شبيهة حين تصاب بعسر هضم نتيجة عدم القدرة على التهام الشرور والأنانية المركزة في اللحوم الجديدة القادمة إليها!"
وبين " ماريوس فاسيليانو" أهمية الربط ما بين محتويات القصص و الصوفية ورقص الدراويش في العرض الفديوي الذي قدمه "مازن" أثناء المحاضرة ، و أوضح ان القصص حزينة ومتشائمة ،تعكس نفسية المؤلف الحزينة ،وغربته عن وطنه ،وتبين حقيقة انه لازال يبحث عن مكان يشعر فيه بالطمأنينة .

يقول الكاتب: "كم هو قاسي الموت هنا في هذه الغربة!، المرء هنا يموت مرتين، مرة لفراق الوطن ، ومرة لفراق الجسد. ورغم أننا نموت كل يوم، فان الموت الأخير هو لحظة صدق نواجه فيها الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة ".

وانهى " قاسيليانو" مداخلته بقوله : بالمختصر في رومانيا لدينا كاتب جديد، وكتاب لكاتب عربي دخل إلى الأدب الروماني.